nindex.php?page=treesubj&link=23309 ( وطهارة الحدث ) الأكبر والأصغر ، فإن سبقه تطهر واستأنفوا إن قرب الفصل ؛ لأن الخطبة تشبه الصلاة أو نائبة عنها ويفرق بين عدم البناء هنا وجوازه فيما لو استخلف من سمع ما مضى بأن في بناء الخطيب
[ ص: 459 ] تكميلا على ما فسد بحدثه وهو ممتنع ولا كذلك في بناء غيره لأن سماعه لما مضى من الخطبة قائم مقامه ولم يعرض له ما يبطله فجاز البناء عليه له فاندفع ما يقال كيف يبني غيره على فعله وهو نفسه لا يبني عليه ( والخبث ) الذي لا يعفى عنه في الثوب والبدن والمكان وما يتصل بها بتفصيله السابق في المصلي .
( والستر ) للعورة ، وإن قلنا بالأصح : إنها ليست بدلا عن ركعتين ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي عقب الخطبة فالظاهر أنه كان يخطب وهو متطهر مستور ( وتسن ) الخطبة ( على منبر ) ، ولو في
مكة خلافا لمن قال يخطب على باب
الكعبة وذلك للاتباع وخطبته صلى الله عليه وسلم على بابها بعد الفتح إنما هو لتعذر منبر ثم حينئذ ، ولهذا لما أحدثه
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ثم أجمعوا عليه كما أجمعوا على أذان الجمعة الأول لما أحدثه هو أو
عثمان رضي الله عنهما ، ويسن وضعه على يمين المحراب أي المصلى فيه إذ القاعدة أن كل ما قابلته يسارك يمينه وعكسه ومن ثم عبر جمع بيسار المحراب وكان الصواب أن الطائف
بالكعبة مبتدئ من يمينها لا يسارها ، ومنبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درج غير المسماة بالمستراح ويسن الوقوف على التي تليها للاتباع نعم إن طال وقف على السابعة وبحث أن ما اعتيد الآن من النزول في الخطبة الثانية إلى درجة سفلى ، ثم العود بدعة قبيحة شنيعة
[ ص: 460 ] ( أو ) محل ( مرتفع ) إن فقد المنبر ؛ لأنه أبلغ في الإعلام
فإن فقد استند لنحو خشبة ( ويسلم ) ندبا إذا دخل من باب المسجد لإقباله عليهم ، ثم ( على من عند المنبر ) إذا انتهى إليه للاتباع ولأنه يريد مفارقتهم وظاهر كلامهم أنه لو تعددت الصفوف بين الباب والمنبر لا يسلم إلا على الصف الذي عند الباب والصف الذي عند المنبر والذي يتجه وهو القياس أنه يسن له السلام على كل صف أقبل عليهم ولعل اقتصارهم على ذينك لأنهما آكد ، ثم رأيت
الأذرعي صرح بنحو ذلك ومر أنه لا يسن له تحية المسجد للاتباع ، وإن قال كثيرون بندبها له فإذا صعد سلم ثالثا ؛ لأنه استدبرهم في صعوده فكأنه فارقهم ( وأن يقبل عليهم ) بوجهه كهم ؛ لأنه اللائق بأدب الخطاب ولما فيه من توجههم للقبلة ولأنه أبلغ لقبول الوعظ وتأثيره ومن ثم كره خلافه نعم يظهر في
المسجد الحرام أنه لا كراهة في استقبالهم لنحو ظهره أخذا من العلة الثانية ولأنهم محتاجون لذلك فيه غالبا على أنه من ضروريات الاستدارة المندوبة لهم في الصلاة إذ أمر الكل بالجلوس تلقاء وجهه ، ثم بالاستدارة بعد فراغه في غاية العسر والمشقة ( إذا صعد ) الدرجة التي تلي مجلسه وتسمى المستراح ( ويسلم عليهم ) كما مر للاتباع وفي المرات المذكورة يلزمهم على الكفاية الرد ( ويجلس ، ثم ) هي بمعنى الفاء التي أفادتها عبارة أصله ( يؤذن بين يديه ) والأولى اتحاد المؤذن للاتباع إلا لعذر وبفراغ الأذان أي وما يسن بعده من الذكر يشرع في الخطبة وأما الأذان الذي قبله على المنارة فأحدثه
عثمان رضي الله عنه وقيل
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية رضي الله عنه لما كثر الناس ومن ثم كان الاقتصار على الاتباع أفضل أي إلا لحاجة كأن توقف حضورهم على
[ ص: 461 ] ما بالمناثر .
( تنبيه ) كلامهم هذا وغيره صريح في أن اتخاذ مرق للخطيب يقرأ الآية والخبر المشهورين بدعة وهو كذلك ؛ لأنه حدث بعد الصدر الأول قيل لكنها حسنة لحث الآية على ما يندب لكل أحد من إكثار الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم لا سيما في هذا اليوم ولحث الخبر على تأكد الإنصات المفوت تركه لفضل الجمعة بل موقع في الإثم عند كثيرين من العلماء . ا هـ .
وأقول يستدل لذلك أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم أمر من يستنصت له الناس عند إرادته خطبة
منى في حجة الوداع فقياسه أنه يندب للخطيب أمر غيره بأن يستنصت له الناس وهذا هو شأن المرقي فلم يدخل ذكره للخبر في حيز البدعة أصلا
فإن قلت لم أمر بذلك في
منى دون
المدينة قلت لاجتماع أخلاط الناس وجفاتهم ، ثم فاحتاجوا لمنبه بخلاف أهل
المدينة على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينبههم بقراءته ذلك الخبر على المنبر في خطبته
nindex.php?page=treesubj&link=959 ( وأن تكون ) الخطبة ( بليغة ) أي في غاية من الفصاحة ورصانة السبك وجزالة اللفظ لأنها حينئذ تكون أوقع في القلب بخلاف المبتذلة الركيكة كالمشتملة على الألفاظ المألوفة أي في كلام العوام ونحوهم ويؤخذ من ندب البلاغة فيها حسن ما يفعله بعض الخطباء من تضمينها آيات وأحاديث مناسبة لما هو فيه إذ الحق أن تضمين ذلك والاقتباس منه ولو في شعر جائز ، وإن غير نظمه ومن ثم اقتضى كلام صاحب البيان وغيره أنه لا محظور في أن يراد بالقرآن غيره { ك
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=46ادخلوها بسلام } لمستأذن نعم إن كان ذلك في نحو مجون حرم بل ربما أفضى إلى الكفر ومن ذكر ما يناسب الزمن والأحوال العارضة فيه في خطبهم للاتباع ولأن من لازم رعاية البلاغة رعاية مقتضى ظاهر الحال في سوق ما يطابقه ( مفهومة ) أي قريبة الفهم لأكثر الحاضرين لأن الغريب الوحشي لا ينتفع به قال
المتولي وتكره الكلمات المشتركة أي بين معان على السواء والبعيدة عن الأفهام وما تنكره عقول بعض الحاضرين . ا هـ .
وقد يحرم الأخير إن أوقع في محظور ( قصيرة ) يعني متوسطة فلا ينافي ندب قراءة ق في أولهما في كل جمعة وذلك ؛ لأن الطويلة تمل وتضجر وللأمر في خبر
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بقصرها وتطويل الصلاة ، وقال إن ذلك من فقه الرجل فهي قصيرة بالنسبة للصلاة ، وإن كانت متوسطة في نفسها فلا اعتراض على المتن خلافا لمن زعمه
[ ص: 462 ] ( ولا يلتفت يمينا و ) لا ( شمالا ) ولا خلفا ( في شيء منها ) ؛ لأن ذلك بدعة ويكره دق الدرج في صعوده وإفتاء
الغزالي بندبه تنبيها للناس ضعيف ، ومع ذلك ففيه تأييد لما مر من ندب المرقى والدعاء قبل الجلوس وساعة الإجابة إنما هي من جلوسه إلى فراغ الصلاة على الأصح من نحو خمسين قولا فيها وذكر شعر فيها واعترض بأن
عمر كان كثيرا ما يقول فيها
خفض عليك فإن الأمور بكف الإله مقاديرها فليس بآتيك منهيها
ولا قاصر عنك مأمورها
، ويجاب بأن هذا بتسليم صحته عنه رأي له رضي الله عنه وسكوتهم عليه حينئذ لا حجة فيه لعدم الكراهة ؛ لأنهم قد يتسامحون في ذلك ( وأن يعتمد ) في حال خطبته ( على سيف أو عصا ) ونحوه كالقوس للاتباع وإشارة إلى أن الدين قام بالسلاح ويقبض ذلك بيده اليسرى لأنه العادة في مريد الضرب والرمي ويشغل يمينه بحرف المنبر الذي ليس عليه ذرق طير ولأنه نحو عاج وإلا بطلت خطبته بتفصيله السابق في شروط الصلاة وحاصله أنه إن مست يده ذلك أبطل مطلقا وإلا ، فإن قبضه بها وانجر بجره أبطل وإلا فلا
[ ص: 463 ]
فإن لم يشغلها به وضع اليمنى على اليسرى أو أرسلهما إن أمن العبث نظير ما مر في الصلاة ( و ) أن ( يكون جلوسه بينهما ) أي الخطبتين ( نحو سورة الإخلاص ) تقريبا خروجا من خلاف من أوجبه ويشتغل فيه بالقراءة للخبر الصحيح بذلك والأفضل سورة الإخلاص ، ولو طول هذا الجلوس بحيث انقطعت به الموالاة بطلت خطبته لما مر أن الموالاة بينهما شرط بخلاف ما لو طول بعض الأركان بمناسب له ( وإذا فرغ منها شرع المؤذن في الإقامة وبادر الإمام ) ندبا ( ليبلغ المحراب مع فراغه ) تحقيقا للموالاة .
nindex.php?page=treesubj&link=23309 ( وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ ) الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ ، فَإِنْ سَبَقَهُ تَطَهُّرٌ وَاسْتَأْنَفُوا إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ تُشْبِهُ الصَّلَاةَ أَوْ نَائِبَةً عَنْهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَ عَدَمِ الْبِنَاءِ هُنَا وَجَوَازِهِ فِيمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ مَنْ سَمِعَ مَا مَضَى بِأَنَّ فِي بِنَاءِ الْخَطِيبِ
[ ص: 459 ] تَكْمِيلًا عَلَى مَا فَسَدَ بِحَدَثِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَلَا كَذَلِكَ فِي بِنَاءِ غَيْرِهِ لِأَنَّ سَمَاعَهُ لِمَا مَضَى مِنْ الْخُطْبَةِ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ مَا يُبْطِلُهُ فَجَازَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ لَهُ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ كَيْفَ يَبْنِي غَيْرُهُ عَلَى فِعْلِهِ وَهُوَ نَفْسُهُ لَا يَبْنِي عَلَيْهِ ( وَالْخَبَثِ ) الَّذِي لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا بِتَفْصِيلِهِ السَّابِقِ فِي الْمُصَلِّي .
( وَالسَّتْرُ ) لِلْعَوْرَةِ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ : إنَّهَا لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَقِبَ الْخُطْبَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ مَسْتُورٌ ( وَتُسَنُّ ) الْخُطْبَةُ ( عَلَى مِنْبَرٍ ) ، وَلَوْ فِي
مَكَّةَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَخْطُبُ عَلَى بَابِ
الْكَعْبَةِ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ وَخُطْبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَابِهَا بَعْدَ الْفَتْحِ إنَّمَا هُوَ لِتَعَذُّرِ مِنْبَرٍ ثَمَّ حِينَئِذٍ ، وَلِهَذَا لَمَّا أَحْدَثَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةُ ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَذَانِ الْجُمُعَةِ الْأَوَّلِ لَمَّا أَحْدَثَهُ هُوَ أَوْ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَيُسَنُّ وَضْعُهُ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ أَيْ الْمُصَلَّى فِيهِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ مَا قَابَلَتْهُ يَسَارُك يَمِينُهُ وَعَكْسُهُ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ جَمْعٌ بِيَسَارِ الْمِحْرَابِ وَكَانَ الصَّوَابُ أَنَّ الطَّائِفَ
بِالْكَعْبَةِ مُبْتَدِئٌ مِنْ يَمِينِهَا لَا يَسَارِهَا ، وَمِنْبَرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ثَلَاثَ دُرَجٍ غَيْرِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسْتَرَاحِ وَيُسَنُّ الْوُقُوفُ عَلَى الَّتِي تَلِيهَا لِلِاتِّبَاعِ نَعَمْ إنْ طَالَ وَقْفٌ عَلَى السَّابِعَةِ وَبَحَثَ أَنَّ مَا اُعْتِيدَ الْآنَ مِنْ النُّزُولِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ إلَى دَرَجَةٍ سُفْلَى ، ثُمَّ الْعَوْدُ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ شَنِيعَةٌ
[ ص: 460 ] ( أَوْ ) مَحَلٍّ ( مُرْتَفِعٍ ) إنْ فُقِدَ الْمِنْبَرُ ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ
فَإِنْ فُقِدَ اسْتَنَدَ لِنَحْوِ خَشَبَةٍ ( وَيُسَلِّمُ ) نَدْبًا إذَا دَخَلَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ ( عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ) إذَا انْتَهَى إلَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ يُرِيدُ مُفَارَقَتَهُمْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَتْ الصُّفُوفُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْمِنْبَرِ لَا يُسَلِّمُ إلَّا عَلَى الصَّفِّ الَّذِي عِنْدَ الْبَابِ وَالصَّفِّ الَّذِي عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ السَّلَامُ عَلَى كُلِّ صَفٍّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ وَلَعَلَّ اقْتِصَارَهُمْ عَلَى ذَيْنِك لِأَنَّهُمَا آكَدُ ، ثُمَّ رَأَيْت
الْأَذْرَعِيَّ صَرَّحَ بِنَحْوِ ذَلِكَ وَمَرَّ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ لِلِاتِّبَاعِ ، وَإِنْ قَالَ كَثِيرُونَ بِنَدْبِهَا لَهُ فَإِذَا صَعِدَ سَلَّمَ ثَالِثًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ فَكَأَنَّهُ فَارَقَهُمْ ( وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ ) بِوَجْهِهِ كَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِأَدَبِ الْخِطَابِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَوَجُّهِهِمْ لِلْقِبْلَةِ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ لِقَبُولِ الْوَعْظِ وَتَأْثِيرِهِ وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ خِلَافُهُ نَعَمْ يَظْهَرُ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي اسْتِقْبَالِهِمْ لِنَحْوِ ظَهْرِهِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَلِأَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ لِذَلِكَ فِيهِ غَالِبًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الِاسْتِدَارَةِ الْمَنْدُوبَةِ لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ إذْ أَمْرُ الْكُلِّ بِالْجُلُوسِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، ثُمَّ بِالِاسْتِدَارَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ وَالْمَشَقَّةِ ( إذَا صَعِدَ ) الدَّرَجَةَ الَّتِي تَلِي مَجْلِسَهُ وَتُسَمَّى الْمُسْتَرَاحَ ( وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ ) كَمَا مَرَّ لِلِاتِّبَاعِ وَفِي الْمَرَّاتِ الْمَذْكُورَةِ يَلْزَمُهُمْ عَلَى الْكِفَايَةِ الرَّدُّ ( وَيَجْلِسُ ، ثُمَّ ) هِيَ بِمَعْنَى الْفَاءِ الَّتِي أَفَادَتْهَا عِبَارَةُ أَصْلِهِ ( يُؤَذَّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ ) وَالْأَوْلَى اتِّحَادُ الْمُؤَذِّنِ لِلِاتِّبَاعِ إلَّا لِعُذْرٍ وَبِفَرَاغِ الْأَذَانِ أَيْ وَمَا يُسَنُّ بَعْدَهُ مِنْ الذِّكْرِ يُشْرَعُ فِي الْخُطْبَةِ وَأَمَّا الْأَذَانُ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الْمَنَارَةِ فَأَحْدَثَهُ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الِاتِّبَاعِ أَفْضَلَ أَيْ إلَّا لِحَاجَةٍ كَأَنْ تَوَقَّفَ حُضُورُهُمْ عَلَى
[ ص: 461 ] مَا بِالْمُنَاثَرِ .
( تَنْبِيهٌ ) كَلَامُهُمْ هَذَا وَغَيْرِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ اتِّخَاذَ مُرَقٍّ لِلْخَطِيبِ يَقْرَأُ الْآيَةَ وَالْخَبَرَ الْمَشْهُورَيْنِ بِدْعَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ قِيلَ لَكِنَّهَا حَسَنَةٌ لِحَثِّ الْآيَةِ عَلَى مَا يُنْدَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ إكْثَارِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلِحَثِّ الْخَبَرِ عَلَى تَأَكُّدِ الْإِنْصَاتِ الْمُفَوِّتِ تَرْكُهُ لِفَضْلِ الْجُمُعَةِ بَلْ مُوقِعٌ فِي الْإِثْمِ عِنْدَ كَثِيرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ . ا هـ .
وَأَقُولُ يُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ يَسْتَنْصِتُ لَهُ النَّاسَ عِنْدَ إرَادَتِهِ خُطْبَةَ
مِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْخَطِيبِ أَمْرُ غَيْرِهِ بِأَنْ يَسْتَنْصِتَ لَهُ النَّاسَ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الْمُرَقِّي فَلَمْ يَدْخُلْ ذِكْرُهُ لِلْخَبَرِ فِي حَيِّزِ الْبِدْعَةِ أَصْلًا
فَإِنْ قُلْت لِمَ أَمَرَ بِذَلِكَ فِي
مِنًى دُونَ
الْمَدِينَةِ قُلْت لِاجْتِمَاعِ أَخْلَاطِ النَّاسِ وَجُفَاتِهِمْ ، ثُمَّ فَاحْتَاجُوا لِمُنَبِّهٍ بِخِلَافِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَبِّهُهُمْ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ الْخَبَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي خُطْبَتِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=959 ( وَأَنْ تَكُونَ ) الْخُطْبَةُ ( بَلِيغَةً ) أَيْ فِي غَايَةٍ مِنْ الْفَصَاحَةِ وَرَصَانَةِ السَّبْكِ وَجَزَالَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ أَوْقَعُ فِي الْقَلْبِ بِخِلَافِ الْمُبْتَذَلَةِ الرَّكِيكَةِ كَالْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْمَأْلُوفَةِ أَيْ فِي كَلَامِ الْعَوَامّ وَنَحْوِهِمْ وَيُؤْخَذُ مِنْ نَدْبِ الْبَلَاغَةِ فِيهَا حُسْنُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْخُطَبَاءِ مِنْ تَضْمِينِهَا آيَاتٍ وَأَحَادِيثَ مُنَاسِبَةً لِمَا هُوَ فِيهِ إذْ الْحَقُّ أَنَّ تَضْمِينَ ذَلِكَ وَالِاقْتِبَاسَ مِنْهُ وَلَوْ فِي شِعْرٍ جَائِزٌ ، وَإِنْ غَيَّرَ نَظْمَهُ وَمِنْ ثَمَّ اقْتَضَى كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا مَحْظُورَ فِي أَنْ يُرَادَ بِالْقُرْآنِ غَيْرُهُ { كَ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=46اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ } لِمُسْتَأْذِنٍ نَعَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي نَحْوِ مُجُونٍ حَرُمَ بَلْ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى الْكُفْرِ وَمِنْ ذِكْرِ مَا يُنَاسِبُ الزَّمَنَ وَالْأَحْوَالَ الْعَارِضَةَ فِيهِ فِي خُطَبِهِمْ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّ مِنْ لَازِمِ رِعَايَةِ الْبَلَاغَةِ رِعَايَةُ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْحَالِ فِي سَوْقِ مَا يُطَابِقُهُ ( مَفْهُومَةٌ ) أَيْ قَرِيبَةُ الْفَهْمِ لِأَكْثَرِ الْحَاضِرِينَ لِأَنَّ الْغَرِيبَ الْوَحْشِيَّ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ قَالَ
الْمُتَوَلِّي وَتُكْرَهُ الْكَلِمَاتُ الْمُشْتَرَكَةُ أَيْ بَيْنَ مَعَانٍ عَلَى السَّوَاءِ وَالْبَعِيدَةِ عَنْ الْأَفْهَامِ وَمَا تُنْكِرُهُ عُقُولُ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ . ا هـ .
وَقَدْ يَحْرُمُ الْأَخِيرُ إنْ أَوْقَعَ فِي مَحْظُورٍ ( قَصِيرَةٌ ) يَعْنِي مُتَوَسِّطَةً فَلَا يُنَافِي نَدْبَ قِرَاءَةِ ق فِي أَوَّلِهِمَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الطَّوِيلَةَ تُمَلُّ وَتُضْجَرُ وَلِلْأَمْرِ فِي خَبَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ بِقَصْرِهَا وَتَطْوِيلِ الصَّلَاةِ ، وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ فَهِيَ قَصِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَسِّطَةً فِي نَفْسِهَا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمَتْنِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ
[ ص: 462 ] ( وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَ ) لَا ( شِمَالًا ) وَلَا خَلْفًا ( فِي شَيْءٍ مِنْهَا ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ وَيُكْرَهُ دَقُّ الدَّرَجِ فِي صُعُودِهِ وَإِفْتَاءُ
الْغَزَالِيِّ بِنَدْبِهِ تَنْبِيهًا لِلنَّاسِ ضَعِيفٌ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا مَرَّ مِنْ نَدْبِ الْمَرْقَى وَالدُّعَاءِ قَبْلَ الْجُلُوسِ وَسَاعَةِ الْإِجَابَةِ إنَّمَا هِيَ مِنْ جُلُوسِهِ إلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ نَحْوِ خَمْسِينَ قَوْلًا فِيهَا وَذِكْرُ شِعْرٍ فِيهَا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ
عُمَرَ كَانَ كَثِيرًا مَا يَقُولُ فِيهَا
خَفِّضْ عَلَيْك فَإِنَّ الْأُمُورَ بِكَفِّ الْإِلَهِ مَقَادِيرُهَا فَلَيْسَ بِآتِيك مَنْهِيُّهَا
وَلَا قَاصِرٌ عَنْك مَأْمُورُهَا
، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا بِتَسْلِيمِ صِحَّتِهِ عَنْهُ رَأْيٌ لَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسُكُوتُهُمْ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَسَامَحُونَ فِي ذَلِكَ ( وَأَنْ يَعْتَمِدَ ) فِي حَالِ خُطْبَتِهِ ( عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا ) وَنَحْوِهِ كَالْقَوْسِ لِلِاتِّبَاعِ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّ الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ وَيَقْبِضُ ذَلِكَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى لِأَنَّهُ الْعَادَةُ فِي مُرِيدِ الضَّرْبِ وَالرَّمْيِ وَيَشْغَلُ يَمِينَهُ بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ ذَرْقُ طَيْرٍ وَلِأَنَّهُ نَحْوُ عَاجٍ وَإِلَّا بَطَلَتْ خُطْبَتُهُ بِتَفْصِيلِهِ السَّابِقِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ مَسَّتْ يَدُهُ ذَلِكَ أَبْطَلَ مُطْلَقًا وَإِلَّا ، فَإِنْ قَبَضَهُ بِهَا وَانْجَرَّ بِجَرِّهِ أَبْطَلَ وَإِلَّا فَلَا
[ ص: 463 ]
فَإِنْ لَمْ يَشْغَلْهَا بِهِ وَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ أَرْسَلَهُمَا إنْ أَمِنَ الْعَبَثَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ ( وَ ) أَنْ ( يَكُونَ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ ( نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ) تَقْرِيبًا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَيَشْتَغِلُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ بِذَلِكَ وَالْأَفْضَلُ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ ، وَلَوْ طَوَّلَ هَذَا الْجُلُوسَ بِحَيْثُ انْقَطَعَتْ بِهِ الْمُوَالَاةُ بَطَلَتْ خُطْبَتُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَوَّلَ بَعْضَ الْأَرْكَانِ بِمُنَاسِبٍ لَهُ ( وَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَبَادَرَ الْإِمَامُ ) نَدْبًا ( لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ ) تَحْقِيقًا لِلْمُوَالَاةِ .