وقوله جل شأنه:
nindex.php?page=treesubj&link=24406_31916_32016_28981nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=92فاليوم ننجيك ببدنك تهكم به وتخييب له وحسم لأطماعه بالمرة والمراد فاليوم نخرجك مما وقع فيه قومك من قعر البحر ونجعلك طافيا ملابسا ببدنك عاريا عن الروح إلا أنه عبر عن ذلك بالتنجية مجازا وجعل الجار والمجرور في موضع الحال من ضمير المخاطب لذلك مع ما فيه من التلويح بأن مراده بالإيمان هو النجاة وقيل: معنى الحال عاريا عن اللباس أو تام الأعضاء كاملها
وجعل بعض الأفاضل الكلام على التجريد وجوز أن يكون الباء زائدة - وبدنك - بدل بعض من ضمير المخاطب كأنه قيل: ننجي بدنك وجعل الباء للآية ليكون على وزان قولك - أخذته بيدك - ونظرته بعينك - إيذانا بحصول هذا المطلوب البعيد التناول وجه لكنه غير وجيه كما لا يخفى وقيل: التنجية الإلقاء على النجوة وهي المكان المرتفع قيل: وسمي به لنجاته عن السيل وإلى هذا ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=17417يونس بن حبيب النحوي فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ عنه أنه قال: المعنى نجعلك على نجوة من الأرض كي يراك بنو إسرائيل فيعرفوا أنك قد مت وجاء تفسير البدن بالدرع وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي وكانت له درع من
[ ص: 184 ] ذهب يعرف بها وفي رواية أنها كانت من لؤلؤ
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ عن
أبي جهضم موسى بن سالم أنه كان
لفرعون شيء يلبسه يقال له البدن يتلألأ وقرأ
يعقوب (ننجيك) من باب الإفعال وهو معنى التفعيل بمعنييه السابقين وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري عن
محمد بن السميقع اليماني ويزيد البربري أنهما قرآ (ننحيك) بالحاء المهملة ونسبت إلى
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب وأبي السمال أي نجعلك في ناحية ونلقيك على الساحل وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه (بأبدانك) على صيغة الجمع بجعل كل عضو بمنزلة البدن فأطلق الكل على الجزء مجازا وعلى هذا جمع الإجرام في قوله:
وكم موطن لولاي طحت كما هوى بإجرامه من قلة النيق منهوي
أو بإرادة دروعك بناء على أن المخذول كان لابسا درعا على درع وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ (بندائك) أي بدعائك
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=92لتكون لمن خلفك آية أي لتكون لمن يأتي بعدك من الأمم إذا سمعوا حال أمرك ممن شاهد حالك وما عراك عبرة ونكالا من الطغيان أو حجة تدلهم على أن الإنسان وإن بلغ الغاية القصوى من عظم الشأن وعلو الكبرياء وقوة السلطان فهو مملوك مقهور بعيد عن مظان الألوهية والربوبية وقيل: المراد بمن خلفه من بقي بعده من بني إسرائيل أي لتكون لهم علامة على صدق
موسى عليه السلام إذ كان في نفوسهم من عظمتهما ما خيل إليهم أنه لا يهلك فكذبوا لذلك خبر
موسى عليه السلام بهلاكه حتى عاينوه على ممرهم من الساحل أحمر قصيرا كأنه ثور وروي هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وقرئ (لمن خلفك) فعلا ماضيا أي حل مكانك ونسب إلى
ابن السميقع وأبي السمال أنهما أيضا قرآ (لمن خلقك) بفتح اللام والقاف أي لتكون لخالقك آية كسائر الآيات فإن إفراده سبحانه إياك بالإلقاء إلى الساحل دليل على أنه قصد منه جل شأنه لكشف تزويرك وإماطة الشبهات في أمرك وبرهان نير على كمال علمه وقدرته وحكمته وإرادته وهو معنى لا بأس به يصح أن توجه به الآية على القراءة المشهورة أيضا . ذكر في النشر أن مما لا يوثق بنقله قراءة
ابن السميقع وأبي السمال (ننحيك) بالحاء و (لمن خلقك) بالقاف وفي تعليل تنجيته بما ذكر كما قاله بعض المحققين إيذان بأنها ليست لإعزازه أو لفائدة أخرى عائدة إليه بل لكمال الاستهانة به وتفضيحه على رءوس الأشهاد وزيادة تفظيع حاله كمن يقتل ثم يجر جسده في الأسواق ويطرح جيفة في الميدان أو يدار برأسه في النواحي والبلدان واللام الأولى متعلقة بالفعل والثانية بمحذوف وقع حالا من (آية) أي كائنة لمن خلفك وجاد الرد على هذا المخذول على طرز ما أتى به في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90آمنت أنه إلخ في اشتماله على المبالغة كما لا يخفى على من تفكر في الآية وقد قرر فحوى المحكي بقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=92وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون 92 أي لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها وهو اعتراض تذييلي جيء به عند الحكاية لذلك ولهذه الآية وأشباهها وقع الإجماع على كفر المخذول وعدم قبول إيمانه ويشهد لذلك أيضا ما رواه
ابن عدي nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=939924خلق الله تعالى يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا وخلق فرعون في بطن أمه كافرا . فهو من أهل النار المخلدين فيها بلا ريب وبذلك قال
الشيخ الأكبر قدس سره في أول كتابه الفتوحات في الباب الثاني والستين منه حيث ذكر أن الذين خذلهم الله تعالى من العباد جعلهم طائفتين طائفة لا تضرهم الذنوب التي وقعت منهم وإليهم الإشارة بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=268والله يعدكم مغفرة منه وفضلا وهؤلاء لا تمسهم النار بما
[ ص: 185 ] تاب الله تعالى عليهم واستغفار الملأ الأعلى ودعائهم لهم
وقسم الطائفة الأخرى إلى قسمين قسم أخرجهم من النار بالشفاعة وهم طائفة من المؤمنين وأهل التوحيد ماتوا ولم تكفر عنهم خطاياهم وقسم آخر أبقاهم في النار وهم المجرمون خاصة الذين يقال لهم يوم القيامة:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=59وامتازوا اليوم أيها المجرمون ولهم يقال: أهل النار لأنهم الذين يعمرونها وهم على أربع طوائف كلهم في النار لا يخرجون منها . الطائفة الأولى المتكبرون على الله تعالى
كفرعون وأشباهه ممن ادعى الربوبية لنفسه ونفاها عن الله تعالى فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38ما علمت لكم من إله غيري وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى يريد به ما في السماء غيري وكذلك
نمروذ وغيره
والثانية المشركون وهم الذين أثبتوا الله تعالى إلا أنهم جعلوا معه آلهة أخرى وقالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى والثالثة المعطلة وهم الذين نفوا الإله جملة واحدة فلم يثبتوا للعالم إلها أصلا والرابعة المنافقون وهم الذين أظهروا الإيمان للقهر الذي حكم عليهم وهم في نفوسهم على ما هم عليه من اعتقاد إحدى هذه الطوائف الثلاث فهؤلاء الأصناف الأربعة هم أهل النار الذين لا يخرجون منها من الجن والإنس انتهى .
وهو صريح فيما قلنا إلا أنه ذهب في موضع آخر من الكتاب المذكور إلى خلافه فقال في الباب السابع والستين ومائة ما حاصله: إن الله تعالى لما علم أنه قد طبع على كل قلب مظهر للجبروت والكبرياء وأن
فرعون في نفسه أذل الأذلاء أمر
موسى وهارون عليهما السلام أن يعاملاه بالرحمة واللين لمناسبة باطنه واستنزال ظاهره من جبروته وكبريائه فقال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ولعل وعسى من الله تعالى واجبتان فتذكر بما يقابله من اللين والمسكنة ما هو عليه في باطنه ليكون الظاهر والباطن على السواء فما زالت تلك الخميرة معه تعمل في باطنه مع الترجي الإلهي الواجب فيه وقوع المترجى ويتقوى حكمها إلى حين انقطاع يأسه من اتباعه وحال الغرق بينه وبين أطماعه لجأ إلى ما كان مستترا في باطنه من الذلة والافتقار ليتحقق عند المؤمنين وقوع الرجاء الإلهي فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين فرفع الإشكال من الإشكال كما قالت السحرة لما آمنت:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=121آمنا برب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=122رب موسى وهارون أي الذي يدعوان إليه فجاءت بذلك لدفع الارتياب ورفع الإشكال وقوله: وأنا من المسلمين خطاب منه للحق تعالى لعلمه أنه سبحانه يسمعه ويراه فخاطبه الحق بلسان الغيب وسمعه آلآن أظهرت ما قد كنت تعلمه وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين لأتباعك وما قال له (وأنت من المفسدين) فهي كلمة بشرى له عرفنا بها لنرجو رحمته مع إسرافنا وإجرامنا ثم قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=92فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية يعني لتكون النجاة لمن يأتي بعدك آية أي علامة إذا قال ما قلته تكون له النجاة مثل ما كانت لك وما في الآية أن بأس الآخرة لا يرتفع وأن إيمانه لم يقبل وإنما فيها أن بأس الدنيا لا يرتفع عمن نزل به إذا آمن في حال نزوله إلا قوم
يونس عليه السلام فقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=92فاليوم ننجيك ببدنك بمعنى أن العذاب لا يتعلق إلا بظاهرك وقد أريت الخلق نجاته من العذاب فكان ابتداء الغرق عذابا فصار الموت فيه شهادة خالصة بريئة لم يتخللها معصية فقبض على أفضل عمل وهو التلفظ بالإيمان كل ذلك حتى لا يقنط أحد من رحمة الله تعالى والأعمال بخواتيمها فلم يزل الإيمان بالله تعالى يجول في باطنه وقد حال الطابع الإلهي الذاتي في الخلق بين الكبرياء واللطائف الإنسانية فلم يدخلها قط كبرياء وأما قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا فكلام محقق في غاية الوضوح فإن النافع هو الله تعالى فما نفعهم إلا
[ ص: 186 ] هو سبحانه وقوله عز وجل:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85سنت الله التي قد خلت في عباده فيعني بذلك الإيمان عند رؤية البأس الغير المعتاد وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=15ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها فغاية هذا الإيمان أن يكون كرها وقد أضافه الحق سبحانه إليه والكراهة محلها القلب والإيمان كذلك والله تعالى لا يأخذ العبد بالأعمال الشاقة عليه من حيث ما يجده من المشقة فيها بل يضاعف له فيها الأجر وأما في هذا الموطن فالمشقة منه بعيدة بل جاء طوعا في إيمانه وما عاش بعد ذلك بل قبض ولم يؤخر لئلا يرجع إلى ما كان عليه من الدعوى ولو قبض ركاب البحر الذين قال سبحانه فيهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67ضل من تدعون إلا إياه عند نجاتهم لماتوا موحدين وقد حصلت لهم النجاة ثم قوله تعالى في تتميم قصته هذه:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=92وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون على معنى قد ظهرت نجاتك آية أي علامة على حصول النجاة فغفل أكثر الناس عن هذه الآية فقضوا على المؤمن بالشقاء وأما قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=98فأوردهم النار فليس فيه أنه يدخلها معهم بل قال جل وعلا:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ولم يقل أدخلوا
فرعون وآله ورحمة الله تعالى أوسع من أن لا يقبل إيمان المضطر وأي اضطرار أعظم من اضطرار
فرعون في حال الغرق؟ والله تبارك وتعالى يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء فقرن للمضطر إذا دعاه بالإجابة وكشف السوء عنه وهذا آمن لله تعالى خالصا وما دعاه في البقاء في الحياة والدنيا خوفا من العوارض وأن يحال بينه وبين هذا الإخلاص الذي جاءه في هذه الحال فرجح جانب لقاء الله تعالى على البقاء بالتلفظ بالإيمان وجعل ذلك الغرق نكال الآخرة والأولى فلم يكن عذابه أكثر من غم الماء الأجاج وقبضه على أحسن صفة وهذا هو الذي يعطيه ظاهر اللفظ وهو معنى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=26إن في ذلك لعبرة لمن يخشى يعني في أخذه نكال الآخرة والأولى
وقدم سبحانه ذكر الآخرة على الأولى ليعلم أن ذلك العذاب أعني عذاب الغرق هو نكال الآخرة وهذا هو الفضل العظيم انتهى وهو نص في إيمانه بل في كونه من الشهداء بناء على أن الموت غرقا شهادة للمومنين كما أجمع عليه أئمة الدين على خلاف في موت من قصر في تعلم السباحة غريقا هل يعد شهادة أم لا فإن بعض الشافعية ذهب إلى أن المقصر المذكور إذا مات غريقا مات عاصيا لا شهيدا وإنما الشهيد من مات كذلك وكان عارفا بالسباحة أو غير مقصر في تعلمها لكن لم يتعلم وكأن الشيخ قدس سره لا يقول بهذا التفصيل أو كان يعلم أن
فرعون كان ممن يعلم السباحة أو ممن لم يقصر في تعلمها أو أنه يقول: إن الإيمان كفر عنه كل معصية قبله ومن جملة ذلك معصية التقصير مثلا التي هي دون قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى و
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38ما علمت لكم من إله غيري بألف ألف مرتبة لكن لا أدري هل الغريق شهيد في شريعة
موسى عليه السلام كما هو كذلك في شريعتنا أم هذا الأمر من خواص هذه الشريعة التي أنعم الله تعالى على أهلها بما أنعم كرامة لنبيها صلى الله تعالى عليه وسلم وقد ذهب قدس سره في كتابه فصوص الحكم إلى نحو ما ذهب إليه أخيرا في كتابه الفتوحات وقد اعترض عليه بذلك غير واحد وهو عندي ليس بأعظم من قوله قدس سره بإيمان قوم
نوح عليه السلام وكثير من أضرابهم ونجاتهم يوم القيامة وقد نص على ذلك في الفصوص والعجب أنه لم يكثر معترضوه في ذلك كثرتهم في القول بإيمان
فرعون وقد انتصر له بعض الناس ومنهم في المشهور
الجلال الدواني وله رسالة في ذلك أتى فيها بما لا يعد شيئا عند أصاغر الطلبة لكن في تاريخ
حلب للفاضل الحلبي كما قال مولانا
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشهاب إنها ليست
للجلال وإنما هي لرجل يسمى
محمد بن هلال النحوي وقد ردها
القزويني [ ص: 187 ] وشنع عليه وقال: إنما مثله مثل رجل خامل الذكر لما قدم
مكة بال في
زمزم ليشتهر بين الناس وفي المثل خالف تعرف ويؤيد كونها ليست
للجلال أنه شافعي المذهب كما يشهد لذلك حاشيته على الأنوار وفي فتاوى
ابن حجر أن بعض فقهائنا كفر من ذهب إلى إيمان
فرعون مع ما عليه تلك الرسالة من اختلال العبارة وظهور الركاكة وعدم مشابهتها لسائر تأليفاته ولولا خوف الإطالة لسردتها عليك وبالجملة ظواهر الآي صريحة في كفر
فرعون وعدم قبول إيمانه ومن ذلك قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=39وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=40فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فإنه ظاهر في استمرار
فرعون على الكفر والمعاصي الموجبة لما حل به كما يدل عليه التعبير بكان والفعل المضارع ومع الإيمان لا استمرار على أن نظمه في سلك من ذكر معه ظاهر أيضا في المدعى . وألحق بعضهم بذلك قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39يأخذه عدو لي وعدو له بناء على أن عدو صفة مشبهة وهي للثبوت فيدل على ثبوت عداوته لله تعالى وعداوته لرسوله عليه السلام وثبوت إحدى العداوتين كاف في سوء حاله خلافا لمن وهم وقد صرحوا أيضا بأن
nindex.php?page=treesubj&link=20003إيمان البأس واليأس غير مقبول ولا شك أن إيمان المخذول كان من ذلك القبيل وإنكاره مكابرة وقد حكى إجماع الأئمة المجتهدين على عدم القبول ومستندهم فيه الكتاب والسنة وما ينقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867الإمام مالك من القبول لم يثبت عند المطلعين على أقوال المجتهدين واختلافاتهم نعم صرح الإمام
القاضي عبد الصمد من ساداتنا الحنفية في تفسيره بأن مذهب الصوفية أن الإيمان ينتفع به ولو عند معاينة العذاب وهذا الإمام متقدم على
الشيخ الأكبر قدس سره بنحو مائة سنة وحينئذ تشكل حكاية الإجماع إلا أن يقال: بعدم تسليم صحة ذلك عن الصوفية الذين هم من أهل الاجتهاد المعول عليهم لما فيه من المخالفة للدلالة الظاهرة في عدم النفع فلا يخل ذلك بالإجماع بالإجماع وفي الزواجر أنه على تقدير التسليم لا يضرنا ذلك في دعوى إجماع الأمة على كفر
فرعون لأنا نحكم بكفره لأجل إيمانه عند البأس فحسب بل لما انضم إليه من أنه لم يؤمن بالله تعالى إيمانا صحيحا بل كان تقليدا محضا بدليل قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل فكأنه اعترف بأنه لا يعرف الله تعالى وإنما سمع من بني إسرائيل أن للعالم إلها فآمن بذلك الإله الذي سمع بني إسرائيل يقرون بوجوده وهذا هو محض التقليد الذي لا يقبل لا سيما من مثل
فرعون الذي كان دهريا منكرا لوجود الصانع فإنه لا بد له من برهان قطعي يزيل ما هو عليه من الاعتقاد الخبيث البالغ نهاية القبح والفحش وأيضا لا بد في إسلام الدهري ونحوه ممن كان قد دان بشيء أن يقر ببطلان ذلك الشيء الذي كفر به فلو قال: آمنت بالذي لا إله غيره لم يكن مسلما وفرعون لم يعترف ببطلان ما كان كفر به من نفي الصانع وادعاء الإلهية لنفسه الخبيثة وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل لا يدرى ما الذي أراد به فلذا صرح الأئمة بأن آمنت بالذي لا إله غيره لا يحصل الإيمان للاحتمال فكذا ما قاله وعلى التنزل فالإجماع منعقد على أن الإيمان بالله تعالى مع عدم الإيمان بالرسول لا يصح فلو سلمنا أن
فرعون آمن بالله تعالى إيمانا صحيحا فهو لم يؤمن
بموسى عليه السلام ولا تعرض له أصلا فلم يكن إيمانه نافعا ألا ترى أن الكافر لو قال ألوفا من المرات: أشهد أن لا إله إلا الله أو إلا الذي آمن به المسلمون لا يكون مؤمنا حتى يقول وأن
محمدا رسول الله .
[ ص: 188 ] والسحرة تعرضوا في إيمانهم للإيمان
بموسى عليه السلام بقولهم: آمنا برب العالمين رب
موسى وهارون فلا يقال: إن إيمان
فرعون على طرز إيمانهم لذلك على أن إيمانهم حين آمنوا كان بمعجزة
موسى عليه السلام والإيمان بالله تعالى مع الإيمان بمعجزة الرسول إيمان بالرسول فهم آمنوا
بموسى عليه السلام بخلاف
فرعون فإنه لم يتعرض للإيمان به عليه السلام أصلا بل في ذكره بني إسرائيل دونه مع أنه الرسول العارف بالإله وما يليق به والهادي إلى طريقه إشارة ما إلى بقائه على كفره به وما ذكره
الشيخ الأكبر قدس سره في توجيه آية
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90حتى إذا أدركه الغرق إلخ خارج عن ذوق الكلام العربي وتجشم تكلف لا معنى له ويرشدك إلى بعض ذلك أنه قدس سره حمل قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=91آلآن وقد عصيت إلخ على العتب والبشرى مع أنه لا يخفى أنه لو صح إيمانه وإسلامه لكان الأنسب بمقام الفضل الذي إليه طمح نظر الشيخ أن يقال له: الآن نقبلك ونكرمك لاستلزام صحة إيمانه رضا الحق عنه ومن وقع له الرضا لا يخاطب بمثل ذلك الخطاب كما لا يخفى على من له وقوف على أساليب كلام
العرب ومحاوراتهم وأيضا كيف يخاطب من محا الإيمان عصيانه وإفساده بما هو ظاهر في التأنيب المحض والتقريع الصرف والتوبيخ البحت فما ذلك إلا لإقامة أعظم نواميس الغضب عليه وتذكيره بقبائحه التي قدمها وإعلامه بأنها هي التي منعته عند النطق بالإيمان إلى حيث لا ينفعه وكذا تأويله فلم يك ينفعهم إيمانهم بأن النافع هو الله تعالى مع أن اصطلاح الكتاب والسنة نسبة الأشياء إلى أسبابها إيجابا وسلبا فإذا قيل: لا ينفع الإيمان فليس معناه الشرعي إلا الحكم عليه بأنه باطل لا يعتد به وأي معنى سوغ تخصيص نفع الله تعالى بهذه التي هي حالة وقوع العذاب مع النظر إلى ما هو الواقع من أن الله تعالى هو النافع حقيقة في كل وقت ولو نفعهم لما استأصلهم بالعذاب وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=78وخسر هنالك المبطلون دليل واضح على أن المراد بلم يك ينفعهم إيمانهم أنهم باقون مع ذلك الإيمان على الكفر إلى غير ذلك مما لا يخفى على الناظر في كلامه قدس سره فالذي ينبغي أن يعول عليه ما ذهب أولا إليه وقد قالوا: إذا اختلف كلام إمام يؤخذ منه بما يوافق الأدلة الظاهرة ( ويعرض عما خالفها ولا شك أن ما ذهب إليه أولا هو الموافق لذلك على أنه لو لم يكن له قدس سره إلا القول بقبول إيمانه لا يلزمنا اتباعه في ذلك والأخذ به لمخالفته ما دل عليه الكتاب والسنة وشهدت به أئمة الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المجتهدين وجلالة قائله لا توجب القبول فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وغيره: ما من أحد إلا مأخوذ من قوله ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر يعني النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعن
علي كرم الله تعالى وجهه: لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال وكأن
الشيخ قدس سره قال ذلك من طريق النظر والنظر يخطئ ويصيب ومن علم أن للنبي عليه الصلاة والسلام اجتهادا جاء الوحي بخلافه لم يستعظم ما قيل في
الشيخ وإن كان هو - هو - على أنه لو كان قال ذلك من طريق الكشف إلا أنه أبدى الاستدلال تفهيما وإرشادا إلى أن فهمه لم يخالف ما يدل عليه الكتاب لم يلزمنا أيضا تقليده بل قد مر عن الإمام
الرباني قدس سره أنه لا يجوز تقليد الكشف وصرح غير واحد بأنه ليس بحجة على الغير كالإلهام ولا يثبت به حكم شرعي وأنت تعلم أنه لو كان كل من القولين من طريق الكشف يلزم انقسام الكشف إلى صواب وخطأ كالنظر ضرورة عدم اجتماع الإيجاب والسلب على الكذب ولا على الصدق وهو ظاهر وقد قال بعضهم: بالانقسام ويخفى وجهه ومن الناس من أول كلام الشيخ المثبت لقبول الإيمان بأن المراد
بفرعون فيه النفس
[ ص: 189 ] الأمارة
وبموسى وهارون المأمورين بالقول اللين
موسى الروح
وهارون القلب وأخذ يقرر الكلام على هذا السنن ولا يخفى أن ارتكاب ذلك على ما فيه من التكلف الظاهر الكلف في كلام الشيخ ما يأباه ولعله خلاف مطمح نظره ولذلك لم يرتكبه أجلة أصحابه بل أبقوا كلامه على ظاهره وهو الظاهر وإكفار بعض المنكرين له فيه ضلال وأي ضلال وظلم عظيم موجب للنكال فإن له قدس سره في ذلك مستندا كغيره المقابل له وإن اختلفا في القوة والضعف على أن الوقوف على حقيقة هذه المسألة ليس مما كلفنا به فلا يضر الجهل بها في الدين والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل
وَقَوْلُهُ جَلَّ شَأْنُهُ:
nindex.php?page=treesubj&link=24406_31916_32016_28981nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=92فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ تَهَكُّمٌ بِهِ وَتَخْيِيبٌ لَهُ وَحَسْمٌ لِأَطْمَاعِهِ بِالْمَرَّةِ وَالْمُرَادُ فَالْيَوْمَ نُخْرِجُكَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ قَوْمُكَ مِنْ قَعْرِ الْبَحْرِ وَنَجْعَلُكَ طَافِيًا مُلَابِسًا بِبَدَنِكَ عَارِيًا عَنِ الرُّوحِ إِلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالتَّنْجِيَةِ مَجَازًا وَجَعَلَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ لِذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّلْوِيحِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْإِيمَانِ هُوَ النَّجَاةُ وَقِيلَ: مَعْنَى الْحَالِ عَارِيًا عَنِ اللِّبَاسِ أَوْ تَامَّ الْأَعْضَاءِ كَامِلَهَا
وَجَعَلَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ الْكَلَامَ عَلَى التَّجْرِيدِ وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ الْبَاءُ زَائِدَةً - وَبَدَنِكَ - بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ كَأَنَّهُ قِيلَ: نُنْجِي بَدَنَكَ وَجَعَلَ الْبَاءَ لِلْآيَةِ لِيَكُونَ عَلَى وِزَانِ قَوْلِكَ - أَخَذْتَهُ بِيَدِكَ - وَنَظْرَتَهُ بِعَيْنِكَ - إِيذَانًا بِحُصُولِ هَذَا الْمَطْلُوبِ الْبَعِيدِ التَّنَاوُلِ وَجْهٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ وَجِيهٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَقِيلَ: التَّنْجِيَةُ الْإِلْقَاءَ عَلَى النَّجْوَةِ وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ قِيلَ: وَسُمِّيَ بِهِ لِنَجَاتِهِ عَنِ السَّيْلِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=17417يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ النَّحْوِيُّ فَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=11868وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْمَعْنَى نَجْعَلُكَ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ كَيْ يَرَاكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَيَعْرِفُوا أَنَّكَ قَدْ مِتَّ وَجَاءَ تَفْسِيرُ الْبَدَنِ بِالدِّرْعِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ nindex.php?page=showalam&ids=34وَأُبَيٍّ وَكَانَتْ لَهُ دِرْعٌ مِنْ
[ ص: 184 ] ذَهَبٍ يُعْرَفُ بِهَا وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ لُؤْلُؤٍ
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=11868وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ
أَبِي جَهْضَمٍ مُوسَى بْنِ سَالِمٍ أَنَّهُ كَانَ
لِفِرْعَوْنَ شَيْءٌ يَلْبَسُهُ يُقَالُ لَهُ الْبَدَنُ يَتَلَأْلَأُ وَقَرَأَ
يَعْقُوبُ (نُنْجِيكَ) مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَهُوَ مَعْنَى التَّفْعِيلِ بِمَعْنَيَيْهِ السَّابِقَيْنِ وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ السَّمَيْقَعِ الْيَمَانِيِّ وَيَزِيدَ الْبَرْبَرِيِّ أَنَّهُمَا قَرَآ (نُنَحِّيكَ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَنُسِبَتْ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي السَّمَالِ أَيْ نَجْعَلُكَ فِي نَاحِيَةٍ وَنُلْقِيكَ عَلَى السَّاحِلِ وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (بِأَبْدَانِكَ) عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ بِجَعْلِ كُلِّ عُضْوٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَنِ فَأَطْلَقَ الْكُلَّ عَلَى الْجُزْءِ مَجَازًا وَعَلَى هَذَا جَمْعُ الْإِجْرَامِ فِي قَوْلِهِ:
وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلَايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى بِإِجْرَامِهِ مِنْ قِلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي
أَوْ بِإِرَادَةِ دُرُوعِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَخْذُولَ كَانَ لَابِسًا دِرْعًا عَلَى دِرْعٍ وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ (بِنِدَائِكَ) أَيْ بِدُعَائِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=92لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً أَيْ لِتَكُونَ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنَ الْأُمَمِ إِذَا سَمِعُوا حَالَ أَمْرِكَ مِمَّنْ شَاهَدَ حَالَكَ وَمَا عَرَاكَ عِبْرَةً وَنَكَالًا مِنَ الطُّغْيَانِ أَوْ حُجَّةً تَدُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ وَإِنْ بَلَغَ الْغَايَةَ الْقُصْوَى مِنْ عِظَمِ الشَّأْنِ وَعُلُوِّ الْكِبْرِيَاءِ وَقُوَّةِ السُّلْطَانِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ مَقْهُورٌ بَعِيدٌ عَنْ مَظَانِّ الْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِمَنْ خَلْفَهُ مَنْ بَقِيَ بَعْدَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْ لِتَكُونَ لَهُمْ عَلَامَةً عَلَى صِدْقِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ كَانَ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ عَظَمَتِهِمَا مَا خَيَّلَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ فَكَذَّبُوا لِذَلِكَ خَبَرَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَلَاكِهِ حَتَّى عَايَنُوهُ عَلَى مَمَرِّهِمْ مِنَ السَّاحِلِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ ثَوْرٌ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ وَقُرِئَ (لِمَنْ خَلَفَكَ) فِعْلًا مَاضِيًا أَيْ حَلَّ مَكَانَكَ وَنُسِبَ إِلَى
ابْنِ السَّمَيْقَعِ وَأَبِي السِّمَالِ أَنَّهُمَا أَيْضًا قَرَآ (لِمَنْ خَلَقَكَ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ أَيْ لِتَكُونَ لِخَالِقِكَ آيَةً كَسَائِرِ الْآيَاتِ فَإِنَّ إِفْرَادَهُ سُبْحَانَهُ إِيَّاكَ بِالْإِلْقَاءِ إِلَى السَّاحِلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ مِنْهُ جَلَّ شَأْنُهُ لِكَشْفِ تَزْوِيرِكَ وَإِمَاطَةَ الشُّبُهَاتِ فِي أَمْرِكَ وَبُرْهَانٌ نَيِّرٌ عَلَى كَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَهُوَ مَعْنًى لَا بَأْسَ بِهِ يَصِحُّ أَنْ تُوَجَّهَ بِهِ الْآيَةُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ أَيْضًا . ذُكِرَ فِي النَّشْرِ أَنَّ مِمَّا لَا يُوثَقُ بِنَقْلِهِ قِرَاءَةُ
ابْنِ السَّمَيْقَعِ وَأَبِي السِّمَالِ (نُنَحِّيكَ) بِالْحَاءِ وَ (لِمَنْ خَلَقَكَ) بِالْقَافِ وَفِي تَعْلِيلِ تَنْجِيَتِهِ بِمَا ذُكِرَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إِيذَانٌ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِإِعْزَازِهِ أَوْ لِفَائِدَةٍ أُخْرَى عَائِدَةٍ إِلَيْهِ بَلْ لِكَمَالِ الِاسْتِهَانَةِ بِهِ وَتَفْضِيحِهِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَزِيَادَةِ تَفْظِيعِ حَالِهِ كَمَنْ يُقْتَلُ ثُمَّ يُجَرُّ جَسَدُهُ فِي الْأَسْوَاقِ وَيُطْرَحُ جِيفَةً فِي الْمَيْدَانِ أَوْ يُدَارُ بِرَأْسِهِ فِي النَّوَاحِي وَالْبُلْدَانِ وَاللَّامُ الْأَوْلَى مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفِعْلِ وَالثَّانِيَةُ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ حَالًا مِنْ (آيَةً) أَيْ كَائِنَةً لِمَنْ خَلْفَكَ وَجَادَ الرَّدُّ عَلَى هَذَا الْمَخْذُولِ عَلَى طَرْزِ مَا أَتَى بِهِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90آمَنْتُ أَنَّهُ إِلَخْ فِي اشْتِمَالِهِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَفَكَّرَ فِي الْآيَةِ وَقَدْ قَرَّرَ فَحْوَى الْمَحْكِيِّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=92وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ 92 أَيْ لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا وَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا وَهُوَ اعْتِرَاضٌ تَذْيِيلِيٌّ جِيءَ بِهِ عِنْدَ الْحِكَايَةِ لِذَلِكَ وَلِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَشْبَاهِهَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَفْرِ الْمَخْذُولِ وَعَدَمِ قَبُولِ إِيمَانِهِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ
ابْنُ عَدِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=14687وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=939924خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فِي بَطْنِ أُمِّهِ مُؤْمِنًا وَخَلَقَ فِرْعَوْنَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ كَافِرًا . فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا بِلَا رَيْبٍ وَبِذَلِكَ قَالَ
الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الْفُتُوحَاتِ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ مِنْهُ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الَّذِينَ خَذَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْعِبَادِ جَعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ طَائِفَةٌ لَا تَضُرُّهُمُ الذُّنُوبُ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْهُمْ وَإِلَيْهِمُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=268وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَهَؤُلَاءِ لَا تَمَسُّهُمُ النَّارُ بِمَا
[ ص: 185 ] تَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَاسْتِغْفَارِ الْمَلَأ الْأَعْلَى وَدُعَائِهِمْ لَهُمْ
وَقَسَّمَ الطَّائِفَةَ الْأُخْرَى إِلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ أَخْرَجَهُمْ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ التَّوْحِيدِ مَاتُوا وَلَمْ تُكَفَّرْ عَنْهُمْ خَطَايَاهُمْ وَقِسْمٌ آخَرُ أَبْقَاهُمْ فِي النَّارِ وَهُمُ الْمُجْرِمُونَ خَاصَّةً الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=59وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ وَلَهُمْ يُقَالُ: أَهْلُ النَّارِ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَعْمُرُونَهَا وَهُمْ عَلَى أَرْبَعِ طَوَائِفَ كُلُّهُمْ فِي النَّارِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا . الطَّائِفَةُ الْأُولَى الْمُتَكَبِّرُونَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى
كَفِرْعَوْنَ وَأَشْبَاهِهِ مِمَّنِ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ لِنَفْسِهِ وَنَفَاهَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى يُرِيدُ بِهِ مَا فِي السَّمَاءِ غَيْرِي وَكَذَلِكَ
نُمْرُوذُ وَغَيْرُهُ
وَالثَّانِيَةُ الْمُشْرِكُونَ وَهُمُ الَّذِينَ أَثْبَتُوا اللَّهَ تَعَالَى إِلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى وَقَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وَالثَّالِثَةُ الْمُعَطِّلَةُ وَهُمُ الَّذِينَ نَفَوُا الْإِلَهَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَمْ يُثْبِتُوا لِلْعَالَمِ إِلَهًا أَصْلًا وَالرَّابِعَةُ الْمُنَافِقُونَ وَهُمُ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ لِلْقَهْرِ الَّذِي حُكِمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي نُفُوسِهِمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنِ اعْتِقَادِ إِحْدَى هَذِهِ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ فَهُؤَلَاءِ الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ هُمْ أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ انْتَهَى .
وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا إِلَّا أَنَّهُ ذَهَبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ إِلَى خِلَافِهِ فَقَالَ فِي الْبَابِ السَّابِعِ وَالسِّتِّينَ وَمِائَةٍ مَا حَاصِلُهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ طَبَعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ مُظْهِرٍ لِلْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَأَنَّ
فِرْعَوْنَ فِي نَفْسِهِ أَذَلُّ الْأَذِلَّاءِ أَمَرَ
مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنْ يُعَامِلَاهُ بِالرَّحْمَةِ وَاللِّينِ لِمُنَاسَبَةِ بَاطِنِهِ وَاسْتِنْزَالِ ظَاهِرِهِ مِنْ جَبَرُوتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى وَلَعَلَّ وَعَسَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجَبَتَانِ فَتَذَكَّرْ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنَ اللِّينِ وَالْمَسْكَنَةِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي بَاطِنِهِ لِيَكُونَ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ عَلَى السَّوَاءِ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ الْخَمِيرَةُ مَعَهُ تَعْمَلُ فِي بَاطِنِهِ مَعَ التَّرَجِّي الْإِلَهِيِّ الْوَاجِبِ فِيهِ وُقُوعُ الْمُتَرَجَّى وَيَتَقَوَّى حُكْمُهَا إِلَى حِينِ انْقِطَاعِ يَأْسِهِ مِنِ اتِّبَاعِهِ وَحَالَ الْغَرَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَطْمَاعِهِ لَجَأَ إِلَى مَا كَانَ مُسْتَتِرًا فِي بَاطِنِهِ مِنَ الذِّلَّةِ وَالِافْتِقَارِ لِيَتَحَقَّقَ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ وُقُوعُ الرَّجَاءِ الْإِلَهِيِّ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنْتُ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرُفِعَ الْإِشْكَالُ مِنَ الْإِشْكَالِ كَمَا قَالَتِ السَّحَرَةُ لَمَّا آمَنَتْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=121آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=122رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ أَيِ الَّذِي يَدْعُوَانِ إِلَيْهِ فَجَاءَتْ بِذَلِكَ لِدَفْعِ الِارْتِيَابِ وَرَفْعِ الْإِشْكَالِ وَقَوْلُهُ: وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ خِطَابٌ مِنْهُ لِلْحَقِّ تَعَالَى لِعِلْمِهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ فَخَاطَبَهُ الْحَقُّ بِلِسَانِ الْغَيْبِ وَسَمِعَهُ آلْآنَ أَظْهَرْتَ مَا قَدْ كُنْتَ تَعْلَمُهُ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ لِأَتْبَاعِكَ وَمَا قَالَ لَهُ (وَأَنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) فَهِيَ كَلِمَةُ بُشْرَى لَهُ عَرَّفَنَا بِهَا لِنَرْجُوَ رَحْمَتَهُ مَعَ إِسْرَافِنَا وَإِجْرَامِنَا ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=92فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يَعْنِي لِتَكُونَ النَّجَاةُ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ آيَةً أَيْ عَلَامَةً إِذَا قَالَ مَا قُلْتَهُ تَكُونُ لَهُ النَّجَاةُ مِثْلَ مَا كَانَتْ لَكَ وَمَا فِي الْآيَةِ أَنَّ بَأْسَ الْآخِرَةِ لَا يَرْتَفِعُ وَأَنَّ إِيمَانَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّ بَأْسَ الدُّنْيَا لَا يَرْتَفِعُ عَمَّنْ نَزَلَ بِهِ إِذَا آمَنَ فِي حَالِ نُزُولِهِ إِلَّا قَوْمَ
يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=92فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ بِمَعْنَى أَنَّ الْعَذَابَ لَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِظَاهِرِكَ وَقَدْ أَرَيْتُ الْخَلْقَ نَجَاتَهُ مِنَ الْعَذَابِ فَكَانَ ابْتِدَاءُ الْغَرَقِ عَذَابًا فَصَارَ الْمَوْتُ فِيهِ شَهَادَةً خَالِصَةً بَرِيئَةً لَمْ يَتَخَلَّلْهَا مَعْصِيَةٌ فَقُبِضَ عَلَى أَفْضَلِ عَمَلٍ وَهُوَ التَّلَفُّظُ بِالْإِيمَانِ كُلُّ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَقْنَطَ أَحَدٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا فَلَمْ يَزَلِ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ تَعَالَى يَجُولُ فِي بَاطِنِهِ وَقَدْ حَالَ الطَّابَعُ الْإِلَهِيُّ الذَّاتِيُّ فِي الْخَلْقِ بَيْنَ الْكِبْرِيَاءِ وَاللَّطَائِفِ الْإِنْسَانِيَّةِ فَلَمْ يَدْخُلْهَا قَطُّ كِبْرِيَاءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا فَكَلَامٌ مُحَقَّقٌ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ فَإِنَّ النَّافِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَا نَفَعَهُمْ إِلَّا
[ ص: 186 ] هُوَ سُبْحَانَهُ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ فَيَعْنِي بِذَلِكَ الْإِيمَانِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَأْسِ الْغَيْرِ الْمُعْتَادِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=15وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا فَغَايَةُ هَذَا الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ كَرْهًا وَقَدْ أَضَافَهُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ إِلَيْهِ وَالْكَرَاهَةُ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَالْإِيمَانُ كَذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ مَا يَجِدُهُ مِنَ الْمَشَقَّةِ فِيهَا بَلْ يُضَاعِفُ لَهُ فِيهَا الْأَجْرَ وَأَمَّا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ فَالْمَشَقَّةُ مِنْهُ بَعِيدَةٌ بَلْ جَاءَ طَوْعًا فِي إِيمَانِهِ وَمَا عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ قُبِضَ وَلَمْ يُؤَخَّرْ لِئَلَّا يَرْجِعَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّعْوَى وَلَوْ قُبِضَ رُكَّابُ الْبَحْرِ الَّذِينَ قَالَ سُبْحَانَهُ فِيهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ عِنْدَ نَجَاتِهِمْ لَمَاتُوا مُوَحِّدِينَ وَقَدْ حَصَلَتْ لَهُمُ النَّجَاةُ ثُمَّ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي تَتْمِيمِ قِصَّتِهِ هَذِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=92وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ عَلَى مَعْنَى قَدْ ظَهَرَتْ نَجَاتُكَ آيَةً أَيْ عَلَامَةً عَلَى حُصُولِ النَّجَاةِ فَغَفَلَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَضَوْا عَلَى الْمُؤْمِنِ بِالشَّقَاءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=98فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا مَعَهُمْ بَلْ قَالَ جَلَّ وَعَلَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ وَلَمْ يَقُلْ أَدْخِلُوا
فِرْعَوْنَ وَآلَهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَعُ مِنْ أَنْ لَا يَقْبَلَ إِيمَانَ الْمُضْطَرِّ وَأَيُّ اضْطِرَارٍ أَعْظَمُ مِنِ اضْطِرَارِ
فِرْعَوْنَ فِي حَالِ الْغَرَقِ؟ وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ فَقَرَنَ لِلْمُضْطَرِّ إِذَا دَعَاهُ بِالْإِجَابَةِ وَكَشْفِ السُّوءِ عَنْهُ وَهَذَا آمَنَ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا وَمَا دَعَاهُ فِي الْبَقَاءِ فِي الْحَيَاةِ وَالدُّنْيَا خَوْفًا مِنَ الْعَوَارِضِ وَأَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْإِخْلَاصِ الَّذِي جَاءَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَرَجَّحَ جَانِبَ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْبَقَاءِ بِالتَّلَفُّظِ بِالْإِيمَانِ وَجَعَلَ ذَلِكَ الْغَرَقَ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى فَلَمْ يَكُنْ عَذَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ غَمِّ الْمَاءِ الْأُجَاجِ وَقَبْضِهِ عَلَى أَحْسَنِ صِفَةٍ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْطِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=26إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى يَعْنِي فِي أَخْذِهِ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى
وَقَدَّمَ سُبْحَانَهُ ذِكْرَ الْآخِرَةِ عَلَى الْأُولَى لِيُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَذَابَ أَعْنِي عَذَابَ الْغَرَقِ هُوَ نَكَالُ الْآخِرَةِ وَهَذَا هُوَ الْفَضْلُ الْعَظِيمُ انْتَهَى وَهُوَ نَصٌّ فِي إِيمَانِهِ بَلْ فِي كَوْنِهِ مِنَ الشُّهَدَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْتَ غَرَقًا شَهَادَةٌ لِلْمُومِنِينَ كَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الدِّينِ عَلَى خِلَافٍ فِي مَوْتِ مَنْ قَصَّرَ فِي تَعَلُّمِ السِّبَاحَةِ غَرِيقًا هَلْ يُعَدُّ شَهَادَةً أَمْ لَا فَإِنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُقَصِّرَ الْمَذْكُورَ إِذَا مَاتَ غَرِيقًا مَاتَ عَاصِيًا لَا شَهِيدًا وَإِنَّمَا الشَّهِيدُ مَنْ مَاتَ كَذَلِكَ وَكَانَ عَارِفًا بِالسِّبَاحَةِ أَوْ غَيْرَ مُقَصِّرٍ فِي تَعَلُّمِهَا لَكِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ وَكَأَنَّ الشَّيْخَ قُدِّسَ سِرُّهُ لَا يَقُولُ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ
فِرْعَوْنَ كَانَ مِمَّنْ يَعْلَمُ السِّبَاحَةَ أَوْ مِمَّنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِي تَعَلُّمِهَا أَوْ أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ الْإِيمَانَ كَفَّرَ عَنْهُ كُلَّ مَعْصِيَةٍ قَبْلَهُ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ مَعْصِيَةُ التَّقْصِيرِ مَثَلًا الَّتِي هِيَ دُونَ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي بِأَلْفِ أَلْفِ مَرْتَبَةٍ لَكِنْ لَا أَدْرِي هَلِ الْغَرِيقُ شَهِيدٌ فِي شَرِيعَةِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي شَرِيعَتِنَا أَمْ هَذَا الْأَمْرُ مِنْ خَوَاصِّ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِهَا بِمَا أَنْعَمَ كَرَامَةً لِنَبِيِّهَا صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَهَبَ قُدِّسُ سِرُّهُ فِي كِتَابِهِ فُصُوصُ الْحُكْمِ إِلَى نَحْوِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَخِيرًا فِي كِتَابِهِ الْفُتُوحَاتِ وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ عِنْدِي لَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنْ قَوْلِهِ قُدِّسَ سِرُّهُ بِإِيمَانِ قَوْمِ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَثِيرٍ مِنْ أَضْرَابِهِمْ وَنَجَاتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفُصُوصِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُ لَمْ يَكْثُرْ مُعْتَرِضُوهُ فِي ذَلِكَ كَثْرَتَهُمْ فِي الْقَوْلِ بِإِيمَانِ
فِرْعَوْنَ وَقَدِ انْتَصَرَ لَهُ بَعْضُ النَّاسِ وَمِنْهُمْ فِي الْمَشْهُورِ
الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ وَلَهُ رِسَالَةٌ فِي ذَلِكَ أَتَى فِيهَا بِمَا لَا يُعَدُّ شَيْئًا عِنْدَ أَصَاغِرِ الطَّلَبَةِ لَكِنْ فِي تَارِيخِ
حَلَبَ لِلْفَاضِلِ الْحَلَبِيِّ كَمَا قَالَ مَوْلَانَا
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشِّهَابُ إِنَّهَا لَيْسَتْ
لِلْجَلَالِ وَإِنَّمَا هِيَ لِرَجُلٍ يُسَمَّى
مُحَمَّدَ بْنَ هِلَالٍ النَّحْوِيَّ وَقَدْ رَدَّهَا
الْقَزْوِينِيُّ [ ص: 187 ] وَشَنَّعَ عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّمَا مَثَلُهُ مَثَلُ رَجُلٍ خَامِلِ الذِّكْرِ لَمَّا قَدِمَ
مَكَّةَ بَالَ فِي
زَمْزِمَ لِيَشْتَهِرَ بَيْنَ النَّاسِ وَفِي الْمَثَلِ خَالِفْ تُعْرَفْ وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهَا لَيْسَتْ
لِلْجَلَالِ أَنَّهُ شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ حَاشِيَتُهُ عَلَى الْأَنْوَارِ وَفِي فَتَاوَى
ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ بَعْضَ فُقَهَائِنَا كَفَّرَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى إِيمَانِ
فِرْعَوْنَ مَعَ مَا عِلِيهِ تِلْكَ الرِّسَالَةُ مِنِ اخْتِلَالِ الْعِبَارَةِ وَظُهُورِ الرَّكَاكَةِ وَعَدَمِ مُشَابَهَتِهَا لِسَائِرِ تَأْلِيفَاتِهِ وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَسَرَدْتُهَا عَلَيْكَ وَبِالْجُمْلَةِ ظَوَاهِرُ الْآيِ صَرِيحَةٌ فِي كُفْرِ
فِرْعَوْنِ وَعَدَمِ قَبُولِ إِيمَانِهِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=39وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=40فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي اسْتِمْرَارِ
فِرْعَوْنَ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي الْمُوجِبَةِ لِمَا حَلَّ بِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِكَانَ وَالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ وَمَعَ الْإِيمَانِ لَا اسْتِمْرَارَ عَلَى أَنْ نَظَّمَهُ فِي سِلْكِ مَنْ ذُكِرَ مَعَهُ ظَاهِرٌ أَيْضًا فِي الْمُدَّعَى . وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَدُوٌّ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ وَهِيَ لِلثُّبُوتِ فَيَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ عَدَاوَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَعَدَاوَتِهِ لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَثُبُوتُ إِحْدَى الْعَدَاوَتَيْنِ كَافٍ فِي سُوءِ حَالِهِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ وَقَدْ صَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20003إِيمَانَ الْبَأْسِ وَالْيَأْسِ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ إِيمَانَ الْمَخْذُولِ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ وَإِنْكَارَهُ مُكَابَرَةٌ وَقَدْ حَكَى إِجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ وَمُسْتَنَدُهُمْ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَا يُنْقَلُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867الْإِمَامِ مَالِكٍ مِنَ الْقَبُولِ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُطَّلِعِينَ عَلَى أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ وَاخْتِلَافَاتِهِمْ نَعَمْ صَرَّحَ الْإِمَامُ
الْقَاضِي عَبْدُ الصَّمَدِ مِنْ سَادَاتِنَا الْحَنَفِيَّةِ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَنَّ مَذْهَبَ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الْإِيمَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَوْ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ وَهَذَا الْإِمَامُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى
الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ قُدِّسَ سِرُّهُ بِنَحْوِ مِائَةِ سَنَةٍ وَحِينَئِذٍ تُشَكَّلُ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: بِعَدَمِ تَسْلِيمِ صِحَّةِ ذَلِكَ عَنِ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِمْ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِلدَّلَالَةِ الظَّاهِرَةِ فِي عَدَمِ النَّفْعِ فَلَا يُخِلُّ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الزَّوَاجِرِ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لَا يَضُرُّنَا ذَلِكَ فِي دَعْوَى إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى كُفْرِ
فِرْعَوْنَ لِأَنَّا نَحْكُمُ بِكُفْرِهِ لِأَجْلِ إِيمَانِهِ عِنْدَ الْبَأْسِ فَحَسْبُ بَلْ لِمَا انْضَمَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ تَعَالَى إِيمَانًا صَحِيحًا بَلْ كَانَ تَقْلِيدًا مَحْضًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَكَأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ لِلْعَالَمِ إِلَهًا فَآمَنَ بِذَلِكَ الْإِلَهِ الَّذِي سَمِعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقِرُّونَ بِوُجُودِهِ وَهَذَا هُوَ مَحْضُ التَّقْلِيدِ الَّذِي لَا يُقْبَلُ لَا سِيَّمَا مِنْ مِثْلِ
فِرْعَوْنَ الَّذِي كَانَ دَهْرِيًّا مُنْكِرًا لِوُجُودِ الصَّانِعِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بُرْهَانٍ قَطْعِيٍّ يُزِيلُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِقَادِ الْخَبِيثِ الْبَالِغِ نِهَايَةَ الْقُبْحِ وَالْفُحْشِ وَأَيْضًا لَا بُدَّ فِي إِسْلَامِ الدَّهْرِيِّ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ كَانَ قَدْ دَانَ بِشَيْءٍ أَنْ يُقِرَّ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ فَلَوْ قَالَ: آمَنْتُ بِالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا وَفِرْعَوْنُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِبُطْلَانِ مَا كَانَ كَفَرَ بِهِ مِنْ نَفْيِ الصَّانِعِ وَادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ لِنَفْسِهِ الْخَبِيثَةِ وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَا يُدْرَى مَا الَّذِي أَرَادَ بِهِ فَلِذَا صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ آمَنْتُ بِالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَا يَحْصُلُ الْإِيمَانُ لِلِاحْتِمَالِ فَكَذَا مَا قَالَهُ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ تَعَالَى مَعَ عَدَمِ الْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ لَا يَصِحُّ فَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ
فِرْعَوْنَ آمَنَ بِاللَّهِ تَعَالَى إِيمَانًا صَحِيحًا فَهُوَ لَمْ يُؤْمِنْ
بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا تَعَرَّضَ لَهُ أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ إِيمَانُهُ نَافِعًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ قَالَ أُلُوفًا مِنَ الْمَرَّاتِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ إِلَّا الَّذِي آمَنَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَقُولَ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ .
[ ص: 188 ] وَالسَّحَرَةُ تَعَرَّضُوا فِي إِيمَانِهِمْ لِلْإِيمَانِ
بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِمْ: آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ
مُوسَى وَهَارُونَ فَلَا يُقَالُ: إِنَّ إِيمَانَ
فِرْعَوْنَ عَلَى طَرْزِ إِيمَانِهِمْ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّ إِيمَانَهُمْ حِينَ آمَنُوا كَانَ بِمُعْجِزَةِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْإِيمَانِ بِمُعْجِزَةِ الرَّسُولِ إِيمَانٌ بِالرَّسُولِ فَهُمْ آمَنُوا
بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِخِلَافِ
فِرْعَوْنَ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِيمَانِ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَصْلًا بَلْ فِي ذِكْرِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ دُونَهُ مَعَ أَنَّهُ الرَّسُولُ الْعَارِفُ بِالْإِلَهِ وَمَا يَلِيقُ بِهِ وَالْهَادِي إِلَى طَرِيقِهِ إِشَارَةٌ مَا إِلَى بَقَائِهِ عَلَى كُفْرِهِ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ
الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ فِي تَوْجِيهِ آيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ إِلَخْ خَارِجٌ عَنْ ذَوْقِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ وَتَجَشُّمُ تَكَلُّفٍ لَا مَعْنَى لَهُ وَيُرْشِدُكَ إِلَى بَعْضِ ذَلِكَ أَنَّهُ قُدِّسَ سِرُّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=91آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ إِلَخْ عَلَى الْعَتَبِ وَالْبُشْرَى مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ إِيمَانُهُ وَإِسْلَامُهُ لَكَانَ الْأَنْسَبَ بِمَقَامِ الْفَضْلِ الَّذِي إِلَيْهِ طَمَحَ نَظَرُ الشَّيْخِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: الْآنَ نَقْبَلُكَ وَنُكْرِمُكَ لِاسْتِلْزَامِ صِحَّةِ إِيمَانِهِ رِضَا الْحَقِّ عَنْهُ وَمَنْ وَقَعَ لَهُ الرِّضَا لَا يُخَاطَبُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْخِطَابِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ وُقُوفٌ عَلَى أَسَالِيبِ كَلَامِ
الْعَرَبِ وَمُحَاوَرَاتِهِمْ وَأَيْضًا كَيْفَ يُخَاطَبُ مَنْ مَحَا الْإِيمَانُ عِصْيَانَهُ وَإِفْسَادَهُ بِمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّأْنِيبِ الْمَحْضِ وَالتَّقْرِيعِ الصِّرْفِ وَالتَّوْبِيخِ الْبَحْتِ فَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِإِقَامَةِ أَعْظَمِ نَوَامِيسِ الْغَضَبِ عَلَيْهِ وَتَذْكِيرِهِ بِقَبَائِحِهِ الَّتِي قَدَّمَهَا وَإِعْلَامِهِ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي مَنَعَتْهُ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْإِيمَانِ إِلَى حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ وَكَذَا تَأْوِيلُهُ فَلَمْ يَكْ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ بِأَنَّ النَّافِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ نِسْبَةُ الْأَشْيَاءِ إِلَى أَسْبَابِهَا إِيجَابًا وَسَلْبًا فَإِذَا قِيلَ: لَا يَنْفَعُ الْإِيمَانُ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ إِلَّا الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَأَيُّ مَعْنًى سَوَّغَ تَخْصِيصَ نَفْعِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الَّتِي هِيَ حَالَةُ وُقُوعِ الْعَذَابِ مَعَ النَّظَرِ إِلَى مَا هُوَ الْوَاقِعُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ النَّافِعُ حَقِيقَةً فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَوْ نَفَعَهُمْ لَمَا اسْتَأْصَلَهُمْ بِالْعَذَابِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=78وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ أَنَّهُمْ بَاقُونَ مَعَ ذَلِكَ الْإِيمَانِ عَلَى الْكُفْرِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِي كَلَامِهِ قُدِّسَ سِرُّهُ فَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ مَا ذَهَبَ أَوَّلًا إِلَيْهِ وَقَدْ قَالُوا: إِذَا اخْتَلَفَ كَلَامُ إِمَامٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِمَا يُوَافِقُ الْأَدِلَّةَ الظَّاهِرَةُ ( وَيُعْرَضُ عَمَّا خَالَفَهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَوَّلًا هُوَ الْمُوَافِقُ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدِّسَ سِرُّهُ إِلَّا الْقَوْلُ بِقَبُولِ إِيمَانِهِ لَا يَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ وَالْأَخْذُ بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَشَهِدَتْ بِهِ أَئِمَّةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَجَلَالَةُ قَائِلِهِ لَا تُوجِبُ الْقَبُولَ فَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَرْدُودٌ عَلَيْهِ إِلَّا صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ
عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ: لَا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ قَالَ وَانْظُرْ إِلَى مَا قَالَ وَكَأَنَّ
الشَّيْخَ قُدِّسَ سِرُّهُ قَالَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ وَالنَّظَرُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اجْتِهَادًا جَاءَ الْوَحْيُ بِخِلَافِهِ لَمْ يَسْتَعْظِمْ مَا قِيلَ فِي
الشَّيْخِ وَإِنْ كَانَ هُوَ - هُوَ - عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْكَشْفِ إِلَّا أَنَّهُ أَبْدَى الِاسْتِدْلَالَ تَفْهِيمًا وَإِرْشَادًا إِلَى أَنَّ فَهْمَهُ لَمْ يُخَالِفْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ لَمْ يَلْزَمْنَا أَيْضًا تَقْلِيدُهُ بَلْ قَدْ مَرَّ عَنِ الْإِمَامِ
الرَّبَّانِيِّ قُدِّسَ سِرُّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْكَشْفِ وَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْغَيْرِ كَالْإِلْهَامِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَأَنْتَ تُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الْكَشْفِ يَلْزَمُ انْقِسَامُ الْكَشْفِ إِلَى صَوَابٍ وَخَطَأٍ كَالنَّظَرِ ضَرُورَةَ عَدَمِ اجْتِمَاعِ الْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ عَلَى الْكَذِبِ وَلَا عَلَى الصِّدْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: بِالِانْقِسَامِ وَيَخْفَى وَجْهَهُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ أَوَّلَ كَلَامَ الشَّيْخِ الْمُثْبِتَ لِقَبُولِ الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْمُرَادَ
بِفِرْعَوْنَ فِيهِ النَّفْسُ
[ ص: 189 ] الْأَمَّارَةُ
وَبِمُوسَى وَهَارُونَ الْمَأْمُورَيْنِ بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ
مُوسَى الرُّوحُ
وَهَارُونُ الْقَلْبُ وَأَخَذَ يُقَرِّرُ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا السَّنَنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ ارْتِكَابَ ذَلِكَ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ الظَّاهِرِ الْكَلَفِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مَا يَأْبَاهُ وَلَعَلَّهُ خِلَافُ مَطْمَحِ نَظَرِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَرْتَكِبْهُ أَجِلَّةُ أَصْحَابِهِ بَلْ أَبْقَوْا كَلَامَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِكْفَارُ بَعْضِ الْمُنْكِرِينَ لَهُ فِيهِ ضَلَالٌ وَأَيُّ ضَلَالٍ وَظُلْمٍ عَظِيمٍ مُوجِبٍ لِلنَّكَالِ فَإِنَّ لَهُ قُدِّسَ سِرُّهُ فِي ذَلِكَ مُسْتَنَدًا كَغَيْرِهِ الْمُقَابِلِ لَهُ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ مِمَّا كُلِّفْنَا بِهِ فَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِهَا فِي الدِّينِ وَاللَّهُ تَعَالَى الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ