nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100nindex.php?page=treesubj&link=28977_29437وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون .
عطف على الجمل قبله عطف القصة على القصة ، فالضمير المرفوع في جعلوا عائد إلى قومك من قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=66وكذب به قومك .
وهذا انتقال إلى ذكر شرك آخر من شرك العرب ؛ وهو جعلهم الجن شركاء لله في عبادتهم كما جعلوا الأصنام شركاء له في ذلك . وقد كان
nindex.php?page=treesubj&link=29254دين العرب في الجاهلية خليطا من عبادة الأصنام ومن
الصابئية عبادة الكواكب وعبادة الشياطين ، ومجوسية
الفرس ، وأشياء من
اليهودية ، والنصرانية ، فإن العرب لجهلهم حينئذ كانوا يتلقون من الأمم المجاورة لهم والتي يرحلون إليها عقائد شتى متقاربا بعضها ومتباعدا بعض ، فيأخذونه بدون
[ ص: 405 ] تأمل ولا تمحيص لفقد العلم فيهم ، فإن العلم الصحيح هو الذائد عن العقول من أن تعشش فيها الأوهام والمعتقدات الباطلة ، فالعرب كان أصل دينهم في الجاهلية عبادة الأصنام وسرت إليهم معها عقائد من اعتقاد سلطة الجن والشياطين ونحو ذلك .
فكان العرب يثبتون الجن وينسبون إليهم تصرفات ، فلأجل ذلك كانوا يتقون الجن وينتسبون إليها ويتخذون لها المعاذات والرقى ويستجلبون رضاها بالقرابين وترك تسمية الله على بعض الذبائح . وكانوا يعتقدون أن الكاهن تأتيه الجن بالخبر من السماء ، وأن الشاعر له شيطان يوحي إليه الشعر ، ثم إذا أخذوا في تعليل هذه التصرفات وجمعوا بينها وبين معتقدهم في ألوهية الله تعالى تعللوا لذلك بأن للجن صلة بالله تعالى فلذلك قالوا : الملائكة بنات الله من أمهات سروات الجن ، كما أشار إليه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=158وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=149فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=150أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=151ألا إنهم من إفكهم ليقولون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=152ولد الله وإنهم لكاذبون . ومن أجل ذلك جعل كثير من قبائل العرب شيئا من عبادتهم للملائكة وللجن . قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=40ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=41قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون .
والذين زعموا أن الملائكة بنات الله هم
قريش وجهينة وبنو سلمة وخزاعة وبنو مليح . وكان بعض العرب مجوسا عبدوا الشيطان وزعموا أنه إله الشر وأن الله إله الخير ، وجعلوا الملائكة جند الله والجن جند الشيطان . وزعموا أن الله خلق الشيطان من نفسه ثم فوض إليه تدبير الشر فصار إله الشر . وهم قد انتزعوا ذلك من الديانة المزدكية القائلة بإلهين ؛ إله للخير وهو ( يزدان ) . وإله للشر وهو ( أهرمن ) وهو الشيطان .
فقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=41الجن مفعول أول جعلوا و شركاء مفعوله الثاني ، لأن الجن
[ ص: 406 ] المقصود من السياق لا مطلق الشركاء ، لأن جعل الشركاء لله قد تقرر من قبل . و لله متعلق بـ شركاء . وقدم المفعول الثاني على الأول لأنه محل تعجيب وإنكار ، فصار لذلك أهم ، وذكره أسبق .
وتقديم المجرور على المفعول في قوله لله شركاء للاهتمام والتعجيب من خطأ عقولهم إذ يجعلون لله شركاء من مخلوقاته ؛ لأن المشركين يعترفون بأن الله هو خالق الجن ، فهذا التقديم جرى على خلاف مقتضى الظاهر لأجل ما اقتضى خلافه . وكلام الكشاف يجعل تقديم المجرور في الآية للاهتمام باعتقادهم الشريك لله اهتماما في مقامه وهو الاستفظاع والإنكار التوبيخي . وتبعه في المفتاح إذ قال في تقديم بعض المعمولات على بعض للعناية بتقديمه لكونه نصب عينك كما تجدك إذا قال لك أحد : عرفت شركاء لله ، يقف شعرك وتقول : لله شركاء ؟ ! . وعليه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وجعلوا لله شركاء . اهـ . فيكون تقديم المجرور جاريا على مقتضى الظاهر .
والجن بكسر الجيم اسم لموجودات من المجردات التي
nindex.php?page=treesubj&link=28796لا أجسام لها ذات طبع ناري ، ولها آثار خاصة في بعض تصرفات تؤثر في بعض الموجودات ما لا تؤثره القوى العظيمة . وهي من جنس الشياطين لا يدرى أمد وجود أفرادها ولا كيفية بقاء نوعها . وقد أثبتها القرآن على الإجمال ، وكان للعرب أحاديث في تخيلها . فهم يتخيلونها قادرة على التشكل بأشكال الموجودات كلها ويزعمون أنها إذا مست الإنسان آذته وقتلته . وأنها تختطف بعض الناس في الفيافي ، وأن لها زجلا وأصواتا في الفيافي ، ويزعمون أن الصدى هو من الجن ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=71كالذي استهوته الشياطين في الأرض ، وأنها قد تقول الشعر ، وأنها تظهر للكهان والشعراء .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وخلقهم في موضع الحال والواو للحال .
والضمير المنصوب في خلقهم يحتمل أن يعود إلى ما عاد إليه ضمير
[ ص: 407 ] جعلوا ، أي وخلق المشركين ، وموقع هذه الحال التعجيب من أن يجعلوا لله شركاء وهو خالقهم ، من قبيل
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=82وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ، وعلى هذا تكون ضمائر الجمع متناسقة ، والتعجيب على هذا الوجه من جعلهم ذلك مع أن الله خالقهم في نفس الأمر فكيف لا ينظرون في أن مقتضى الخلق أن يفرد بالإلهية إذ لا وجه لدعواها لمن لا يخلق كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون فالتعجيب على هذا من جهلهم وسوء نظرهم .
ويجوز أن يكون ضمير
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وخلقهم عائدا إلى الجن لصحة ذلك الضمير لهم باعتبار أن لهم عقلا ، وموقع الحال التعجيب من ضلال المشركين أن يشركوا الله في العبادة بعض مخلوقاته مع علمهم بأنهم مخلوقون لله تعالى ، فإن المشركين قالوا : إن الله خالق الجن ، كما تقدم ، وأنه لا خالق إلا هو ، فالتعجيب من مخالفتهم لمقتضى علمهم . فالتقدير : وخلقهم كما في علمهم ، أي وخلقهم بلا نزاع . وهذا الوجه أظهر .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وخرقوا عطف على جملة وجعلوا والضمير عائد على المشركين .
وقرأ الجمهور " وخرقوا " بتخفيف الراء ، وقرأه
نافع ، وأبو جعفر بتشديد الراء .
والخرق : أصله القطع والشق . وقال
الراغب : هو القطع والشق على سبيل الفساد من غير تدبر ، ومنه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=71أخرقتها لتغرق أهلها . وهو ضد الخلق ، فإنه فعل الشيء بتقدير ورفق ، والخرق بغير تقدير . ولم يقيده غيره من أئمة اللغة . وأيا ما كان فقد استعمل الخرق مجازا في الكذب كما استعمل فيه افترى واختلق من الفري والخلق . وفي الكشاف : سئل
الحسن عن قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وخرقوا فقال : كلمة عربية كانت العرب تقولها ، كان الرجل إذا كذب كذبة في نادي القوم يقول بعضهم : قد خرقها والله . وقراءة
نافع تفيد المبالغة في الفعل ؛ لأن التفعيل يدل على قوة حصول الفعل . فمعنى خرقوا كذبوا على الله على سبيل الخرق ، أي نسبوا إليه بنين وبنات كذبا ،
[ ص: 408 ] فأما نسبتهم البنين إلى الله فقد حكاها عنهم القرآن هنا . والمراد أن
nindex.php?page=treesubj&link=29706_29705المشركين نسبوا إليه بنين وبنات . وليس المراد
اليهود في قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عزير ابن الله ) ، ولا
النصارى في قولهم ( عيسى ابن الله ) . كما فسر به جميع المفسرين ، لأن ذلك لا يناسب السياق ويشوش عود الضمائر ويخرم نظم الكلام . فالوجه أن المراد أن بعض المشركين نسبوا لله البنين وهم الذين تلقنوا شيئا من
المجوسية لأنهم لما جعلوا الشيطان متولدا عن الله تعالى إذ قالوا إن الله لما خلق العالم تفكر في مملكته واستعظمها فحصل له عجب تولد عنه الشيطان ، وربما قالوا أيضا : إن الله شك في قدرة نفسه فتولد من شكه الشيطان ، فقد لزمهم أن الشيطان متولد عن الله تعالى عما يقولون ، فلزمهم نسبة الابن إلى الله تعالى .
ولعل بعضهم كان يقول بأن الجن أبناء الله والملائكة بنات الله ، أو أن في الملائكة ذكورا وإناثا ، ولقد ينجر لهم هذا الاعتقاد من
اليهود فإنهم جعلوا الملائكة أبناء الله . فقد جاء في أول الإصحاح السادس من سفر التكوين : وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض وولد لهم بنات أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا وإذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولادا هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم .
وأما نسبتهم البنات إلى الله فهي مشهورة في العرب إذ جعلوا الملائكة إناثا ، وقالوا : هن بنات الله .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100بغير علم متعلق بـ خرقوا ، أي اختلقوا اختلاقا عن جهل وضلالة ، لأنه اختلاق لا يلتئم مع العقل والعلم فقد رموا بقولهم عن عمى وجهالة . فالمراد بالعلم هنا العلم بمعناه الصحيح ، وهو حكم الذهن المطابق للواقع عن ضرورة أو برهان .
[ ص: 409 ] والباء للملابسة ، أي ملابسا تخريقهم غير العلم فهو متلبس بالجهل بدءا وغاية ، فهم قد اختلقوا بلا داع ولا دليل ، ولم يجدوا لما اختلقوه ترويجا ، وقد لزمهم به لازم الخطل وفساد القول وعدم التئامه ، فهذا موقع " باء " الملابسة في الآية الذي لا يفيد مفاده غيره .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100سبحانه وتعالى عما يصفون مستأنفة تنزيها عن جميع ما حكي عنهم . فـ سبحان مصدر منصوب على أنه بدل من فعله . وأصل الكلام أسبح الله سبحانا . فلما عوض عن فعله صار سبحان الله بإضافته إلى مفعوله الأصلي ، وقد تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا في سورة البقرة .
ومعنى تعالى ارتفع ، وهو تفاعل من العلو . والتفاعل فيه للمبالغة في الاتصاف . والعلو هنا مجاز ، أي كونه لا ينقصه ما وصفوه به ، أي لا يوصف بذلك لأن الاتصاف بمثل ذلك نقص وهو لا يلحقه النقص فشبه التحاشي عن النقائص بالارتفاع ، لأن الشيء المرتفع لا تلتصق به الأوساخ التي شأنها أن تكون مطروحة على الأرض ، فكما شبه النقص بالسفالة شبه الكمال بالعلو ، فمعنى ( تعالى عن ذلك ) أنه لا يتطرق إليه ذلك .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100عما يصفون متعلق بـ تعالى ، فـ ( عن ) للمجاوزة . وقد دخلت على اسم الموصول ، أي عن الذي يصفونه .
والوصف : الخبر عن أحوال الشيء وأوصافه وما يتميز به ، فهو إخبار مبين مفصل للأحوال ، حتى كأن المخبر يصف الشيء وينعته .
واختير في الآية فعل
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100يصفون لأن ما نسبوه إلى الله يرجع إلى توصيفه بالشركاء والأبناء ، أي تباعد عن الاتصاف به . وأما كونهم وصفوه به فذلك أمر واقع .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100nindex.php?page=treesubj&link=28977_29437وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَّقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ .
عَطَفَ عَلَى الْجُمَلِ قَبْلَهُ عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ ، فَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي جَعَلُوا عَائِدٌ إِلَى قَوْمُكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=66وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ .
وَهَذَا انْتِقَالٌ إِلَى ذِكْرِ شِرْكٍ آخَرَ مِنْ شِرْكِ الْعَرَبِ ؛ وَهُوَ جَعْلُهُمُ الْجِنَّ شُرَكَاءَ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِهِمْ كَمَا جَعَلُوا الْأَصْنَامَ شُرَكَاءَ لَهُ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=29254دِينُ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَلِيطًا مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَمِنَ
الصَّابِئِيَّةِ عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَعِبَادَةِ الشَّيَاطِينِ ، وَمَجُوسِيَّةِ
الْفُرْسِ ، وَأَشْيَاءَ مِنَ
الْيَهُودِيَّةِ ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لِجَهْلِهِمْ حِينَئِذٍ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَ مِنَ الْأُمَمِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُمْ وَالَّتِي يَرْحَلُونَ إِلَيْهَا عَقَائِدَ شَتَّى مُتَقَارِبًا بَعْضُهَا وَمُتَبَاعِدًا بَعْضُ ، فَيَأْخُذُونَهُ بِدُونِ
[ ص: 405 ] تَأَمُّلٍ وَلَا تَمْحِيصٍ لِفَقْدِ الْعِلْمِ فِيهِمْ ، فَإِنَّ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ هُوَ الذَّائِدُ عَنِ الْعُقُولِ مِنْ أَنْ تُعَشَّشَ فِيهَا الْأَوْهَامُ وَالْمُعْتَقَدَاتُ الْبَاطِلَةُ ، فَالْعَرَبُ كَانَ أَصْلُ دِينِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَسَرَتْ إِلَيْهِمْ مَعَهَا عَقَائِدُ مِنِ اعْتِقَادِ سُلْطَةِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
فَكَانَ الْعَرَبُ يُثْبِتُونَ الْجِنَّ وَيَنْسُبُونَ إِلَيْهِمْ تَصَرُّفَاتٍ ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَانُوا يَتَّقُونَ الْجِنَّ وَيَنْتَسِبُونَ إِلَيْهَا وَيَتَّخِذُونَ لَهَا الْمَعَاذَاتِ وَالرُّقَى وَيَسْتَجْلِبُونَ رِضَاهَا بِالْقَرَابِينِ وَتَرْكِ تَسْمِيَةِ اللَّهِ عَلَى بَعْضِ الذَّبَائِحِ . وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْكَاهِنَ تَأْتِيهِ الْجِنُّ بِالْخَبَرِ مِنَ السَّمَاءِ ، وَأَنَّ الشَّاعِرَ لَهُ شَيْطَانٌ يُوحِي إِلَيْهِ الشِّعْرَ ، ثُمَّ إِذَا أَخَذُوا فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَجَمَعُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُعْتَقَدِهِمْ فِي أُلُوهِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى تَعَلَّلُوا لِذَلِكَ بِأَنَّ لِلْجِنِّ صِلَةً بِاللَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ قَالُوا : الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ مِنْ أُمَّهَاتِ سَرَوَاتِ الْجِنِّ ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=158وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=149فَاسْتَفْتِهِمُ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=150أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=151أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=152وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جَعَلَ كَثِيرٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ شَيْئًا مِنْ عِبَادَتِهِمْ لِلْمَلَائِكَةِ وَلِلْجِنِّ . قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=40وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=41قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ .
وَالَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ هُمْ
قُرَيْشٌ وَجُهَيْنَةُ وَبَنُو سَلَمَةَ وَخُزَاعَةُ وَبَنُو مُلَيْحٍ . وَكَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ مَجُوسًا عَبَدُوا الشَّيْطَانَ وَزَعَمُوا أَنَّهُ إِلَهُ الشَّرِّ وَأَنَّ اللَّهَ إِلَهُ الْخَيْرِ ، وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ جُنْدَ اللَّهِ وَالْجِنَّ جُنْدَ الشَّيْطَانِ . وَزَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الشَّيْطَانَ مِنْ نَفْسِهِ ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ تَدْبِيرَ الشَّرِّ فَصَارَ إِلَهَ الشَّرِّ . وَهُمْ قَدِ انْتَزَعُوا ذَلِكَ مِنَ الدِّيَانَةِ الْمَزْدَكِيَّةِ الْقَائِلَةِ بِإِلَهَيْنِ ؛ إِلَهٍ لِلْخَيْرِ وَهُوَ ( يَزْدَانُ ) . وَإِلَهٍ لِلشَّرِّ وَهُوَ ( أَهْرُمُنُ ) وَهُوَ الشَّيْطَانُ .
فَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=41الْجِنَّ مَفْعُولُ أَوَّلُ جَعَلُوا وَ شُرَكَاءُ مَفْعُولُهُ الثَّانِي ، لِأَنَّ الْجِنَّ
[ ص: 406 ] الْمَقْصُودُ مِنَ السِّيَاقِ لَا مُطْلَقُ الشُّرَكَاءِ ، لِأَنَّ جَعْلَ الشُّرَكَاءِ لِلَّهِ قَدْ تَقَرَّرَ مِنْ قَبْلُ . وَ لِلَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِـ شُرَكَاءَ . وَقَدَّمَ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ تَعْجِيبٍ وَإِنْكَارٍ ، فَصَارَ لِذَلِكَ أَهَمَّ ، وَذِكْرُهُ أَسْبَقَ .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى الْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ شُرَكَاءَ لِلِاهْتِمَامِ وَالتَّعْجِيبِ مِنْ خَطَأِ عُقُولِهِمْ إِذْ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ شُرَكَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ خَالِقُ الْجِنِّ ، فَهَذَا التَّقْدِيمُ جَرَى عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِأَجْلِ مَا اقْتَضَى خِلَافَهُ . وَكَلَامُ الْكَشَّافِ يَجْعَلُ تَقْدِيمَ الْمَجْرُورِ فِي الْآيَةِ لِلِاهْتِمَامِ بِاعْتِقَادِهِمُ الشَّرِيكِ لِلَّهِ اهْتِمَامًا فِي مَقَامِهِ وَهُوَ الِاسْتِفْظَاعُ وَالْإِنْكَارُ التَّوْبِيخِيُّ . وَتَبِعَهُ فِي الْمِفْتَاحِ إِذْ قَالَ فِي تَقْدِيمِ بَعْضِ الْمَعْمُولَاتِ عَلَى بَعْضٍ لِلْعِنَايَةِ بِتَقْدِيمِهِ لِكَوْنِهِ نُصْبَ عَيْنِكَ كَمَا تَجِدُكَ إِذَا قَالَ لَكَ أَحَدٌ : عَرَفْتَ شُرَكَاءَ لِلَّهِ ، يَقِفُ شِعْرُكَ وَتَقُولُ : لِلَّهِ شُرَكَاءُ ؟ ! . وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ . اهـ . فَيَكُونُ تَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ جَارِيًا عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ .
وَالْجِنُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ اسْمٌ لِمَوْجُودَاتٍ مِنَ الْمُجَرَّدَاتِ الَّتِي
nindex.php?page=treesubj&link=28796لَا أَجْسَامَ لَهَا ذَاتُ طَبْعٍ نَارِيٍّ ، وَلَهَا آثَارٌ خَاصَّةٌ فِي بَعْضِ تَصَرُّفَاتٍ تُؤَثِّرُ فِي بَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ مَا لَا تُؤَثِّرُهُ الْقُوَى الْعَظِيمَةُ . وَهِيَ مِنْ جِنْسِ الشَّيَاطِينِ لَا يُدْرَى أَمَدُ وُجُودِ أَفْرَادِهَا وَلَا كَيْفِيَّةُ بَقَاءِ نَوْعِهَا . وَقَدْ أَثْبَتَهَا الْقُرْآنُ عَلَى الْإِجْمَالِ ، وَكَانَ لِلْعَرَبِ أَحَادِيثُ فِي تَخَيُّلِهَا . فَهُمْ يَتَخَيَّلُونَهَا قَادِرَةً عَلَى التَّشَكُّلِ بِأَشْكَالِ الْمَوْجُودَاتِ كُلِّهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا إِذَا مَسَّتِ الْإِنْسَانَ آذَتْهُ وَقَتَلَتْهُ . وَأَنَّهَا تَخْتَطِفُ بَعْضَ النَّاسِ فِي الْفَيَافِي ، وَأَنَّ لَهَا زَجَلًا وَأَصْوَاتًا فِي الْفَيَافِي ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الصَّدَى هُوَ مِنَ الْجِنِّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=71كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ ، وَأَنَّهَا قَدْ تَقُولُ الشِّعْرَ ، وَأَنَّهَا تَظْهَرُ لِلْكُهَّانِ وَالشُّعَرَاءِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَخَلَقَهُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَالْوَاوِ لِلْحَالِ .
وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي خَلَقَهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ
[ ص: 407 ] جَعَلُوا ، أَيْ وَخَلَقَ الْمُشْرِكِينَ ، وَمَوْقِعُ هَذِهِ الْحَالِ التَّعْجِيبُ مِنْ أَنْ يَجْعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ وَهُوَ خَالِقُهُمْ ، مِنْ قَبِيلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=82وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ ضَمَائِرُ الْجَمْعِ مُتَنَاسِقَةً ، وَالتَّعْجِيبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جَعْلِهِمْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَكَيْفَ لَا يَنْظُرُونَ فِي أَنَّ مُقْتَضَى الْخَلْقِ أَنْ يُفْرَدَ بِالْإِلَهِيَّةِ إِذْ لَا وَجْهَ لِدَعْوَاهَا لِمَنْ لَا يَخْلُقُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ فَالتَّعْجِيبُ عَلَى هَذَا مِنْ جَهْلِهِمْ وَسُوءِ نَظَرِهِمْ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَخَلَقَهُمْ عَائِدًا إِلَى الْجِنِّ لِصِحَّةِ ذَلِكَ الضَّمِيرِ لَهُمْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَهُمْ عَقْلًا ، وَمَوْقِعُ الْحَالِ التَّعْجِيبُ مِنْ ضَلَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُشْرِكُوا اللَّهَ فِي الْعِبَادَةِ بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْجِنِّ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَأَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا هُوَ ، فَالتَّعْجِيبُ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ لِمُقْتَضَى عِلْمِهِمْ . فَالتَّقْدِيرُ : وَخَلَقَهُمْ كَمَا فِي عِلْمِهِمْ ، أَيْ وَخَلَقَهُمْ بِلَا نِزَاعٍ . وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَخَرَّقُوا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَجَعَلُوا وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ " وَخَرَقُوا " بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ ، وَقَرَأَهُ
نَافِعٌ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ .
وَالْخَرْقُ : أَصْلُهُ الْقَطْعُ وَالشَّقُّ . وَقَالَ
الرَّاغِبُ : هُوَ الْقَطْعُ وَالشَّقُّ عَلَى سَبِيلِ الْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ تَدَبُّرٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=71أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا . وَهُوَ ضِدُّ الْخَلْقِ ، فَإِنَّهُ فَعْلُ الشَّيْءِ بِتَقْدِيرٍ وَرِفْقٍ ، وَالْخَرْقُ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ . وَلَمْ يُقَيِّدْهُ غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ . وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَدِ اسْتُعْمِلَ الْخَرْقُ مَجَازًا فِي الْكَذِبِ كَمَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ افْتَرَى وَاخْتَلَقَ مِنَ الْفَرْيِ وَالْخَلْقِ . وَفِي الْكَشَّافِ : سُئِلَ
الْحَسَنُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَخَرَّقُوا فَقَالَ : كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُهَا ، كَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَذَبَ كِذْبَةً فِي نَادِي الْقَوْمِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ : قَدْ خَرَقَهَا وَاللَّهِ . وَقِرَاءَةُ
نَافِعٍ تُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّ التَّفْعِيلَ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ حُصُولِ الْفِعْلِ . فَمَعْنَى خَرَّقُوا كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ الْخَرْقِ ، أَيْ نَسَبُوا إِلَيْهِ بَنِينَ وَبَنَاتٍ كَذِبًا ،
[ ص: 408 ] فَأَمَّا نِسْبَتُهُمُ الْبَنِينَ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ حَكَاهَا عَنْهُمُ الْقُرْآنُ هُنَا . وَالْمُرَادُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29706_29705الْمُشْرِكِينَ نَسَبُوا إِلَيْهِ بَنِينَ وَبَنَاتٍ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ
الْيَهُودَ فِي قَوْلِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ) ، وَلَا
النَّصَارَى فِي قَوْلِهِمْ ( عِيسَى ابْنُ اللَّهِ ) . كَمَا فَسَّرَ بِهِ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ السِّيَاقَ وَيُشَوِّشُ عَوْدَ الضَّمَائِرِ وَيَخْرِمُ نَظْمَ الْكَلَامِ . فَالْوَجْهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ نَسَبُوا لِلَّهِ الْبَنِينَ وَهُمُ الَّذِينَ تَلَقَّنُوا شَيْئًا مِنَ
الْمَجُوسِيَّةِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا جَعَلُوا الشَّيْطَانَ مُتَوَلِّدًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْعَالَمَ تَفَكَّرَ فِي مَمْلَكَتِهِ وَاسْتَعْظَمَهَا فَحَصَلَ لَهُ عُجْبٌ تَوَلَّدَ عَنْهُ الشَّيْطَانُ ، وَرُبَّمَا قَالُوا أَيْضًا : إِنَّ اللَّهَ شَكَّ فِي قُدْرَةِ نَفْسِهِ فَتَوَلَّدَ مِنْ شَكِّهِ الشَّيْطَانُ ، فَقَدْ لَزِمَهُمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ مُتَوَلِّدٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ ، فَلَزِمَهُمْ نِسْبَةُ الِابْنِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى .
وَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَقُولُ بِأَنَّ الْجِنَّ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ ، أَوْ أَنَّ فِي الْمَلَائِكَةِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا ، وَلَقَدْ يَنْجَرُّ لَهُمْ هَذَا الِاعْتِقَادِ مِنَ
الْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ أَبْنَاءَ اللَّهِ . فَقَدْ جَاءَ فِي أَوَّلِ الْإِصْحَاحِ السَّادِسِ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ : وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الْأَرْضِ وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ أَنَّ أَبْنَاءَ اللَّهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ فَاتَّخَذُوا لِأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا وَإِذْ دَخَلَ بَنُو اللَّهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلَادًا هَؤُلَاءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ .
وَأَمَّا نِسْبَتُهُمُ الْبَنَاتِ إِلَى اللَّهِ فَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي الْعَرَبِ إِذْ جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا ، وَقَالُوا : هُنَّ بَنَاتُ اللَّهِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100بِغَيْرِ عِلْمٍ مُتَعَلِّقٌ بِـ خَرَّقُوا ، أَيِ اخْتَلَقُوا اخْتِلَاقًا عَنْ جَهْلٍ وَضَلَالَةٍ ، لِأَنَّهُ اخْتِلَاقٌ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ فَقَدْ رَمَوْا بِقَوْلِهِمْ عَنْ عَمًى وَجَهَالَةٍ . فَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا الْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ الصَّحِيحِ ، وَهُوَ حُكْمُ الذِّهْنِ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ عَنْ ضَرُورَةٍ أَوْ بُرْهَانٍ .
[ ص: 409 ] وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ ، أَيْ مُلَابِسًا تَخْرِيقَهُمْ غَيْرَ الْعِلْمِ فَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِالْجَهْلِ بَدْءًا وَغَايَةً ، فَهُمْ قَدِ اخْتَلَقُوا بِلَا دَاعٍ وَلَا دَلِيلٍ ، وَلَمْ يَجِدُوا لِمَا اخْتَلَقُوهُ تَرْوِيجًا ، وَقَدْ لَزِمَهُمْ بِهِ لَازِمُ الْخَطَلِ وَفَسَادُ الْقَوْلِ وَعَدَمُ الْتِئَامِهِ ، فَهَذَا مَوْقِعُ " بَاءِ " الْمُلَابَسَةِ فِي الْآيَةِ الَّذِي لَا يُفِيدُ مُفَادُهُ غَيْرَهُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ تَنْزِيهًا عَنْ جَمِيعِ مَا حُكِيَ عَنْهُمْ . فَـ سُبْحَانَ مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ فِعْلِهِ . وَأَصْلُ الْكَلَامِ أُسَبِّحُ اللَّهَ سُبْحَانًا . فَلَمَّا عُوِّضَ عَنْ فِعْلِهِ صَارَ سُبْحَانَ اللَّهِ بِإِضَافَتِهِ إِلَى مَفْعُولِهِ الْأَصْلِيِّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَمَعْنَى تَعَالَى ارْتَفَعَ ، وَهُوَ تَفَاعُلٌ مِنَ الْعُلُوِّ . وَالتَّفَاعُلُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الِاتِّصَافِ . وَالْعُلُوُّ هُنَا مَجَازٌ ، أَيْ كَوْنُهُ لَا يَنْقُصُهُ مَا وَصَفُوهُ بِهِ ، أَيْ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الِاتِّصَافَ بِمِثْلِ ذَلِكَ نَقْصٌ وَهُوَ لَا يَلْحَقُهُ النَّقْصُ فَشُبِّهَ التَّحَاشِي عَنِ النَّقَائِصِ بِالِارْتِفَاعِ ، لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُرْتَفِعَ لَا تَلْتَصِقُ بِهِ الْأَوْسَاخُ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تَكُونَ مَطْرُوحَةً عَلَى الْأَرْضِ ، فَكَمَا شَبَّهَ النَّقْصَ بِالسَّفَالَةِ شَبَّهَ الْكَمَالَ بِالْعُلُوِّ ، فَمَعْنَى ( تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ ) أَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100عَمَّا يَصِفُونَ مُتَعَلِّقٌ بِـ تَعَالَى ، فَـ ( عَنْ ) لِلْمُجَاوَزَةِ . وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَى اسْمِ الْمَوْصُولِ ، أَيْ عَنِ الَّذِي يَصِفُونَهُ .
وَالْوَصْفُ : الْخَبَرُ عَنْ أَحْوَالِ الشَّيْءِ وَأَوْصَافِهِ وَمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ ، فَهُوَ إِخْبَارٌ مُبَيِّنٌ مُفَصِّلٌ لِلْأَحْوَالِ ، حَتَّى كَأَنَّ الْمُخْبِرَ يَصِفُ الشَّيْءَ وَيَنْعَتُهُ .
وَاخْتِيرَ فِي الْآيَةِ فِعْلُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100يَصِفُونَ لِأَنَّ مَا نَسَبُوهُ إِلَى اللَّهِ يَرْجِعُ إِلَى تَوْصِيفِهِ بِالشُّرَكَاءِ وَالْأَبْنَاءِ ، أَيْ تَبَاعَدَ عَنِ الِاتِّصَافِ بِهِ . وَأَمَّا كَوْنُهُمْ وَصَفُوهُ بِهِ فَذَلِكَ أَمْرٌ وَاقِعٌ .