السؤال
أعمل في شركة تقدم خدمات برمجية، وقد تعاقدت معنا شركة أوروبية لمساعدتها في تطوير تطبيق يهدف إلى تقديم هدايا للمستخدمين من المتاجر المتعاقد معها مسبقًا، والتي يشترون منها، وذلك لتحفيزهم على إعادة الشراء. يتم ذلك من خلال التعاقد مع المطاعم والمتاجر، وأيضًا عبر استخدام المستخدم النهائي لهذا التطبيق.
لكننا غفلنا عن طبيعة المنتجات التي تبيعها هذه المتاجر. وبعد مرور فترة من بدء التعاقد، اكتشفنا أن العديد من المتاجر التي يتعامل معها التطبيق تبيع لحوم الخنزير، وبعضها متاجر متخصصة في بيع الخمور.
الشركة المتعاقدة معنا لا تبيع هذه المنتجات مباشرة، بل تقتصر على التعاقد مع المتاجر المختلفة، وتوفير مكافآت لعملاء هذه المتاجر. ومع ذلك، فإن محاولة استبعاد المطاعم التي تقدم لحوم الخنزير مثلًا، ستجعل التطبيق بلا جدوى، نظرًا إلى أن هذا النوع من الطعام شائع في المجتمع الإسباني كما هو الحال مع الدجاج في مجتمعاتنا.
نحن غير مسؤولين عن إدخال المنتجات، لكننا مسؤولون عن برمجة التطبيق وصيانة النسخة الموجودة حاليًّا، والتي تحتوي على المنتجات المذكورة. علمًا بأن موقع التطبيق يذكر صراحةً تعاقده مع محلات بيع الخمور.
مدة التعاقد مع الشركة هي سنة واحدة، وقد مضى منها شهر حتى الآن. فهل هذا التعاقد حلال؟ وما الذي ينبغي عليّ فعله؟ مع الإشارة إلى أن شركتي قد طلبت فتوى من مختصين، وقد أجاز بعضهم هذا التعاقد والعمل فيه. لكن إن رفضتُ الاستمرار، فسأتحمل جزاءً ماديًّا. فهل يختلف الحكم هنا، ويجوز لي القبول بهذا العمل؟
جزاكم الله خيرًا، ونفع بكم، وهدانا جميعًا إلى سبيله.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام التطبيق يتعامل بالفعل مع متاجر تبيع لحم الخنزير، ومتاجر متخصصة في بيع الخمور، واستبعاد مثل هذه المتاجر سيجعل التطبيق بلا جدوى! فهذا معناه أن بيع المحرمات من خلال هذا التطبيق ليس قليلاً، بل قد يكون هو الغالب.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا يجوز العمل على برمجته ولا صيانة نسخته الموجودة بالفعل؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم، وقد نهانا الله تعالى عن التعاون على الإثم، فقال سبحانه: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2].
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: المعونة على معاصي الله، وما يكرهه الله، للمعين عليها من الوزر، والإثم مثل ما لعاملها، ولذلك نهى الرسول عن بيع السيوف في الفتنة، ولعن عاصر الخمر، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وكذلك سائر أعمال الفجور. اهـ.
وقال المازري في المعلم بفوائد مسلم: المعونة على ما لا يحل لا تحل، وقال الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وقد جعل الدال على الخير كفاعله، وهكذا الدال على الشر كفاعله. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثمًا؛ لأنه أعان على الإثم، والعدوان، ولهذا لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها، وأكثر هؤلاء، كالعاصر، والحامل، والساقي، إنما هم يعاونون على شربها. اهـ.
وانظر للفائدة الفتويين: 475762، 398179.
وأما مسألة تحمل الجزاء المادي في حال رفض العمل، فهذه ينظر إليها من باب الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلتها، فإن كان الضرر الذي سيقع بسبب هذا الجزاء المادي مجحفًا، ويبلغ حد الضرورة أو الحاجة المعتبرة، فهذا يبيح ارتكاب المحظور؛ لقول الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام: 119].
وحال الضرورة هي ما يغلب على الظن وقوع المرء بسببها في الهلكة، أو أن تلحقه بسببها مشقة لا تحتمل، أو لا يتمكن المرء معها من تحقيق الحد الأدنى من حياة الفقراء. وتحقق ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، ومن خلال هذا التعريف، يمكن للسائل أن يحكم على نفسه، هل هو مضطر أم لا؟ وراجع للفائدة الفتويين: 310642، 47389.
والله أعلم.