[ ص: 439 ] فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=22008الانتقال
وقد منعه الجمهور . وقال الشاعر :
وإذا تنقل في الجواب مجادل دل العقول على انقطاع حاصر
ولأنا لو جوزناه لم بات إفحام الخصم ولا إظهار الحق ، وذلك لأنه يشرع في كلام وينتقل إلى غيره قبل تمام الأول وهكذا إلى ما لا نهاية له ، فلا يحصل المقصود من المناظرة وهو إظهار الحق وإفحام الخصم . واستثنوا من ذلك ما إذا استفاد من الكلام المتنقل عنه فائدة لو لم يذكره أولا لم تحصل له تلك الفائدة . ذكره صاحب " الإرشاد " . فأما
nindex.php?page=treesubj&link=22008السائل لو انتقل من السؤال قبل تمامه وقال : ظننت أنه لازم فبان خلافه فمكنوني من سؤال آخر ففيه خلاف حكاه بعضهم ، وقال الأصح أنه يمكن منه إذا كان انحدارا من الأعلى إلى الأدنى . فإن كان ترقيا من الأدنى إلى الأعلى ، كما لو أراد الترقي من المعارضة إلى المنع فقيل : لا يمكن لأنه مكذب لنفسه . وقيل : يمكن ، لأن مقصوده الإرشاد .
وأما المسئول فيمكن من الغرض كما سيأتي . ولو أراد العدول من دليل إلى دليل لا يؤيد الأول كان منقطعا . فإن ترك الدليل الأول لعجز السائل عن فهمه لا يعد انقطاعا . وعلى ذلك حملت قضية
إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه . وجوز بعضهم الانتقال مطلقا . محتجا بالاحتجاج على الكافر
[ ص: 440 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب } بعد الاحتجاج عليه بأن الله يحيي ويميت . قال
الأصفهاني : وهذا ليس بانتقال ، بل هو في غاية الحسن والكمال في صنعة الجدل وبيانه أنه لما وضع الاحتجاج على الملحد بما يعجز هو عنه ويعترف به . وذلك بأن الله يحيي ويميت ، أورد الملحد شبهة خيالية عليه فبدل ذلك المثال المعجوز عنه بمثال لا يقدر على إيراد شبهة خيالية عليه ، وهو قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258فإن الله يأتي بالشمس من المشرق } . وهذا لأن كل واحد من المثالين يعجز عنه الملحد قطعا ، إلا أن المثال الثاني لا قدرة له ولا لغيره على إيراد شبهة خيالية عليه ، فإذن الدليل على أن الله قادر على ما يعجز مدعي الإلهية عنه ، والمثالان مشتركان في ذلك ، إلا أن المثال الأول أمكنه أن يبدي خيالا فاسدا عليه ، والثاني ليس كذلك .
والاستدلال بالمشترك بين المثالين وليس انتقالا أصلا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور : ليس هذا انتقالا ، لأن خصمه لم يفهم دليله الأول ، وعارضه على إحياء الموتى بتركه قتل من يمكنه قتله . والحجة عليه باقية لعجزه عن إحياء من قد مات ، فلما تقررت هذه الحجة ألزمه حجة أخرى هي إلى فهم خصمه أقرب فقال : إن كنت إلها فاقلب الشمس في سيرها إلى طلوعها من مغربها إن كنت مجريها ، فاعترف خصمه عن جوابه في الحجة الثانية وكان في التحقيق منقطعا عن الجواب في الأولى قبل الثانية لو أنصف من نفسه . وقال
الإمام في الأربعين " : الدليل كان شيئا واحدا وهو حدوث ما لا يقدر الإنسان على إحداثه ، فهو يدل على قادر آخر غير الخلق . ثم هذا المعنى له أمثلة الإحياء والإماتة وطلوع الشمس من مشرقها . فهذا كان انتقالا من مثال إلى مثال . أما الدليل فشيء واحد في الحالين .
[ ص: 439 ] فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=22008الِانْتِقَالِ
وَقَدْ مَنَعَهُ الْجُمْهُورُ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
وَإِذَا تَنَقَّلَ فِي الْجَوَابِ مُجَادِلٌ دَلَّ الْعُقُولَ عَلَى انْقِطَاعٍ حَاصِرٍ
وَلِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَاهُ لِمَ بَاتَ إفْحَامُ الْخَصْمِ وَلَا إظْهَارُ الْحَقِّ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَشْرَعُ فِي كَلَامٍ وَيَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ، فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ وَهُوَ إظْهَارُ الْحَقِّ وَإِفْحَامُ الْخَصْمِ . وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا اسْتَفَادَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُتَنَقِّلِ عَنْهُ فَائِدَةً لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَوَّلًا لَمْ تَحْصُلْ لَهُ تِلْكَ الْفَائِدَةُ . ذَكَرَهُ صَاحِبُ " الْإِرْشَادِ " . فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=22008السَّائِلُ لَوْ انْتَقَلَ مِنْ السُّؤَالِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَقَالَ : ظَنَنْتُ أَنَّهُ لَازِمٌ فَبَانَ خِلَافَهُ فَمَكِّنُونِي مِنْ سُؤَالٍ آخَرَ فَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ بَعْضُهُمْ ، وَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْهُ إذَا كَانَ انْحِدَارًا مِنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى . فَإِنْ كَانَ تَرَقِّيًا مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى ، كَمَا لَوْ أَرَادَ التَّرَقِّي مِنْ الْمُعَارَضَةِ إلَى الْمَنْعِ فَقِيلَ : لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَفْسِهِ . وَقِيلَ : يُمَكَّنُ ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْإِرْشَادُ .
وَأَمَّا الْمَسْئُولُ فَيُمَكَّنُ مِنْ الْغَرَضِ كَمَا سَيَأْتِي . وَلَوْ أَرَادَ الْعُدُولَ مِنْ دَلِيلٍ إلَى دَلِيلٍ لَا يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ كَانَ مُنْقَطِعًا . فَإِنْ تَرَكَ الدَّلِيلَ الْأَوَّلَ لِعَجْزِ السَّائِلِ عَنْ فَهْمِهِ لَا يُعَدُّ انْقِطَاعًا . وَعَلَى ذَلِكَ حُمِلَتْ قَضِيَّةُ
إبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ . وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ الِانْتِقَالَ مُطْلَقًا . مُحْتَجًّا بِالِاحْتِجَاجِ عَلَى الْكَافِرِ
[ ص: 440 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ } بَعْدَ الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِ بِأَنَّ اللَّهَ يُحْيِي وَيُمِيتُ . قَالَ
الْأَصْفَهَانِيُّ : وَهَذَا لَيْسَ بِانْتِقَالٍ ، بَلْ هُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْكَمَالِ فِي صَنْعَةِ الْجَدَلِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَمَّا وَضَعَ الِاحْتِجَاجَ عَلَى الْمُلْحِدِ بِمَا يَعْجِزُ هُوَ عَنْهُ وَيَعْتَرِفُ بِهِ . وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، أَوْرَدَ الْمُلْحِدُ شُبْهَةً خَيَالِيَّةً عَلَيْهِ فَبَدَّلَ ذَلِكَ الْمِثَالَ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ بِمِثَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيرَادِ شُبْهَةٍ خَيَالِيَّةٍ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ } . وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِثَالَيْنِ يَعْجِزُ عَنْهُ الْمُلْحِدُ قَطْعًا ، إلَّا أَنَّ الْمِثَالَ الثَّانِيَ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ عَلَى إيرَادِ شُبْهَةٍ خَيَالِيَّةٍ عَلَيْهِ ، فَإِذَنْ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى مَا يَعْجِزُ مُدَّعِي الْإِلَهِيَّةِ عَنْهُ ، وَالْمِثَالَانِ مُشْتَرَكَانِ فِي ذَلِكَ ، إلَّا أَنَّ الْمِثَالَ الْأَوَّلَ أَمْكَنَهُ أَنْ يُبْدِيَ خَيَالًا فَاسِدًا عَلَيْهِ ، وَالثَّانِي لَيْسَ كَذَلِكَ .
وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمِثَالَيْنِ وَلَيْسَ انْتِقَالًا أَصْلًا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16392الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ : لَيْسَ هَذَا انْتِقَالًا ، لِأَنَّ خَصْمَهُ لَمْ يَفْهَمْ دَلِيلَهُ الْأَوَّلَ ، وَعَارَضَهُ عَلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى بِتَرْكِهِ قَتْلَ مَنْ يُمْكِنُهُ قَتْلُهُ . وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ بَاقِيَةٌ لِعَجْزِهِ عَنْ إحْيَاءِ مَنْ قَدْ مَاتَ ، فَلَمَّا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ أَلْزَمَهُ حُجَّةً أُخْرَى هِيَ إلَى فَهْمِ خَصْمِهِ أَقْرَبُ فَقَالَ : إنْ كُنْت إلَهًا فَاقْلِبْ الشَّمْسَ فِي سَيْرِهَا إلَى طُلُوعِهَا مِنْ مَغْرِبِهَا إنْ كُنْت مُجْرِيهَا ، فَاعْتَرَفَ خَصْمُهُ عَنْ جَوَابِهِ فِي الْحُجَّةِ الثَّانِيَةِ وَكَانَ فِي التَّحْقِيقِ مُنْقَطِعًا عَنْ الْجَوَابِ فِي الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ لَوْ أَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ . وَقَالَ
الْإِمَامُ فِي الْأَرْبَعِينَ " : الدَّلِيلُ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا وَهُوَ حُدُوثُ مَا لَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى إحْدَاثِهِ ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى قَادِرٍ آخَرَ غَيْرِ الْخَلْقِ . ثُمَّ هَذَا الْمَعْنَى لَهُ أَمْثِلَةُ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَشْرِقِهَا . فَهَذَا كَانَ انْتِقَالًا مِنْ مِثَالٍ إلَى مِثَالٍ . أَمَّا الدَّلِيلُ فَشَيْءٌ وَاحِدٌ فِي الْحَالَيْنِ .