مسألة : في
nindex.php?page=treesubj&link=28859كيفية الوحي من الله ، هل يتلقاه الملك من الله تعالى بكلام يفهمه الملك أو بالعربية للنبي العربي وبالعبرانية للنبي العبراني ، وهل يلقيه الملك إلى
جبريل أو
جبريل المتلقي من الله تعالى ؟ وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إنا أنزلناه في ليلة القدر ) وفسر بنزوله إلى بيت العزة ، ما كيفية نزوله إليه ؟ وقوله تعالى للقلم : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، هل يكون بإلهام من الله تعالى يلهمه للقلم أو بإملاء من الله تعالى ؟ وكيف أخذ الملك الوحي من اللوح المحفوظ ؟ هل يقول الله له : اليوم الفلاني يقع فيه كذا خذه من اللوح ؟ أو يوم يقع فيه يقول له : خذها وألقها إلى النبي ؟ وهل تنام الملائكة ؟ وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ما أوحى ) هل اطلع على ذلك الوحي ملك أو ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأحد .
الجواب : قال
الأصبهاني في أوائل تفسيره : اتفق
أهل السنة والجماعة على أن كلام الله منزل ، واختلفوا في معنى الإنزال ، فمنهم من قال : إظهار القراءة ، ومنهم من قال : إن الله تعالى ألهم كلامه
جبريل وعلمه قراءته ، ثم
جبريل أداه في الأرض . وقال
الطيبي في حاشية الكشاف : لعل نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتلقفه الملك من الله تلقفا
[ ص: 398 ] روحانيا ، أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول ويلقيه عليه ، وقال القطب
الرازي في حواشي الكشاف : المراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقفها الملك من الله تلقفا روحانيا ، أو يحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها عليهم . انتهى . وقد سألت شيخنا العلامة
محيي الدين الكافيجي عن كيفية التلقف الروحاني فقال لي : لا يكيف . وقال
الزركشي : اختلف العلماء في المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقوال : أحدها أنه اللفظ والمعنى ، وأن
جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به ، وذكر بعضهم أن أحرف القرآن في اللوح المحفوظ كل حرف منها بقدر جبل قاف .
والثاني أن
جبريل إنما نزل بالمعاني خاصة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب . وتمسك قائل هذا بظاهر قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194على قلبك ) .
والثالث أن
جبريل ألقى عليه المعنى ، وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب ، وأن أهل السماء يقرءونها بالعربية ، ثم إنه نزل به كذلك بعد ذلك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إنا أنزلناه في ليلة القدر ) يريد - والله أعلم - إنا أسمعناه الملك وأفهمناه إياه ، وأنزلناه بما سمع ، فيكون الملك هو المنتقل به من علو إلى أسفل ، قال
أبو شامة : ولا بد من هذا المعنى على مذهب
أهل السنة .
فهذه نبذة من كلام أئمة السنة في كيفية تلقي
جبريل الوحي ، وحاصل ما في ذلك أقوال : أحدها أنه ألهمه ، والثاني أنه سمعه من الله ، والثالث أنه حفظه من اللوح المحفوظ . وقول التلقف الروحاني ، الظاهر أنه الإلهام ، فلا يكون قولا رابعا ، وقد سئل الإمام
أبو إسحاق إسماعيل البخاري الصفار عن تبليغ الوحي من
جبريل إلى أنبياء الله ، هل سمع من الله تعالى جملة أم جاء به من اللوح المحفوظ ؟ قال : كلا الوجهين جائز ، وذكر في تفسير سورة القدر أن الله تعالى سمع
جبريل كله جملة واحدة ، ثم أملاه
جبريل على السفرة - وهم ملائكة في سماء الدنيا - لكي لا يكون لهم احتياج حين أسمعهم الله تعالى القرآن . وذكر الفقيه الزاهد
أبو الليث في تفسير سورة الدخان وفي سورة الأحزاب في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8ليسأل الصادقين عن صدقهم ) وقال في سورة الدخان : جاء بها جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ، ثم أنزل على
محمد نجوما [نجوما] . وذكر
الدينوري أنه سمع من الله جملة ثم نزل به على
محمد صلى الله عليه وسلم متفرقا ، وقال بعضهم :
[ ص: 399 ] جاء
جبريل عليه السلام به سماعا من
إسرافيل ،
وإسرافيل من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى سماء الدنيا ، ثم نزل به
جبريل عليه السلام على
محمد صلى الله عليه وسلم متفرقا ، ويقال : جاء به
جبريل في ليلة القدر بما يحتاج له من سنة إلى سماء الدنيا ، ثم نزل به على
محمد متفرقا .
وقد نظرت في الأحاديث والآثار فوجدتها أيضا مختلفة ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث
النواس بن سمعان مرفوعا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005165إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة ، فإذا سمع ذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجدا ، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل ، فيكلمه الله من وحيه بما أراد ، فينتهي به إلى الملائكة ، كلما مر بسماء سأله أهلها : ماذا قال ربنا ؟ قال : الحق ، فينتهي به إلى حيث أمر " وأخرج
ابن مردويه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رفعه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005166إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة فيفزعون " الحديث ، هذان الحديثان شاهدان للقول الثاني أن
جبريل يسمع الوحي من الله تعالى . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم في تفسيره وأبو الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13093ابن حيان في كتاب العظمة عن
ابن سابط قال : " في أم الكتاب كل شيء هو كائن إلى يوم القيامة ، وكل به ثلاثة من الملائكة ، فوكل
جبريل بالكتب والوحي إلى الأنبياء والنصر عند الحروب ، وبالهلكات إذا أراد الله أن يهلك قوما ، ووكل ميكائيل بالقطر والنبات ، ووكل ملك الموت بقبض الأنفس ، فإذا كان يوم القيامة عارضوا بين حفظهم وبين ما كان في أم الكتاب فيجدونه سواء " . فهذا شاهد للقول الثالث : أن
جبريل حفظ الوحي من أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في شعب الإيمان عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005167بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل يناجيه إذ انشق أفق السماء ونزل ملك فقال : يا محمد ، إن ربك يقرئك السلام ويخيرك بين أن تكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا ، قال : فقلت : نبي عبد ، فعرج ذلك الملك فقلت : يا جبريل ، من هذا ؟ قال : هذا إسرافيل ، خلقه الله بين يديه صافا قدميه لا يرفع طرفه ، بين يديه اللوح المحفوظ ، فإذا أذن الله في شيء من السماء أو في الأرض ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فينظر فيه ، فإن كان من عملي أمرني به وإن كان من عمل ميكائيل أمره به ، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به " الحديث . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12502ابن أبي زيد في كتاب السنة عن
كعب قال : إذا أراد الله أن يوحي أمرا جاء اللوح المحفوظ حتى يصفق جبهة
إسرافيل فيرفع رأسه فينظر ، فإذا الأمر مكتوب ، فينادي
جبريل فيلبيه ، فيقول : أمرت بكذا أمرت بكذا ، فيهبط
جبريل على النبي فيوحي إليه . وأخرج أبو الشيخ في كتاب العظمة عن
أبي بكر الهذلي قال : إذا أمر الله بالأمر
[ ص: 400 ] تدلت الألواح على
إسرافيل بما فيها من أمر الله ، فينظر فيها
إسرافيل ، ثم ينادي
جبريل فيجيبه . وذكر نحوه . وأخرج أيضا عن
أبي سنان قال : اللوح المحفوظ معلق بالعرش ، فإذا أراد الله أن يوحي بشيء كتب في اللوح ، فيجيء اللوح حتى يقرع جبهة
إسرافيل ، فينظر فيه ، فإن كان إلى أهل السماء دفعه إلى
ميكائيل ، وإن كان إلى أهل الأرض دفعه إلى
جبريل . الحديث ، وله شواهد كثيرة استوفيتها في كتابي الذي ألفته في أخبار الملائكة ، منها ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في شعب الإيمان عن
عبد الرحمن بن سابط قال : يدبر أمر الدنيا أربعة :
جبريل وميكائيل وملك الموت
وإسرافيل ، فأما
جبريل فموكل بالرياح والجنود ، وأما
ميكائيل فموكل بالقطر والنبات ، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح ، وأما
إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم . وما أخرجه أبو الشيخ عن
عكرمة بن خالد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005168أن رجلا قال : يا رسول الله ، nindex.php?page=treesubj&link=29654_29656أي الملائكة أكرم على الله ؟ فقال : " جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، فأما جبريل صاحب الحرب وصاحب المرسلين ، وأما ميكائيل فصاحب القطر والنبات ، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح ، وأما إسرافيل فأمين الله بينه وبينهم " .
فهذه الأحاديث والآثار تدل على أمر خلاف القولين السابقين ، وهو أن
جبريل يأخذ الوحي من
إسرافيل ،
وإسرافيل يأخذه مما كتب تلك الساعة في اللوح ، ويمكن الجمع لمن تأمل فلا يكون بينهما اختلاف .
وقول السائل : أو بالعربية للنبي العربي وبالعبرانية للنبي العبراني .
جوابه : ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم بسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، قال : لم ينزل وحي إلا بالعربية ، ثم ترجم كل نبي لقومه . وقوله : هل يلقيه الملك إلى
جبريل أو
جبريل المتلقي من الله ؟ تقدم في ذلك أحاديث مختلفة بعضها شاهد للأول وبعضها شاهد للثاني .
وقوله : ما كيفية نزوله إلى بيت العزة ؟ ذكر
علي بن سهل النيسابوري في تفسيره أن كيفية ذلك أن
جبريل حفظه من اللوح المحفوظ ، ثم أتى به إلى بيت العزة فأملاه على السفرة الكتبة ، يعني الملائكة ، وهو معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=15بأيدي سفرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=16كرام بررة ) وتابعه
nindex.php?page=showalam&ids=14467الإمام علم الدين السخاوي فقال في كتابه جمال القراء : نزل به
جبريل إلى السماء الدنيا ، وأمره سبحانه بإملائه على السفرة الكرام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له . وأما سؤال القلم فمعنى الحديث أن الله أجراه بالكتابة لما هو كائن ، بقدرة من الله لا بالإملاء ولا بالإلهام ; لأنهما إنما يكونان للحيوان ، والقلم من نوع الجماد ، وخطابه ورده الجواب من
[ ص: 401 ] باب خطاب السماء والأرض في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) . ويؤيد هذا المعنى ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : إن الله لما خلق العرش استوى عليه ، ثم خلق القلم وأمره أن يجري بإذنه ، فجرى بما هو كائن ، فأثبته الله في الكتاب المكنون . فقوله : بإذنه ; أي بقدرته ، أي أوجد الكتابة في اللوح بمر القلم عليه بخلق الله ذلك . ويؤيده ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في تفسيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=15622جبير بن نفير قال : إن الله خلق القلم فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه ، فإدخال باء الآلة عليه وإسناد كتب إلى الله ، صريح في أن القلم آلة والعلم والقدرة لله تعالى .
وقول السائل : وكيف أخذ الملك الوحي من اللوح . . . إلى آخره ؟
جوابه ما تقدم في أثر
كعب وشبهه .
وقوله :
nindex.php?page=treesubj&link=28734وهل تنام الملائكة ؟ لم أقف على شيء في ذلك ، ولكن ظاهر قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=20يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) أنهم لا ينامون .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ) إلى آخره ، من جملة ما أوحاه إليه تلك الليلة فرض الصلوات الخمس في أشياء أخر بينها النبي صلى الله عليه وسلم للناس ، ومنه ما لم يؤمر ببيانه .
مَسْأَلَةٌ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28859كَيْفِيَّةِ الْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ ، هَلْ يَتَلَقَّاهُ الْمَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِكَلَامٍ يَفْهَمُهُ الْمَلَكُ أَوْ بِالْعَرَبِيَّةِ لِلنَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ لِلنَّبِيِّ الْعِبْرَانِيِّ ، وَهَلْ يُلْقِيهِ الْمَلَكُ إِلَى
جِبْرِيلَ أَوْ
جِبْرِيلُ الْمُتَلَقِّي مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ؟ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) وَفُسِّرَ بِنُزُولِهِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ ، مَا كَيْفِيَّةُ نُزُولِهِ إِلَيْهِ ؟ وَقَوْلُهُ تَعَالَى لِلْقَلَمِ : اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، هَلْ يَكُونُ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يُلْهِمُهُ لِلْقَلَمِ أَوْ بِإِمْلَاءٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ؟ وَكَيْفَ أَخَذَ الْمَلَكُ الْوَحْيَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ؟ هَلْ يَقُولُ اللَّهُ لَهُ : الْيَوْمُ الْفُلَانِيُّ يَقَعُ فِيهِ كَذَا خُذْهُ مِنَ اللَّوْحِ ؟ أَوْ يَوْمَ يَقَعُ فِيهِ يَقُولُ لَهُ : خُذْهَا وَأَلْقِهَا إِلَى النَّبِيِّ ؟ وَهَلْ تَنَامُ الْمَلَائِكَةُ ؟ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) هَلِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ الْوَحْيِ مَلَكٌ أَوْ ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدٍ .
الْجَوَابُ : قَالَ
الأصبهاني فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِهِ : اتَّفَقَ
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُنَزَّلٌ ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْإِنْزَالِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِظْهَارُ الْقِرَاءَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْهَمَ كَلَامَهُ
جِبْرِيلَ وَعَلَّمَهُ قِرَاءَتَهُ ، ثُمَّ
جِبْرِيلُ أَدَّاهُ فِي الْأَرْضِ . وَقَالَ
الطيبي فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ : لَعَلَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَلَقَّفَهُ الْمَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَلَقُّفًا
[ ص: 398 ] رُوحَانِيًّا ، أَوْ يَحْفَظَهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَيَنْزِلَ بِهِ إِلَى الرَّسُولِ وَيُلْقِيَهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الْقُطْبُ
الرازي فِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ : الْمُرَادُ بِإِنْزَالِ الْكُتُبِ عَلَى الرُّسُلِ أَنْ يَتَلَقَّفَهَا الْمَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَلَقُّفًا رُوحَانِيًّا ، أَوْ يَحْفَظَهَا مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَيَنْزِلَ بِهَا فَيُلْقِيَهَا عَلَيْهِمْ . انْتَهَى . وَقَدْ سَأَلْتُ شَيْخَنَا الْعَلَّامَةَ
محيي الدين الكافيجي عَنْ كَيْفِيَّةِ التَّلَقُّفِ الرُّوحَانِيِّ فَقَالَ لِي : لَا يُكَيَّفُ . وَقَالَ
الزركشي : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى ، وَأَنَّ
جِبْرِيلَ حَفِظَ الْقُرْآنَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَنَزَلَ بِهِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَحْرُفَ الْقُرْآنِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا بِقَدْرِ جَبَلِ قَافٍ .
وَالثَّانِي أَنَّ
جِبْرِيلَ إِنَّمَا نَزَلَ بِالْمَعَانِي خَاصَّةً ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ تِلْكَ الْمَعَانِيَ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِلُغَةِ الْعَرَبِ . وَتَمَسَّكَ قَائِلُ هَذَا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194عَلَى قَلْبِكَ ) .
وَالثَّالِثُ أَنَّ
جِبْرِيلَ أَلْقَى عَلَيْهِ الْمَعْنَى ، وَأَنَّهُ عَبَّرَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ ، وَأَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ يَقْرَءُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ بِهِ كَذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِنَّا أَسْمَعْنَاهُ الْمَلَكَ وَأَفْهَمْنَاهُ إِيَّاهُ ، وَأَنْزَلْنَاهُ بِمَا سَمِعَ ، فَيَكُونُ الْمَلَكُ هُوَ الْمُنْتَقِلَ بِهِ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلُ ، قَالَ
أبو شامة : وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى مَذْهَبِ
أَهْلِ السُّنَّةِ .
فَهَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فِي كَيْفِيَّةِ تَلَقِّي
جِبْرِيلَ الْوَحْيَ ، وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ : أَحَدُهَا أَنَّهُ أُلْهِمَهُ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ حَفِظَهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ . وَقَوْلُ التَّلَقُّفِ الرُّوحَانِيِّ ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْإِلْهَامُ ، فَلَا يَكُونُ قَوْلًا رَابِعًا ، وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ
أبو إسحاق إسماعيل البخاري الصفار عَنْ تَبْلِيغِ الْوَحْيِ مِنْ
جِبْرِيلَ إِلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ ، هَلْ سَمِعَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى جُمْلَةً أَمْ جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ؟ قَالَ : كِلَا الْوَجْهَيْنِ جَائِزٌ ، وَذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَدْرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّعَ
جِبْرِيلَ كُلَّهُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ أَمْلَاهُ
جِبْرِيلُ عَلَى السَّفَرَةِ - وَهُمْ مَلَائِكَةٌ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا - لِكَيْ لَا يَكُونَ لَهُمُ احْتِيَاجٌ حِينَ أَسْمَعَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ . وَذَكَرَ الْفَقِيهُ الزَّاهِدُ
أبو الليث فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الدُّخَانِ وَفِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=8لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ) وَقَالَ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ : جَاءَ بِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ نُجُومًا [نُجُومًا] . وَذَكَرَ
الدينوري أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ اللَّهِ جُمْلَةً ثُمَّ نَزَلَ بِهِ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَفَرِّقًا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ :
[ ص: 399 ] جَاءَ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِ سَمَاعًا مِنْ
إِسْرَافِيلَ ،
وَإِسْرَافِيلُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ نَزَلَ بِهِ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَفَرِّقًا ، وَيُقَالُ : جَاءَ بِهِ
جِبْرِيلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِمَا يَحْتَاجُ لَهُ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ نَزَلَ بِهِ عَلَى
مُحَمَّدٍ مُتَفَرِّقًا .
وَقَدْ نَظَرْتُ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فَوَجَدْتُهَا أَيْضًا مُخْتَلِفَةً ، وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ
النواس بن سمعان مَرْفُوعًا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005165إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاءُ رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاءِ صَعِقُوا وَخَرُّوا سُجَّدًا ، فَيَكُونُ أَوَّلُهُمْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلَ ، فَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ ، فَيَنْتَهِي بِهِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ ، كُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ سَأَلَهُ أَهْلُهَا : مَاذَا قَالَ رَبُّنَا ؟ قَالَ : الْحَقَّ ، فَيَنْتَهِي بِهِ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ " وَأَخْرَجَ
ابن مردويه مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005166إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صَلْصَلَةً فَيَفْزَعُونَ " الْحَدِيثَ ، هَذَانِ الْحَدِيثَانِ شَاهِدَانِ لِلْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ
جِبْرِيلَ يَسْمَعُ الْوَحْيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى . وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَأَبُو الشَّيْخِ
nindex.php?page=showalam&ids=13093ابْنُ حَيَّانَ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ عَنِ
ابن سابط قَالَ : " فِي أُمِّ الْكِتَابِ كُلُّ شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وُكِّلَ بِهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَوُكِّلَ
جِبْرِيلُ بِالْكُتُبِ وَالْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالنَّصْرِ عِنْدَ الْحُرُوبِ ، وَبِالْهَلَكَاتِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُهْلِكَ قَوْمًا ، وَوُكِّلَ مِيكَائِيلُ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ ، وَوُكِّلَ مَلَكُ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَنْفُسِ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَارَضُوا بَيْنَ حِفْظِهِمْ وَبَيْنَ مَا كَانَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ فَيَجِدُونَهُ سَوَاءً " . فَهَذَا شَاهِدٌ لِلْقَوْلِ الثَّالِثِ : أَنَّ
جِبْرِيلَ حَفِظَ الْوَحْيَ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ . وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005167بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ يُنَاجِيهِ إِذِ انْشَقَّ أُفُقُ السَّمَاءِ وَنَزَلَ مَلَكٌ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا ، قَالَ : فَقُلْتُ : نَبِيٌّ عَبْدٌ ، فَعَرَجَ ذَلِكَ الْمَلَكُ فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا إِسْرَافِيلُ ، خَلَقَهُ اللَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَافًّا قَدَمَيْهِ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ ، بَيْنَ يَدَيْهِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ ، فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْضِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ اللَّوْحُ فَضَرَبَ جَبْهَتَهُ فَيَنْظُرُ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِي أَمَرَنِي بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مِيكَائِيلَ أَمَرَهُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَنْ عَمَلِ مَلَكِ الْمَوْتِ أَمَرَهُ بِهِ " الْحَدِيثَ . وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12502ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ
كعب قَالَ : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَ أَمْرًا جَاءَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ حَتَّى يُصَفِّقَ جَبْهَةَ
إِسْرَافِيلَ فَيَرْفَعَ رَأْسَهُ فَيَنْظُرَ ، فَإِذَا الْأَمْرُ مَكْتُوبٌ ، فَيُنَادِي
جِبْرِيلَ فَيُلَبِّيهِ ، فَيَقُولُ : أُمِرْتَ بِكَذَا أُمِرْتَ بِكَذَا ، فَيَهْبِطُ
جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ فَيُوحِي إِلَيْهِ . وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ عَنْ
أبي بكر الهذلي قَالَ : إِذَا أَمَرَ اللَّهُ بِالْأَمْرِ
[ ص: 400 ] تَدَلَّتِ الْأَلْوَاحُ عَلَى
إِسْرَافِيلَ بِمَا فِيهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ، فَيَنْظُرُ فِيهَا
إِسْرَافِيلُ ، ثُمَّ يُنَادِي
جِبْرِيلَ فَيُجِيبُهُ . وَذَكَرَ نَحْوَهُ . وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ
أبي سنان قَالَ : اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ مُعَلَّقٌ بِالْعَرْشِ ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَ بِشَيْءٍ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ ، فَيَجِيءُ اللَّوْحُ حَتَّى يَقْرَعَ جَبْهَةَ
إِسْرَافِيلَ ، فَيَنْظُرَ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ دَفَعَهُ إِلَى
مِيكَائِيلَ ، وَإِنْ كَانَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ دَفَعَهُ إِلَى
جِبْرِيلَ . الْحَدِيثَ ، وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ اسْتَوْفَيْتُهَا فِي كِتَابِي الَّذِي أَلَّفْتُهُ فِي أَخْبَارِ الْمَلَائِكَةِ ، مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ
عبد الرحمن بن سابط قَالَ : يُدَبِّرُ أَمْرَ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ :
جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ
وَإِسْرَافِيلُ ، فَأَمَّا
جِبْرِيلُ فَمُوَكَّلٌ بِالرِّيَاحِ وَالْجُنُودِ ، وَأَمَّا
مِيكَائِيلُ فَمُوَكَّلٌ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ ، وَأَمَّا مَلَكُ الْمَوْتِ فَمُوَكَّلٌ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ ، وَأَمَّا
إِسْرَافِيلُ فَهُوَ يَنْزِلُ بِالْأَمْرِ عَلَيْهِمْ . وَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ
عكرمة بن خالد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005168أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، nindex.php?page=treesubj&link=29654_29656أَيُّ الْمَلَائِكَةِ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ ؟ فَقَالَ : " جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ ، فَأَمَّا جِبْرِيلُ صَاحِبُ الْحَرْبِ وَصَاحِبُ الْمُرْسَلِينَ ، وَأَمَّا مِيكَائِيلُ فَصَاحِبُ الْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ ، وَأَمَّا مَلَكُ الْمَوْتِ فَمُوَكَّلٌ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ ، وَأَمَّا إِسْرَافِيلُ فَأَمِينُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ " .
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَمْرٍ خِلَافِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ ، وَهُوَ أَنَّ
جِبْرِيلَ يَأْخُذُ الْوَحْيَ مِنْ
إِسْرَافِيلَ ،
وَإِسْرَافِيلُ يَأْخُذُهُ مِمَّا كُتِبَ تِلْكَ السَّاعَةَ فِي اللَّوْحِ ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ لِمَنْ تَأَمَّلَ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ .
وَقَوْلُ السَّائِلِ : أَوْ بِالْعَرَبِيَّةِ لِلنَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ لِلنَّبِيِّ الْعِبْرَانِيِّ .
جَوَابُهُ : مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، قَالَ : لَمْ يَنْزِلْ وَحْيٌ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ ، ثُمَّ تَرْجَمَ كُلُّ نَبِيٍّ لِقَوْمِهِ . وَقَوْلُهُ : هَلْ يُلْقِيهِ الْمَلَكُ إِلَى
جِبْرِيلِ أَوْ
جِبْرِيلُ الْمُتَلَقِّي مِنَ اللَّهِ ؟ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ بَعْضُهَا شَاهِدٌ لِلْأَوَّلِ وَبَعْضُهَا شَاهِدٌ لِلثَّانِي .
وَقَوْلُهُ : مَا كَيْفِيَّةُ نُزُولِهِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ ؟ ذَكَرَ
علي بن سهل النيسابوري فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ أَنَّ
جِبْرِيلَ حَفِظَهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ، ثُمَّ أَتَى بِهِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فَأَمْلَاهُ عَلَى السَّفَرَةِ الْكَتَبَةُ ، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=15بِأَيْدِي سَفَرَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=16كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) وَتَابَعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14467الْإِمَامُ عَلَمُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ جَمَالِ الْقُرَّاءِ : نَزَلَ بِهِ
جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، وَأَمَرَهُ سُبْحَانَهُ بِإِمْلَائِهِ عَلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ وَإِنْسَاخِهِمْ إِيَّاهُ وَتِلَاوَتِهِمْ لَهُ . وَأَمَّا سُؤَالُ الْقَلَمِ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ أَجْرَاهُ بِالْكِتَابَةِ لِمَا هُوَ كَائِنٌ ، بِقُدْرَةٍ مِنَ اللَّهِ لَا بِالْإِمْلَاءِ وَلَا بِالْإِلْهَامِ ; لِأَنَّهُمَا إِنَّمَا يَكُونَانِ لِلْحَيَوَانِ ، وَالْقَلَمُ مِنْ نَوْعِ الْجَمَادِ ، وَخِطَابُهُ وَرَدُّهُ الْجَوَابَ مِنْ
[ ص: 401 ] بَابِ خِطَابِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) . وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْعَرْشَ اسْتَوَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ خَلَقَ الْقَلَمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْرِيَ بِإِذْنِهِ ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ ، فَأَثْبَتَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ . فَقَوْلُهُ : بِإِذْنِهِ ; أَيْ بِقُدْرَتِهِ ، أَيْ أَوْجَدَ الْكِتَابَةَ فِي اللَّوْحِ بِمَرِّ الْقَلَمِ عَلَيْهِ بِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ . وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15622جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْقَلَمَ فَكَتَبَ بِهِ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ ، فَإِدْخَالُ بَاءِ الْآلَةِ عَلَيْهِ وَإِسْنَادُ كَتَبَ إِلَى اللَّهِ ، صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقَلَمَ آلَةٌ وَالْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ لِلَّهِ تَعَالَى .
وَقَوْلُ السَّائِلِ : وَكَيْفَ أَخَذَ الْمَلَكُ الْوَحْيَ مِنَ اللَّوْحِ . . . إِلَى آخِرِهِ ؟
جَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَثَرِ
كعب وَشِبْهِهِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28734وَهَلْ تَنَامُ الْمَلَائِكَةُ ؟ لَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=20يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ) أَنَّهُمْ لَا يَنَامُونَ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ ) إِلَى آخِرِهِ ، مِنْ جُمْلَةِ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَرْضُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَشْيَاءَ أُخَرَ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ ، وَمِنْهُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِبَيَانِهِ .