(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) .
قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ( الصابرين ) قيل نصب على المدح بتقدير : أعني الصابرين ، وقيل : الصابرين في موضع جر على البدل من الذين .
المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى ذكر هاهنا صفات خمسة :
الصفة الأولى : كونهم صابرين ، والمراد كونهم
nindex.php?page=treesubj&link=19590صابرين في أداء الواجبات والمندوبات وفي ترك المحظورات ، وكونهم
nindex.php?page=treesubj&link=19585صابرين في كل ما ينزل بهم من المحن والشدائد ، وذلك بأن لا يجزعوا بل يكونوا راضين في قلوبهم عن الله تعالى ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) [ البقرة : 156 ] قال سفيان بن عيينة في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=24وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ) [ السجدة : 24 ] إن هذه الآية تدل على أنهم إنما استحقوا تلك
nindex.php?page=treesubj&link=19579_19573الدرجات العالية من الله تعالى بسبب الصبر ، ويروى أنه وقف رجل على
الشبلي ، فقال : أي صبر أشد على الصابرين ؟ فقال : الصبر في الله تعالى ، فقال لا ، فقال : الصبر لله تعالى ، فقال لا ، فقال : الصبر مع الله تعالى ، قال لا ، قال فأيش ؟ قال : الصبر عن الله تعالى ، فصرخ
الشبلي صرخة كادت روحه تتلف .
[ ص: 176 ] وقد كثر
nindex.php?page=treesubj&link=19573_19578مدح الله تعالى للصابرين ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ) [ البقرة : 177 ] .
الصفة الثانية : كونهم صادقين ، اعلم أن لفظ
nindex.php?page=treesubj&link=19486_19487_19490الصدق قد يجري على القول والفعل والنية ، فالصدق في القول مشهور ، وهو مجانبة الكذب ، والصدق في الفعل الإتيان به وترك الانصراف عنه قبل تمامه ، يقال : صدق فلان في القتال وصدق في الجملة ، ويقال في ضده : كذب في القتال ، وكذب في الجملة ، والصدق في النية إمضاء العزم والإقامة عليه حتى يبلغ الفعل .
الصفة الثالثة : كونهم قانتين ، وقد فسرناه في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وقوموا لله قانتين ) [ البقرة : 238 ] وبالجملة فهو عبارة عن
nindex.php?page=treesubj&link=20683الدوام على العبادة والمواظبة عليها .
الصفة الرابعة : كونهم منفقين ويدخل فيه إنفاق المرء على نفسه وأهله وأقاربه وصلة رحمه وفي الزكاة والجهاد وسائر وجوه البر .
الصفة الخامسة : كونهم مستغفرين بالأسحار ، والسحر الوقت الذي قبل طلوع الفجر ، وتسحر إذا أكل في ذلك الوقت ، واعلم أن المراد منه من يصلي بالليل ثم يتبعه بالاستغفار والدعاء لأن الإنسان لا يشتغل بالدعاء والاستغفار إلا أن يكون قد صلى قبل ذلك فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17والمستغفرين بالأسحار ) يدل على أنهم كانوا قد صلوا بالليل . واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=19741_19753_20025الاستغفار بالسحر له مزيد أثر في قوة الإيمان وفي كمال العبودية من وجوه :
الأول : أن في وقت السحر يطلع نور الصبح بعد أن كانت الظلمة شاملة للكل ، وبسبب طلوع نور الصبح كأن الأموات يصيرون أحياء ، فهناك وقت الجود العام والفيض التام ، فلا يبعد أن يكون عند طلوع صبح العالم الكبير يطلع صبح العالم الصغير ، وهو ظهور نور جلال الله تعالى في القلب .
والثاني : أن وقت السحر أطيب أوقات النوم ، فإذا أعرض العبد عن تلك اللذة ، وأقبل على العبودية ، كانت الطاعة أكمل . والثالث : نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17والمستغفرين بالأسحار ) يريد المصلين صلاة الصبح .
المسألة الثالثة : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17الصابرين والصادقين ) أكمل من قوله : الذين يصبرون ويصدقون ، لأن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17الصابرين ) يدل على أن هذا المعنى عادتهم وخلقهم ، وأنهم لا ينفكون عنها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ) .
وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : ( الصَّابِرِينَ ) قِيلَ نَصْبٌ عَلَى الْمَدْحِ بِتَقْدِيرِ : أَعْنِي الصَّابِرِينَ ، وَقِيلَ : الصَّابِرِينَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الَّذِينَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَاهُنَا صِفَاتٍ خَمْسَةً :
الصِّفَةُ الْأُولَى : كَوْنُهُمْ صَابِرِينَ ، وَالْمُرَادُ كَوْنُهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=19590صَابِرِينَ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَفِي تَرْكِ الْمَحْظُورَاتِ ، وَكَوْنُهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=19585صَابِرِينَ فِي كُلِّ مَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ الْمِحَنِ وَالشَّدَائِدِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجْزَعُوا بَلْ يَكُونُوا رَاضِينَ فِي قُلُوبِهِمْ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) [ الْبَقَرَةِ : 156 ] قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=24وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ) [ السَّجْدَةِ : 24 ] إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا اسْتَحَقُّوا تِلْكَ
nindex.php?page=treesubj&link=19579_19573الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ الصَّبْرِ ، وَيُرْوَى أَنَّهُ وَقَفَ رَجُلٌ عَلَى
الشِّبْلِيِّ ، فَقَالَ : أَيُّ صَبْرٍ أَشَدُّ عَلَى الصَّابِرِينَ ؟ فَقَالَ : الصَّبْرُ فِي اللَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ لَا ، فَقَالَ : الصَّبْرُ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَقَالَ لَا ، فَقَالَ : الصَّبْرُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ لَا ، قَالَ فَأَيْشِ ؟ قَالَ : الصَّبْرُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَصَرَخَ
الشِّبْلِيُّ صَرْخَةً كَادَتْ رُوحُهُ تَتْلَفُ .
[ ص: 176 ] وَقَدْ كَثُرَ
nindex.php?page=treesubj&link=19573_19578مَدْحُ اللَّهِ تَعَالَى لِلصَّابِرِينَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ) [ الْبَقَرَةِ : 177 ] .
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ : كَوْنُهُمْ صَادِقِينَ ، اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ
nindex.php?page=treesubj&link=19486_19487_19490الصِّدْقِ قَدْ يَجْرِي عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالنِّيَّةِ ، فَالصِّدْقُ فِي الْقَوْلِ مَشْهُورٌ ، وَهُوَ مُجَانَبَةُ الْكَذِبِ ، وَالصِّدْقُ فِي الْفِعْلِ الْإِتْيَانُ بِهِ وَتَرْكُ الِانْصِرَافِ عَنْهُ قَبْلَ تَمَامِهِ ، يُقَالُ : صَدَقَ فُلَانٌ فِي الْقِتَالِ وَصَدَقَ فِي الْجُمْلَةِ ، وَيُقَالُ فِي ضِدِّهِ : كَذَبَ فِي الْقِتَالِ ، وَكَذَبَ فِي الْجُمْلَةِ ، وَالصِّدْقُ فِي النِّيَّةِ إِمْضَاءُ الْعَزْمِ وَالْإِقَامَةُ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْفِعْلَ .
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ : كَوْنُهُمْ قَانِتِينَ ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) [ الْبَقَرَةِ : 238 ] وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=20683الدَّوَامِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا .
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ : كَوْنُهُمْ مُنْفِقِينَ وَيَدْخُلُ فِيهِ إِنْفَاقُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ وَصِلَةِ رَحِمِهِ وَفِي الزَّكَاةِ وَالْجِهَادِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الْبِرِّ .
الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ : كَوْنُهُمْ مُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ، وَالسَّحَرُ الْوَقْتُ الَّذِي قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَتَسَحَّرَ إِذَا أَكَلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَنْ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثُمَّ يُتْبِعُهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَشْتَغِلُ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ صَلَّوْا بِاللَّيْلِ . وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19741_19753_20025الِاسْتِغْفَارَ بِالسَّحَرِ لَهُ مَزِيدُ أَثَرٍ فِي قُوَّةِ الْإِيمَانِ وَفِي كَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ فِي وَقْتِ السَّحَرِ يَطْلُعُ نُورُ الصُّبْحِ بَعْدَ أَنْ كَانَتِ الظُّلْمَةُ شَامِلَةً لِلْكُلِّ ، وَبِسَبَبِ طُلُوعِ نُورِ الصُّبْحِ كَأَنَّ الْأَمْوَاتَ يَصِيرُونَ أَحْيَاءً ، فَهُنَاكَ وَقْتُ الْجُودِ الْعَامِّ وَالْفَيْضِ التَّامِّ ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ طُلُوعِ صُبْحِ الْعَالِمِ الْكَبِيرِ يَطْلُعُ صُبْحُ الْعَالَمِ الصَّغِيرِ ، وَهُوَ ظُهُورُ نُورُ جَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقَلْبِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ وَقْتَ السَّحَرِ أَطْيَبُ أَوْقَاتِ النَّوْمِ ، فَإِذَا أَعْرَضَ الْعَبْدُ عَنْ تِلْكَ اللَّذَّةِ ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْعُبُودِيَّةِ ، كَانَتِ الطَّاعَةُ أَكْمَلَ . وَالثَّالِثُ : نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ) يُرِيدُ الْمُصَلِّينَ صَلَاةَ الصُّبْحِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ ) أَكْمَلُ مِنْ قَوْلِهِ : الَّذِينَ يَصْبِرُونَ وَيَصْدُقُونَ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17الصَّابِرِينَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى عَادَتُهُمْ وَخُلُقُهُمْ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَنْفَكُّونَ عَنْهَا .