فصل .
[ ص: 84 ] الصلح بين المسلمين ] .
وقوله : "
nindex.php?page=treesubj&link=15562_15561_15560_15442والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا " هذا مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه
الترمذي وغيره من حديث
عمرو بن عوف المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14511الصلح جائز بين المسلمين ، إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ، والمسلمون على شروطهم ، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما } قال
الترمذي : هذا حديث صحيح ; وقد ندب الله سبحانه وتعالى إلى
nindex.php?page=treesubj&link=15561الصلح بين الطائفتين في الدماء فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } وندب الزوجين إلى الصلح عند التنازع في حقوقهما ، فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس } وأصلح النبي صلى الله عليه وسلم بين
بني عمرو بن عوف لما وقع بينهم ، ولما تنازع
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك وابن أبي حدرد في دين على
ابن أبي حدرد ، أصلح النبي صلى الله عليه وسلم بأن استوضع من دين
كعب الشطر و [ أمر ] غريمه بقضاء الشطر ، وقال لرجلين اختصما عنده {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13293 : اذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل منكما صاحبه } وقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37200من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، وإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه } وجوز في دم العمد أن يأخذ أولياء القتيل ما صولحوا عليه ، ولما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13400استشهد عبد الله بن حرام الأنصاري ، والد nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ، وكان عليه دين ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم غرماءه أن يقبلوا ثمر حائطة ويحللوا أباه } .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إنه كان لا يرى بأسا بالمخارجة ، يعني
nindex.php?page=treesubj&link=15455_15453_15449_15502الصلح في الميراث ; وسميت المخارجة لأن الوارث يعطى ما يصالح عليه ويخرج نفسه من الميراث ، وصولحت امرأة
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف من نصيبها من ربع الثمن على ثمانين ألفا ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر عن
أزهر عن
محارب قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : " ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أيضا " ردوا الخصوم لعلهم أن يصطلحوا ، فإنه آثر للصدق ، وأقل للخيانة " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أيضا : " ردوا الخصوم إذا كانت بينهم قرابة ، فإن فصل القضاء يورث بينهم الشنآن "
[ ص: 85 ]
فصل .
[ الحقوق ضربان حق الله تعالى وحق عباده ] .
والحقوق نوعان : حق الله ، وحق الآدمي ; فحق الله لا مدخل للصلح فيه كالحدود والزكوات والكفارات ونحوها ، وإنما الصلح بين العبد وبين ربه في إقامتها ، لا في إهمالها ، ولهذا لا يقبل بالحدود ، وإذا بلغت السلطان فلعن الله الشافع والمشفع .
وأما حقوق الآدميين فهي التي تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة عليها ، والصلح العادل هو الذي أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فأصلحوا بينهما بالعدل } والصلح الجائر هو الظلم بعينه ، وكثير من الناس لا يعتمد العدل في الصلح ، بل يصلح صلحا ظالما جائرا ، فيصالح بين الغريمين على دون الطفيف من حق أحدهما ، والنبي صلى الله عليه وسلم صالح بين
كعب وغريمه وصالح أعدل الصلح فأمره أن يأخذ الشطر ويدع الشطر ; وكذلك لما عزم على طلاق
سودة رضيت بأن تهب له ليلتها وتبقى على حقها من النفقة والكسوة ، فهذا أعدل الصلح ، فإن الله سبحانه أباح للرجل أن يطلق زوجته ويستبدل بها غيرها ، فإذا رضيت بترك بعض حقها وأخذ بعضه وأن يمسكها كان هذا من الصلح العادل ، وكذلك أرشد الخصمين اللذين كانت بينهما المواريث بأن يتوخيا الحق بحسب الإمكان ثم يحلل كل منهما صاحبه ; وقد
nindex.php?page=treesubj&link=15561_15442أمر الله سبحانه بالإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين أولا فإن بغت إحداهما على الأخرى فحينئذ أمر بقتال الباغية لا بالصلح فإنها ظالمة ، ففي الإصلاح مع ظلمها هضم لحق الطائفة المظلومة ، وكثير من الظلمة المصلحين يصلح بين القادر الظالم والخصم الضعيف المظلوم بما يرضي به القادر صاحب الجاه ، ويكون له فيه الحظ ، ويكون الإغماض والحيف فيه على الضعيف ، ويظن أنه قد أصلح ، ولا يمكن المظلوم من أخذ حقه ، وهذا ظلم ، بل يمكن المظلوم من استيفاء حقه ، ثم يطلب إليه برضاه أن يترك بعض حقه بغير محاباة لصاحب الجاه ، ولا يشتبه بالإكراه للآخر بالمحاباة ونحوها .
فصل .
[ الصلح إما مردود وإما جائز نافذ ]
nindex.php?page=treesubj&link=15562والصلح الذي يحل الحرام ويحرم الحلال كالصلح الذي يتضمن تحريم بضع حلال ، أو إحلال بضع حرام ، أو إرقاق حر ، أو نقل نسب أو ولاء عن محل إلى محل ، أو أكل ربا ، أو إسقاط واجب ، أو تعطيل حد ، أو ظلم ثالث ، وما أشبه ذلك ; فكل هذا صلح جائز مردود
[ ص: 86 ]
فالصلح الجائز بين المسلمين هو الذي يعتمد فيه رضا الله سبحانه ورضا الخصمين ; فهذا أعدل الصلح وأحقه ، وهو يعتمد العلم والعدل ; فيكون المصلح عالما بالوقائع ، عارفا بالواجب ، قاصدا للعدل ، فدرجة هذا أفضل من درجة الصائم القائم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1641ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصائم القائم ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : إصلاح ذات البين ; فإن فساد ذات البين الحالقة ، أما إني لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين } وقد جاء في أثر : أصلحوا بين الناس ، فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة ; وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون }
فَصْلٌ .
[ ص: 84 ] الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ] .
وَقَوْلُهُ : "
nindex.php?page=treesubj&link=15562_15561_15560_15442وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا " هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14511الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا ، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ، إلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا } قَالَ
التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ; وَقَدْ نَدَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَى
nindex.php?page=treesubj&link=15561الصُّلْحِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الدِّمَاءِ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } وَنَدَبَ الزَّوْجَيْنِ إلَى الصُّلْحِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي حُقُوقِهِمَا ، فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=128وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ } وَأَصْلَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ
بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لَمَّا وَقَعَ بَيْنَهُمْ ، وَلَمَّا تَنَازَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ فِي دَيْنٍ عَلَى
ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ ، أَصْلَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ اسْتَوْضَعَ مِنْ دَيْنِ
كَعْبٍ الشَّطْرَ وَ [ أَمَرَ ] غَرِيمَهُ بِقَضَاءِ الشَّطْرِ ، وَقَالَ لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا عِنْدَهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13293 : اذْهَبَا فَاقْتَسِمَا ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ لْيُحْلِلْ كُلٌّ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37200مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضٍ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ } وَجَوَّزَ فِي دَمِ الْعَمْدِ أَنْ يَأْخُذَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ ، وَلَمَّا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13400اُسْتُشْهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ ، وَالِدُ nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرٍ ، وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطَةِ وَيُحْلِلُوا أَبَاهُ } .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : إنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْمُخَارَجَةِ ، يَعْنِي
nindex.php?page=treesubj&link=15455_15453_15449_15502الصُّلْحَ فِي الْمِيرَاثِ ; وَسُمِّيَتْ الْمُخَارَجَةُ لِأَنَّ الْوَارِثَ يُعْطَى مَا يُصَالِحُ عَلَيْهِ وَيُخْرِجُ نَفْسَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ ، وَصُولِحَتْ امْرَأَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ نَصِيبِهَا مِنْ رُبُعِ الثُّمُنِ عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفًا ، وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17074مِسْعَرٌ عَنْ
أَزْهَرَ عَنْ
مُحَارِبٍ قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ : " رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُحْدِثُ بَيْنَ الْقَوْمِ الضَّغَائِنَ " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ أَيْضًا " رُدُّوا الْخُصُومَ لَعَلَّهُمْ أَنْ يَصْطَلِحُوا ، فَإِنَّهُ آثَرُ لِلصِّدْقِ ، وَأَقَلُّ لِلْخِيَانَةِ " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ أَيْضًا : " رُدُّوا الْخُصُومَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمْ قَرَابَةٌ ، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ بَيْنَهُمْ الشَّنَآنَ "
[ ص: 85 ]
فَصْلٌ .
[ الْحُقُوقُ ضَرْبَانِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ عِبَادِهِ ] .
وَالْحُقُوقُ نَوْعَانِ : حَقُّ اللَّهِ ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ ; فَحَقُّ اللَّهِ لَا مَدْخَلَ لِلصُّلْحِ فِيهِ كَالْحُدُودِ وَالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا ، وَإِنَّمَا الصُّلْحُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ فِي إقَامَتِهَا ، لَا فِي إهْمَالِهَا ، وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ بِالْحُدُودِ ، وَإِذَا بَلَغَتْ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ .
وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَهِيَ الَّتِي تَقْبَلُ الصُّلْحَ وَالْإِسْقَاطَ وَالْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهَا ، وَالصُّلْحُ الْعَادِلُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ } وَالصُّلْحُ الْجَائِرُ هُوَ الظُّلْمُ بِعَيْنِهِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَعْتَمِدُ الْعَدْلَ فِي الصُّلْحِ ، بَلْ يُصْلِحُ صُلْحًا ظَالِمًا جَائِرًا ، فَيُصَالِحُ بَيْنَ الْغَرِيمَيْنِ عَلَى دُونِ الطَّفِيفِ مِنْ حَقِّ أَحَدِهِمَا ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ بَيْنَ
كَعْبٍ وَغَرِيمِهِ وَصَالَحَ أَعْدَلَ الصُّلْحِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الشَّطْرَ وَيَدَعَ الشَّطْرَ ; وَكَذَلِكَ لَمَّا عَزَمَ عَلَى طَلَاقِ
سَوْدَةَ رَضِيَتْ بِأَنْ تَهَبَ لَهُ لَيْلَتَهَا وَتَبْقَى عَلَى حَقِّهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ ، فَهَذَا أَعْدَلُ الصُّلْحِ ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ وَيَسْتَبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا ، فَإِذَا رَضِيَتْ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا وَأَخْذِ بَعْضِهِ وَأَنْ يُمْسِكَهَا كَانَ هَذَا مِنْ الصُّلْحِ الْعَادِلِ ، وَكَذَلِكَ أَرْشَدَ الْخَصْمَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَتْ بَيْنَهُمَا الْمَوَارِيثُ بِأَنْ يَتَوَخَّيَا الْحَقَّ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ثُمَّ يُحْلِلْ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ; وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=15561_15442أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ أَوَّلًا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَحِينَئِذٍ أَمَرَ بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ لَا بِالصُّلْحِ فَإِنَّهَا ظَالِمَةٌ ، فَفِي الْإِصْلَاحِ مَعَ ظُلْمِهَا هَضْمٌ لِحَقِّ الطَّائِفَةِ الْمَظْلُومَةِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ الظَّلَمَةِ الْمُصْلِحِينَ يُصْلِحُ بَيْنَ الْقَادِرِ الظَّالِمِ وَالْخَصْمِ الضَّعِيفِ الْمَظْلُومِ بِمَا يُرْضِي بِهِ الْقَادِرَ صَاحِبَ الْجَاهِ ، وَيَكُونُ لَهُ فِيهِ الْحَظُّ ، وَيَكُونُ الْإِغْمَاضُ وَالْحَيْفُ فِيهِ عَلَى الضَّعِيفِ ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَصْلَحَ ، وَلَا يُمَكِّنُ الْمَظْلُومَ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ ، وَهَذَا ظُلْمٌ ، بَلْ يُمَكِّنُ الْمَظْلُومَ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ، ثُمَّ يَطْلُبُ إلَيْهِ بِرِضَاهُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ حَقِّهِ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ لِصَاحِبِ الْجَاهِ ، وَلَا يَشْتَبِهُ بِالْإِكْرَاهِ لِلْآخَرِ بِالْمُحَابَاةِ وَنَحْوِهَا .
فَصْلٌ .
[ الصُّلْحُ إمَّا مَرْدُودٌ وَإِمَّا جَائِزٌ نَافِذٌ ]
nindex.php?page=treesubj&link=15562وَالصُّلْحُ الَّذِي يُحِلُّ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُ الْحَلَالَ كَالصُّلْحِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ بُضْعٍ حَلَالٍ ، أَوْ إحْلَالَ بِضْع حَرَامٍ ، أَوْ إرْقَاقَ حُرٍّ ، أَوْ نَقْلَ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءً عَنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ ، أَوْ أَكْلَ رَبًّا ، أَوْ إسْقَاطَ وَاجِبٍ ، أَوْ تَعْطِيلَ حَدٍّ ، أَوْ ظُلْمَ ثَالِثٍ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ; فَكُلُّ هَذَا صُلْحٌ جَائِزٌ مَرْدُودٌ
[ ص: 86 ]
فَالصُّلْحُ الْجَائِزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ الَّذِي يُعْتَمَدُ فِيهِ رِضَا اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَرِضَا الْخَصْمَيْنِ ; فَهَذَا أَعْدَلُ الصُّلْحِ وَأَحَقُّهُ ، وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْعِلْمَ وَالْعَدْلَ ; فَيَكُونُ الْمُصْلِحُ عَالِمًا بِالْوَقَائِعِ ، عَارِفًا بِالْوَاجِبِ ، قَاصِدًا لِلْعَدْلِ ، فَدَرَجَةُ هَذَا أَفْضَلُ مِنْ دَرَجَةِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1641أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ، قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ; فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ ، أَمَا إنِّي لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ } وَقَدْ جَاءَ فِي أَثَرٍ : أَصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ، فَإِنَّ اللَّهُ يُصْلِحُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }