[ ص: 88 ] المسألة السادسة
في
nindex.php?page=treesubj&link=21486_25827_29162طرق الجرح والتعديل
أما طرق التعديل فمتفاوتة في القوة والضعف ، وذلك لأنه لا يخلو إما أن يصرح المزكي بالتعديل قولا ، أو لا يصرح به .
فإن صرح به بأن يقول : " هو عدل " رضا ، فإما أن يذكر مع ذلك السبب بأن يقول ( لأني عرفت منه كذا وكذا ) أو لا يذكر السبب .
فإن كان الأول ، فهو تعديل متفق عليه ، وإن كان الثاني فمختلف فيه ، والأظهر منه التعديل ، كما سبق في المسألة المتقدمة ، فهذا الطريق مرجوح بالنسبة إلى الأول للاختلاف فيه ولنقصان البيان فيه بخلاف الأول
[1] .
وأما إن لم يصرح بالتعديل قولا ، لكن حكم بشهادته ، أو عمل بروايته ، أو روى عنه خبرا .
فإن حكم بشهادته فهو أيضا تعديل متفق عليه ، وإلا كان الحاكم فاسقا بشهادة من ليس بعدل عنده ، وهذه الطريق أعلى من التزكية بالقول من غير ذكر سبب لتفاوتهما في الاتفاق والاختلاف ، اللهم إلا أن يكون الحاكم ممن يرى الحكم بشهادة الفاسق .
وأما بالنسبة إلى التزكية مع ذكر السبب ، فالأشبه التعادل بينهما لاستوائهما في الاتفاق عليهما .
والأول وإن اختص بذكر السبب ، فهذا مختص بإلزام الغير بقبول الشاهد ، بخلاف الأول .
وأما إن عمل بروايته على وجه علم أنه لا مستند له في العمل سواها ، ولا يكون ذلك من باب الاحتياط فهو أيضا تعديل متفق عليه ، وإلا كان عمله برواية من ليس بعدل فسقا .
وهذا الطريق ، وإن احتمل أن يكون العمل فيه مستندا إلى ظهور الإسلام والسلامة من الفسق ظاهرا ، كما في التعديل بالقول من غير ذكر
[ ص: 89 ] السبب ، فهو راجح على التعديل بالقول من غير ذكر السبب ، للاتفاق عليه والاختلاف في ذلك ، ومرجوح بالنسبة إلى التزكية بالقول مع ذكر السبب ، وبالنسبة إلى الحكم بالشهادة لأن باب الشهادة أعلى من باب الرواية .
ولذلك اشترط فيه ما لم يشترط في باب الرواية كما سيأتي تعريفه ، فكان الاحتياط والاحتراز فيها أتم وأوفى .
وأما إن روى عنه ، فهذا مما اختلف فيه هل هو تعديل أو لا .
ومنهم من فصل وقال : إن عرف من قول المزكي أو عادته أنه لا يروي إلا عن العدل ، فهو تعديل ، وإلا فلا ، وهو المختار .
وذلك لأن العادة جارية بالرواية عمن لو سئل عن عدالته لتوقف فيها ، ولا يلزم من روايته عنه مع عدم معرفته بعدالته ، أن يكون ملبسا مدلسا في الدين كما قيل ؛ لأنه إنما يكون كذلك أن لو أوجبت روايته عنه على الغير العمل بها ، وليس كذلك .
بل غايته أنه قال : ( سمعته يقول كذا ) فعلى السامع بالكشف عن حال المروي عنه إن رام العمل بمقتضى روايته ، وإلا كان مقصرا ، وهذا الطريق يشبه أن يكون مرجوحا بالنسبة إلى باقي الطرق .
أما بالنسبة إلى التصريح بالتعديل فظاهر ، ولا سيما إن اقترن بذكر السبب للاتفاق والاختلاف في هذا الطريق .
ولهذا يكون مرجوحا بالنسبة إلى الحكم بالشهادة للاتفاق عليه ولاختصاص الشهادة بما ذكرناه قبل .
وأما بالنسبة إلى العمل بالرواية ، فلاشتراكهما في أصل الرواية واختصاص أحدهما بالعمل بها .
وأما طرق الجرح ، أن يصرح بكونه مجروحا ، ويذكر مع ذلك سبب الجرح ، وإن لم يذكر معه سبب الجرح ، فهو جرح كما سبق في المسألة المتقدمة ، لكنه دون الأول ، للاختلاف فيه ، وللاتفاق على الأول ، وليس من الجرح ترك العمل بروايته والحكم بشهادته ، لجواز أن يكون ذلك بسبب غير الجرح .
وذلك إما لمعارض ، وإما لأنه غير ضابط أو لغلبة النسيان والغفلة عليه ونحوه ، ولا الشهادة بالزنا ، وكل ما يوجب الحد على المشهود عليه إذا لم يكمل نصاب الشهادة ; لأنه
[ ص: 90 ] لم يأت بصريح القذف ، وإنما جاء ذلك مجيء الشهادة ، ولا بما يسوغ فيه الاجتهاد ، وقد قال به بعض الأئمة المجتهدين ، كاللعب بالشطرنج وشرب النبيذ ونحوه ، ولا بالتدليس ، وذلك كقول من لم يعاصر
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري مثلا ، ولكنه روى عمن لقيه قولا يوهم أنه لقيه
[2] وكقوله : حدثنا فلان وراء النهر ، موهما أنه يريد جيحان ، وإنما يشير به إلى
نهر عيسى مثلا ، لأنه ليس بكذب ، وإنما هو من المعاريض المغنية عن الكذب .
[ ص: 88 ] الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21486_25827_29162طُرُقِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ
أَمَّا طُرُقُ التَّعْدِيلِ فَمُتَفَاوِتَةٌ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُصَرِّحَ الْمُزَكِّي بِالتَّعْدِيلِ قَوْلًا ، أَوْ لَا يُصَرِّحُ بِهِ .
فَإِنْ صَرَّحَ بِهِ بِأَنْ يَقُولَ : " هُوَ عَدْلٌ " رِضًا ، فَإِمَّا أَنْ يَذْكُرَ مَعَ ذَلِكَ السَّبَبَ بِأَنْ يَقُولَ ( لِأَنِّي عَرَفْتُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا ) أَوْ لَا يَذْكُرُ السَّبَبَ .
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ ، فَهُوَ تَعْدِيلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَالْأَظْهَرُ مِنْهُ التَّعْدِيلُ ، كَمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَهَذَا الطَّرِيقُ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوَّلِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَلِنُقْصَانِ الْبَيَانِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ
[1] .
وَأَمَّا إِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّعْدِيلِ قَوْلًا ، لَكِنْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِ ، أَوْ عَمِلَ بِرِوَايَتِهِ ، أَوْ رَوَى عَنْهُ خَبَرًا .
فَإِنْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِ فَهُوَ أَيْضًا تَعْدِيلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا كَانَ الْحَاكِمُ فَاسِقًا بِشَهَادَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ ، وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَعْلَى مِنَ التَّزْكِيَةِ بِالْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ لِتَفَاوُتِهِمَا فِي الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّزْكِيَةِ مَعَ ذِكْرِ السَّبَبِ ، فَالْأَشْبَهُ التَّعَادُلُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِمَا .
وَالْأَوَّلُ وَإِنِ اخْتَصَّ بِذِكْرِ السَّبَبِ ، فَهَذَا مُخْتَصٌّ بِإِلْزَامِ الْغَيْرِ بِقَبُولِ الشَّاهِدِ ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ .
وَأَمَّا إِنْ عَمِلَ بِرِوَايَتِهِ عَلَى وَجْهٍ عُلِمَ أَنَّهُ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي الْعَمَلِ سِوَاهَا ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ فَهُوَ أَيْضًا تَعْدِيلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا كَانَ عَمَلُهُ بِرِوَايَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ فِسْقًا .
وَهَذَا الطَّرِيقُ ، وَإِنِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ مُسْتَنِدًا إِلَى ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الْفِسْقِ ظَاهِرًا ، كَمَا فِي التَّعْدِيلِ بِالْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ
[ ص: 89 ] السَّبَبِ ، فَهُوَ رَاجِحٌ عَلَى التَّعْدِيلِ بِالْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ السَّبَبِ ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَالِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ ، وَمَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّزْكِيَةِ بِالْقَوْلِ مَعَ ذِكْرِ السَّبَبِ ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّ بَابَ الشَّهَادَةِ أَعْلَى مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ .
وَلِذَلِكَ اشْتُرِطَ فِيهِ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي تَعْرِيفُهُ ، فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ وَالِاحْتِرَازُ فِيهَا أَتَمَّ وَأَوْفَى .
وَأَمَّا إِنْ رَوَى عَنْهُ ، فَهَذَا مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ تَعْدِيلٌ أَوْ لَا .
وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ وَقَالَ : إِنْ عُرِفَ مِنْ قَوْلِ الْمُزَكِّي أَوْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إِلَّا عَنِ الْعَدْلِ ، فَهُوَ تَعْدِيلٌ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالرِّوَايَةِ عَمَّنْ لَوْ سُئِلَ عَنْ عَدَالَتِهِ لَتُوُقِّفَ فِيهَا ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِعَدَالَتِهِ ، أَنْ يَكُونَ مُلَبِّسًا مُدَلِّسًا فِي الدِّينِ كَمَا قِيلَ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ أَوْجَبَتْ رِوَايَتُهُ عَنْهُ عَلَى الْغَيْرِ الْعَمَلَ بِهَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ قَالَ : ( سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا ) فَعَلَى السَّامِعِ بِالْكَشْفِ عَنْ حَالِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ إِنْ رَامَ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَى رِوَايَتِهِ ، وَإِلَّا كَانَ مُقَصِّرًا ، وَهَذَا الطَّرِيقُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَرْجُوحًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الطُّرُقِ .
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّصْرِيحِ بِالتَّعْدِيلِ فَظَاهِرٌ ، وَلَا سِيَّمَا إِنِ اقْتَرَنَ بِذِكْرِ السَّبَبِ لِلِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ .
وَلِهَذَا يَكُونُ مَرْجُوحًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَلِاخْتِصَاصِ الشَّهَادَةِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَمَلِ بِالرِّوَايَةِ ، فَلِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَصْلِ الرِّوَايَةِ وَاخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِالْعَمَلِ بِهَا .
وَأَمَّا طُرُقُ الْجَرْحِ ، أَنْ يُصَرِّحَ بِكَوْنِهِ مَجْرُوحًا ، وَيَذْكُرَ مَعَ ذَلِكَ سَبَبَ الْجَرْحِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ سَبَبَ الْجَرْحِ ، فَهُوَ جَرْحٌ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، لَكِنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ ، لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ ، وَلِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَلَيْسَ مِنَ الْجَرْحِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ وَالْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْجَرْحِ .
وَذَلِكَ إِمَّا لِمُعَارِضٍ ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ غَيْرُ ضَابِطٍ أَوْ لِغَلَبَةِ النِّسْيَانِ وَالْغَفْلَةِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ ، وَلَا الشَّهَادَةُ بِالزِّنَا ، وَكُلُّ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يُكْمِلْ نِصَابَ الشَّهَادَةِ ; لِأَنَّهُ
[ ص: 90 ] لَمْ يَأْتِ بِصَرِيحِ الْقَذْفِ ، وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ مَجِيءَ الشَّهَادَةِ ، وَلَا بِمَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ ، وَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ ، كَاللَّعِبِ بِالشَّطْرَنْجِ وَشُرْبِ النَّبِيذِ وَنَحْوِهِ ، وَلَا بِالتَّدْلِيسِ ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ مَنْ لَمْ يُعَاصِرِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيَّ مَثَلًا ، وَلَكِنَّهُ رَوَى عَمَّنْ لَقِيَهُ قَوْلًا يُوهِمُ أَنَّهُ لَقِيَهُ
[2] وَكَقَوْلِهِ : حَدَّثَنَا فُلَانٌ وَرَاءَ النَّهْرِ ، مُوهِمًا أَنَّهُ يُرِيدُ جَيْحَانَ ، وَإِنَّمَا يُشِيرُ بِهِ إِلَى
نَهْرِ عِيسَى مَثَلًا ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَذِبٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْمَعَارِيضِ الْمُغْنِيَةِ عَنِ الْكَذِبِ .