[ من ترد شهادته ] .
قوله : " والمسلمون عدول بعضهم على بعض ، إلا مجربا عليه شهادة زور ، أو مجلودا في حد ، أو ظنينا في ولاء أو قرابة " لما جعل الله سبحانه هذه الأمة أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس - والوسط : العدل الخيار - كانوا عدولا بعضهم على بعض ، إلا من قام به مانع الشهادة ، وهو أن يكون قد جرب عليه شهادة الزور ; فلا يوثق بعد ذلك بشهادته ، أو من جلد في حد لأن الله سبحانه نهى عن قبول شهادته ، أو متهم بأن يجر إلى نفسه نفعا من المشهود له كشهادة السيد لعتيقه بمال أو
nindex.php?page=treesubj&link=15982شهادة العتيق لسيده إذا كان في عياله أو منقطعا إليه يناله نفعه ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=15992شهادة القريب لقريبه لا تقبل مع التهمة ، وتقبل بدونها ، هذا هو الصحيح .
[ شهادة القريب لقريبه أو عليه ]
وقد اختلف الفقهاء في ذلك : فمنهم جوز شهادة القريب لقريبه مطلقا كالأجنبي ، ولم يجعل القرابة مانعة من الشهادة بحال ، كما يقوله
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد بن حزم وغيره من
أهل الظاهر ، وهؤلاء يحتجون بالعمومات التي لا تفرق بين أجنبي وقريب ، وهؤلاء أسعد بالعمومات ، ومنعت طائفة شهادة الأصول للفروع والفروع للأصول خاصة ، وجوزت شهادة سائر الأقارب بعضهم لبعض ، ، وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وليس مع هؤلاء نص صريح صحيح بالمنع .
واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بأنه لو قبلت شهادة الأب لابنه لكانت شهادة منه لنفسه لأنه منه ; وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12501إنما nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها } قالوا : وكذلك بنو البنات ، فقد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25462قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن : إن ابني هذا سيد } قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فإذا شهد له فإنما يشهد لشيء منه ، قال : وبنوه هم منه ، فكأنه شهد لبعضه ، قالوا : والشهادة ترد بالتهمة ، والوالد متهم في ولده فهو ظنين في قرابته ، قالوا : وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأولاد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12383إنكم لتبخلون وتجبنون ، وإنكم لمن ريحان الله } وفي أثر آخر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11652الولد مبخلة مجبنة } قالوا : وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7029أنت ومالك لأبيك } فإذا كان مال الابن لأبيه فإذا شهد له الأب بمال كان قد شهد به لنفسه ، قالوا : وقد قال
أبو عبيد : ثنا
جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية عن
يزيد الجزري [ ص: 88 ] قال : أحسبه
nindex.php?page=showalam&ids=17362يزيد بن سنان ، قال
الزهري : عن
عروة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31339لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ظنين في ولاء أو قرابة ولا مجلود } قالوا : ولأن بينهما من البعضية والجزئية ما يمنع قبول الشهادة ، كما منع من إعطائه من الزكاة ، ومن قتله بالولد ، وحده بقذفه ; قالوا : ولهذا لا يثبت له في ذمته دين عند جماعة من أهل العلم ، ولا يطالب به ، ولا يحبس من أجله ، قالوا : وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم } ولم يذكر بيوت الأبناء لأنها داخلة في بيوتهم أنفسهم ، فاكتفى بذكرها دونها ، وإلا فبيوتهم أقرب من بيوت من ذكر في الآية : قالوا : وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=15وجعلوا له من عباده جزءا } أي ولدا ، فالولد جزء ; فلا تقبل شهادة الرجل في جزئه .
قالوا : وقد قال صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10888إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه } فكيف يشهد الرجل لكسبه ؟ قالوا : والإنسان متهم في ولده ، مفتون به ، كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=15إنما أموالكم وأولادكم فتنة } فكيف تقبل شهادة المرء لمن قد جعل مفتونا به ؟ والفتنة محل التهمة .
فصل قال الآخرون : قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=115وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقد قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم } ولا ريب في دخول الآباء والأبناء والأقارب في هذا اللفظ كدخول الأجانب ; وتناولها للجميع بتناول واحد ، هذا مما لا يمكن دفعه ، ولم يستثن الله سبحانه ولا رسوله من ذلك أبا ولا ولدا ولا أخا ولا قرابة ، ولا أجمع المسلمون على استثناء أحد من هؤلاء ; فتلزم الحجة بإجماعهم .
وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
أبي بكر بن أبي سبرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد عن
nindex.php?page=showalam&ids=4891عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تجوز
nindex.php?page=treesubj&link=15992_15990شهادة الوالد لولده ، والولد لوالده ، والأخ لأخيه ، وعن
عمرو بن سليم الزرقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب مثل هذا
[ ص: 89 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس عن
الزهري قال : لم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح في شهادة الوالد لولده ، ولا الولد لوالده ، ولا الأخ لأخيه ، ولا الزوج لامرأته ، ثم دخل الناس بعد ذلك فظهرت منهم أمور حملت الولاة على اتهامهم ، فتركت شهادة من يتهم إذا كانت من قرابة ، وصار ذلك من الولد والوالد والأخ والزوج والمرأة ، لم يتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان .
وقال
أبو عبيد : حدثني
الحسن بن عازب عن جده
شبيب بن غرقدة قال : كنت جالسا عند
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح ، فأتاه
علي بن كاهل وامرأة وخصم ، فشهد لها
علي بن كاهل وهو زوجها ، وشهد لها أبوها ، فأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح شهادتهما ، فقال الخصم : هذا أبوها وهذا زوجها ، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح : أتعلم شيئا تجرح به شهادتهما ؟ كل مسلم شهادته جائزة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن
شبيب بن غرقدة قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا أجاز لامرأة شهادة أبيها وزوجها ، فقال له الرجل : إنه أبوها وزوجها ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح : فمن يشهد للمرأة إلا أبوها وزوجها ؟ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16087شبابة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب عن
سليمان قال : شهدت لأمي عند
nindex.php?page=showalam&ids=11949أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، فقضى بشهادتي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
عبد الرحمن بن عبد الله الأنصاري قال : أجاز
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز شهادة الابن لأبيه إذا كان عدلا .
قالوا : فهؤلاء
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وجميع السلف
nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=11949وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يجيزون شهادة الابن لأبيه والأب لابنه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : وبهذا يقول
nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية nindex.php?page=showalam&ids=16542وعثمان البتي nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=15215والمزني nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبو سليمان وجميع أصحابنا ، يعني
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود بن علي وأصحابه .
وقد ذكر
الزهري أن الذين ردوا شهادة الابن لأبيه والأخ لأخيه هم المتأخرون ، وأن السلف الصالح لم يكونوا يردونها .
قالوا : وأما حجتكم على المنع فمدارها على شيئين : أحدهما : البعضية التي بين الأب وابنه وأنها توجب أن تكون شهادة أحدهما للآخر شهادة لنفسه ، وهذه حجة ضعيفة ; فإن هذه البعضية لا توجب أن تكون كبعضه في الأحكام ،
[ ص: 90 ] لا في أحكام الدنيا ، ولا في أحكام الثواب والعقاب ; فلا يلزم من وجوب شيء على أحدهما أو تحريمه وجوبه على الآخر وتحريمه من جهة كونه بعضه ، ولا من وجوب الحد على أحدهما وجوبه على الآخر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31332لا يجني والد على ولده } فلا يجنى عليه ، ولا يعاقب بذنبه ، ولا يثاب بحسناته ، ولا يجب عليه الزكاة ولا الحج بغنى الآخر ، ثم قد أجمع الناس على صحة بيعه منه وإجارته ومضاربته ومشاركته ، فلو امتنعت شهادته له لكونه جزءاه فيكون شاهدا لنفسه لامتنعت هذه العقود ، إذ يكون عاقدا لها مع نفسه .
فإن قلتم : هو متهم بشهادته له ، بخلاف هذه العقود ; فإنه لا يتهم فيها معه .
قيل : هذا عود منكم إلى المأخذ الثاني ، وهو مأخذ التهمة فيقال : التهمة وحدها مستقلة بالمنع ، سواء كان قريبا أو أجنبيا ، ولا ريب أن تهمة الإنسان في صديقه وعشيره ومن يعنيه مودته ومحبته أعظم من تهمته في أبيه وابنه ، والواقع شاهد بذلك ، وكثير من الناس يحابي صديقه وعشيره وذا وده أعظم مما يحابي أباه وابنه .
فإن قلتم : الاعتبار بالمظنة ، وهي التي تنضبط ، بخلاف الحكمة ; فإنها لانتشارها وعدم انضباطها لا يمكن التعليل بها .
قيل : هذا صحيح في الأصناف التي شهد لها الشرع بالاعتبار ، وعلق بها الأحكام ، دون مظانها ، فأين علق الشارع عدم قبول
nindex.php?page=treesubj&link=15992_15991الشهادة بوصف الأبوة أو البنوة أو الأخوة ؟ والتابعون إنما نظروا إلى التهمة ، فهي الوصف المؤثر في الحكم ، فيجب تعليق الحكم به وجودا وعدما ، ولا تأثير لخصوص القرابة ولا عمومها ، بل قد توجد القرابة حيث لا تهمة ، وتوجد التهمة حيث لا قرابة ، والشارع إنما علق قبول الشهادة بالعدالة وكون الشاهد مرضيا ، وعلق عدم قبولها بالفسق ، ولم يعلق القبول والرد بأجنبية ولا قرابة .
قالوا : وأما قولكم : " إنه غير متهم معه في تلك العقود " فليس كذلك ، بل هو متهم معه في المحاباة ، ومع ذلك فلا يوجب ذلك إبطالها ، ولهذا لو باعه في مرض موته ولم يحابه لم يبطل البيع ، ولو حاباه بطل في قدر المحاباة ، فعلق البطلان بالتهمة لا بمظنتها .
قالوا : وأما قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7029أنت ومالك لأبيك } فلا يمنع شهادة الابن لأبيه ، فإن الأب ليس هو وماله لابنه ، ولا يدل الحديث على [ عدم ] قبول شهادة أحدهما للآخر ، والذي دل عليه الحديث أكثر منازعينا لا يقولون به ، بل عندهم أن مال الابن له حقيقة وحكما ، وأن الأب لا يتملك عليه منه شيئا ، والذي لم يدل عليه الحديث حملتموه إياه ، والذي دل عليه لم تقولوا به ، ونحن نتلقى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها بالقبول والتسليم ونستعملها في
[ ص: 91 ] وجوهها ، ولو دل قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7029أنت ومالك لأبيك } على أن لا تقبل شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده لكنا أول ذاهب إلى ذلك ، ولما سبقتمونا إليه ، فأين موضع الدلالة ؟ واللام في الحديث ليست للملك قطعا ، وأكثركم يقول ولا للإباحة إذ لا يباح مال الابن لأبيه ، ولهذا فرق بعض السلف فقال : تقبل شهادة الابن لأبيه ، ولا تقبل شهادة الأب لابنه ، وهو إحدى الروايتين عن
الحسن والشعبي ، ونص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية عنه ، ومن يقول هي للإباحة أسعد بالحديث ، وإلا تعطلت فائدته ودلالته ، ولا يلزم من إباحة أخذه ما شاء من ماله أن لا تقبل شهادته له بحال ، مع القطع أو ظهور انتفاء التهمة ، كما لو شهد له بنكاح أو حد أو ما لا تلحقه به تهمة .
قالوا : وأما كونه لا يعطى من زكاته ، ولا يقاد به ، ولا يحد به ، ولا يثبت له في ذمته دين ، ولا يحبس به ; فالاستدلال إنما يكون بما ثبت بنص أو إجماع ، وليس معكم شيء من ذلك ، فهذه مسائل نزاع لا مسائل إجماع ، ولو سلم ثبوت الحكم فيها أو في بعضها لم يلزم منه عدم قبول شهادة أحدهما للآخر حيث تنتفي التهمة ; ولا تلازم بين قبول الشهادة وجريان القصاص وثبوت الدين له في ذمته لا عقلا ولا شرعا ، فإن تلك الأحكام اقتضتها الأبوة التي تمنع من مساواته للأجنبي في حده به ، وإقادته منه ، وحبسه بدينه ، فإن منصب أبوته يأبى ذلك ، وقبحه مركوز في فطر الناس ، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح وأما الشهادة فهي خبر يعتمد الصدق والعدالة ، فإذا كان المخبر به صادقا مبرزا في العدالة غير متهم في الإخبار فليس قبول قوله قبيحا عند المسلمين ، ولا تأتي الشريعة برد خبر المخبر به واتهامه .
قالوا : والشريعة مبناها على تصديق الصادق وقبول خبره ، وتكذيب الكاذب ، والتوقف في خبر الفاسق المتهم ; فهي لا ترد حقا ، ولا تقبل باطلا .
قالوا : وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة فلو ثبت لم يكن فيه دليل فإنه إنما يدل على عدم قبول شهادة المتهم في قرابته أو ذي ولاية ، ونحن لا نقبل شهادته إذا ظهرت تهمته ، ثم منازعونا لا يقولون بالحديث ، فإنهم لا يردون شهادة كل قرابة ، والحديث ليس فيه تخصيص لقرابة الإيلاد بالمنع ، وإنما فيه تعليق المنع بتهمة القرابة ، فألغيتم وصف التهمة ، وخصصتم وصف القرابة بفرد منها ; فكنا نحن أسعد بالحديث منكم ، وبالله التوفيق .
وقد قال
محمد بن الحكم : إن أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك يجيزون شهادة الأب والابن والأخ والزوج والزوجة على أنه وكل فلانا ; ولا يجيزون شهادتهم أن فلانا وكله ; لأن الذي يوكل لا يتهمان عليه في شيء
[ ص: 92 ]
وأما شهادة الأخ لأخيه فالجمهور يجيزونها ، وهو الذي في التهذيب من رواية
ابن القاسم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، إلا أن يكون في عياله .
وقال بعض المالكية : لا تجوز إلا على شرط ; ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم : هو أن يكون مبرزا في العدالة ، وقال بعضهم : إذا لم تنله صلته ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : تجوز في اليسير دون الكثير ، فإن كان مبرزا جاز في الكثير ، وقال بعضهم : تقبل مطلقا إلا فيما تصح فيه التهمة ، مثل أن يشهد له بما يكسب به الشاهد شرفا وجاها .
والصحيح أنه تقبل
nindex.php?page=treesubj&link=15992_15991شهادة الابن لأبيه والأب لابنه فيما لا تهمة فيه ، ونص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ; فعنه في المسألة ثلاث روايات : المنع ، والقبول فيما لا تهمة فيه ، والتفريق بين شهادة الابن لأبيه فتقبل وشهادة الأب لابنه فلا تقبل ، واختار
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر القبول كالأجنبي .
وأما شهادة أحدهما على الآخر فنص الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على قبولها ، وقد دل عليه القرآن في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين } .
وقد حكى بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عنه رواية ثانية أنها لا تقبل ; قال صاحب المغني : ولم أجد في الجامع ، يعني جامع
nindex.php?page=showalam&ids=14242الخلال ، خلافا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أنها تقبل .
وقال بعض الشافعية : لا تقبل شهادة الابن على أبيه في قصاص ولا حد قذف ، قال : لأنه لا يقتل بقتله ، ولا يحد بقذفه ، وهذا قياس ضعيف جدا ، فإن الحد والقتل في صورة المنع لكون المستحق هو الابن ، وهنا المستحق أجنبي .
ومما يدل على أن احتمال التهمة بين الولد ووالده لا يمنع قبول الشهادة أن شهادة الوارث لمورثه جائزة بالمال وغيره ، ومعلوم أن تطرق التهمة إليه مثل تطرقها إلى الوالد والولد ، وكذلك شهادة الابنين على أبيهما بطلاق ضرة أمهما جائزة ، مع أنها شهادة للأم ، ويتوفر حظها من الميراث ، ويخلو لها وجه الزوج ، ولم ترد هذه الشهادة باحتمال التهمة ; فشهادة الوالد لوالده وعكسه بحيث لا تهمة هناك أولى بالقبول ، وهذا هو القول الذي ندين الله به ، وبالله التوفيق
[ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ] .
قَوْلُهُ : " وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، إلَّا مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ ، أَوْ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ " لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ أُمَّةً وَسَطًا لِيَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ - وَالْوَسَطُ : الْعَدْلُ الْخِيَارُ - كَانُوا عُدُولًا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، إلَّا مَنْ قَامَ بِهِ مَانِعُ الشَّهَادَةِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جُرِّبَ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الزُّورِ ; فَلَا يُوثَقُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِ ، أَوْ مَنْ جُلِدَ فِي حَدٍّ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ نَهَى عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ ، أَوْ مُتَّهَمٌ بِأَنْ يَجُرَّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ كَشَهَادَةِ السَّيِّدِ لِعَتِيقِهِ بِمَالٍ أَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=15982شَهَادَةِ الْعَتِيقِ لِسَيِّدِهِ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِ أَوْ مُنْقَطِعًا إلَيْهِ يَنَالُهُ نَفْعُهُ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=15992شَهَادَةُ الْقَرِيبِ لِقَرِيبِهِ لَا تُقْبَلُ مَعَ التُّهْمَةِ ، وَتُقْبَلُ بِدُونِهَا ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ .
[ شَهَادَةُ الْقَرِيبِ لِقَرِيبِهِ أَوْ عَلَيْهِ ]
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ : فَمِنْهُمْ جَوَّزَ شَهَادَةَ الْقَرِيبِ لِقَرِيبِهِ مُطْلَقًا كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَلَمْ يَجْعَلْ الْقَرَابَةَ مَانِعَةً مِنْ الشَّهَادَةِ بِحَالٍ ، كَمَا يَقُولُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ
أَهْلِ الظَّاهِرِ ، وَهَؤُلَاءِ يَحْتَجُّونَ بِالْعُمُومَاتِ الَّتِي لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ أَجْنَبِيٍّ وَقَرِيبٍ ، وَهَؤُلَاءِ أَسْعَدُ بِالْعُمُومَاتِ ، وَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ شَهَادَةَ الْأُصُولِ لِلْفُرُوعِ وَالْفُرُوعِ لِلْأُصُولِ خَاصَّةً ، وَجَوَّزَتْ شَهَادَةَ سَائِرِ الْأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ، ، وَهَذَا مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ ، وَلَيْسَ مَعَ هَؤُلَاءِ نَصٌّ صَرِيحٌ صَحِيحٌ بِالْمَنْعِ .
وَاحْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ لَكَانَتْ شَهَادَةً مِنْهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مِنْهُ ; وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12501إنَّمَا nindex.php?page=showalam&ids=129فَاطِمَةُ بُضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا ، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا } قَالُوا : وَكَذَلِكَ بَنُو الْبَنَاتِ ، فَقَدْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25462قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَسَنِ : إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ } قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فَإِذَا شَهِدَ لَهُ فَإِنَّمَا يَشْهَدُ لِشَيْءٍ مِنْهُ ، قَالَ : وَبَنُوهُ هُمْ مِنْهُ ، فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِبَعْضِهِ ، قَالُوا : وَالشَّهَادَةُ تُرَدُّ بِالتُّهْمَةِ ، وَالْوَالِدُ مُتَّهَمٌ فِي وَلَدِهِ فَهُوَ ظَنِينٌ فِي قَرَابَتِهِ ، قَالُوا : وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَوْلَادِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12383إنَّكُمْ لَتَبْخَلُونَ وَتُجَبِنُّونَ ، وَإِنَّكُمْ لَمِنْ رِيحَانِ اللَّهِ } وَفِي أَثَرٍ آخَرَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11652الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ } قَالُوا : وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7029أَنْتَ وَمَالِكُ لِأَبِيك } فَإِذَا كَانَ مَالُ الِابْنِ لِأَبِيهِ فَإِذَا شَهِدَ لَهُ الْأَبُ بِمَالٍ كَانَ قَدْ شَهِدَ بِهِ لِنَفْسِهِ ، قَالُوا : وَقَدْ قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : ثنا
جَرِيرٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ عَنْ
يَزِيدَ الْجَزَرِيِّ [ ص: 88 ] قَالَ : أَحْسَبُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17362يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ ، قَالَ
الزُّهْرِيُّ : عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31339لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا ظَنِينٍ فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَلَا مَجْلُودٍ } قَالُوا : وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا مِنْ الْبَعْضِيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ مَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ ، كَمَا مَنَعَ مِنْ إعْطَائِهِ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَمِنْ قَتْلِهِ بِالْوَلَدِ ، وَحَدِّهِ بِقَذْفِهِ ; قَالُوا : وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَلَا يُطَالَبُ بِهِ ، وَلَا يُحْبَسُ مِنْ أَجْلِهِ ، قَالُوا : وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ } وَلَمْ يَذْكُرْ بُيُوتَ الْأَبْنَاءِ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي بُيُوتِهِمْ أَنْفُسِهِمْ ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِهَا دُونَهَا ، وَإِلَّا فَبُيُوتُهُمْ أَقْرَبُ مِنْ بُيُوتِ مَنْ ذَكَرَ فِي الْآيَةِ : قَالُوا : وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=15وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا } أَيْ وَلَدًا ، فَالْوَلَدُ جُزْءٌ ; فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ فِي جُزْئِهِ .
قَالُوا : وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10888إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ } فَكَيْفَ يَشْهَدُ الرَّجُلُ لِكَسْبِهِ ؟ قَالُوا : وَالْإِنْسَانُ مُتَّهَمٌ فِي وَلَدِهِ ، مَفْتُونٌ بِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=15إنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ } فَكَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرْءِ لِمَنْ قَدْ جُعِلَ مَفْتُونًا بِهِ ؟ وَالْفِتْنَةُ مَحَلُّ التُّهْمَةِ .
فَصْلٌ قَالَ الْآخَرُونَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=115وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=106يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَلَا رَيْبَ فِي دُخُولِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَقَارِبِ فِي هَذَا اللَّفْظِ كَدُخُولِ الْأَجَانِبِ ; وَتَنَاوُلِهَا لِلْجَمِيعِ بِتَنَاوُلٍ وَاحِدٍ ، هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَلَا رَسُولُهُ مِنْ ذَلِكَ أَبًا وَلَا وَلَدًا وَلَا أَخًا وَلَا قَرَابَةً ، وَلَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ ; فَتَلْزَمُ الْحُجَّةُ بِإِجْمَاعِهِمْ .
وَقَدْ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16360عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11863أَبِي الزِّنَادِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=4891عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : تَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=15992_15990شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ ، وَالْوَلَدُ لِوَالِدِهِ ، وَالْأَخُ لِأَخِيهِ ، وَعَنْ
عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ هَذَا
[ ص: 89 ]
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابْنُ وَهْبٍ : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17419يُونُسُ عَنْ
الزُّهْرِيِّ قَالَ : لَمْ يَكُنْ يَتَّهِمُ سَلَفُ الْمُسْلِمِينَ الصَّالِحَ فِي شَهَادَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ ، وَلَا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ ، وَلَا الْأَخِ لِأَخِيهِ ، وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ ، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَظَهَرَتْ مِنْهُمْ أُمُورٌ حَمَلَتْ الْوُلَاةَ عَلَى اتِّهَامِهِمْ ، فَتَرَكَتْ شَهَادَةَ مَنْ يُتَّهَمُ إذَا كَانَتْ مِنْ قَرَابَةٍ ، وَصَارَ ذَلِكَ مِنْ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالْأَخِ وَالزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ ، لَمْ يَتَّهِمْ إلَّا هَؤُلَاءِ فِي آخَرِ الزَّمَانِ .
وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : حَدَّثَنِي
الْحَسَنُ بْنُ عَازِبٍ عَنْ جَدِّهِ
شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16097شُرَيْحٍ ، فَأَتَاهُ
عَلِيُّ بْنُ كَاهِلٍ وَامْرَأَةٌ وَخَصْمٌ ، فَشَهِدَ لَهَا
عَلِيُّ بْنُ كَاهِلٍ وَهُوَ زَوْجُهَا ، وَشَهِدَ لَهَا أَبُوهَا ، فَأَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=16097شُرَيْحٌ شَهَادَتَهُمَا ، فَقَالَ الْخَصْمُ : هَذَا أَبُوهَا وَهَذَا زَوْجُهَا ، فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16097شُرَيْحٌ : أَتَعَلَّمُ شَيْئًا تَجْرَحُ بِهِ شَهَادَتَهُمَا ؟ كُلُّ مُسْلِمٍ شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16360عَبْدُ الرَّزَّاقِ : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ قَالَ : سَمِعْت
nindex.php?page=showalam&ids=16097شُرَيْحًا أَجَازَ لِامْرَأَةٍ شَهَادَةَ أَبِيهَا وَزَوْجِهَا ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : إنَّهُ أَبُوهَا وَزَوْجُهَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16097شُرَيْحٌ : فَمَنْ يَشْهَدُ لِلْمَرْأَةِ إلَّا أَبُوهَا وَزَوْجُهَا ؟ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12508أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16087شَبَابَةُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ
سُلَيْمَانَ قَالَ : شَهِدْت لِأُمِّي عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11949أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، فَقَضَى بِشَهَادَتِي .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16360عَبْدُ الرَّزَّاقِ : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17124مَعْمَرٌ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : أَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَهَادَةَ الِابْنِ لِأَبِيهِ إذَا كَانَ عَدْلًا .
قَالُوا : فَهَؤُلَاءِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَجَمِيعُ السَّلَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=16097وَشُرَيْحٌ nindex.php?page=showalam&ids=16673وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ nindex.php?page=showalam&ids=11949وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الِابْنِ لِأَبِيهِ وَالْأَبِ لِابْنِهِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ : وَبِهَذَا يَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=12444إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16542وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ nindex.php?page=showalam&ids=12418وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=15215وَالْمُزَنِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15858وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا ، يَعْنِي
nindex.php?page=showalam&ids=15858دَاوُد بْنَ عَلِيٍّ وَأَصْحَابَهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ
الزُّهْرِيُّ أَنَّ الَّذِينَ رَدُّوا شَهَادَةَ الِابْنَ لِأَبِيهِ وَالْأَخَ لِأَخِيهِ هُمْ الْمُتَأَخِّرُونَ ، وَأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ لَمْ يَكُونُوا يَرُدُّونَهَا .
قَالُوا : وَأَمَّا حُجَّتُكُمْ عَلَى الْمَنْعِ فَمَدَارُهَا عَلَى شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْبَعْضِيَّةُ الَّتِي بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ وَأَنَّهَا تُوجِبُ أَنْ تَكُونَ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ ، وَهَذِهِ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْبَعْضِيَّةَ لَا تُوجِبُ أَنْ تَكُونَ كَبَعْضِهِ فِي الْأَحْكَامِ ،
[ ص: 90 ] لَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، وَلَا فِي أَحْكَامِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ; فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ تَحْرِيمِهِ وُجُوبُهُ عَلَى الْآخَرِ وَتَحْرِيمُهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ بَعْضَهُ ، وَلَا مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى أَحَدِهِمَا وُجُوبُهُ عَلَى الْآخَرِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31332لَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ } فَلَا يُجْنَى عَلَيْهِ ، وَلَا يُعَاقَبُ بِذَنْبِهِ ، وَلَا يُثَابُ بِحَسَنَاتِهِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا الْحَجُّ بِغِنَى الْآخَرِ ، ثُمَّ قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهِ مِنْهُ وَإِجَارَتِهِ وَمُضَارَبَتِهِ وَمُشَارَكَتِهِ ، فَلَوْ امْتَنَعَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ لِكَوْنِهِ جُزْءَاهُ فَيَكُونُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ لَامْتَنَعَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ ، إذْ يَكُونُ عَاقِدًا لَهَا مَعَ نَفْسِهِ .
فَإِنْ قُلْتُمْ : هُوَ مُتَّهَمٌ بِشَهَادَتِهِ لَهُ ، بِخِلَافِ هَذِهِ الْعُقُودِ ; فَإِنَّهُ لَا يَتَّهِمُ فِيهَا مَعَهُ .
قِيلَ : هَذَا عَوْدٌ مِنْكُمْ إلَى الْمَأْخَذِ الثَّانِي ، وَهُوَ مَأْخَذُ التُّهْمَةِ فَيُقَالُ : التُّهْمَةُ وَحْدَهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِالْمَنْعِ ، سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ تُهْمَةَ الْإِنْسَانِ فِي صَدِيقِهِ وَعَشِيرِهِ وَمَنْ يَعْنِيهِ مَوَدَّتَهُ وَمَحَبَّتَهُ أَعْظَمُ مِنْ تُهْمَتِهِ فِي أَبِيهِ وَابْنِهِ ، وَالْوَاقِعُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُحَابِي صَدِيقَهُ وَعَشِيرَهُ وَذَا وُدِّهِ أَعْظَمَ مِمَّا يُحَابِي أَبَاهُ وَابْنَهُ .
فَإِنْ قُلْتُمْ : الِاعْتِبَارُ بِالْمَظِنَّةِ ، وَهِيَ الَّتِي تَنْضَبِطُ ، بِخِلَافِ الْحِكْمَةِ ; فَإِنَّهَا لِانْتِشَارِهَا وَعَدَمِ انْضِبَاطِهَا لَا يُمْكِنُ التَّعْلِيلُ بِهَا .
قِيلَ : هَذَا صَحِيحٌ فِي الْأَصْنَافِ الَّتِي شَهِدَ لَهَا الشَّرْعُ بِالِاعْتِبَارِ ، وَعَلَّقَ بِهَا الْأَحْكَامَ ، دُونَ مَظَانِّهَا ، فَأَيْنَ عَلَّقَ الشَّارِعُ عَدَمَ قَبُولِ
nindex.php?page=treesubj&link=15992_15991الشَّهَادَةِ بِوَصْفِ الْأُبُوَّةِ أَوْ الْبُنُوَّةِ أَوْ الْأُخُوَّةِ ؟ وَالتَّابِعُونَ إنَّمَا نَظَرُوا إلَى التُّهْمَةِ ، فَهِيَ الْوَصْفُ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ ، فَيَجِبُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا ، وَلَا تَأْثِيرَ لِخُصُوصِ الْقَرَابَةِ وَلَا عُمُومِهَا ، بَلْ قَدْ تُوجَدُ الْقَرَابَةُ حَيْثُ لَا تُهْمَةَ ، وَتُوجَدُ التُّهْمَةُ حَيْثُ لَا قَرَابَةَ ، وَالشَّارِعُ إنَّمَا عَلَّقَ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالْعَدَالَةِ وَكَوْنُ الشَّاهِدِ مَرَضِيًّا ، وَعَلَّقَ عَدَمَ قَبُولِهَا بِالْفِسْقِ ، وَلَمْ يُعَلِّقْ الْقَبُولَ وَالرَّدَّ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَلَا قَرَابَةٍ .
قَالُوا : وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : " إنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ " فَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ هُوَ مُتَّهَمٌ مَعَهُ فِي الْمُحَابَاةِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ إبْطَالُهَا ، وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَمْ يُحَابِهِ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ ، وَلَوْ حَابَاهُ بَطَلَ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ ، فَعَلَّقَ الْبُطْلَانَ بِالتُّهْمَةِ لَا بِمَظِنَّتِهَا .
قَالُوا : وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7029أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك } فَلَا يَمْنَعُ شَهَادَةَ الِابْنِ لِأَبِيهِ ، فَإِنَّ الْأَبَ لَيْسَ هُوَ وَمَالُهُ لِابْنِهِ ، وَلَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى [ عَدَمِ ] قَبُولِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ ، وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ أَكْثَرُ مُنَازِعِينَا لَا يَقُولُونَ بِهِ ، بَلْ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَالَ الِابْنِ لَهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، وَأَنَّ الْأَبَ لَا يَتَمَلَّكُ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْئًا ، وَاَلَّذِي لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ حَمَّلْتُمُوهُ إيَّاهُ ، وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَمْ تَقُولُوا بِهِ ، وَنَحْنُ نَتَلَقَّى أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهَا بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ وَنَسْتَعْمِلُهَا فِي
[ ص: 91 ] وُجُوهِهَا ، وَلَوْ دَلَّ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7029أَنْتَ وَمَالِكُ لِأَبِيك } عَلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ لَكُنَّا أَوَّلَ ذَاهِبٍ إلَى ذَلِكَ ، وَلَمَا سَبَقْتُمُونَا إلَيْهِ ، فَأَيْنَ مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ ؟ وَاللَّامُ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَتْ لِلْمِلْكِ قَطْعًا ، وَأَكْثَرُكُمْ يَقُولُ وَلَا لِلْإِبَاحَةِ إذْ لَا يُبَاحُ مَالُ الِابْنِ لِأَبِيهِ ، وَلِهَذَا فَرَّقَ بَعْضُ السَّلَفِ فَقَالَ : تُقْبَلُ شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ ، وَمَنْ يَقُولُ هِيَ لِلْإِبَاحَةِ أَسْعَدُ بِالْحَدِيثِ ، وَإِلَّا تَعَطَّلَتْ فَائِدَتُهُ وَدَلَالَتُهُ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إبَاحَةِ أَخْذِهِ مَا شَاءَ مِنْ مَالِهِ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ لَهُ بِحَالٍ ، مَعَ الْقَطْعِ أَوْ ظُهُورِ انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ ، كَمَا لَوْ شَهِدَ لَهُ بِنِكَاحٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ مَا لَا تَلْحَقُهُ بِهِ تُهْمَةٌ .
قَالُوا : وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يُعْطَى مِنْ زَكَاتِهِ ، وَلَا يُقَادُ بِهِ ، وَلَا يُحَدُّ بِهِ ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ ، وَلَا يُحْبَسُ بِهِ ; فَالِاسْتِدْلَالُ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ، وَلَيْسَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَهَذِهِ مَسَائِلُ نِزَاعٍ لَا مَسَائِلُ إجْمَاعٍ ، وَلَوْ سَلِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ حَيْثُ تَنْتَفِي التُّهْمَةُ ; وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ وَثُبُوتِ الدَّيْنِ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ لَا عَقْلًا وَلَا شَرْعًا ، فَإِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامَ اقْتَضَتْهَا الْأُبُوَّةُ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ مُسَاوَاتِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي حَدِّهِ بِهِ ، وَإِقَادَتِهِ مِنْهُ ، وَحَبْسِهِ بِدَيْنِهِ ، فَإِنَّ مَنْصِبَ أُبُوَّتِهِ يَأْبَى ذَلِكَ ، وَقُبْحَهُ مَرْكُوزٌ فِي فِطَرِ النَّاسِ ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ ، وَمَا رَأَوْهُ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَهِيَ خَبَرٌ يَعْتَمِدُ الصِّدْقَ وَالْعَدَالَةَ ، فَإِذَا كَانَ الْمُخْبِرُ بِهِ صَادِقًا مُبَرَّزًا فِي الْعَدَالَةِ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي الْإِخْبَارِ فَلَيْسَ قَبُولُ قَوْلِهِ قَبِيحًا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا تَأْتِي الشَّرِيعَةُ بِرَدِّ خَبَرِ الْمُخْبِرِ بِهِ وَاتِّهَامِهِ .
قَالُوا : وَالشَّرِيعَةُ مَبْنَاهَا عَلَى تَصْدِيقِ الصَّادِقِ وَقَبُولِ خَبَرِهِ ، وَتَكْذِيبِ الْكَاذِبِ ، وَالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ الْمُتَّهَمِ ; فَهِيَ لَا تَرُدُّ حَقًّا ، وَلَا تَقْبَلُ بَاطِلًا .
قَالُوا : وَأَمَّا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ فَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ فِي قَرَابَتِهِ أَوْ ذِي وِلَايَةٍ ، وَنَحْنُ لَا نَقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا ظَهَرَتْ تُهْمَتُهُ ، ثُمَّ مُنَازَعُونَا لَا يَقُولُونَ بِالْحَدِيثِ ، فَإِنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ شَهَادَةَ كُلِّ قَرَابَةٍ ، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصٌ لِقَرَابَةِ الْإِيلَادِ بِالْمَنْعِ ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَعْلِيقُ الْمَنْعِ بِتُهْمَةِ الْقَرَابَةِ ، فَأَلْغَيْتُمْ وَصْفَ التُّهْمَةِ ، وَخَصَصْتُمْ وَصْفَ الْقَرَابَةِ بِفَرْدٍ مِنْهَا ; فَكُنَّا نَحْنُ أَسْعَدُ بِالْحَدِيثِ مِنْكُمْ ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
وَقَدْ قَالَ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ : إنَّ أَصْحَابَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ فُلَانًا ; وَلَا يُجِيزُونَ شَهَادَتَهُمْ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ ; لِأَنَّ الَّذِي يُوَكِّلُ لَا يَتَّهِمَانِ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ
[ ص: 92 ]
وَأَمَّا شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ فَالْجُمْهُورُ يُجِيزُونَهَا ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّهْذِيبِ مِنْ رِوَايَةِ
ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ : لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى شَرْطٍ ; ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ أَنْ يَكُونَ مُبْرِزًا فِي الْعَدَالَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا لَمْ تَنَلْهُ صِلَتُهُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12321أَشْهَبُ : تَجُوزُ فِي الْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ ، فَإِنْ كَانَ مُبْرِزًا جَازَ فِي الْكَثِيرِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : تُقْبَلُ مُطْلَقًا إلَّا فِيمَا تَصِحُّ فِيهِ التُّهْمَةُ ، مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِمَا يَكْسِبُ بِهِ الشَّاهِدُ شَرَفًا وَجَاهًا .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ
nindex.php?page=treesubj&link=15992_15991شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ وَالْأَبِ لِابْنِهِ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ; فَعَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ : الْمَنْعُ ، وَالْقَبُولُ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ شَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبِيهِ فَتُقْبَلُ وَشَهَادَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ فَلَا تُقْبَلُ ، وَاخْتَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابْنُ الْمُنْذِرِ الْقَبُولَ كَالْأَجْنَبِيِّ .
وَأَمَّا شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَنَصَّ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ عَلَى قَبُولِهَا ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } .
وَقَدْ حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ عَنْهُ رِوَايَةً ثَانِيَةً أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ ; قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي : وَلَمْ أَجِدْ فِي الْجَامِعِ ، يَعْنِي جَامِعَ
nindex.php?page=showalam&ids=14242الْخَلَّالِ ، خِلَافًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ أَنَّهَا تُقْبَلُ .
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ فِي قِصَاصٍ وَلَا حَدِّ قَذْفٍ ، قَالَ : لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِهِ ، وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ ، وَهَذَا قِيَاسٌ ضَعِيفٌ جِدًّا ، فَإِنَّ الْحَدَّ وَالْقَتْلَ فِي صُورَةِ الْمَنْعِ لِكَوْنِ الْمُسْتَحِقِّ هُوَ الِابْنُ ، وَهُنَا الْمُسْتَحِقُّ أَجْنَبِيٌّ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ احْتِمَالَ التُّهْمَةِ بَيْنَ الْوَلَدِ وَوَالِدِهِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَارِثِ لِمُوَرِّثِهِ جَائِزَةٌ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَطَرُّقَ التُّهْمَةِ إلَيْهِ مِثْلُ تَطَرُّقِهَا إلَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الِابْنَيْنِ عَلَى أَبِيهِمَا بِطَلَاقِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا جَائِزَةٌ ، مَعَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ لِلْأُمِّ ، وَيَتَوَفَّرُ حَظُّهَا مِنْ الْمِيرَاثِ ، وَيَخْلُو لَهَا وَجْهُ الزَّوْجِ ، وَلَمْ تُرَدَّ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بِاحْتِمَالِ التُّهْمَةِ ; فَشَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَالِدِهِ وَعَكْسُهُ بِحَيْثُ لَا تُهْمَةَ هُنَاكَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ