من أغراض هذه السورة
ابتدئت بمقصد إثبات رسالة
محمد - صلى الله عليه وسلم - بدلالة عجز المشركين عن معارضة القرآن ، دلالة نبه عليها بأسلوب تعريضي دقيق بني على الكناية بتهجية الحروف المقطعة في أول السورة كما تقدم في مفتتح سورة البقرة ، ولذلك أتبعت تلك الحروف بقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تلك آيات الكتاب الحكيم إشارة إلى أن إعجازه لهم هو الدليل على أنه من عند الله . وقد جاء التصريح بما كني عنه هنا في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38قل فأتوا بسورة مثله .
وأتبع بإثبات رسالة
محمد - صلى الله عليه وسلم - وإبطال إحالة المشركين أن يرسل الله رسولا بشرا .
وانتقل من ذلك إلى إثبات انفراد الله - تعالى - بالإلهية بدلالة أنه خالق العالم ومدبره ، فأفضى ذلك إلى إبطال أن يكون لله شركاء في إلهيته ، وإلى إبطال معاذير المشركين بأن أصنامهم شفعاء عند الله .
[ ص: 79 ] وأتبع ذلك بإثبات الحشر والجزاء . فذلك إبطال أصول الشرك .
وتخلل ذلك بذكر دلائل من المخلوقات ، وبيان حكمة الجزاء ، وصفة الجزاء ، وما في دلائل المخلوقات من حكم ومنافع للناس ، ووعيد منكري البعث المعرضين عن آيات الله ، وبضد أولئك وعد الذين آمنوا . فكان معظم هذه السورة يدور حول محور تقرير هذه الأصول .
فمن ذلك التنبيه على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30550إمهال الله - تعالى - الكافرين دون تعجيل العذاب هو حكمة منه .
ومن ذلك التذكير بما حل بأهل القرون الماضية لما أشركوا وكذبوا الرسل .
والاعتبار بما خلق الله للناس من مواهب القدرة على السير في البر والبحر ، وما في أحوال السير في البحر من الألطاف .
وضرب المثل للدنيا وبهجتها وزوالها ، وأن الآخرة هي دار السلام .
واختلاف أحوال المؤمنين والكافرين في الآخرة ، وتبرؤ الآلهة الباطلة من عبدتها .
وإبطال إلهية غير الله تعالى ، بدليل أنها لا تغني عن الناس شيئا في الدنيا ولا في الآخرة .
وإثبات أن القرآن منزل من الله ، وأن الدلائل على بطلان أن يكون مفترى واضحة .
وتحدي المشركين بأن يأتوا بسورة مثله ، ولكن الضلالة أعمت أبصار المعاندين .
وإنذار المشركين بعواقب ما حل بالأمم التي كذبت بالرسل ، وأنهم إن حل بهم العذاب لا ينفعهم إيمانهم ، وأن ذلك لم يلحق قوم
يونس لمصادفة مبادرتهم بالإيمان قبل حلول العذاب .
وتوبيخ المشركين على ما حرموه مما أحل الله من الرزق .
وإثبات عموم العلم لله تعالى .
[ ص: 80 ] وتبشير أولياء الله في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
وتسلية الرسول عما يقوله الكافرون .
وأنه لو شاء لآمن من في الأرض كلهم .
ثم تخلص إلى الاعتبار بالرسل السابقين
نوح ورسل من بعده ثم
موسى وهارون .
ثم استشهد على صدق رسالة
محمد - صلى الله عليه وسلم - بشهادة أهل الكتاب .
وختمت السورة بتلقين الرسول - عليه الصلاة والسلام - مما يعذر به لأهل الشك في دين الإسلام ، وأن اهتداء من اهتدى لنفسه وضلال من ضل عليها ، وأن الله سيحكم بينه وبين معانديه .
مِنْ أَغْرَاضِ هَذِهِ السُّورَةِ
ابْتُدِئَتْ بِمَقْصِدِ إِثْبَاتِ رِسَالَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلَالَةِ عَجْزِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ ، دَلَالَةً نُبِّهَ عَلَيْهَا بِأُسْلُوبٍ تَعْرِيضِيٍّ دَقِيقٍ بُنِي عَلَى الْكِنَايَةِ بِتَهْجِيَةِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مُفْتَتَحِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَلِذَلِكَ أُتْبِعَتْ تِلْكَ الْحُرُوفُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ إِعْجَازَهُ لَهُمْ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ . وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِمَا كُنِيَ عَنْهُ هُنَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=38قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ .
وَأُتْبِعَ بِإِثْبَاتِ رِسَالَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِبْطَالِ إِحَالَةِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُرْسِلَ اللَّهُ رَسُولًا بَشَرًا .
وَانْتُقِلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى إِثْبَاتِ انْفِرَادِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِالْإِلَهِيَّةِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ خَالِقُ الْعَالَمِ وَمُدَبِّرُهُ ، فَأَفْضَى ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ شُرَكَاءُ فِي إِلَهِيَّتِهِ ، وَإِلَى إِبْطَالِ مَعَاذِيرِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ أَصْنَامَهُمْ شُفَعَاءُ عِنْدَ اللَّهِ .
[ ص: 79 ] وَأُتْبِعَ ذَلِكَ بِإِثْبَاتِ الْحَشْرِ وَالْجَزَاءِ . فَذَلِكَ إِبْطَالُ أُصُولِ الشِّرْكِ .
وَتَخَلَّلَ ذَلِكَ بِذِكْرِ دَلَائِلَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَبَيَانِ حِكْمَةِ الْجَزَاءِ ، وَصِفَةِ الْجَزَاءِ ، وَمَا فِي دَلَائِلِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ حِكَمٍ وَمَنَافِعَ لِلنَّاسِ ، وَوَعِيدِ مُنْكِرِي الْبَعْثِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ ، وَبِضِدِّ أُولَئِكَ وُعِدَ الَّذِينَ آمَنُوا . فَكَانَ مُعْظَمُ هَذِهِ السُّورَةِ يَدُورُ حَوْلَ مِحْوَرِ تَقْرِيرِ هَذِهِ الْأُصُولِ .
فَمِنْ ذَلِكَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30550إِمْهَالَ اللَّهِ - تَعَالَى - الْكَافِرِينَ دُونَ تَعْجِيلِ الْعَذَابِ هُوَ حِكْمَةٌ مِنْهُ .
وَمِنْ ذَلِكَ التَّذْكِيرُ بِمَا حَلَّ بِأَهْلِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ لَمَّا أَشْرَكُوا وَكَذَّبُوا الرُّسُلَ .
وَالِاعْتِبَارُ بِمَا خَلَقَ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ مَوَاهِبِ الْقُدْرَةِ عَلَى السَّيْرِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَمَا فِي أَحْوَالِ السَّيْرِ فِي الْبَحْرِ مِنَ الْأَلْطَافِ .
وَضَرْبُ الْمَثَلِ لِلدُّنْيَا وَبَهْجَتِهَا وَزَوَالِهَا ، وَأَنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ السَّلَامِ .
وَاخْتِلَافُ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي الْآخِرَةِ ، وَتَبَرُّؤُ الْآلِهَةِ الْبَاطِلَةِ مِنْ عَبَدَتِهَا .
وَإِبْطَالُ إِلَهِيَّةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُغْنِي عَنِ النَّاسِ شَيْئًا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ .
وَإِثْبَاتُ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ ، وَأَنَّ الدَّلَائِلَ عَلَى بُطْلَانِ أَنْ يَكُونَ مُفْتَرًى وَاضِحَةٌ .
وَتَحَدِّي الْمُشْرِكِينَ بِأَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ، وَلَكِنَّ الضَّلَالَةَ أَعْمَتْ أَبْصَارَ الْمُعَانِدِينَ .
وَإِنْذَارُ الْمُشْرِكِينَ بِعَوَاقِبِ مَا حَلَّ بِالْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتْ بِالرُّسُلِ ، وَأَنَّهُمْ إِنْ حَلَّ بِهِمُ الْعَذَابُ لَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَلْحَقْ قَوْمَ
يُونُسَ لِمُصَادَفَةِ مُبَادَرَتِهِمْ بِالْإِيمَانِ قَبْلَ حُلُولِ الْعَذَابِ .
وَتَوْبِيخُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا حَرَّمُوهُ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ مِنَ الرِّزْقِ .
وَإِثْبَاتُ عُمُومِ الْعِلْمِ لِلَّهِ تَعَالَى .
[ ص: 80 ] وَتَبْشِيرُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ .
وَتَسْلِيَةُ الرَّسُولِ عَمَّا يَقُولُهُ الْكَافِرُونَ .
وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ .
ثُمَّ تَخْلُصُ إِلَى الِاعْتِبَارِ بِالرُّسُلِ السَّابِقِينَ
نُوحٍ وَرُسُلٍ مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ
مُوسَى وَهَارُونَ .
ثُمَّ اسْتُشْهِدَ عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ .
وَخُتِمَتِ السُّورَةُ بِتَلْقِينِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِمَّا يَعْذُرُ بِهِ لِأَهْلِ الشَّكِّ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَأَنَّ اهْتِدَاءَ مَنِ اهْتَدَى لِنَفْسِهِ وَضَلَالَ مَنْ ضَلَّ عَلَيْهَا ، وَأَنَّ اللَّهَ سَيَحْكُمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَانَدِيهِ .