[ ص: 119 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28976اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم .
يجيء في التقييد ( باليوم ) هنا ما جاء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم يئس الذين كفروا من دينكم وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم ، عدا وجه تقييد حصول الفعل حقيقة بذلك اليوم ، فلا يجيء هنا ، لأن إحلال الطيبات أمر سابق إذ لم يكن شيء منها محرما ، ولكن ذلك اليوم كان يوم الإعلام به بصفة كلية ، فيكون كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3ورضيت لكم الإسلام دينا في تعلق قوله اليوم به ، كما تقدم .
ومناسبة ذكر ذلك عقب قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم يئس و
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت أن هذا أيضا منة كبرى لأن إلقاء الأحكام بصفة كلية نعمة في التفقه في الدين .
والكلام على الطيبات تقدم آنفا ، فأعيد ليبنى عليه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب . وعطف جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5اليوم أحل لكم الطيبات لأجل ما في هذه الرخصة من المنة لكثرة مخالطة المسلمين أهل الكتاب فلو حرم الله عليهم طعامهم لشق ذلك عليهم .
والطعام في كلام العرب ما يطعمه المرء ويأكله ، وإضافته إلى أهل الكتاب للملابسة ، أي ما يعالجه أهل الكتاب بطبخ أو ذبح . قال
ابن عطية : الطعام الذي لا محاولة فيه كالبر والفاكهة ونحوهما لا يغيره تملك أحد له ، والطعام الذي تقع فيه محاولة صنعته لا تعلق للدين بها كخبز الدقيق وعصر الزيت . فهذا إن تجنب من الذمي فعلى جهة التقذر . والتذكية هي المحتاجة إلى الدين والنية ، فلما كان القياس أن لا تجوز ذبائحهم رخص الله فيها على هذه الأمة وأخرجها عن القياس . وأراد بالقياس قياس أحوال
[ ص: 120 ] ذبائحهم على أحوالهم المخالفة لأحوالنا ، ولهذا قال كثير من العلماء : أراد الله هنا بالطعام الذبائح ، مع اتفاقهم على أن غيرها من الطعام مباح ، ولكن هؤلاء قالوا : إن غير الذبائح ليس مرادا ، أي لأنه ليس موضع تردد في إباحة أكله .
والأولى حمل الآية على عمومها فتشمل كل طعام قد يظن أنه محرم علينا إذ تدخله صنعتهم ، وهم لا يتوقون ما نتوقى ، وتدخله ذكاتهم وهم لا يشترطون فيها ما نشترطه . ودخل في طعامهم صيدهم على الأرجح .
والذين أوتوا الكتاب : هم أتباع التوراة والإنجيل ، سواء كانوا ممن دعاهم
موسى وعيسى عليهما السلام إلى اتباع الدين ، أم كانوا ممن اتبعوا الدينين اختيارا ; فإن
موسى وعيسى دعوا
بني إسرائيل خاصة ، وقد تهود من العرب
أهل اليمن ، وتنصر من العرب
تغلب ، وبهراء ، وكلب ، ولخم ، ونجران ، وبعض
ربيعة وغسان ، فهؤلاء من أهل الكتاب عند الجمهور عدا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب فإنه قال : لا تحل ذبائح
نصارى تغلب ، وقال : إنهم لم يتمسكوا من النصرانية بشيء سوى شرب الخمر . وقال
القرطبي : هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وروى
الربيع عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا خير في
nindex.php?page=treesubj&link=16970ذبائح نصارى العرب من
تغلب . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : من كان من أهل الكتاب قبل البعثة المحمدية فهو من أهل الكتاب ، ومن دخل في دين أهل الكتاب بعد نزول القرآن فلا يقبل منه إلا الإسلام ، ولا تقبل منه الجزية ، أي كالمشركين .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=16973المجوس فليسوا أهل كتاب بالإجماع ، فلا تؤكل ذبائحهم ، وشذ من جعلهم أهل كتاب . وأما المشركون وعبدة الأوثان فليسوا من أهل الكتاب دون خلاف .
وحكمة الرخصة في أهل الكتاب : لأنهم على دين إلهي يحرم الخبائث ، ويتقي النجاسة ، ولهم في شئونهم أحكام مضبوطة متبعة
[ ص: 121 ] لا تظن بهم مخالفتها ، وهي مستندة للوحي الإلهي ، بخلاف المشركين وعبدة الأوثان . وأما
المجوس فلهم كتاب لكنه ليس بالإلهي ، فمنهم أتباع (
زراد شت ) ، لهم كتاب ( الزندفستا ) وهؤلاء هم محل الخلاف . وأما
المجوس المانوية فهم إباحية فلا يختلف حالهم عن حال المشركين وعبدة الأوثان ، أو هم شر منهم . وقد قال
مالك : ما ليس فيه ذكاة من طعام
المجوس فليس بحرام يعني إذا كانوا يتقون النجاسة . وفي جامع
الترمذي : أن
nindex.php?page=showalam&ids=1500أبا ثعلبة الخشني nindex.php?page=hadith&LINKID=10341620سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن nindex.php?page=treesubj&link=841قدور المجوس فقال له : أنقوها غسلا واطبخوا فيها .
وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : أن
أبا ثعلبة nindex.php?page=hadith&LINKID=10341621سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن nindex.php?page=treesubj&link=840آنية أهل الكتاب . فقال له : إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها ، وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها . قال
ابن العربي : فغسل آنية
المجوس فرض ، وغسل آنية أهل الكتاب ندب . يريد لأن الله أباح لنا طعام أهل الكتاب فقد علم حالهم ، وإنما يسري الشك إلى آنيتهم من طعامهم وهو مأذون فيه ، ولم يبح لنا طعام
المجوس ، فذلك منزع التفرقة بين آنية الفريقين .
ثم الطعام الشامل للذكاة إنما يعتبر طعاما لهم إذا كانوا يستحلونه في دينهم ، ويأكله أحبارهم وعلماؤهم ، ولو كان مما ذكر القرآن أنه حرمه عليهم ، لأنهم قد تأولوا في دينهم تأويلات ، وهذا قول
مالك . وأرى أن دليله : أن الآية عممت طعامهم فكان عمومها دليلا للمسلمين ، ولا التفات إلى ما حكى الله أنه حرمه عليهم ثم أباحه للمسلمين ، فكان عموم طعامهم في شرعنا مباحا ناسخا للمحرم عليهم ، ولا نصير إلى الاحتجاج ( بشرع من قبلنا . . . ) إلا إذا لم يكن لنا دليل على حكمه في شرعنا . وقيل : لا يؤكل ما علمنا تحريمه عليهم بنص القرآن ، وهو قول بعض أهل العلم ، وقيل به في مذهب
مالك ، والمعتمد عن
مالك كراهة شحوم بقر وغنم
اليهود من غير تحريم ; لأن الله ذكر أنه حرم عليهم الشحوم .
[ ص: 122 ] ومن المعلوم أن لا تعمل ذكاة أهل الكتاب ولا إباحة طعامهم فيما حرمه الله علينا بعينه : كالخنزير والدم ، ولا ما حرمه علينا بوصفه ، الذي ليس بذكاة : كالميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع ، إذا كانوا هم يستحلون ذلك ، فأما ما كانت ذكاتهم فيه مخالفة لذكاتنا مخالفة تقصير لا مخالفة زيادة فذلك محل نظر كالمضروبة بمحدد على رأسها فتموت ، والمفتولة العنق فتتمزق العروق ، فقال جمهور العلماء : لا تؤكل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي من المالكية : تؤكل . وقال في الأحكام : فإن قيل فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس فالجواب : أن هذه ميتة ، وهي حرام بالنص ، وإن أكلوها فلا نأكلها نحن ، كالخنزير فإنه حلال لهم ومن طعامهم وهو حرام علينا يريد إباحته عند
النصارى ثم قال : ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها ; هل تؤكل معه أو تؤخذ طعاما منه ؟ فقلت : تؤكل لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه ، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا ولكن الله تعالى أباح طعامهم مطلقا وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا . وأشكل على كثير من الناظرين وجه الجمع بين كلامي
ابن العربي ، وإنما أراد التفرقة بين ما هو من أنواع قطع الحلقوم والأوداج ولو بالخنق ، وبين نحو الخنق لحبس النفس ، ورض الرأس . وقول
ابن العربي شذوذ .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعامكم حل لهم لم يعرج المفسرون على بيان المناسبة بذكر
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وطعامكم حل لهم . والذي أراه أن الله تعالى نبهنا بهذا إلى التيسير في مخالطتهم ، فأباح لنا طعامهم ، وأباح لنا أن نطعمهم طعامنا ، فعلم من هذين الحكمين أن علة الرخصة في تناولنا طعامهم هو الحاجة إلى مخالطتهم ، وذلك أيضا تمهيد لقوله بعد
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب لأن ذلك يقتضي شدة المخالطة معهم لتزوج نسائهم والمصاهرة معهم .
[ ص: 119 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28976الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ .
يَجِيءُ فِي التَّقْيِيدِ ( بِالْيَوْمِ ) هُنَا مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، عَدَا وَجْهِ تَقْيِيدِ حُصُولِ الْفِعْلِ حَقِيقَةً بِذَلِكَ الْيَوْمِ ، فَلَا يَجِيءُ هُنَا ، لِأَنَّ إِحْلَالَ الطَّيِّبَاتِ أَمْرٌ سَابِقٌ إِذْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا مُحَرَّمًا ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ يَوْمَ الْإِعْلَامِ بِهِ بِصِفَةٍ كُلِّيَّةٍ ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فِي تَعَلُّقِ قَوْلِهِ الْيَوْمَ بِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ عَقِبَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ يَئِسَ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ أَنَّ هَذَا أَيْضًا مِنَّةٌ كُبْرَى لِأَنَّ إِلْقَاءَ الْأَحْكَامِ بِصِفَةٍ كُلِّيَّةٍ نِعْمَةٌ فِي التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ .
وَالْكَلَامُ عَلَى الطَّيِّبَاتِ تَقَدَّمَ آنِفًا ، فَأُعِيدَ لِيُبْنَى عَلَيْهِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ . وَعَطْفُ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ لِأَجْلِ مَا فِي هَذِهِ الرُّخْصَةِ مِنَ الْمِنَّةِ لِكَثْرَةِ مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ أَهْلَ الْكِتَابِ فَلَوْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَعَامَهُمْ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ .
وَالطَّعَامُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا يَطْعَمُهُ الْمَرْءُ وَيَأْكُلُهُ ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْمُلَابَسَةِ ، أَيْ مَا يُعَالِجُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ بِطَبْخٍ أَوْ ذَبْحٍ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : الطَّعَامُ الَّذِي لَا مُحَاوَلَةَ فِيهِ كَالْبُرِّ وَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهِمَا لَا يُغَيِّرُهُ تَمَلُّكُ أَحَدٍ لَهُ ، وَالطَّعَامُ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ مُحَاوَلَةُ صَنْعَتِهِ لَا تَعَلُّقَ لِلدِّينِ بِهَا كَخَبْزِ الدَّقِيقِ وَعَصْرِ الزَّيْتِ . فَهَذَا إِنْ تُجُنِّبَ مِنَ الذِّمِّيِّ فَعَلَى جِهَةِ التَّقَذُّرِ . وَالتَّذْكِيَةُ هِيَ الْمُحْتَاجَةُ إِلَى الدِّينِ وَالنِّيَّةِ ، فَلَمَّا كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ ذَبَائِحُهُمْ رَخَّصَ اللَّهُ فِيهَا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَخْرَجَهَا عَنِ الْقِيَاسِ . وَأَرَادَ بِالْقِيَاسِ قِيَاسَ أَحْوَالِ
[ ص: 120 ] ذَبَائِحِهِمْ عَلَى أَحْوَالِهِمُ الْمُخَالِفَةِ لِأَحْوَالِنَا ، وَلِهَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ : أَرَادَ اللَّهُ هُنَا بِالطَّعَامِ الذَّبَائِحَ ، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا مِنَ الطَّعَامِ مُبَاحٌ ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ قَالُوا : إِنَّ غَيْرَ الذَّبَائِحِ لَيْسَ مُرَادًا ، أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعُ تَرَدُّدٍ فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهِ .
وَالْأَوْلَى حَمَلُ الْآيَةِ عَلَى عُمُومِهَا فَتَشْمَلُ كُلَّ طَعَامٍ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا إِذْ تَدْخُلُهُ صَنْعَتُهُمْ ، وَهُمْ لَا يَتَوَقَّوْنَ مَا نَتَوَقَّى ، وَتَدْخُلُهُ ذَكَاتُهُمْ وَهُمْ لَا يَشْتَرِطُونَ فِيهَا مَا نَشْتَرِطُهُ . وَدَخَلَ فِي طَعَامِهِمْ صَيْدُهُمْ عَلَى الْأَرْجَحِ .
وَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ : هُمْ أَتْبَاعُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، سَوَاءً كَانُوا مِمَّنْ دَعَاهُمْ
مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِلَى اتِّبَاعِ الدِّينِ ، أَمْ كَانُوا مِمَّنِ اتَّبَعُوا الدِّينَيْنِ اخْتِيَارًا ; فَإِنَّ
مُوسَى وَعِيسَى دَعَوَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ خَاصَّةً ، وَقَدْ تَهَوَّدَ مِنَ الْعَرَبِ
أَهْلُ الْيَمَنِ ، وَتَنَصَّرَ مِنَ الْعَرَبِ
تَغْلِبُ ، وَبَهْرَاءُ ، وَكَلْبٌ ، وَلَخْمٌ ، وَنَجْرَانُ ، وَبَعْضُ
رَبِيعَةَ وَغَسَّانُ ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَدَا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُ
نَصَارَى تَغْلِبَ ، وَقَالَ : إِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ بِشَيْءٍ سِوَى شُرْبِ الْخَمْرِ . وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : هَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَرَوَى
الرَّبِيعُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ : لَا خَيْرَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=16970ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ مِنْ
تَغْلِبَ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ : مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَمَنْ دَخَلَ فِي دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ ، أَيْ كَالْمُشْرِكِينَ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=16973الْمَجُوسُ فَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ بِالْإِجْمَاعِ ، فَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ ، وَشَذَّ مَنْ جَعَلَهُمْ أَهْلَ كِتَابٍ . وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ خِلَافٍ .
وَحِكْمَةُ الرُّخْصَةِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ : لِأَنَّهُمْ عَلَى دِينٍ إِلَهِيٍّ يُحَرِّمُ الْخَبَائِثَ ، وَيَتَّقِي النَّجَاسَةَ ، وَلَهُمْ فِي شُئُونِهِمْ أَحْكَامٌ مَضْبُوطَةٌ مُتَّبَعَةٌ
[ ص: 121 ] لَا تُظَنُّ بِهِمْ مُخَالَفَتُهَا ، وَهِيَ مُسْتَنِدَةٌ لِلْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ ، بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ . وَأَمَّا
الْمَجُوسُ فَلَهُمْ كِتَابٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِالْإِلَهِيِّ ، فَمِنْهُمْ أَتْبَاعُ (
زَرَادَ شْتَ ) ، لَهُمْ كِتَابُ ( الزَّنْدَفَسْتَا ) وَهَؤُلَاءِ هُمْ مَحَلُّ الْخِلَافِ . وَأَمَّا
الْمَجُوسُ الْمَانَوِيَّةُ فَهُمْ إِبَاحِيَّةٌ فَلَا يَخْتَلِفُ حَالُهُمْ عَنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، أَوْ هُمْ شَرٌّ مِنْهُمْ . وَقَدْ قَالَ
مَالِكٌ : مَا لَيْسَ فِيهِ ذَكَاةٌ مِنْ طَعَامِ
الْمَجُوسِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ يَعْنِي إِذَا كَانُوا يَتَّقُونَ النَّجَاسَةَ . وَفِي جَامِعِ
التِّرْمِذِيِّ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=1500أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341620سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ nindex.php?page=treesubj&link=841قُدُورِ الْمَجُوسِ فَقَالَ لَهُ : أَنْقُوهَا غَسْلًا وَاطْبُخُوا فِيهَا .
وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ : أَنَّ
أَبَا ثَعْلَبَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341621سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ nindex.php?page=treesubj&link=840آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ . فَقَالَ لَهُ : إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا ، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا . قَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : فَغَسْلُ آنِيَةِ
الْمَجُوسِ فَرْضٌ ، وَغَسْلُ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ نَدْبٌ . يُرِيدُ لِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لَنَا طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَدْ عَلِمَ حَالَهُمْ ، وَإِنَّمَا يَسْرِي الشَّكُّ إِلَى آنِيَتِهِمْ مِنْ طَعَامِهِمْ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ ، وَلَمْ يُبَحْ لَنَا طَعَامُ
الْمَجُوسِ ، فَذَلِكَ مَنْزَعُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ آنِيَةِ الْفَرِيقَيْنِ .
ثُمَّ الطَّعَامُ الشَّامِلُ لِلذَّكَاةِ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ طَعَامًا لَهُمْ إِذَا كَانُوا يَسْتَحِلُّونَهُ فِي دِينِهِمْ ، وَيَأْكُلُهُ أَحْبَارُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا ذَكَرَ الْقُرْآنُ أَنَّهُ حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ ، لِأَنَّهُمْ قَدْ تَأَوَّلُوا فِي دِينِهِمْ تَأْوِيلَاتٍ ، وَهَذَا قَوْلُ
مَالِكٍ . وَأَرَى أَنَّ دَلِيلَهُ : أَنَّ الْآيَةَ عَمَّمَتْ طَعَامَهُمْ فَكَانَ عُمُومُهَا دَلِيلًا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا حَكَى اللَّهُ أَنَّهُ حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ أَبَاحَهُ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَكَانَ عُمُومُ طَعَامِهِمْ فِي شَرْعِنَا مُبَاحًا نَاسِخًا لِلْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ ، وَلَا نَصِيرُ إِلَى الِاحْتِجَاجِ ( بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا . . . ) إِلَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَنَا دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِهِ فِي شَرْعِنَا . وَقِيلَ : لَا يُؤْكَلُ مَا عَلِمْنَا تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِمْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَقِيلَ بِهِ فِي مَذْهَبِ
مَالِكٍ ، وَالْمُعْتَمَدُ عَنْ
مَالِكٍ كَرَاهَةُ شُحُومِ بَقَرِ وَغَنَمِ
الْيَهُودِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ .
[ ص: 122 ] وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنْ لَا تَعْمَلَ ذَكَاةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا إِبَاحَةُ طَعَامِهِمْ فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا بِعَيْنِهِ : كَالْخِنْزِيرِ وَالدَّمِ ، وَلَا مَا حَرَّمَهُ عَلَيْنَا بِوَصْفِهِ ، الَّذِي لَيْسَ بِذَكَاةٍ : كَالْمَيْتَةِ وَالْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَأَكِيلَةِ السَّبُعِ ، إِذَا كَانُوا هُمْ يَسْتَحِلُّونَ ذَلِكَ ، فَأَمَّا مَا كَانَتْ ذَكَاتُهُمْ فِيهِ مُخَالِفَةً لِذَكَاتِنَا مُخَالَفَةَ تَقْصِيرٍ لَا مُخَالَفَةَ زِيَادَةٍ فَذَلِكَ مَحَلُّ نَظَرٍ كَالْمَضْرُوبَةِ بِمُحَدَّدٍ عَلَى رَأْسِهَا فَتَمُوتُ ، وَالْمَفْتُولَةِ الْعُنُقِ فَتَتَمَزَّقُ الْعُرُوقُ ، فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ : لَا تُؤْكَلُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ : تُؤْكَلُ . وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ : فَإِنْ قِيلَ فَمَا أَكَلُوهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الذَّكَاةِ كَالْخَنْقِ وَحَطْمِ الرَّأْسِ فَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذِهِ مَيْتَةٌ ، وَهِيَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ ، وَإِنْ أَكَلُوهَا فَلَا نَأْكُلُهَا نَحْنُ ، كَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ لَهُمْ وَمِنْ طَعَامِهِمْ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْنَا يُرِيدُ إِبَاحَتَهُ عِنْدَ
النَّصَارَى ثُمَّ قَالَ : وَلَقَدْ سُئِلْتُ عَنِ النَّصْرَانِيِّ يَفْتِلُ عُنُقَ الدَّجَاجَةِ ثُمَّ يَطْبُخُهَا ; هَلْ تُؤْكَلُ مَعَهُ أَوْ تُؤْخَذُ طَعَامًا مِنْهُ ؟ فَقُلْتُ : تُؤْكَلُ لِأَنَّهَا طَعَامُهُ وَطَعَامُ أَحْبَارِهِ وَرُهْبَانِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ ذَكَاةً عِنْدَنَا وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ طَعَامَهُمْ مُطْلَقًا وَكُلُّ مَا يَرَوْنَهُ فِي دِينِهِمْ فَإِنَّهُ حَلَالٌ لَنَا فِي دِينِنَا . وَأَشْكَلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاظِرِينَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامَيِ
ابْنِ الْعَرَبِيِّ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ مَا هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ وَلَوْ بِالْخَنْقِ ، وَبَيْنَ نَحْوِ الْخَنْقِ لِحَبْسِ النَّفَسِ ، وَرَضِّ الرَّأْسِ . وَقَوْلُ
ابْنِ الْعَرَبِيِّ شُذُوذٌ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ لَمْ يُعَرِّجِ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى بَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ بِذِكْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ . وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَبَّهَنَا بِهَذَا إِلَى التَّيْسِيرِ فِي مُخَالَطَتِهِمْ ، فَأَبَاحَ لَنَا طَعَامَهُمْ ، وَأَبَاحَ لَنَا أَنْ نُطْعِمَهُمْ طَعَامَنَا ، فَعُلِمَ مِنْ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ أَنَّ عِلَّةَ الرُّخْصَةِ فِي تَنَاوُلِنَا طَعَامَهُمْ هُوَ الْحَاجَةُ إِلَى مُخَالَطَتِهِمْ ، وَذَلِكَ أَيْضًا تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ بَعْدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي شِدَّةَ الْمُخَالَطَةِ مَعَهُمْ لِتَزَوُّجِ نِسَائِهِمْ وَالْمُصَاهَرَةِ مَعَهُمْ .