الآية الرابعة قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } .
تقدم في سورة البقرة بيان
nindex.php?page=treesubj&link=25369_9951حال الإحباط بالردة ، وسنزيده هاهنا بيانا ، فنقول : هذا وإن كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم فقد قيل : إن المراد بذلك أمته ، وكيفما تردد الأمر فإنه بيان أن الكفر يحبط العمل كيف كان ، ولا يعني به الكفر الأصلي ; لأنه لم يكن فيه عمل يحبط ، وإنما يعني به أن الكفر يحبط العمل الذي كان مع الإيمان ; إذ لا عمل إلا بعد أصل الإيمان ، فالإيمان معنى يكون به المحل أصلا للعمل لا شرطا في صحة العمل ، كما تخيله الشافعية ; لأن الأصل لا يكون شرطا للفرع ; إذ الشروط أتباع فلا تصير مقصودة ; إذ فيه قلب الحال وعكس الشيء ، وقد بين الله تعالى ذلك بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=88ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } .
وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } فمن كفر من أهل الإيمان حبط عمله ، واستأنف العمل إذا أسلم ، وكان كمن لم يسلم ولم يكفر ; لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } والإسلام والهجرة يهدمان ما قبلهما من باطل ، ولا يكون إيمانا إلا باعتقاد عام على الأزمان ، متصل بتأبيد الأبد ، كما بيناه في كتب الأصول ; فإنه لا يتبعض وإن أفسد فسد جميعه ، وهو حكم لا يتجزأ شرعا ، وقد بيناه في التلخيص وغيره .
الْآيَةُ الرَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْك وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِك لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } .
تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بَيَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=25369_9951حَالِ الْإِحْبَاطِ بِالرِّدَّةِ ، وَسَنَزِيدُهُ هَاهُنَا بَيَانًا ، فَنَقُولُ : هَذَا وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أُمَّتُهُ ، وَكَيْفَمَا تَرَدَّدَ الْأَمْرُ فَإِنَّهُ بَيَانُ أَنَّ الْكُفْرَ يُحْبِطُ الْعَمَلَ كَيْفَ كَانَ ، وَلَا يَعْنِي بِهِ الْكُفْرَ الْأَصْلِيَّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَمَلٌ يُحْبَطُ ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْكُفْرَ يُحْبِطُ الْعَمَلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْإِيمَانِ ; إذْ لَا عَمَلَ إلَّا بَعْدَ أَصْلِ الْإِيمَانِ ، فَالْإِيمَانُ مَعْنًى يَكُونُ بِهِ الْمَحَلُّ أَصْلًا لِلْعَمَلِ لَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعَمَلِ ، كَمَا تَخَيَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِلْفَرْعِ ; إذْ الشُّرُوطُ أَتْبَاعٌ فَلَا تَصِيرُ مَقْصُودَةً ; إذْ فِيهِ قَلْبُ الْحَالِ وَعَكْسُ الشَّيْءِ ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=88وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } فَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ حَبِطَ عَمَلُهُ ، وَاسْتَأْنَفَ الْعَمَلَ إذَا أَسْلَمَ ، وَكَانَ كَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَكْفُرْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } وَالْإِسْلَامُ وَالْهِجْرَةُ يَهْدِمَانِ مَا قَبْلَهُمَا مِنْ بَاطِلٍ ، وَلَا يَكُونُ إيمَانًا إلَّا بِاعْتِقَادٍ عَامٍّ عَلَى الْأَزْمَانِ ، مُتَّصِلٍ بِتَأْبِيدِ الْأَبَدِ ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ ; فَإِنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ وَإِنْ أُفْسِدَ فَسَدَ جَمِيعُهُ ، وَهُوَ حُكْمٌ لَا يَتَجَزَّأُ شَرْعًا ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ .