السؤال
أبي وأعمامي لديهم أراضٍ حصلوا عليها من الإرث، لكن جزءًا منها كان مرهونًا عند جدي -رحمه الله-. فلما أحس جدي بدنو أجله، أوصى أكبر أعمامي بردّ الأراضي المرهونة إلى أصحابها، لكن عمي -وقد تُوفِّي، غفر الله له- لم يعمل بالوصية. وبعد وفاته، أراد أبي أن يُرجع الأرض إلى أصحابها، لكنه لا يعرفهم، وقد تم تقسيم الإرث، بما في ذلك هذه الأراضي المرهونة، ولأبي فيها نصيب، وهو الآن يستعملها للزراعة. فما حكم الشرع في هذا؟ وما الذي يجب علينا فعله؟ وماذا نفعل بالقمح المزروع فيها الآن إذا حصدناه؟
جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمثل هذه المسألة، يجب أن ترد إلى المحاكم الشرعية، أو من ينوب منابها؛ للتحري في معرفة حقيقة الواقع وملابساته، ومعرفة أصحاب الحق وحفظ حقهم لهم.
وما ذكر في السؤال لا يكفي لمعرفة أصل القضية، فضلاً عن تفصيل تبعاتها! فلا يمكننا جواب السائلة عن سؤالها، وإنما يمكننا فقط الإشارة إلى المسألة الفقهية التي يتعلق بها أصل السؤال، وهي أن: الرهن أمانة في يد المرتهن، لا يجوز له تملكه ومنعه من راهنه؛ لما في ذلك من التعدي على حقه، وأكل ماله بالباطل.
وقد جاء في الحديث: لا يَغْلَق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه. رواه الشافعي، وابن حبان، والبزار، والدارقطني، والحاكم، وقال الدارقطني: إسناده حسن متصل، وقال ابن حجر في بلوغ المرام: ورجاله ثقات، إلا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله. اهـ.
قال ابن الأثير في النهاية: يقال: غلق الرهن يغلق غلوقًا. إذا بقي في يد المرتهن، لا يقدر راهنه على تخليصه. والمعنى أنه لا يستحقه المرتهن إذا لم يستفكه صاحبه. وكان هذا من فعل الجاهلية، أن الراهن إذا لم يؤد ما عليه في الوقت المعين، ملك المرتهن الرهن، فأبطله الإسلام. اهـ.
وقال الصنعاني في سبل السلام: معنى "لا يغلق" لا يستحقه المرتهن إذا عجز صاحبه عن فكه، والحديث ورد لإبطال ما كان عليه الجاهلية من غلق الرهن عند المرتهن. اهـ.
وراجعي في ذلك الفتويين: 33744، 48318.
وغلة الأرض المرهونة للراهن وليست للمرتهن، كما يدل عليه بقية الحديث السابق: له غنمه وعليه غرمه، ولا يجوز للمرتهن أخذ شيء منها إلا بإذن الراهن، فإن أذن الراهن له جاز له الأخذ إلا إن كان الرهن في قرض، فلا يجوز مطلقًا لئلا يحصل انتفاع للمقرض من قرضه.
قال ابن قدامة في المغني: ما لا يحتاج إلى مؤنة، كالدار والمتاع ونحوه، فلا يجوز للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال. لا نعلم في هذا خلافًا؛ لأن الرهن ملك الراهن، فكذلك نماؤه ومنافعه، فليس لغيره أخذها بغير إذنه، فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض، وكان دين الرهن من قرض، لم يجز؛ لأنه يحصل قرضًا يجر منفعة، وذلك حرام. اهـ.
وانظري الفتويين: 66507، 105304.
والله أعلم.