nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=28975_33368_11156_11158_17945والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25nindex.php?page=treesubj&link=25800_28975ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=29485_28975يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن [ ص: 618 ] الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=27والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=28يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29nindex.php?page=treesubj&link=28975_4419_5367يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=30ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=27522_30520_28975إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=32nindex.php?page=treesubj&link=18736_28975ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله .كان بكل شيء عليما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=13653_28975ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34nindex.php?page=treesubj&link=25929_28975الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35nindex.php?page=treesubj&link=17969_15500_28975وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا
هذا الدرس تكملة لما جاء في هذه السورة عن تنظيم الأسرة، على قواعد الفطرة ، ولا يعود السياق بعد ذلك إلا في موضعين لبيان بعض الأحكام التكميلية في هذا الموضوع الأساسي الهام، الذي يترتب على تنظيمه جريان الحياة الإنسانية في مجراها الفطري الهادئ الصالح، كما يترتب على انحرافها عنه فساد في الأرض كبير.
وهذا الدرس يتضمن تكملة لبيان المحرمات من النساء ثم يحدد الطريقة التي يحب الله أن يجتمع عليه الرجال والنساء في مؤسسة الأسرة النظيفة، ويكشف عما في هذه الطريقة من تيسير على الناس وتخفيف، إلى جانب نظافتها وطهارتها، ويقرر القواعد التنظيمية التي تقوم عليها تلك المؤسسة الأساسية، والحقوق والواجبات الملقاة على عاتق الطرفين المتعاقدين فيها.
وإلى جانب هذا التنظيم في الأسرة يتطرق إلى شيء من التنظيم لبعض علاقات المجتمع المسلم في الأموال; فيبين حقوق الرجال والنساء، في المال المكتسب، والمال الموروث، وما يتبع كذلك في تصفية ما كان من عقود التوارث بالولاء بين غير الأقارب.
[ ص: 619 ] ومما يلاحظ - بوجه عام - أن السياق يربط ربطا دقيقا بين هذه التنظيمات والأحكام وبين الأصل الأول الكبير للإيمان: وهو أن هذه التنظيمات والأحكام صادرة من الله، وهي مقتضى ألوهيته. فأخص خصائص الألوهية - كما كررنا ذلك في مطلع السورة - هو الحاكمية، والتشريع للبشر، ووضع الأسس التي تقوم عليها حياتهم وارتباطاتهم.
والسياق ما يني يكرر هذا الارتباط الدقيق; وينبه إلى هذه الخاصية من خصائص الألوهية. ويكرر كذلك الإشارة إلى صدور هذه التنظيمات عن العليم الحكيم.. وهي إشارة ذات مغزى.. فالأمر في هذا المنهج الإلهي كله هو قبل كل شيء أمر العلم الشامل الكامل، والحكمة المدركة البصيرة.. هذه الخصائص الإلهية التي يفقدها الإنسان، فلا يصلح بعدها أبدا لوضع المنهج الأساسي لحياة الإنسان! ومن هنا شقوة الإنسان في الأرض كلما حاد عن منهج العليم الحكيم، وراح يخبط في التيه بلا دليل، ويزعم أنه قادر، بجهله وطيشه وهواه، أن يختار لنفسه ولحياته خيرا مما يختاره الله!!!
والأمر الآخر الذي يؤكده سياق الدرس ويكرره: هو أن منهج الله هذا أيسر على الإنسان وأخف وأقرب إلى الفطرة، من المناهج التي يريدها البشر ويهوونها، وأنه من رحمة الله بضعف الإنسان أن يشرع له هذا المنهج، الذي تكلفه الحيدة عنه عنتا ومشقة، فوق ما تكلفه من هبوط وارتكاس .
وسنرى - عند استعراض النصوص بالتفصيل - مصداق هذه الحقيقة في واقع البشر التاريخي وهي حقيقة واضحة في هذا الواقع، لولا أن الهوى يطمس القلوب، ويعمي العيون، عندما ترين الجاهلية على القلوب والعيون!
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24والمحصنات من النساء - إلا ما ملكت أيمانكم - كتاب الله عليكم - وأحل لكم - ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين. فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة. إن الله كان عليما حكيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=26يريد الله ليبين لكم، ويهديكم سنن الذين من قبلكم، ويتوب عليكم، والله عليم حكيم nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=27والله يريد أن يتوب عليكم، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=28يريد الله أن يخفف عنكم، وخلق الإنسان ضعيفا ..
لقد سبق في نهاية الجزء الرابع بيان المحرمات من النساء حرمة ذاتية، وذلك في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=22ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء - إلا ما قد سلف - إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23حرمت عليكم أمهاتكم، وبناتكم، وأخواتكم، وعماتكم، وخالاتكم، وبنات الأخ، وبنات الأخت، وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، [ ص: 620 ] وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن - فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم - وحلائل أبنائكم - الذين من أصلابكم - وأن تجمعوا بين الأختين - إلا ما قد سلف - إن الله كان غفورا رحيما .
أما هذه التكملة:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24والمحصنات من النساء ...
فتتعلق بالمحرمات لأنهن في عصمة رجال آخرين محصنات بالزواج منهم: فهن محرمات على غير أزواجهن، لا يحل نكاحهن ... وذلك تحقيقا للقاعدة الأولى في نظام المجتمع الإسلامي، من قيامه على قاعدة الأسرة، وجعلها وحدة المجتمع، وصيانة هذه الأسرة من كل شائبة، ومن كل اختلاط في الأنساب، ينشأ من "شيوعية" الاتصال الجنسي، أو ينشأ من انتشار الفاحشة، وتلوث المجتمع بها.
والأسرة القائمة على الزواج العلني، الذي تتخصص فيه امرأة بعينها لرجل بعينه، ويتم به الإحصان - وهو الحفظ والصيانة - هي أكمل نظام يتفق مع فطرة "الإنسان" وحاجاته الحقيقية، الناشئة من كونه إنسانا، لحياته غاية أكبر من غاية الحياة الحيوانية - وإن كانت تتضمن هذه الغاية في ثناياها - ويحقق أهداف المجتمع الإنساني، كما يضمن لهذا المجتمع السلم المطمئنة: سلم الضمير ، وسلم البيت ، وسلم المجتمع في نهاية المطاف .
والملاحظ بصفة ظاهرة، أن الطفل الإنساني يحتاج إلى فترة رعاية أطول من الفترة التي يحتاج إليها طفل أي حيوان آخر. كما أن التربية التي يحتاج إليها ليصبح قادرا على إدراك مقتضيات الحياة الإنسانية الاجتماعية المترقية - التي يتميز بها الإنسان - تمتد إلى فترة طويلة أخرى.
وإذا كانت غاية الميل الجنسي في الحيوان تنتهي عند تحقيق الاتصال الجنسي والتناسل والإكثار، فإنها في الإنسان لا تنتهي عند تحقيق هذا الهدف، إنما هي تمتد إلى هدف أبعد هو الارتباط الدائم بين الذكر والأنثى - بين الرجل والمرأة - ليتم إعداد الطفل الإنساني لحماية نفسه وحفظ حياته، وجلب طعامه وضرورياته، كما يتم - وهذا هو الأهم بالنسبة لمقتضيات الحياة الإنسانية - تربية هذا الطفل وتزويده برصيد من التجارب الإنسانية والمعرفة الإنسانية يؤهله للمساهمة في حياة المجتمع الإنساني، والمشاركة في حمل تبعته من اطراد الترقي الإنساني عن طريق الأجيال المتتابعة.
ومن ثم لم تعد اللذة الجنسية هي المقوم الأول في حياة الجنسين في عالم الإنسان; إنما هي مجرد وسيلة ركبتها الفطرة فيهما ليتم الالتقاء بينهما ويطول بعد الاتصال الجنسي للقيام بواجب المشاركة في اطراد نمو النوع. ولم يعد "الهوى" الشخصي هو الحكم في بقاء الارتباط بين الذكر والأنثى. إنما الحكم هو "الواجب" ... واجب النسل الضعيف الذي يجيء ثمرة للالتقاء بينهما، وواجب المجتمع الإنساني الذي يحتم عليهما تربية هذا النسل إلى الحد الذي يصبح معه قادرا على النهوض بالتبعة الإنسانية، وتحقيق غاية الوجود الإنساني.
وكل هذه الاعتبارات تجعل الارتباط بين الجنسين على قاعدة الأسرة، هو النظام الوحيد الصحيح. كما تجعل تخصيص امرأة لرجل هو الوضع الصحيح الذي تستمر معه هذه العلاقة. والذي يجعل "الواجب" لا مجرد اللذة ولا مجرد الهوى، هو الحكم في قيامها، ثم في استمرارها، ثم في معالجة كل مشكلة تقع في
[ ص: 621 ] أثنائها، ثم عند فصم عقدتها عند الضرورة القصوى.
وأي تهوين من شأن روابط الأسرة، وأي توهين للأساس الذي تقوم عليه - وهو "الواجب" لإحلال "الهوى" المتقلب، و "النزوة" العارضة، و "الشهوة" الجامحة محله، هي محاولة آثمة، لا لأنها تشيع الفوضى والفاحشة والانحلال في المجتمع الإنساني فحسب، بل كذلك لأنها تحطم هذا المجتمع وتهدم الأساس الذي يقوم عليه.
ومن هنا ندرك مدى الجريمة التي تزاولها الأقلام والأجهزة الدنسة، المسخرة لتوهين روابط الأسرة، والتصغير من شأن الرباط الزوجي، وتشويهه وتحقيره، للإعلاء من شأن الارتباطات القائمة على مجرد الهوى المتقلب، والعاطفة الهائجة، والنزوة الجامحة ، وتمجيد هذه الارتباطات، بقدر الحط من الرباط الزوجي!
كما ندرك مدى الحكمة والعمق في قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لرجل أراد أن يطلق زوجته، معللا ذلك بأنه لم يعد يحبها: "ويحك! ألم تبن البيوت إلا على الحب؟ فأين الرعاية؟ وأين التذمم؟ " .. مستمدا قولته هذه من توجيه الله سبحانه وتربية القرآن الكريم لتلك الصفوة المختارة من عباده:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا .. وذلك للإمساك بالبيوت - ما أمكن - ومقاومة نزوات القلوب، وعلاجها حتى تفيء، وعدم بت هذه الصلة إلا حين تفلس المجادلات كلها، رعاية للجيل الناشئ في هذه البيوت; وصيانة لها من هزات العاطفة المتقلبة، والنزوة الجامحة، والهوى الذاهب مع الريح!
وفي ظل هذه النظرة السامية العميقة، تتبدى التفاهة والسطحية فيما ينعق به اليوم أولئك المائعون، وهم يمجدون كل ارتباط إلا الارتباط الذي يحكم الواجب، والذي يرعى أمانة الجنس البشري كله، وهي تنشئة أجيال تنهض بمقتضيات الحياة الإنسانية المترقية، وتحكيم مصلحة هذه الأجيال، لا مصلحة العواطف الوقتية الزائلة!
إن أقلاما دنسة رخيصة وأجهزة خبيثة لئيمة توحي لكل زوجة ينحرف قلبها قليلا عن زوجها أن تسارع إلى خدين; ويسمون ارتباطها بخدينها هذا "رباطا مقدسا" ! بينما يسمون ارتباطها بذلك الزوج "عقد بيع للجسد" !
والله سبحانه يقول في بيان المحرمات من النساء:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24والمحصنات من النساء .. فيجعلهن "محرمات" . هذا قول الله. وذلك قول المائعين المسخرين لتحطيم هذا المجتمع ونشر الفاحشة فيه ...
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
إن جهودا منظمة موجهة تبذل لإنشاء موازين وقيم وتصورات للمجتمع غير تلك التي يريدها الله ، ولإقامة أسس للحياة والارتباطات غير تلك التي أقامها الله ، ولتوجيه الناس والحياة وجهة غير التي قررها الله.. والموجهون لهذه الجهود يحسبون أنهم ينتهون إلى تحطيم قواعد المجتمع الإسلامي، وتدمير حياة المسلمين في الأوطان الإسلامية، حتى لا تبقى أمامهم حواجز تصد أطماعهم القديمة في هذه الأوطان، بعد أن تنهار عقائدها، وتنهار أخلاقها، وتنهار مجتمعاتها.. ولكن الكارثة أبعد من هذا مدى.. إنها تحطيم قواعد المجتمع الإنساني كله - لا المجتمع الإسلامي وحده - تحطيم قواعد الفطرة التي تقوم عليها حياة الإنسان ، وحرمان المجتمع البشري من العناصر التي تحمل أمانته الكبرى. أمانة الحياة الإنسانية المترقية. وذلك بحرمانه من
[ ص: 622 ] الأطفال المؤهلين - في جو الأسرة الهادئ، المطمئن، الآمن من عواصف الشهوات الجامحة، والنزوات المتقلبة والهوى الذاهب مع الريح - للنهوض بأمانة الجنس البشري كله. وهي شيء آخر غير مجرد التناسل الحيواني! وغير مجرد الالتقاء الشهواني على أساس "العواطف" وحدها، وتنحية "الواجب" المطمئن الثابت الهادئ!
وهكذا تحق اللعنة على الجنس البشري كله، إذ يحطم نفسه بنفسه ويدمر الجيل الحاضر منه مستقبل الأجيال القادمة لتحقيق لذاته هو، وشهواته هو، وعلى الأجيال القادمة اللعنة. وتحق كلمة الله على الخارجين على كلمته وفطرته وتوجيهه. ويذوق الجنس البشري كله وبال أمره. إلا أن يرحمه الله بالعصبة المؤمنة التي تقر كلمة الله ومنهجه في الأرض، وتأخذ بيد الناس إليها; وتعصمهم من الشر الماحق الذي يهيئونه لأنفسهم بأيديهم. وهم يحسبون أنهم فقط إنما يحطمون الأوطان الإسلامية، لتنهار حواجزها بتلك الجهود الموجهة الخبيثة! التي تتولاها أقلام وأجهزة من داخل هذه الأوطان ذاتها.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24والمحصنات من النساء - إلا ما ملكت أيمانكم .
وهذا الاستثناء يتعلق بالسبايا اللواتي كن يؤخذن أسيرات في حروب الجهاد الإسلامي وهن متزوجات في دار الكفر والحرب. حيث تنقطع علاقاتهن بأزواجهن الكفار، بانقطاع الدار. ويصبحن غير محصنات.
فلا أزواج لهن في دار الإسلام. ومن ثم يكفي استبراء أرحامهن بحيضة واحدة; يظهر منها خلو أرحامهن من الحمل. ويصبح بعدها نكاحهن حلالا - إن دخلن في الإسلام - أو أن يباشرهن من غير عقد نكاح من يقعن في سهمه، باعتبارهن ملك يمين. سواء أسلمن أم لم يسلمن.
ولقد سبق لنا في الجزء الثاني من هذه الظلال، بيان موقف الإسلام من مسألة الرق بجملتها .. كذلك ورد بيان آخر عند تفسير قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها .. في سورة
محمد في الجزء السادس والعشرين فيرجع إليهما في مواضعهما.
ونكتفي هنا بالقول: بأن
nindex.php?page=treesubj&link=25958_25961المعسكر الإسلامي كان يعامل أعداءه في مسألة استرقاق الأسرى في الحرب كما يعاملونه من حيث مبدأ الرق، ويفضلهم في نوع معاملته للرقيق وفي اعتبار إنسانيته فضلا كبيرا. ولم يكن له بد من ذلك. حيث كان استرقاق الأسرى نظاما عالميا لا يملك الإسلام إبطاله من جانب واحد. وإلا كان الأسرى من المسلمين يصبحون رقيقا; بينما الأسرى من الكفار يصبحون أحرارا. فترجح كفة المعسكرات الكافرة على المعسكر الإسلامي، وتطمع هذه المعسكرات في مهاجمته وهي آمنة مطمئنة من عواقب الهجوم، بل وهي رابحة غانمة!
ومن ثم لم يكن بد من أن تكون هناك سبايا كوافر في المجتمع المسلم. فكيف يصنع بهن؟ إن الفطرة لا تكتفي بأن يأكلن ويشربن. فهناك حاجة فطرية أخرى لا بد لهن من إشباعها وإلا التمسنها في الفاحشة التي تفسد المجتمع كله وتدنسه! ولا يجوز للمسلمين أن ينكحوهن وهن مشركات. لتحريم الارتباط الزوجي بين مسلم ومشركة
[ ص: 623 ] فلا يبقى إلا طريق واحد هو إحلال وطئهن بلا نكاح ما دمن مشركات بعد استبراء أرحام المتزوجات منهن، وانقطاع صلتهن بأزواجهن في دار الكفر والحرب.
وقبل أن يمضي السياق القرآني في تقرير ما يحل بعد تلك المحرمات، يربط بين أصل التحريم والتحليل ومصدر التحريم والتحليل. المصدر الذي ليس لغيره أن يحرم أو يحلل; أو يشرع للناس شيئا في أمور حياتهم جميعا:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24كتاب الله عليكم ..
هذا عهد الله عليكم وميثاقه وكتابه.. فليست المسألة هوى يتبع، أو عرفا يطاع، أو موروثات بيئة تتحكم..
إنما هو كتاب الله وعهده وميثاقه.. فهذا هو المصدر الذي تتلقون منه الحل والحرمة; وترعون ما يفرضه عليكم وما يكتبه، وتطالبون بما كتب عليكم وما عهد إليكم كذلك.
ومما يلاحظ أن معظم
nindex.php?page=treesubj&link=10801المحرمات التي حرمها القرآن في الآيات السابقة، كانت محرمة في الجاهلية ولم يكن يباح منها في عرف الجاهلية إلا ما نكح الآباء، والجمع بين الأختين على كره من العرف الجاهلي ذاته لنكاح زوجات الآباء. وقد كان يسمى عندهم "مقيتا" نسبة إلى المقت! ولكن لما جاء القرآن يقرر حرمة هذه المحرمات، لم يرجع في تحريمها إلى عرف الجاهلية هذا، إنما قال الله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24كتاب الله عليكم ..
هذه لمسة تقتضي الوقوف أمامها لبيان حقيقة الأصل الاعتقادي في الإسلام، وحقيقة الأصل الفقهي. فهذا البيان يفيدنا في أمور كثيرة في حياتنا الواقعية:
إن الإسلام يعتبر أن الأصل الوحيد الذي يقوم عليه التشريع للناس هو أمر الله وإذنه . باعتبار أنه هو مصدر السلطان الأول والأخير. فكل ما لم يقم ابتداء على هذا الأصل فهو باطل بطلانا أصليا، غير قابل للتصحيح المستأنف. فالجاهلية بكل ما فيها - والجاهلية هي كل وضع لا يستمد وجوده من ذلك الأصل الوحيد الصحيح - باطلة بطلانا أصليا. باطلة بكل تصوراتها وقيمها وموازينها وعرفها وتقاليدها وشرائعها وقوانينها. والإسلام حين يسيطر على الحياة ويصرفها، يأخذ الحياة جملة، ويأخذ الأمر جملة; فيسقط ابتداء كل أوضاع الجاهلية وكل قيمها، وكل عرفها، وكل شرائعها لأنها باطلة بطلانا أصليا غير قابل للتصحيح المستأنف..
فإذا
nindex.php?page=treesubj&link=27363أقر عرفا كان سائدا في الجاهلية، فهو لا يقره بأصله الجاهلي; مستندا إلى هذا الأصل. إنما هو يقرره ابتداء بسلطانه المستمد من أمر الله وإذنه. أما ذلك الذي كان في الجاهلية فقد سقط ولم يعد له وجود من الناحية الشرعية.
كذلك حين
nindex.php?page=treesubj&link=27363يحيل الفقه الإسلامي على "العرف" في بعض المسائل فهو يمنح العرف ابتداء سلطانا من عنده هو - بأمر الله - فتصبح للعرف - في هذه المسائل - قوة الشريعة، استمدادا من سلطان الشارع - وهو الله - لا استمدادا من الناس ومن البيئة التي تواضعت على هذا العرف من قبل. فليس تواضع البيئة على هذا العرف هو الذي يمنحه السلطان.. كلا.. إنما الذي يمنحه السلطان هو اعتبار الشارع إياه مصدرا في بعض المسائل. وإلا بقي على بطلانه الأصلي، لأنه لم يستمد من أمر الله. وهو وحده مصدر السلطان. وهو يقول عما كانت الجاهلية تشرعه مما لم يأذن به الله:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله فيشير إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28801أن الله وحده هو الذي يشرع. فهل لهم آلهة شرعت لهم ما لم يأذن به الله؟.
هذا الأصل الكبير، الذي تشير إليه هذه اللمسة:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24كتاب الله عليكم تقرره وتؤكده النصوص القرآنية
[ ص: 624 ] في كل مناسبات التشريع، فما من مرة ذكر القرآن تشريعا إلا أشار إلى المصدر الذي يجعل لهذا التشريع سلطانا. أما حين يشير إلى شرائع الجاهلية وعرفها وتصوراتها فهو يردفها غالبا بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40ما أنزل الله بها من سلطان لتحريرها من السلطان ابتداء، وبيان علة بطلانها، وهي كونها لم تصدر من ذلك المصدر الوحيد الصحيح.
وهذا الأصل الذي نقرره هنا هو شيء آخر غير الأصل المعروف في التشريع الإسلامي. من أن الأصل في الأشياء الحل، ما لم يرد بتحريمها نص. فكون الأصل في الأشياء الحل، إنما هو كذلك بأمر الله وإذنه. فهو راجع إلى الأصل الذي قررناه ذاته. إنما نحن نتحدث عما تشرعه الجاهلية لنفسها دون رجوع إلى ما شرعه الله. وهذا الأصل فيه البطلان جملة وكلية، حتى يقرر شرع الله ما يرى تقريره منه من جديد، فيكتسب منذ أن يرد في شرع الله المشروعية والسلطان.
فإذا انتهى السياق من بيان المحرمات، وربطها بأمر الله وعهده، أخذ في بيان المجال الذي يملك فيه الناس أن يلبوا دوافع فطرتهم في التزاوج، والطريقة التي يحب الله أن يلتقي بها أفراد الجنسين لتكوين البيوت، وإقامة مؤسسات الأسرة، والمتاع بهذا الالتقاء في نظافة وطهر وجد تليق بهذا الأمر العظيم:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وأحل لكم - ما وراء ذلكم - أن تبتغوا بأموالكم.. محصنين غير مسافحين.. فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن - فريضة - ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة. إن الله كان عليما حكيما ..
ففيما وراء هذه المحرمات المذكورة
nindex.php?page=treesubj&link=10791فالنكاح حلال، وللراغبين فيه أن يبتغوا النساء، بأموالهم - أي لأداء صداقهن - لا لشراء أعراضهن بالأموال من غير نكاح! ومن ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24محصنين غير مسافحين ..
وجعلها قيدا وشرطا للابتغاء بالأموال، قبل أن يتم الجملة، وقبل أن يمضي في الحديث. ولم يكتف بتقرير هذا القيد في صورته الإيجابية المثبتة:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24محصنين بل أردفها بنفي الصورة الأخرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24غير مسافحين زيادة في التوكيد والإيضاح، في معرض التشريع والتقنين.. ثم لكي يرسم صورة لطبيعة العلاقة الأولى التي يحبها ويريدها.. علاقة النكاح .. وصورة لطبيعة العلاقة الأخرى التي يكرهها وينفيها.. علاقة المخادنة أو البغاء.. وقد كانت هذه وتلك معروفة في مجتمع الجاهلية، ومعترفا بها كذلك من المجتمع!
جاء في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - : إن
nindex.php?page=treesubj&link=30578_10801النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم. يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو بنته، فيصدقها ثم ينكحها.. والنكاح الآخر كان الرجل يقول لامرأته - إذا طهرت من طمثها - أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه. فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب. وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد! فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع.. ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة، كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت، ومر عليها ليال، بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان. تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، ولا يستطيع أن يمتنع به الرجل. والنكاح الرابع: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما، فمن أرادهن دخل عليهن،
[ ص: 625 ] فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها، جمعوا لها ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطه، ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك
فالنوعان الثالث والرابع هما السفاح الذي ينص على نفيه - سواء منه المخادنة والبغاء - والأول هو الإحصان الذي ينص على طلبه.. أما الثاني فما ندري كيف نسميه!!!
والقرآن يصور طبيعة النوع الذي يريده الله.. فهو إحصان.. هو حفظ وصيانة.. هو حماية ووقاية.. هو إحصان للرجل وإحصان للمرأة. ففي هذه القراءة "محصنين" بصيغة اسم الفاعل، وفي قراءة أخرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24محصنين بصيغة اسم المفعول. وكلا المعنيين يتحقق في هذه الصورة النظيفة القويمة العفيفة. وهو إحصان للبيت والأسرة والأطفال. إحصان لهذه المؤسسة التي تقوم على هذا الأساس ثابتة راسخة وطيدة.
والآخر: سفاح.. مفاعلة من السفح، وهو إراقة الماء في المنحدر الواطئ! مسافحة يشترك فيها الرجل والمرأة، فيريقان ماء الحياة، الذي جعله الله لامتداد النوع، ورقيه، عن طريق اشتراك الرجل والمرأة في إنجاب الذرية وتربيتها وحضانتها وصيانتها. فإذا هما يريقانه للذة العابرة، والنزوة العارضة. يريقانه في السفح الواطئ! فلا يحصنهما من الدنس، ولا يحصن الذرية من التلف، ولا يحصن البيت من البوار!
وهكذا يرسم التعبير القرآني صورتين كاملتين لنوعين من الحياة في كلمتين اثنتين. ويبلغ غايته من تحسين الصورة التي يرتضيها، وتبشيع الصورة التي لا يرتضيها، بينما هو يقرر حقيقة كل من الصورتين في واقع الحياة. وذلك من بدائع التعبير في القرآن .
فإذا انتهى من هذا القيد للابتغاء بالأموال. عاد ليقرر كيف يبتغى بالأموال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة .
فهو يجعل
nindex.php?page=treesubj&link=10845_11158صداق المرأة فريضة لها مقابل الاستمتاع بها. فمن أراد أن يستمتع بامرأة من الحلائل - وهن ما وراء ذلكم من المحرمات - فالطريق هو ابتغاؤها للإحصان - أي عن طريق النكاح (الزواج) لا عن أي طريق آخر - وعليه أن يؤدي لها صداقها حتما مفروضا، لا نافلة، ولا تطوعا منه، ولا إحسانا، فهو حق لها عليه مفروض. وليس له أن يرثها وراثة بلا مقابل - كما كان يقع في بعض الأحوال في الجاهلية - وليس له أن يقايض عليها مقايضة كما كان يقع في زواج الشغار في الجاهلية. وهو أن يتزوج الرجل امرأة في مقابل أن يدفع لوليها امرأة من عنده! كأنهما بهيمتان! أو شيئان!
وبعد تقرير هذا الحق للمرأة وفرضيته، يدع الباب مفتوحا لما يتراضى عليه الزوجان بينهما وفق مقتضيات حياتهما المشتركة، ووفق مشاعرهما وعواطفهما أحدهما تجاه الآخر:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة .
nindex.php?page=treesubj&link=25864_25937فلا حرج عليهما في أن تتنازل الزوجة عن مهرها - كله أو بعضه - بعد بيانه وتحديده ، وبعد أن أصبح حقا لها خالصا تتصرف فيه كما تتصرف في سائر أموالها بحرية ولا جناح عليهما في أن يزيدها الزوج على المهر، أو يزيدها فيه. فهذا شأنه الخاص. وهذا شأنهما معا يتراضيان عليه في حرية وسماحة.
[ ص: 626 ] ثم يجيء التعقيب. يربط هذه الأحكام بمصدرها; ويكشف عما وراءها من العلم الكاشف، والحكمة البصيرة:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24إن الله كان عليما حكيما ..
فهو الذي شرع هذه الأحكام. وهو الذي شرعها عن علم وعن حكمة.. فيعرف ضمير المسلم من أين يتلقى الأحكام في كل شأن من شئون حياته - وأخصها هذا الذي بينه وبين زوجه - ويطمئن إلى ما يتلقاه من هذه الأحكام، الصادرة عن العلم وعن الحكمة
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24إن الله كان عليما حكيما ...
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=28975_33368_11156_11158_17945وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنَ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهِ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25nindex.php?page=treesubj&link=25800_28975وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=29485_28975يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ [ ص: 618 ] الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=27وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=28يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29nindex.php?page=treesubj&link=28975_4419_5367يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=30وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=27522_30520_28975إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=32nindex.php?page=treesubj&link=18736_28975وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهُ .كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=13653_28975وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34nindex.php?page=treesubj&link=25929_28975الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهُ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35nindex.php?page=treesubj&link=17969_15500_28975وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنِهِمَا إِنْ اللَّهُ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا
هَذَا الدَّرْسُ تَكْمِلَةٌ لِمَا جَاءَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَنْ تَنْظِيمِ الْأُسْرَةِ، عَلَى قَوَاعِدِ الْفِطْرَةِ ، وَلَا يَعُودُ السِّيَاقُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ لِبَيَانِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ التَّكْمِيلِيَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ الْأَسَاسِيِّ الْهَامِّ، الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى تَنْظِيمِهِ جَرَيَانُ الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي مَجْرَاهَا الْفِطْرِيِّ الْهَادِئِ الصَّالِحِ، كَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى انْحِرَافِهَا عَنْهُ فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ كَبِيرٌ.
وَهَذَا الدَّرْسُ يَتَضَمَّنُ تَكْمِلَةً لِبَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ثُمَّ يُحَدِّدُ الطَّرِيقَةَ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي مُؤَسَّسَةِ الْأُسْرَةِ النَّظِيفَةِ، وَيَكْشِفُ عَمَّا فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مِنْ تَيْسِيرٍ عَلَى النَّاسِ وَتَخْفِيفٍ، إِلَى جَانِبِ نَظَافَتِهَا وَطَهَارَتِهَا، وَيُقَرِّرُ الْقَوَاعِدَ التَّنْظِيمِيَّةَ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا تِلْكَ الْمُؤَسَّسَةُ الْأَسَاسِيَّةُ، وَالْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَاتِ الْمُلْقَاةَ عَلَى عَاتِقِ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهَا.
وَإِلَى جَانِبِ هَذَا التَّنْظِيمِ فِي الْأُسْرَةِ يَتَطَرَّقُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّنْظِيمِ لِبَعْضِ عَلَاقَاتِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ فِي الْأَمْوَالِ; فَيُبَيِّنُ حُقُوقَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فِي الْمَالِ الْمُكْتَسَبِ، وَالْمَالِ الْمَوْرُوثِ، وَمَا يُتَّبَعُ كَذَلِكَ فِي تَصْفِيَةِ مَا كَانَ مِنْ عُقُودِ التَّوَارُثِ بِالْوَلَاءِ بَيْنَ غَيْرِ الْأَقَارِبِ.
[ ص: 619 ] وَمِمَّا يُلَاحَظُ - بِوَجْهٍ عَامٍّ - أَنَّ السِّيَاقَ يَرْبِطُ رَبْطًا دَقِيقًا بَيْنَ هَذِهِ التَّنْظِيمَاتِ وَالْأَحْكَامِ وَبَيْنَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ الْكَبِيرِ لِلْإِيمَانِ: وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ التَّنْظِيمَاتِ وَالْأَحْكَامَ صَادِرَةٌ مِنَ اللَّهِ، وَهِيَ مُقْتَضَى أُلُوهِيَّتِهِ. فَأَخَصُّ خَصَائِصِ الْأُلُوهِيَّةِ - كَمَا كَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي مَطْلَعِ السُّورَةِ - هُوَ الْحَاكِمِيَّةُ، وَالتَّشْرِيعُ لِلْبَشَرِ، وَوَضْعُ الْأُسُسِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا حَيَاتُهُمْ وَارْتِبَاطَاتُهُمْ.
وَالسِّيَاقُ مَا يَنِي يُكَرِّرُ هَذَا الِارْتِبَاطَ الدَّقِيقَ; وَيُنَبِّهُ إِلَى هَذِهِ الْخَاصِّيَّةِ مِنْ خَصَائِصِ الْأُلُوهِيَّةِ. وَيُكَرِّرُ كَذَلِكَ الْإِشَارَةَ إِلَى صُدُورِ هَذِهِ التَّنْظِيمَاتِ عَنِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ.. وَهِيَ إِشَارَةٌ ذَاتُ مَغْزَى.. فَالْأَمْرُ فِي هَذَا الْمَنْهَجِ الْإِلَهِيِّ كُلِّهِ هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ أَمْرُ الْعِلْمِ الشَّامِلِ الْكَامِلِ، وَالْحِكْمَةِ الْمُدْرِكَةِ الْبَصِيرَةِ.. هَذِهِ الْخَصَائِصُ الْإِلَهِيَّةُ الَّتِي يَفْقِدُهَا الْإِنْسَانُ، فَلَا يَصْلُحُ بَعْدَهَا أَبَدًا لِوَضْعِ الْمَنْهَجِ الْأَسَاسِيِّ لِحَيَاةِ الْإِنْسَانِ! وَمِنْ هُنَا شِقْوَةُ الْإِنْسَانِ فِي الْأَرْضِ كُلَّمَا حَادَ عَنْ مَنْهَجِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، وَرَاحَ يَخْبِطُ فِي التِّيهِ بِلَا دَلِيلٍ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ قَادِرٌ، بِجَهْلِهِ وَطَيْشِهِ وَهَوَاهُ، أَنْ يَخْتَارَ لِنَفْسِهِ وَلِحَيَاتِهِ خَيْرًا مِمَّا يَخْتَارُهُ اللَّهُ!!!
وَالْأَمْرُ الْآخَرُ الَّذِي يُؤَكِّدُهُ سِيَاقُ الدَّرْسِ وَيُكَرِّرُهُ: هُوَ أَنَّ مَنْهَجَ اللَّهِ هَذَا أَيْسَرُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَأَخَفُّ وَأَقْرَبُ إِلَى الْفِطْرَةِ، مِنَ الْمَنَاهِجِ الَّتِي يُرِيدُهَا الْبَشَرُ وَيَهْوَوْنَهَا، وَأَنَّهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِضَعْفِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَشْرَعَ لَهُ هَذَا الْمَنْهَجَ، الَّذِي تُكَلِّفُهُ الْحَيْدَةُ عَنْهُ عَنَتًا وَمَشَقَّةً، فَوْقَ مَا تُكَلِّفُهُ مِنْ هُبُوطٍ وَارْتِكَاسٍ .
وَسَنَرَى - عِنْدَ اسْتِعْرَاضِ النُّصُوصِ بِالتَّفْصِيلِ - مِصْدَاقَ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ فِي وَاقِعِ الْبَشَرِ التَّارِيخِيِّ وَهِيَ حَقِيقَةٌ وَاضِحَةٌ فِي هَذَا الْوَاقِعِ، لَوْلَا أَنَّ الْهَوَى يَطْمِسُ الْقُلُوبَ، وَيُعْمِي الْعُيُونَ، عِنْدَمَا تَرِينُ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَى الْقُلُوبِ وَالْعُيُونِ!
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ - إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ - كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ - وَأُحِلَّ لَكُمْ - مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ. فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً، وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنَ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ. إِنَّ اللَّهِ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=26يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=27وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=28يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ، وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا ..
لَقَدْ سَبَقَ فِي نِهَايَةِ الْجُزْءِ الرَّابِعِ بَيَانُ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ حُرْمَةً ذَاتِيَّةً، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=22وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ - إِلا مَا قَدْ سَلَفَ - إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ، وَبَنَاتُكُمْ، وَأَخَوَاتُكُمْ، وَعَمَّاتُكُمْ، وَخَالاتُكُمْ، وَبَنَاتُ الأَخِ، وَبَنَاتُ الأُخْتِ، وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ، [ ص: 620 ] وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ، وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنَ نِسَائِكُمْ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ - فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ - وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ - الَّذِينَ مِنَ أَصْلابِكُمْ - وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ - إِلا مَا قَدْ سَلَفَ - إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا .
أَمَّا هَذِهِ التَّكْمِلَةُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ...
فَتَتَعَلَّقُ بِالْمُحَرَّمَاتِ لِأَنَّهُنَّ فِي عِصْمَةِ رِجَالٍ آخَرِينَ مُحْصَنَاتٍ بِالزَّوَاجِ مِنْهُمْ: فَهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ، لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُنَّ ... وَذَلِكَ تَحْقِيقًا لِلْقَاعِدَةِ الْأُولَى فِي نِظَامِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، مِنْ قِيَامِهِ عَلَى قَاعِدَةِ الْأُسْرَةِ، وَجَعْلِهَا وَحْدَةَ الْمُجْتَمَعِ، وَصِيَانَةِ هَذِهِ الْأُسْرَةِ مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ، وَمِنْ كُلِّ اخْتِلَاطٍ فِي الْأَنْسَابِ، يَنْشَأُ مِنْ "شُيُوعِيَّةِ" الِاتِّصَالِ الْجِنْسِيِّ، أَوْ يَنْشَأُ مِنَ انْتِشَارِ الْفَاحِشَةِ، وَتَلَوُّثِ الْمُجْتَمَعِ بِهَا.
وَالْأُسْرَةُ الْقَائِمَةُ عَلَى الزَّوَاجِ الْعَلَنِيِّ، الَّذِي تَتَخَصَّصُ فِيهِ امْرَأَةٌ بِعَيْنِهَا لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ، وَيَتِمُّ بِهِ الْإِحْصَانُ - وَهُوَ الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ - هِيَ أَكْمَلُ نِظَامٍ يَتَّفِقُ مَعَ فِطْرَةِ "الْإِنْسَانِ" وَحَاجَاتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، النَّاشِئَةِ مِنْ كَوْنِهِ إِنْسَانًا، لِحَيَاتِهِ غَايَةٌ أَكْبَرُ مِنْ غَايَةِ الْحَيَاةِ الْحَيَوَانِيَّةِ - وَإِنْ كَانَتْ تَتَضَمَّنُ هَذِهِ الْغَايَةَ فِي ثَنَايَاهَا - وَيُحَقِّقُ أَهْدَافَ الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ، كَمَا يَضْمَنُ لِهَذَا الْمُجْتَمَعِ السِّلْمَ الْمُطَمْئِنَةَ: سِلْمَ الضَّمِيرِ ، وَسِلْمَ الْبَيْتِ ، وَسِلْمَ الْمُجْتَمَعِ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ .
وَالْمُلَاحَظُ بِصِفَةٍ ظَاهِرَةٍ، أَنَّ الطِّفْلَ الْإِنْسَانِيَّ يَحْتَاجُ إِلَى فَتْرَةِ رِعَايَةٍ أَطْوَلَ مِنَ الْفَتْرَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا طِفْلُ أَيِّ حَيَوَانٍ آخَرَ. كَمَا أَنَّ التَّرْبِيَةَ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا لِيُصْبِحَ قَادِرًا عَلَى إِدْرَاكِ مُقْتَضَيَاتِ الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الْمُتَرَقِّيَةِ - الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا الْإِنْسَانُ - تَمْتَدُّ إِلَى فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ أُخْرَى.
وَإِذَا كَانَتْ غَايَةُ الْمَيْلِ الْجِنْسِيِّ فِي الْحَيَوَانِ تَنْتَهِي عِنْدَ تَحْقِيقِ الِاتِّصَالِ الْجِنْسِيِّ وَالتَّنَاسُلِ وَالْإِكْثَارِ، فَإِنَّهَا فِي الْإِنْسَانِ لَا تَنْتَهِي عِنْدَ تَحْقِيقِ هَذَا الْهَدَفِ، إِنَّمَا هِيَ تَمْتَدُّ إِلَى هَدَفٍ أَبْعَدَ هُوَ الِارْتِبَاطُ الدَّائِمُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى - بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ - لِيَتِمَّ إِعْدَادُ الطِّفْلِ الْإِنْسَانِيِّ لِحِمَايَةِ نَفْسِهِ وَحِفْظِ حَيَاتِهِ، وَجَلْبِ طَعَامِهِ وَضَرُورِيَّاتِهِ، كَمَا يَتِمُّ - وَهَذَا هُوَ الْأَهَمُّ بِالنِّسْبَةِ لِمُقْتَضَيَاتِ الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ - تَرْبِيَةُ هَذَا الطِّفْلِ وَتَزْوِيدُهُ بِرَصِيدٍ مِنَ التَّجَارِبِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْمَعْرِفَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ يُؤَهِّلُهُ لِلْمُسَاهَمَةِ فِي حَيَاةِ الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ، وَالْمُشَارَكَةِ فِي حَمْلِ تَبِعَتِهِ مِنَ اطِّرَادِ التَّرَقِّي الْإِنْسَانِيِّ عَنْ طَرِيقِ الْأَجْيَالِ الْمُتَتَابِعَةِ.
وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَعُدِ اللَّذَّةُ الْجِنْسِيَّةُ هِيَ الْمُقَوِّمَ الْأَوَّلَ فِي حَيَاةِ الْجِنْسَيْنِ فِي عَالَمِ الْإِنْسَانِ; إِنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ وَسِيلَةٍ رَكَّبَتْهَا الْفِطْرَةُ فِيهِمَا لِيَتِمَّ الِالْتِقَاءُ بَيْنَهُمَا وَيَطُوَلَ بَعْدَ الِاتِّصَالِ الْجِنْسِيِّ لِلْقِيَامِ بِوَاجِبِ الْمُشَارَكَةِ فِي اطِّرَادِ نُمُوِّ النَّوْعِ. وَلَمْ يَعُدِ "الْهَوَى" الشَّخْصِيُّ هُوَ الْحَكَمَ فِي بَقَاءِ الِارْتِبَاطِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. إِنَّمَا الْحَكَمُ هُوَ "الْوَاجِبُ" ... وَاجِبُ النَّسْلِ الضَّعِيفِ الَّذِي يَجِيءُ ثَمَرَةً لِلِالْتِقَاءِ بَيْنَهُمَا، وَوَاجِبُ الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ الَّذِي يُحَتِّمُ عَلَيْهِمَا تَرْبِيَةَ هَذَا النَّسْلِ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي يُصْبِحُ مَعَهُ قَادِرًا عَلَى النُّهُوضِ بِالتَّبِعَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَتَحْقِيقِ غَايَةِ الْوُجُودِ الْإِنْسَانِيِّ.
وَكُلُّ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ تَجْعَلُ الِارْتِبَاطَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ عَلَى قَاعِدَةِ الْأُسْرَةِ، هُوَ النِّظَامَ الْوَحِيدَ الصَّحِيحَ. كَمَا تَجْعَلُ تَخْصِيصَ امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ هُوَ الْوَضْعَ الصَّحِيحَ الَّذِي تَسْتَمِرُّ مَعَهُ هَذِهِ الْعَلَاقَةُ. وَالَّذِي يَجْعَلُ "الْوَاجِبَ" لَا مُجَرَّدَ اللَّذَّةِ وَلَا مُجَرَّدَ الْهَوَى، هُوَ الْحَكَمَ فِي قِيَامِهَا، ثُمَّ فِي اسْتِمْرَارِهَا، ثُمَّ فِي مُعَالَجَةِ كُلِّ مُشْكِلَةٍ تَقَعُ فِي
[ ص: 621 ] أَثْنَائِهَا، ثُمَّ عِنْدَ فَصْمِ عُقْدَتِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ الْقُصْوَى.
وَأَيُّ تَهْوِينٍ مِنْ شَأْنِ رَوَابِطِ الْأُسْرَةِ، وَأَيُّ تَوْهِينٍ لِلْأَسَاسِ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ - وَهُوَ "الْوَاجِبُ" لِإِحْلَالِ "الْهَوَى" الْمُتَقَلِّبِ، وَ "النَّزْوَةِ" الْعَارِضَةِ، وَ "الشَّهْوَةِ" الْجَامِحَةِ مَحَلَّهُ، هِيَ مُحَاوَلَةٌ آثِمَةٌ، لَا لِأَنَّهَا تُشِيعُ الْفَوْضَى وَالْفَاحِشَةَ وَالِانْحِلَالَ فِي الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ فَحَسْبُ، بَلْ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تُحَطِّمُ هَذَا الْمُجْتَمَعَ وَتَهْدِمُ الْأَسَاسَ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ.
وَمِنْ هُنَا نُدْرِكُ مَدَى الْجَرِيمَةِ الَّتِي تُزَاوِلُهَا الْأَقْلَامُ وَالْأَجْهِزَةُ الدَّنِسَةُ، الْمُسَخَّرَةُ لِتَوْهِينِ رَوَابِطِ الْأُسْرَةِ، وَالتَّصْغِيرِ مِنْ شَأْنِ الرِّبَاطِ الزَّوْجِيِّ، وَتَشْوِيهِهِ وَتَحْقِيرِهِ، لِلْإِعْلَاءِ مِنْ شَأْنِ الِارْتِبَاطَاتِ الْقَائِمَةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْهَوَى الْمُتَقَلِّبِ، وَالْعَاطِفَةِ الْهَائِجَةِ، وَالنَّزْوَةِ الْجَامِحَةِ ، وَتَمْجِيدِ هَذِهِ الِارْتِبَاطَاتِ، بِقَدْرِ الْحَطِّ مِنَ الرِّبَاطِ الزَّوْجِيِّ!
كَمَا نُدْرِكُ مَدَى الْحِكْمَةِ وَالْعُمْقِ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ، مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ يُحِبُّهَا: "وَيْحَكَ! أَلَمْ تُبْنَ الْبُيُوتُ إِلَّا عَلَى الْحُبِّ؟ فَأَيْنَ الرِّعَايَةُ؟ وَأَيْنَ التَّذَمُّمُ؟ " .. مُسْتَمِدًّا قَوْلَتَهُ هَذِهِ مِنْ تَوْجِيهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَرْبِيَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لِتِلْكَ الصَّفْوَةِ الْمُخْتَارَةِ مِنْ عِبَادِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا .. وَذَلِكَ لِلْإِمْسَاكِ بِالْبُيُوتِ - مَا أَمْكَنَ - وَمُقَاوَمَةِ نَزَوَاتِ الْقُلُوبِ، وَعِلَاجِهَا حَتَّى تَفِيءَ، وَعَدَمِ بَتِّ هَذِهِ الصِّلَةِ إِلَّا حِينَ تُفْلِسُ الْمُجَادَلَاتُ كُلُّهَا، رِعَايَةً لِلْجِيلِ النَّاشِئِ فِي هَذِهِ الْبُيُوتِ; وَصِيَانَةً لَهَا مِنْ هِزَّاتِ الْعَاطِفَةِ الْمُتَقَلِّبَةِ، وَالنَّزْوَةِ الْجَامِحَةِ، وَالْهَوَى الذَّاهِبِ مَعَ الرِّيحِ!
وَفِي ظِلِّ هَذِهِ النَّظْرَةِ السَّامِيَةِ الْعَمِيقَةِ، تَتَبَدَّى التَّفَاهَةُ وَالسَّطْحِيَّةُ فِيمَا يَنْعَقُ بِهِ الْيَوْمَ أُولَئِكَ الْمَائِعُونَ، وَهُمْ يُمَجِّدُونَ كُلَّ ارْتِبَاطٍ إِلَّا الِارْتِبَاطَ الَّذِي يَحْكُمُ الْوَاجِبَ، وَالَّذِي يَرْعَى أَمَانَةَ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ كُلِّهِ، وَهِيَ تَنْشِئَةُ أَجْيَالٍ تَنْهَضُ بِمُقْتَضَيَاتِ الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُتَرَقِّيَةِ، وَتَحْكِيمُ مَصْلَحَةِ هَذِهِ الْأَجْيَالِ، لَا مَصْلَحَةِ الْعَوَاطِفِ الْوَقْتِيَّةِ الزَّائِلَةِ!
إِنَّ أَقْلَامًا دَنِسَةً رَخِيصَةً وَأَجْهِزَةً خَبِيثَةً لَئِيمَةً تُوحِي لِكُلِّ زَوْجَةٍ يَنْحَرِفُ قَلْبُهَا قَلِيلًا عَنْ زَوْجِهَا أَنْ تُسَارِعَ إِلَى خَدِينٍ; وَيُسَمُّونَ ارْتِبَاطَهَا بِخَدِينِهَا هَذَا "رِبَاطًا مُقَدَّسًا" ! بَيْنَمَا يُسَمُّونَ ارْتِبَاطَهَا بِذَلِكَ الزَّوْجِ "عَقْدَ بَيْعٍ لِلْجَسَدِ" !
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ .. فَيَجْعَلُهُنَّ "مُحَرَّمَاتٍ" . هَذَا قَوْلُ اللَّهِ. وَذَلِكَ قَوْلُ الْمَائِعِينَ الْمُسَخَّرِينَ لِتَحْطِيمِ هَذَا الْمُجْتَمَعِ وَنَشْرِ الْفَاحِشَةِ فِيهِ ...
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ .
إِنَّ جُهُودًا مُنَظَّمَةً مُوَجَّهَةً تُبْذَلُ لِإِنْشَاءِ مَوَازِينَ وَقِيَمٍ وَتَصَوُّرَاتٍ لِلْمُجْتَمَعِ غَيْرِ تِلْكَ الَّتِي يُرِيدُهَا اللَّهُ ، وَلِإِقَامَةِ أُسُسٍ لِلْحَيَاةِ وَالِارْتِبَاطَاتِ غَيْرِ تِلْكَ الَّتِي أَقَامَهَا اللَّهُ ، وَلِتَوْجِيهِ النَّاسِ وَالْحَيَاةِ وُجْهَةً غَيْرَ الَّتِي قَرَّرَهَا اللَّهُ.. وَالْمُوَجِّهُونَ لِهَذِهِ الْجُهُودِ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يَنْتَهُونَ إِلَى تَحْطِيمِ قَوَاعِدِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، وَتَدْمِيرِ حَيَاةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَوْطَانِ الْإِسْلَامِيَّةِ، حَتَّى لَا تَبْقَى أَمَامَهُمْ حَوَاجِزُ تَصُدُّ أَطْمَاعَهُمُ الْقَدِيمَةَ فِي هَذِهِ الْأَوْطَانِ، بَعْدَ أَنْ تَنْهَارَ عَقَائِدُهَا، وَتَنْهَارَ أَخْلَاقُهَا، وَتَنْهَارَ مُجْتَمَعَاتُهَا.. وَلَكِنَّ الْكَارِثَةَ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا مَدَىً.. إِنَّهَا تَحْطِيمُ قَوَاعِدِ الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ كُلِّهِ - لَا الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ وَحْدَهُ - تَحْطِيمُ قَوَاعِدِ الْفِطْرَةِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا حَيَاةُ الْإِنْسَانِ ، وَحِرْمَانُ الْمُجْتَمَعِ الْبَشَرِيِّ مِنَ الْعَنَاصِرِ الَّتِي تَحْمِلُ أَمَانَتَهُ الْكُبْرَى. أَمَانَةَ الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُتَرَقِّيَةِ. وَذَلِكَ بِحِرْمَانِهِ مِنَ
[ ص: 622 ] الْأَطْفَالِ الْمُؤَهَّلِينَ - فِي جَوِّ الْأُسْرَةِ الْهَادِئِ، الْمُطْمَئِنِّ، الْآمِنِ مِنْ عَوَاصِفِ الشَّهَوَاتِ الْجَامِحَةِ، وَالنَّزَوَاتِ الْمُتَقَلِّبَةِ وَالْهَوَى الذَّاهِبِ مَعَ الرِّيحِ - لِلنُّهُوضِ بِأَمَانَةِ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ كُلِّهِ. وَهِيَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ مُجَرَّدِ التَّنَاسُلِ الْحَيَوَانِيِّ! وَغَيْرُ مُجَرَّدِ الِالْتِقَاءِ الشَّهْوَانِيِّ عَلَى أَسَاسِ "الْعَوَاطِفِ" وَحْدَهَا، وَتَنْحِيَةِ "الْوَاجِبِ" الْمُطَمْئِنِ الثَّابِتِ الْهَادِئِ!
وَهَكَذَا تَحِقُّ اللَّعْنَةُ عَلَى الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ كُلِّهِ، إِذْ يُحَطِّمُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ وَيُدَمِّرُ الْجِيلُ الْحَاضِرُ مِنْهُ مُسْتَقْبَلَ الْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ لِتَحْقِيقِ لَذَّاتِهِ هُوَ، وَشَهَوَاتِهِ هُوَ، وَعَلَى الْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ اللَّعْنَةُ. وَتَحِقُّ كَلِمَةُ اللَّهِ عَلَى الْخَارِجِينَ عَلَى كَلِمَتِهِ وَفِطْرَتِهِ وَتَوْجِيهِهِ. وَيَذُوقُ الْجِنْسُ الْبَشَرِيُّ كُلُّهُ وَبَالَ أَمْرِهِ. إِلَّا أَنْ يَرْحَمَهُ اللَّهُ بِالْعُصْبَةِ الْمُؤْمِنَةِ الَّتِي تُقِرُّ كَلِمَةَ اللَّهِ وَمَنْهَجَهُ فِي الْأَرْضِ، وَتَأْخُذُ بِيَدِ النَّاسِ إِلَيْهَا; وَتَعْصِمُهُمْ مِنَ الشَّرِّ الْمَاحِقِ الَّذِي يُهَيِّئُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ بِأَيْدِيهِمْ. وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ فَقَطْ إِنَّمَا يُحَطِّمُونَ الْأَوْطَانَ الْإِسْلَامِيَّةَ، لِتَنْهَارَ حَوَاجِزُهَا بِتِلْكَ الْجُهُودِ الْمُوَجَّهَةِ الْخَبِيثَةِ! الَّتِي تَتَوَلَّاهَا أَقْلَامٌ وَأَجْهِزَةٌ مِنْ دَاخِلِ هَذِهِ الْأَوْطَانِ ذَاتِهَا.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ - إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .
وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَايَا اللَّوَاتِي كُنَّ يُؤْخَذْنَ أَسِيرَاتٍ فِي حُرُوبِ الْجِهَادِ الْإِسْلَامِيِّ وَهُنَّ مُتَزَوِّجَاتٌ فِي دَارِ الْكُفْرِ وَالْحَرْبِ. حَيْثُ تَنْقَطِعُ عَلَاقَاتُهُنَّ بِأَزْوَاجِهِنَّ الْكُفَّارِ، بِانْقِطَاعِ الدَّارِ. وَيُصْبِحْنَ غَيْرَ مُحْصَنَاتٍ.
فَلَا أَزْوَاجَ لَهُنَّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَمِنْ ثَمَّ يَكْفِي اسْتِبْرَاءُ أَرْحَامِهِنَّ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ; يَظْهَرُ مِنْهَا خُلُوُّ أَرْحَامِهِنَّ مِنَ الْحَمْلِ. وَيُصْبِحُ بَعْدَهَا نِكَاحُهُنَّ حَلَالًا - إِنْ دَخَلْنَ فِي الْإِسْلَامِ - أَوْ أَنْ يُبَاشِرَهُنَّ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ نِكَاحٍ مَنْ يَقَعْنَ فِي سَهْمِهِ، بِاعْتِبَارِهِنَّ مِلْكَ يَمِينٍ. سَوَاءً أَسْلَمْنَ أَمْ لَمْ يُسْلِمْنَ.
وَلَقَدْ سَبَقَ لَنَا فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ هَذِهِ الظِّلَالِ، بَيَانُ مَوْقِفِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَسْأَلَةِ الرِّقِّ بِجُمْلَتِهَا .. كَذَلِكَ وَرَدَ بَيَانٌ آخَرُ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا .. فِي سُورَةِ
مُحَمَّدٍ فِي الْجُزْءِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ فَيُرْجَعُ إِلَيْهِمَا فِي مَوَاضِعِهِمَا.
وَنَكْتَفِي هُنَا بِالْقَوْلِ: بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25958_25961الْمُعَسْكَرَ الْإِسْلَامِيَّ كَانَ يُعَامِلُ أَعْدَاءَهُ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِرْقَاقِ الْأَسْرَى فِي الْحَرْبِ كَمَا يُعَامِلُونَهُ مِنْ حَيْثُ مَبْدَأُ الرِّقِّ، وَيُفَضِّلُهُمْ فِي نَوْعِ مُعَامَلَتِهِ لِلرَّقِيقِ وَفِي اعْتِبَارِ إِنْسَانِيَّتِهِ فَضْلًا كَبِيرًا. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ ذَلِكَ. حَيْثُ كَانَ اسْتِرْقَاقُ الْأَسْرَى نِظَامًا عَالَمِيًّا لَا يَمْلِكُ الْإِسْلَامُ إِبْطَالَهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. وَإِلَّا كَانَ الْأَسْرَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُصْبِحُونَ رَقِيقًا; بَيْنَمَا الْأَسْرَى مِنَ الْكُفَّارِ يُصْبِحُونَ أَحْرَارًا. فَتَرْجُحُ كِفَّةُ الْمُعَسْكَرَاتِ الْكَافِرَةِ عَلَى الْمُعَسْكَرِ الْإِسْلَامِيِّ، وَتَطْمَعُ هَذِهِ الْمُعَسْكَرَاتُ فِي مُهَاجَمَتِهِ وَهِيَ آمِنَةٌ مُطْمَئِنَّةٌ مِنْ عَوَاقِبِ الْهُجُومِ، بَلْ وَهِيَ رَابِحَةٌ غَانِمَةٌ!
وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ سَبَايَا كَوَافِرَ فِي الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ. فَكَيْفَ يَصْنَعُ بِهِنَّ؟ إِنَّ الْفِطْرَةَ لَا تَكْتَفِي بِأَنْ يَأْكُلْنَ وَيَشْرَبْنَ. فَهُنَاكَ حَاجَةٌ فِطْرِيَّةٌ أُخْرَى لَا بُدَّ لَهُنَّ مِنْ إِشْبَاعِهَا وَإِلَّا الْتَمَسْنَهَا فِي الْفَاحِشَةِ الَّتِي تُفْسِدُ الْمُجْتَمَعَ كُلَّهُ وَتُدَنِّسُهُ! وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ وَهُنَّ مُشْرِكَاتٌ. لِتَحْرِيمِ الِارْتِبَاطِ الزَّوْجِيِّ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَمُشْرِكَةٍ
[ ص: 623 ] فَلَا يَبْقَى إِلَّا طَرِيقٌ وَاحِدٌ هُوَ إِحْلَالُ وَطْئِهِنَّ بِلَا نِكَاحٍ مَا دُمْنَ مُشْرِكَاتٍ بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ أَرْحَامِ الْمُتَزَوِّجَاتِ مِنْهُنَّ، وَانْقِطَاعِ صِلَتِهِنَّ بِأَزْوَاجِهِنَّ فِي دَارِ الْكُفْرِ وَالْحَرْبِ.
وَقَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ السِّيَاقُ الْقُرْآنِيُّ فِي تَقْرِيرِ مَا يَحِلُّ بَعْدَ تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتِ، يَرْبِطُ بَيْنَ أَصْلِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ وَمَصْدَرِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ. الْمَصْدَرُ الَّذِي لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُحَرِّمَ أَوْ يُحَلِّلَ; أَوْ يَشْرَعَ لِلنَّاسِ شَيْئًا فِي أُمُورِ حَيَاتِهِمْ جَمِيعًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ..
هَذَا عَهْدُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقُهُ وَكِتَابُهُ.. فَلَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ هَوَىً يُتَّبَعُ، أَوْ عُرْفًا يُطَاعُ، أَوْ مَوْرُوثَاتِ بِيئَةٍ تَتَحَكَّمُ..
إِنَّمَا هُوَ كِتَابُ اللَّهِ وَعَهْدُهُ وَمِيثَاقُهُ.. فَهَذَا هُوَ الْمَصْدَرُ الَّذِي تَتَلَقَّوْنَ مِنْهُ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ; وَتَرْعَوْنَ مَا يَفْرِضُهُ عَلَيْكُمْ وَمَا يَكْتُبُهُ، وَتُطَالَبُونَ بِمَا كَتَبَ عَلَيْكُمْ وَمَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ كَذَلِكَ.
وَمِمَّا يُلَاحَظُ أَنَّ مُعْظَمَ
nindex.php?page=treesubj&link=10801الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي حَرَّمَهَا الْقُرْآنُ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ، كَانَتْ مُحَرَّمَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ يُبَاحُ مِنْهَا فِي عُرْفِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا مَا نَكَحَ الْآبَاءُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ عَلَى كُرْهٍ مِنَ الْعُرْفِ الْجَاهِلِيِّ ذَاتِهِ لِنِكَاحِ زَوْجَاتِ الْآبَاءِ. وَقَدْ كَانَ يُسَمَّى عِنْدَهُمْ "مَقِيتًا" نِسْبَةً إِلَى الْمَقْتِ! وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ الْقُرْآنُ يُقَرِّرُ حُرْمَةَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، لَمْ يَرْجِعْ فِي تَحْرِيمِهَا إِلَى عُرْفِ الْجَاهِلِيَّةِ هَذَا، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ..
هَذِهِ لَمْسَةٌ تَقْتَضِي الْوُقُوفَ أَمَامَهَا لِبَيَانِ حَقِيقَةِ الْأَصْلِ الِاعْتِقَادِيِّ فِي الْإِسْلَامِ، وَحَقِيقَةِ الْأَصْلِ الْفِقْهِيِّ. فَهَذَا الْبَيَانُ يُفِيدُنَا فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ فِي حَيَاتِنَا الْوَاقِعِيَّةِ:
إِنَّ الْإِسْلَامَ يَعْتَبِرُ أَنَّ الْأَصْلَ الْوَحِيدَ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ التَّشْرِيعُ لِلنَّاسِ هُوَ أَمْرُ اللَّهِ وَإِذْنُهُ . بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ هُوَ مَصْدَرُ السُّلْطَانِ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ. فَكُلُّ مَا لَمْ يَقُمِ ابْتِدَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَهُوَ بَاطِلٌ بُطْلَانًا أَصْلِيًّا، غَيْرُ قَابِلٍ لِلتَّصْحِيحِ الْمُسْتَأْنَفِ. فَالْجَاهِلِيَّةُ بِكُلِّ مَا فِيهَا - وَالْجَاهِلِيَّةُ هِيَ كُلُّ وَضْعٍ لَا يَسْتَمِدُّ وُجُودَهُ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ الْوَحِيدِ الصَّحِيحِ - بَاطِلَةٌ بُطْلَانًا أَصْلِيًّا. بَاطِلَةٌ بِكُلِّ تَصَوُّرَاتِهَا وَقِيَمِهَا وَمَوَازِينِهَا وَعُرْفِهَا وَتَقَالِيدِهَا وَشَرَائِعِهَا وَقَوَانِينِهَا. وَالْإِسْلَامُ حِينَ يُسَيْطِرُ عَلَى الْحَيَاةِ وَيُصَرِّفُهَا، يَأْخُذُ الْحَيَاةَ جُمْلَةً، وَيَأْخُذُ الْأَمْرَ جُمْلَةً; فَيُسْقِطُ ابْتِدَاءً كُلَّ أَوْضَاعِ الْجَاهِلِيَّةِ وَكُلَّ قِيَمِهَا، وَكُلَّ عُرْفِهَا، وَكُلَّ شَرَائِعِهَا لِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ بُطْلَانًا أَصْلِيًّا غَيْرَ قَابِلٍ لِلتَّصْحِيحِ الْمُسْتَأْنَفِ..
فَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=27363أَقَرَّ عُرْفًا كَانَ سَائِدًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُوَ لَا يُقِرُّهُ بِأَصْلِهِ الْجَاهِلِيِّ; مُسْتَنِدًا إِلَى هَذَا الْأَصْلِ. إِنَّمَا هُوَ يُقَرِّرُهُ ابْتِدَاءً بِسُلْطَانِهِ الْمُسْتَمَدِّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَإِذْنِهِ. أَمَّا ذَلِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ سَقَطَ وَلَمْ يَعُدْ لَهُ وُجُودٌ مِنَ النَّاحِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ.
كَذَلِكَ حِينَ
nindex.php?page=treesubj&link=27363يُحِيلُ الْفِقْهُ الْإِسْلَامِيُّ عَلَى "الْعُرْفِ" فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ فَهُوَ يَمْنَحُ الْعُرْفَ ابْتِدَاءً سُلْطَانًا مِنْ عِنْدِهِ هُوَ - بِأَمْرِ اللَّهِ - فَتُصْبِحُ لِلْعُرْفِ - فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ - قُوَّةُ الشَّرِيعَةِ، اسْتِمْدَادًا مِنْ سُلْطَانِ الشَّارِعِ - وَهُوَ اللَّهُ - لَا اسْتِمْدَادًا مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبِيئَةِ الَّتِي تَوَاضَعَتْ عَلَى هَذَا الْعُرْفِ مِنْ قَبْلُ. فَلَيْسَ تَوَاضُعُ الْبِيئَةِ عَلَى هَذَا الْعُرْفِ هُوَ الَّذِي يَمْنَحُهُ السُّلْطَانَ.. كَلَّا.. إِنَّمَا الَّذِي يَمْنَحُهُ السُّلْطَانَ هُوَ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ إِيَّاهُ مَصْدَرًا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ. وَإِلَّا بَقِيَ عَلَى بُطْلَانِهِ الْأَصْلِيِّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَمَدَّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. وَهُوَ وَحْدَهُ مَصْدَرُ السُّلْطَانِ. وَهُوَ يَقُولُ عَمَّا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَشْرَعُهُ مِمَّا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ فَيُشِيرُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28801أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَشْرَعُ. فَهَلْ لَهُمْ آلِهَةٌ شَرَعَتْ لَهُمْ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ؟.
هَذَا الْأَصْلُ الْكَبِيرُ، الَّذِي تُشِيرُ إِلَيْهِ هَذِهِ اللَّمْسَةُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ تُقَرِّرُهُ وَتُؤَكِّدُهُ النُّصُوصُ الْقُرْآنِيَّةُ
[ ص: 624 ] فِي كُلِّ مُنَاسَبَاتِ التَّشْرِيعِ، فَمَا مِنْ مَرَّةٍ ذَكَرَ الْقُرْآنُ تَشْرِيعًا إِلَّا أَشَارَ إِلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي يَجْعَلُ لِهَذَا التَّشْرِيعِ سُلْطَانًا. أَمَّا حِينَ يُشِيرُ إِلَى شَرَائِعِ الْجَاهِلِيَّةِ وَعُرْفِهَا وَتَصَوُّرَاتِهَا فَهُوَ يُرْدِفُهَا غَالِبًا بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ لِتَحْرِيرِهَا مِنَ السُّلْطَانِ ابْتِدَاءً، وَبَيَانِ عِلَّةِ بُطْلَانِهَا، وَهِيَ كَوْنُهَا لَمْ تَصْدُرْ مِنْ ذَلِكَ الْمَصْدَرِ الْوَحِيدِ الصَّحِيحِ.
وَهَذَا الْأَصْلُ الَّذِي نُقَرِّرُهُ هُنَا هُوَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَصْلِ الْمَعْرُوفِ فِي التَّشْرِيعِ الْإِسْلَامِيِّ. مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْحِلُّ، مَا لَمْ يَرِدْ بِتَحْرِيمِهَا نَصٌّ. فَكَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْأَشْيَاءِ الْحِلَّ، إِنَّمَا هُوَ كَذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَإِذْنِهِ. فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْأَصْلِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ ذَاتَهُ. إِنَّمَا نَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَمَّا تَشْرَعُهُ الْجَاهِلِيَّةُ لِنَفْسِهَا دُونَ رُجُوعٍ إِلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ. وَهَذَا الْأَصْلُ فِيهِ الْبُطْلَانُ جُمْلَةً وَكُلِّيَّةً، حَتَّى يُقَرِّرَ شَرْعُ اللَّهِ مَا يَرَى تَقْرِيرَهُ مِنْهُ مِنْ جَدِيدٍ، فَيَكْتَسِبَ مُنْذُ أَنْ يَرِدَ فِي شَرْعِ اللَّهِ الْمَشْرُوعِيَّةَ وَالسُّلْطَانَ.
فَإِذَا انْتَهَى السِّيَاقُ مِنْ بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَرَبْطِهَا بِأَمْرِ اللَّهِ وَعَهْدِهِ، أَخَذَ فِي بَيَانِ الْمَجَالِ الَّذِي يَمْلِكُ فِيهِ النَّاسُ أَنْ يُلَبُّوا دَوَافِعَ فِطْرَتِهِمْ فِي التَّزَاوُجِ، وَالطَّرِيقَةِ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَلْتَقِيَ بِهَا أَفْرَادُ الْجِنْسَيْنِ لِتَكْوِينِ الْبُيُوتِ، وَإِقَامَةِ مُؤَسَّسَاتِ الْأُسْرَةِ، وَالْمَتَاعِ بِهَذَا الِالْتِقَاءِ فِي نَظَافَةٍ وَطُهْرٍ وَجِدٍّ تَلِيقُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَأُحِلَّ لَكُمْ - مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ - أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ.. مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ.. فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ - فَرِيضَةً - وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ. إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ..
فَفِيمَا وَرَاءَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=10791فَالنِّكَاحُ حَلَالٌ، وَلِلرَّاغِبِينَ فِيهِ أَنْ يَبْتَغُوا النِّسَاءَ، بِأَمْوَالِهِمْ - أَيْ لِأَدَاءِ صَدَاقِهِنَّ - لَا لِشِرَاءِ أَعْرَاضِهِنَّ بِالْأَمْوَالِ مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ! وَمِنْ ثَمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ..
وَجَعَلَهَا قَيْدًا وَشَرْطًا لِلِابْتِغَاءِ بِالْأَمْوَالِ، قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْجُمْلَةَ، وَقَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ فِي الْحَدِيثِ. وَلَمْ يَكْتَفِ بِتَقْرِيرِ هَذَا الْقَيْدِ فِي صُورَتِهِ الْإِيجَابِيَّةِ الْمُثْبَتَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24مُحْصِنِينَ بَلْ أَرْدَفَهَا بِنَفْيِ الصُّورَةِ الْأُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24غَيْرَ مُسَافِحِينَ زِيَادَةً فِي التَّوْكِيدِ وَالْإِيضَاحِ، فِي مَعْرِضِ التَّشْرِيعِ وَالتَّقْنِينِ.. ثُمَّ لِكَيْ يَرْسُمَ صُورَةً لِطَبِيعَةِ الْعَلَاقَةِ الْأُولَى الَّتِي يُحِبُّهَا وَيُرِيدُهَا.. عَلَاقَةِ النِّكَاحِ .. وَصُورَةً لِطَبِيعَةِ الْعَلَاقَةِ الْأُخْرَى الَّتِي يَكْرَهُهَا وَيَنْفِيهَا.. عَلَاقَةِ الْمُخَادَنَةِ أَوِ الْبِغَاءِ.. وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ وَتِلْكَ مَعْرُوفَةً فِي مُجْتَمَعِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُعْتَرَفًا بِهَا كَذَلِكَ مِنَ الْمُجْتَمَعِ!
جَاءَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30578_10801النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءَ: فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ. يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ بِنْتَهُ، فَيَصْدُقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا.. وَالنِّكَاحُ الْآخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ - إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا - أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ. فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ. وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ! فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ.. وَنِكَاحٌ آخَرُ: يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشْرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ، كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ، وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ، بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ، حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَقَدْ وَلَدْتُ، فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانٌ. تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ. وَالنِّكَاحُ الرَّابِعُ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصُبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ،
[ ص: 625 ] فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا، جَمَعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ، ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَهُ، وَدُعِيَ ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ
فَالنَّوْعَانِ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ هُمَا السِّفَاحُ الَّذِي يَنُصُّ عَلَى نَفْيِهِ - سَوَاءٌ مِنْهُ الْمُخَادَنَةُ وَالْبِغَاءُ - وَالْأَوَّلُ هُوَ الْإِحْصَانُ الَّذِي يَنُصُّ عَلَى طَلَبِهِ.. أَمَّا الثَّانِي فَمَا نَدْرِي كَيْفَ نُسَمِّيهِ!!!
وَالْقُرْآنُ يُصَوِّرُ طَبِيعَةَ النَّوْعِ الَّذِي يُرِيدُهُ اللَّهُ.. فَهُوَ إِحْصَانٌ.. هُوَ حِفْظٌ وَصِيَانَةٌ.. هُوَ حِمَايَةٌ وَوِقَايَةٌ.. هُوَ إِحْصَانٌ لِلرَّجُلِ وَإِحْصَانٌ لِلْمَرْأَةِ. فَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ "مُحْصِنِينَ" بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَفِي قِرَاءَةٍ أُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24مُحْصِنِينَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ. وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ النَّظِيفَةِ الْقَوِيمَةِ الْعَفِيفَةِ. وَهُوَ إِحْصَانٌ لِلْبَيْتِ وَالْأُسْرَةِ وَالْأَطْفَالِ. إِحْصَانٌ لِهَذِهِ الْمُؤَسَّسَةِ الَّتِي تَقُومُ عَلَى هَذَا الْأَسَاسِ ثَابِتَةً رَاسِخَةً وَطِيدَةً.
وَالْآخَرُ: سِفَاحٌ.. مُفَاعَلَةٌ مِنَ السَّفْحِ، وَهُوَ إِرَاقَةُ الْمَاءِ فِي الْمُنْحَدَرِ الْوَاطِئِ! مُسَافَحَةٌ يَشْتَرِكُ فِيهَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، فَيُرِيقَانِ مَاءَ الْحَيَاةِ، الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِامْتِدَادِ النَّوْعِ، وَرُقِيِّهِ، عَنْ طَرِيقِ اشْتِرَاكِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي إِنْجَابِ الذُّرِّيَّةِ وَتَرْبِيَتِهَا وَحَضَانَتِهَا وَصِيَانَتِهَا. فَإِذَا هُمَا يُرِيقَانِهِ لِلَّذَّةِ الْعَابِرَةِ، وَالنَّزْوَةِ الْعَارِضَةِ. يُرِيقَانِهِ فِي السَّفْحِ الْوَاطِئِ! فَلَا يُحَصِّنُهُمَا مِنَ الدَّنَسِ، وَلَا يُحَصِّنُ الذُّرِّيَّةَ مِنَ التَّلَفِ، وَلَا يُحَصِّنُ الْبَيْتَ مِنَ الْبَوَارِ!
وَهَكَذَا يَرْسُمُ التَّعْبِيرُ الْقُرْآنِيُّ صُورَتَيْنِ كَامِلَتَيْنِ لِنَوْعَيْنِ مِنَ الْحَيَاةِ فِي كَلِمَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ. وَيَبْلُغُ غَايَتَهُ مِنْ تَحْسِينِ الصُّورَةِ الَّتِي يَرْتَضِيهَا، وَتَبْشِيعِ الصُّورَةِ الَّتِي لَا يَرْتَضِيهَا، بَيْنَمَا هُوَ يُقَرِّرُ حَقِيقَةَ كُلٍّ مِنَ الصُّورَتَيْنِ فِي وَاقِعِ الْحَيَاةِ. وَذَلِكَ مِنْ بَدَائِعِ التَّعْبِيرِ فِي الْقُرْآنِ .
فَإِذَا انْتَهَى مِنْ هَذَا الْقَيْدِ لِلِابْتِغَاءِ بِالْأَمْوَالِ. عَادَ لِيُقَرِّرَ كَيْفَ يُبْتَغَى بِالْأَمْوَالِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً .
فَهُوَ يَجْعَلُ
nindex.php?page=treesubj&link=10845_11158صَدَاقَ الْمَرْأَةِ فَرِيضَةً لَهَا مُقَابِلَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِامْرَأَةٍ مِنَ الْحَلَائِلِ - وَهُنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ - فَالطَّرِيقُ هُوَ ابْتِغَاؤُهَا لِلْإِحْصَانِ - أَيْ عَنْ طَرِيقِ النِّكَاحِ (الزَّوَاجِ) لَا عَنْ أَيِّ طَرِيقٍ آخَرَ - وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ لَهَا صَدَاقَهَا حَتْمًا مَفْرُوضًا، لَا نَافِلَةً، وَلَا تَطَوُّعًا مِنْهُ، وَلَا إِحْسَانًا، فَهُوَ حَقٌّ لَهَا عَلَيْهِ مَفْرُوضٌ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرِثَهَا وِرَاثَةً بِلَا مُقَابِلٍ - كَمَا كَانَ يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ - وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَايِضَ عَلَيْهَا مُقَايَضَةً كَمَا كَانَ يَقَعُ فِي زَوَاجِ الشِّغَارِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً فِي مُقَابِلِ أَنْ يَدْفَعَ لِوَلِيِّهَا امْرَأَةً مِنْ عِنْدِهِ! كَأَنَّهُمَا بَهِيمَتَانِ! أَوْ شَيْئَانِ!
وَبَعْدَ تَقْرِيرِ هَذَا الْحَقِّ لِلْمَرْأَةِ وَفَرْضِيَّتِهِ، يَدَعُ الْبَابَ مَفْتُوحًا لِمَا يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ بَيْنَهُمَا وَفْقَ مُقْتَضَيَاتِ حَيَاتِهِمَا الْمُشْتَرَكَةِ، وَوَفْقَ مَشَاعِرِهِمَا وَعَوَاطِفِهِمَا أَحَدِهِمَا تُجَاهَ الْآخَرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=25864_25937فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا فِي أَنْ تَتَنَازَلَ الزَّوْجَةُ عَنْ مَهْرِهَا - كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ - بَعْدَ بَيَانِهِ وَتَحْدِيدِهِ ، وَبَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ حَقًّا لَهَا خَالِصًا تَتَصَرَّفُ فِيهِ كَمَا تَتَصَرَّفُ فِي سَائِرِ أَمْوَالِهَا بِحُرِّيَّةٍ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي أَنْ يَزِيدَهَا الزَّوْجُ عَلَى الْمَهْرِ، أَوْ يَزِيدَهَا فِيهِ. فَهَذَا شَأْنُهُ الْخَاصُّ. وَهَذَا شَأْنُهُمَا مَعًا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ فِي حُرِّيَّةٍ وَسَمَاحَةٍ.
[ ص: 626 ] ثُمَّ يَجِيءُ التَّعْقِيبُ. يَرْبِطُ هَذِهِ الْأَحْكَامَ بِمَصْدَرِهَا; وَيَكْشِفُ عَمَّا وَرَاءَهَا مِنَ الْعِلْمِ الْكَاشِفِ، وَالْحِكْمَةِ الْبَصِيرَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ..
فَهُوَ الَّذِي شَرَعَ هَذِهِ الْأَحْكَامَ. وَهُوَ الَّذِي شَرَعَهَا عَنْ عِلْمٍ وَعَنْ حِكْمَةٍ.. فَيَعْرِفُ ضَمِيرُ الْمُسْلِمِ مِنْ أَيْنَ يَتَلَقَّى الْأَحْكَامَ فِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شُئُونِ حَيَاتِهِ - وَأَخَصُّهَا هَذَا الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجِهِ - وَيَطْمَئِنُّ إِلَى مَا يَتَلَقَّاهُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، الصَّادِرَةِ عَنِ الْعِلْمِ وَعَنِ الْحِكْمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ...