ثم قال : ( وخذوا حذركم ) . والمعنى : أنه لما رخص لهم في وضع السلاح حال المطر وحال المرض أمرهم مرة أخرى بالتيقظ
nindex.php?page=treesubj&link=1831والتحفظ والمبالغة في الحذر ؛ لئلا يجترئ العدو عليهم احتيالا في الميل عليهم ، واستغناما منهم لوضع المسلمين أسلحتهم ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أن قوله في أول الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=102وليأخذوا أسلحتهم ) أمر ، وظاهر الأمر للوجوب ، فيقتضي أن يكون أخذ السلاح واجبا ، ثم تأكد هذا بدليل آخر ، وهو أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=102ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ) فخص رفع الجناح في
nindex.php?page=treesubj&link=1835وضع السلاح بهاتين الحالتين ، وذلك يوجب أن فيما وراء هاتين الحالتين يكون الإثم والجناح حاصلا بسبب وضع السلاح .
ومنهم من قال : إنه سنة مؤكدة ، والأصح ما بيناه ، ثم الشرط أن لا يحمل سلاحا نجسا إن أمكنه ، ولا يحمل الرمح إلا في طرف الصف ، وبالجملة بحيث لا يتأذى به أحد .
المسألة الثانية : قال
أبو علي الجرجاني -صاحب النظم- : قوله تعالى : ( وخذوا حذركم ) يدل على أنه كان يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=1831للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بصلاة الخوف على جهة يكون بها حاذرا غير غافل عن كيد العدو . والذي نزل به القرآن في هذا الموضع هو وجه الحذر ؛ لأن العدو يومئذ
بذات الرقاع كان مستقبل القبلة ، فالمسلمون كانوا مستدبرين القبلة ، ومتى استقبلوا القبلة صاروا مستدبرين لعدوهم ، فلا جرم أمروا بأن يصيروا طائفتين : طائفة في وجه العدو ، وطائفة مع النبي عليه الصلاة والسلام مستقبل القبلة ، وأما حين كان النبي صلى الله عليه وسلم
بعسفان وببطن نخل فإنه لم يفرق أصحابه طائفتين ؛ وذلك لأن العدو كان مستدبر القبلة ، والمسلمون كانوا مستقبلين لها ، فكانوا يرون العدو حال كونهم في الصلاة فلم يحتاجوا إلى الاحتراس إلا عند السجود ، فلا جرم لما سجد الصف الأول بقي الصف الثاني يحرسونهم ، فلما فرغوا من السجود وقاموا تأخروا وتقدم الصف الثاني وسجدوا ، وكان الصف الأول حال قيامهم يحرسون الصف الثاني ، فثبت بما ذكرنا أن قوله تعالى : ( خذوا حذركم ) يدل على جواز هذه الوجوه ؛ والذي يدل على أن المراد من هذه الآية ما ذكرناه أنا لو لم نحملها على هذا الوجه لصار تكرارا محضا من غير فائدة ، ولوقع فعل الرسول
بعسفان وببطن نخل على خلاف نص القرآن ، وإنه غير جائز ، والله أعلم .
المسألة الثالثة : قالت
المعتزلة : إن الله تعالى أمر بالحذر ، وذلك يدل على كون العبد قادرا على الفعل وعلى الترك ، وعلى جميع وجوه الحذر ، وذلك يدل على أن أفعال العباد ليست مخلوقة لله تعالى ، وجوابه : ما تقدم من المعارضة بالعلم والداعي ، والله أعلم .
المسألة الرابعة : دلت الآية على وجوب الحذر عن العدو ، فيدل على وجوب الحذر عن جميع المضار المظنونة ، وبهذا الطريق كان
nindex.php?page=treesubj&link=17257_32158الإقدام على العلاج بالدواء والعلاج باليد والاحتراز عن الوباء ، وعن الجلوس تحت الجدار المائل واجبا ، والله أعلم .
ثُمَّ قَالَ : ( وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ) . وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ لَمَّا رَخَّصَ لَهُمْ فِي وَضْعِ السِّلَاحِ حَالَ الْمَطَرِ وَحَالَ الْمَرَضِ أَمَرَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى بِالتَّيَقُّظِ
nindex.php?page=treesubj&link=1831وَالتَّحَفُّظِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْحِذْرِ ؛ لِئَلَّا يَجْتَرِئَ الْعَدُوُّ عَلَيْهِمُ احْتِيَالًا فِي الْمَيْلِ عَلَيْهِمْ ، وَاسْتِغْنَامًا مِنْهُمْ لِوَضْعِ الْمُسْلِمِينَ أَسْلِحَتَهُمْ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أَنَّ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=102وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ) أَمْرٌ ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَخْذُ السِّلَاحِ وَاجِبًا ، ثُمَّ تَأَكَّدَ هَذَا بِدَلِيلٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=102وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ) فَخَصَّ رَفْعَ الْجُنَاحِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=1835وَضْعِ السِّلَاحِ بِهَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ فِيمَا وَرَاءَ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ يَكُونُ الْإِثْمُ وَالْجُنَاحُ حَاصِلًا بِسَبَبِ وَضْعِ السِّلَاحِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، وَالْأَصَحُّ مَا بَيَّنَّاهُ ، ثُمَّ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَحْمِلَ سِلَاحًا نَجِسًا إِنْ أَمْكَنَهُ ، وَلَا يَحْمِلَ الرُّمْحَ إِلَّا فِي طَرَفِ الصَّفِّ ، وَبِالْجُمْلَةِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهِ أَحَدٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْجُرْجَانِيُّ -صَاحِبُ النَّظْمِ- : قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=1831لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ عَلَى جِهَةٍ يَكُونُ بِهَا حَاذِرًا غَيْرَ غَافِلٍ عَنْ كَيْدِ الْعَدُوِّ . وَالَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ وَجْهُ الْحِذْرِ ؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ يَوْمَئِذٍ
بِذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، فَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا مُسْتَدْبِرِينَ الْقِبْلَةَ ، وَمَتَى اسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَةَ صَارُوا مُسْتَدْبِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ ، فَلَا جَرَمَ أُمِرُوا بِأَنْ يَصِيرُوا طَائِفَتَيْنِ : طَائِفَةً فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ ، وَطَائِفَةً مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، وَأَمَّا حِينَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِعُسْفَانَ وَبِبَطْنِ نَخْلٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابَهُ طَائِفَتَيْنِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَدُوَّ كَانَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ ، وَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا مُسْتَقْبِلِينَ لَهَا ، فَكَانُوا يَرَوْنَ الْعَدُوَّ حَالَ كَوْنِهِمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى الِاحْتِرَاسِ إِلَّا عِنْدَ السُّجُودِ ، فَلَا جَرَمَ لَمَّا سَجَدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ بَقِيَ الصَّفُّ الثَّانِي يَحْرُسُونَهُمْ ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ السُّجُودِ وَقَامُوا تَأَخَّرُوا وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي وَسَجَدُوا ، وَكَانَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ حَالَ قِيَامِهِمْ يَحْرُسُونَ الصَّفَّ الثَّانِيَ ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : ( خُذُوا حِذْرَكُمْ ) يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ هَذِهِ الْوُجُوهِ ؛ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّا لَوْ لَمْ نَحْمِلْهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَصَارَ تَكْرَارًا مَحْضًا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ ، وَلَوَقَعَ فِعْلُ الرَّسُولِ
بِعُسْفَانَ وَبِبَطْنِ نَخْلٍ عَلَى خِلَافِ نَصِّ الْقُرْآنِ ، وَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْحِذْرِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى التَّرْكِ ، وَعَلَى جَمِيعِ وُجُوهِ الْحِذْرِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَيْسَتْ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ تَعَالَى ، وَجَوَابُهُ : مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمُعَارَضَةِ بِالْعِلْمِ وَالدَّاعِي ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ الْحِذْرِ عَنِ الْعَدُوِّ ، فَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْحِذْرِ عَنْ جَمِيعِ الْمَضَارِّ الْمَظْنُونَةِ ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=17257_32158الْإِقْدَامُ عَلَى الْعِلَاجِ بِالدَّوَاءِ وَالْعِلَاجِ بِالْيَدِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْوَبَاءِ ، وَعَنِ الْجُلُوسِ تَحْتَ الْجِدَارِ الْمَائِلِ وَاجِبًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .