الجواب السابع : هو ما ذكره بعضهم من أن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس المذكور ليس فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بذلك فأقره ، والدليل إنما هو فيما علم به وأقره ، لا فيما لم يعلم فيه .
قال مقيده عفا الله عنه : ولا يخفى ضعف هذا الجواب ; لأن جماهير المحدثين ، والأصوليين على أن ما أسنده الصحابي إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - له حكم المرفوع ، وإن لم يصرح بأنه بلغه صلى الله عليه وسلم وأقره .
الجواب الثامن : أن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المذكور في غير المدخول بها خاصة ; لأنه إن
nindex.php?page=treesubj&link=23265قال لها أنت طالق بانت بمجرد اللفظ ، فلو قال ثلاثا لم يصادف لفظ الثلاث محلا ; لوقوع البينونة قبلها . وحجة هذا القول أن بعض الروايات كرواية
أبي داود جاء فيها التقييد بغير المدخول بها ، والمقرر في الأصول هو حمل المطلق على المقيد ، ولا سيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا قال في " مراقي السعود " : [ الرجز ]
وحمل مطلق على ذاك وجب إن فيهما اتحد حكم والسبب
وما ذكره الأبي - رحمه الله - من أن الإطلاق والتقييد إنما هو في حديثين ، أما في حديث واحد من طريقين فمن زيادة العدل فمردود ; بأنه لا دليل عليه ، وأنه مخالف لظاهر كلام عامة العلماء ، ولا وجه للفرق بينهما . وما ذكره
الشوكاني - رحمه الله - في " نيل الأوطار " من أن رواية
أبي داود التي فيها التقييد بعدم الدخول فرد من أفراد الروايات العامة ، وذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه ، لا يظهر ; لأن هذه المسألة من مسائل المطلق والمقيد ، لا من مسائل ذكر بعض أفراد العام ، فالروايات التي أخرجها
مسلم مطلقة عن قيد عدم الدخول ، والرواية التي أخرجها
أبو داود مقيدة بعدم الدخول كما ترى ، والمقرر في الأصول حمل المطلق على المقيد ، ولا سيما إن اتحد الحكم والسبب كما هنا . نعم لقائل أن يقول إن كلام
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية
أبي داود المذكور وارد على سؤال
أبي الصهباء ،
وأبو الصهباء لم يسأل إلا عن غير المدخول بها ، فجواب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لا مفهوم مخالفة له ; لأنه إنما خص غير المدخول بها لمطابقة
[ ص: 134 ] الجواب للسؤال .
وقد تقرر في الأصول أن من موانع اعتبار دليل الخطاب أعني مفهوم المخالفة ، كون الكلام واردا جوابا لسؤال ; لأن تخصيص المنطوق بالذكر لمطابقة السؤال فلا يتعين كونه لإخراج حكم المفهوم عن المنطوق . وأشار إليه في " مراقي السعود " في ذكر موانع اعتبار مفهوم المخالفة بقوله :
أو جهل الحكم أو النطق انجلب للسؤل أو جرى على الذي غلب
ومحل الشاهد منه قوله : أو النطق انجلب للسؤل .
وقد قدمنا أن رواية
أبي داود المذكورة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني عن غير واحد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس وهو صريح في أن من روى عنهم
أيوب مجهولون ، ومن لم يعرف من هو ، لا يصح الحكم بروايته . ولذا قال
النووي في " شرح مسلم " ما نصه : وأما هذه الرواية التي
لأبي داود فضعيفة ، رواها
أيوب عن قوم مجهولين ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فلا يحتج بها والله أعلم ، انتهى منه بلفظه . وقال
المنذري في " مختصر سنن
أبي داود " بعد أن ساق الحديث المذكور ما نصه : الرواة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس مجاهيل ، انتهى منه بلفظه ، وضعف رواية
أبي داود هذه ظاهر كما ترى للجهل بمن روى عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس فيها ، وقال
ابن القيم في " زاد المعاد " بعد أن ساق لفظ هذه الرواية ما نصه : وهذا لفظ الحديث وهو بأصح إسناد ، انتهى محل الغرض منه بلفظه فانظره مع ما تقدم . هذا ملخص كلام العلماء في هذه المسألة مع ما فيها من النصوص الشرعية .
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لنا صوابه في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى ، وهو أن الحق فيها دائر بين أمرين : أحدهما : أن يكون المراد بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس المذكور كون الثلاث المذكورة ليست بلفظ واحد .
الثاني : أنه إن كان معناه أنها بلفظ واحد فإن ذلك منسوخ ولم يشتهر العلم بنسخه بين الصحابة إلا في زمان
عمر ، كما وقع نظيره في نكاح المتعة .
أما
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فقد نقل عنه
البيهقي في " السنن الكبرى " ما نصه : فإن كان معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إن الثلاث كانت تحسب على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدة ، يعني أنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالذي يشبه ، والله أعلم ، أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قد علم أن كان شيء
[ ص: 135 ] فنسخ ، فإن قيل : فما دل على ما وصفت ؟ قيل : لا يشبه أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ثم يخالفه بشيء لم يعلمه ، كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه خلاف .
قال الشيخ : رواية
عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قد مضت في النسخ وفيه تأكيد لصحة هذا التأويل ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فإن قيل فلعل هذا شيء روي عن
عمر فقال فيه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بقول
عمر - رضي الله عنهم - قيل : قد علمنا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يخالف
عمر - رضي الله عنه - في نكاح المتعة ، وفي بيع الدينار بالدينارين ، وفي بيع أمهات الأولاد وغيره ، فكيف يوافقه في شيء يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه خلاف ما قال ؟ اهـ محل الغرض منه بلفظه .
ومعناه واضح في أن الحق دائر بين الأمرين المذكورين ; لأن قوله فإن كان معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . . . إلخ يدل على أن غير ذلك محتمل ، وعلى أن المعنى أنها ثلاث بفم واحد ، وقد أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - على جعلها واحدة ، فالذي يشبه عنده أن يكون منسوخا ، ونحن نقول : إن الظاهر لنا دوران الحق بين الأمرين كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله تعالى - إما أن يكون معنى حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس المذكور أن الثلاث ليست بلفظ واحد ، بل بألفاظ متفرقة بنسق واحد كأنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق . وهذه الصورة تدخل لغة في معنى طلاق الثلاث دخولا لا يمكن نفيه ، ولا سيما على الرواية التي أخرجها
أبو داود التي جزم
ابن القيم بأن إسنادها أصح إسنادا ، فإن لفظها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007170أن أبا الصهباء قال nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وصدرا من إمارة عمر ؟ قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : بلى ! كان الرجل إذا nindex.php?page=treesubj&link=11742طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وصدرا من إمارة عمر ، فلما رأى الناس قد تتايعوا فيها قال : أجيزوهن عليهم ، فإن هذه الرواية بلفظ طلقها ثلاثا وهو أظهر في كونها متفرقة بثلاثة ألفاظ ، كما جزم به
ابن القيم في رده الاستدلال بحديث
عائشة الثابت في الصحيح . فقد قال في " زاد المعاد " ما نصه : وأما استدلالكم بحديث
عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=1007171أن رجلا طلق ثلاثا فتزوجت ، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل تحل للأول ؟ قال : " لا ، حتى تذوق العسيلة " فهذا مما لا ننازعكم فيه ، نعم هو حجة على من اكتفى بمجرد عقد الثاني . ولكن أين في الحديث أنه طلق الثلاث بفم واحد ؟ بل الحديث حجة لنا ، فإنه لا يقال فعل ذلك ثلاثا ، وقال ثلاثا ، إلا من فعل وقال مرة بعد مرة ، وهذا هو المعقول في لغات الأمم عربهم وعجمهم ، كما يقال قذفه ثلاثا ، وشتمه ثلاثا ، وسلم عليه ثلاثا ، انتهى منه بلفظه .
[ ص: 136 ] وقد عرفت أن لفظ رواية
أبي داود موافق للفظ
عائشة الثابت في الصحيح الذي جزم فيه
ابن القيم ، بأنه لا يدل على أن الثلاث بفم واحد ، بل دلالته على أنها بألفاظ متفرقة متعينة في جميع لغات الأمم ، ويؤيده أن
البيهقي في " السنن الكبرى " قال ما نصه : وذهب
أبو يحيى الساجي إلى أن معناه إذا قال للبكر : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق . كانت واحدة فغلظ عليهم
عمر رضي الله عنه فجعلها ثلاثا ، قال الشيخ : ورواية
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني تدل على صحة هذا التأويل ، اهـ منه بلفظه .
ورواية
أيوب المذكورة هي التي أخرجها
أبو داود وهي المطابق لفظها حديث
عائشة الذي جزم فيه
ابن القيم ، بأنه لا يدل إلا على أن الطلقات المذكورة ليست بفم واحد ، بل واقعة مرة بعد مرة وهي واضحة جدا فيما ذكرنا ، ويؤيده أيضا أن
البيهقي نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما يدل على أنها إن كانت بألفاظ متتابعة فهي واحدة ، وإن كانت بلفظ واحد فهي ثلاث ، وهو صريح في محل النزاع ، مبين أن الثلاث التي تكون واحدة هي المسرودة بألفاظ متعددة ; لأنها تأكيد للصيغة الأولى .
ففي " السنن الكبرى "
للبيهقي ما نصه : قال الشيخ : ويشبه أن يكون أراد إذا طلقها ثلاثا تترى ، روى
جابر بن يزيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - في رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ، قال عقدة كانت بيده أرسلها جميعا . وإذا كانت تترى فليس بشيء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري تترى يعني أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق . فإنها تبين بالأولى ، والثنتان ليستا بشيء ، وروي عن
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما دل على ذلك ، انتهى منه بلفظه . فهذه أدلة واضحة على أن الثلاث في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ليست بلفظ واحد ، بل مسرودة بألفاظ متفرقة كما جزم به الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي - رحمه الله - وصححه
النووي ،
والقرطبي ،
وابن سريج ،
nindex.php?page=showalam&ids=14451وأبو يحيى الساجي ، وذكره
البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وعن
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وتؤيده رواية
أيوب التي صححها
ابن القيم كما ذكره
البيهقي وأوضحناه آنفا مع أنه لا يوجد دليل يعين كون الثلاث المذكورة في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس المذكور بلفظ واحد ، لا من وضع اللغة ، ولا من العرف ، ولا من الشرع ، ولا من العقل ; لأن روايات حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ليس في شيء منها التصريح بأن الثلاث المذكورة واقعة بلفظ واحد ، ومجرد لفظ الثلاث ، أو طلاق الثلاث ، أو الطلاق الثلاث ، لا يدل على أنها بلفظ واحد لصدق كل تلك العبارات على الثلاث الواقعة بألفاظ متفرقة كما
[ ص: 137 ] رأيت ، ونحن لا نفرق في هذا بين البر والفاجر ، ولا بين زمن وزمن ، وإنما نفرق بين من نوى التأكيد ، ومن نوى التأسيس ، والفرق بينهما لا يمكن إنكاره ، ونقول : الذي يظهر أن ما فعله
عمر إنما هو لما علم من كثرة قصد التأسيس في زمنه ، بعد أن كان في الزمن الذي قبله قصد التأكيد هو الأغلب كما قدمنا ، وتغيير معنى اللفظ لتغير قصد اللافظين به لا إشكال فيه ، فقوة هذا الوجه واتجاهه وجريانه على اللغة ، مع عدم إشكال فيه كما ترى . وبالجملة بلفظ رواية
أيوب التي أخرجها
أبو داود .
وقال
ابن القيم : إنها بأصح إسناد مطابق للفظ حديث
عائشة الثابت في " الصحيحين " ، الذي فيه التصريح من النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها لا تحل للأول حتى يذوق عسيلتها الثاني كما ذاقها الأول . وبه تعرف أن جعل الثلاث في حديث
عائشة متفرقة في أوقات متباينة ، وجعلها في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس بلفظ واحد تفريق لا وجه له مع اتحاد لفظ المتن في رواية
أبي داود ، ومع أن القائلين برد الثلاث المجتمعة إلى واحدة لا يجدون فرقا في المعنى بين رواية
أيوب وغيرها من روايات حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس .
ونحن نقول للقائلين برد الثلاث إلى واحدة إما أن يكون معنى الثلاث في حديث
عائشة ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس أنها مجتمعة أو مفرقة ، فإن كانت مجتمعة فحديث
عائشة متفق عليه فهو أولى بالتقديم ، وفيه التصريح بأن تلك الثلاث تحرمها ولا تحل إلا بعد زوج ، وإن كانت متفرقة فلا حجة لكم أصلا في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس على محل النزاع ; لأن النزاع في خصوص الثلاث بلفظ واحد . أما جعلكم الثلاث في حديث
عائشة مفرقة ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس مجتمعة فلا وجه له ولا دليل عليه ، ولا سيما أن بعض رواياته مطابق لفظه للفظ حديث
عائشة ، وأنتم لا ترون فرقا بين معاني ألفاظ رواياته من جهة كون الثلاث مجتمعة لا متفرقة .
وأما على كون معنى حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس أن الثلاث التي كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأبي بكر ، هي المجموعة بلفظ واحد فإنه على هذا يتعين النسخ كما جزم به
أبو داود رحمه الله ، وجزم به
ابن حجر في " فتح الباري " ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كما قدمنا عنه ، وقال به غير واحد من العلماء .
وقد رأيت النصوص الدالة على النسخ التي تفيد أن المراد بجعل الثلاث واحدة ، أنه في الزمن الذي كان لا فرق فيه بين واحدة وثلاث ، ولو متفرقة ; لجواز الرجعة ولو بعد مائة تطليقة ، متفرقة كانت أو لا . وأن المراد بمن كان يفعله في زمن
أبي بكر هو من
[ ص: 138 ] لم يبلغه النسخ ، وفي زمن
عمر اشتهر النسخ بين الجميع . وادعاء أن مثل هذا لا يصح يرده بإيضاح وقوع مثله في نكاح المتعة ، فإنا قد قدمنا أن
مسلما روى عن
جابر أنها كانت تفعل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،
وأبي بكر ، وفي بعض من زمن
عمر قال : فنهانا عنها
عمر . وهذه الصورة هي التي وقعت في جعل الثلاث واحدة ، والنسخ ثابت في كل واحدة منهما ، فادعاء إمكان إحداهما واستحالة الأخرى في غاية السقوط كما ترى ; لأن كل واحدة منهما ، روى فيها
مسلم في " صحيحه " عن صحابي جليل ، أن مسألة تتعلق بالفروج كانت تفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ،
وأبي بكر ، وصدرا من إمارة
عمر ، ثم غير حكمها
عمر ، والنسخ ثابت في كل واحدة منهما . وأما غير هذين الأمرين فلا ينبغي أن يقال ; لأن نسبة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - وخلق من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أنهم تركوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاءوا بما يخالفه من تلقاء أنفسهم عمدا غير لائق ، ومعلوم أنه باطل بلا شك .
وقد حكى غير واحد من العلماء أن الصحابة أجمعوا في زمن
عمر على نفوذ الطلاق الثلاث دفعة واحدة .
والظاهر أن مراد المدعي لهذا الإجماع هو الإجماع السكوتي ، مع أن بعض العلماء ذكر الخلاف في ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين . وقد قدمنا كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبي بكر بن العربي القائل : بأن نسبة ذلك إلى بعض الصحابة كذب بحت ، وأنه لم يثبت عن أحد منهم جعل
nindex.php?page=treesubj&link=11753الثلاث بلفظ واحد واحدة ، وما ذكره بعض أجلاء العلماء من أن
عمر إنما أوقع عليهم الثلاث مجتمعة عقوبة لهم ، مع أنه يعلم أن ذلك خلاف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمسلمون في زمن
أبي بكر - رضي الله عنه - فالظاهر عدم نهوضه ; لأن
عمر لا يسوغ له أن يحرم فرجا أحله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يصح منه أن يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيح ذلك الفرج بجواز الرجعة ، ويتجرأ هو على منعه بالبينونة الكبرى ، والله تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وما آتاكم الرسول فخذوه الآية [ 95 \ 7 ] ، ويقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59آلله أذن لكم أم على الله تفترون [ 01 \ 95 ] ، ويقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله [ 24 \ 12 ] .
والمروي عن
عمر في عقوبة من فعل ما لا يجوز من الطلاق هو التعزير الشرعي المعروف ، كالضرب . أما تحريم المباح من الفروج فليس من أنواع التعزيرات ; لأنه يفضي إلى حرمته على من أحله الله له وإباحته لمن حرمه عليه ; لأنه إن أكره على إبانتها
[ ص: 139 ] وهي غير بائن في نفس الأمر لا تحل لغيره ; لأن زوجها لم يبنها عن طيب نفس ، وحكم
nindex.php?page=treesubj&link=28444الحاكم وفتواه لا يحل الحرام في نفس الأمر ، ويدل له حديث
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة المتفق عليه فإن فيه : " فمن قضيت له فلا يأخذ من حق أخيه شيئا ، فكأنما أقطع له قطعة من نار " ويشير له قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها [ 33 ] ; لأنه يفهم منه أنه لو لم يتركها اختيارا لقضائه وطره منها ما حلت لغيره .
وقد قال الحافظ
ابن حجر في " فتح الباري " ما نصه : وفي الجملة فالذي وقع في هذه المسألة نظير ما وقع في مسألة المتعة سواء ، أعني قول
جابر ، إنها كانت تفعل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وأبي بكر ، وصدرا من خلافة
عمر ، قال : ثم نهانا
عمر عنها فانتهينا ، فالراجح في الموضعين تحريم المتعة وإيقاع الثلاث للإجماع الذي انعقد في عهد
عمر على ذلك .
ولا يحفظ أن أحدا في عهد
عمر خالفه في واحدة منهما ، وقد دل إجماعهم على وجود ناسخ وإن كان خفي عن بعضهم قبل ذلك حتى ظهر لجميعهم في عهد
عمر ، فالمخالف بعد هذا الإجماع منا بذلة ، والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق ، والله أعلم . اهـ منه بلفظه .
الْجَوَابُ السَّابِعُ : هُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ الْمَذْكُورَ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَهُ ، وَالدَّلِيلُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا عَلِمَ بِهِ وَأَقَرَّهُ ، لَا فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْجَوَابِ ; لِأَنَّ جَمَاهِيرَ الْمُحَدِّثِينَ ، وَالْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ مَا أَسْنَدَهُ الصَّحَابِيُّ إِلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ بَلَغَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَرَّهُ .
الْجَوَابُ الثَّامِنُ : أَنَّ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً ; لِأَنَّهُ إِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=23265قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ بَانَتْ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ ، فَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا لَمْ يُصَادِفْ لَفْظُ الثَّلَاثِ مَحِلًّا ; لِوُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَهَا . وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ كَرِوَايَةِ
أَبِي دَاوُدَ جَاءَ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ، وَالْمُقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ هُوَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ كَمَا هُنَا قَالَ فِي " مَرَاقِي السُّعُودِ " : [ الرَّجَزِ ]
وَحَمْلُ مُطْلَقٍ عَلَى ذَاكَ وَجَبَ إِنْ فِيهِمَا اتَّحَدَ حُكْمٌ وَالسَّبَبُ
وَمَا ذَكَرَهُ الْأَبِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الْإِطْلَاقَ وَالتَّقْيِيدَ إِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثَيْنِ ، أَمَّا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ فَمِنْ زِيَادَةِ الْعَدْلِ فَمَرْدُودٌ ; بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ، وَلَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا . وَمَا ذَكَرَهُ
الشَّوْكَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " نَيْلِ الْأَوْطَارِ " مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ
أَبِي دَاوُدَ الَّتِي فِيهَا التَّقْيِيدُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الرِّوَايَاتِ الْعَامَّةِ ، وَذِكْرُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ ، لَا يَظْهَرُ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مَسَائِلِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ ، لَا مِنْ مَسَائِلِ ذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ ، فَالرِّوَايَاتُ الَّتِي أَخْرَجَهَا
مُسْلِمٌ مُطْلَقَةٌ عَنْ قَيْدِ عَدَمِ الدُّخُولِ ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا
أَبُو دَاوُدَ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ كَمَا تَرَى ، وَالْمُقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَلَا سِيَّمَا إِنِ اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ كَمَا هُنَا . نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ كَلَامَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ
أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَ وَارِدٌ عَلَى سُؤَالِ
أَبِي الصَّهْبَاءِ ،
وَأَبُو الصَّهْبَاءِ لَمْ يَسْأَلْ إِلَّا عَنْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ، فَجَوَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ لَا مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ لَهُ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا لِمُطَابَقَةِ
[ ص: 134 ] الْجَوَابِ لِلسُّؤَالِ .
وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مِنْ مَوَانِعِ اعْتِبَارِ دَلِيلِ الْخِطَابِ أَعْنِي مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ ، كَوْنَ الْكَلَامِ وَارِدًا جَوَابًا لِسُؤَالٍ ; لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْمَنْطُوقِ بِالذِّكْرِ لِمُطَابَقَةِ السُّؤَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ لِإِخْرَاجِ حُكْمِ الْمَفْهُومِ عَنِ الْمَنْطُوقِ . وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي " مَرَاقِي السُّعُودِ " فِي ذِكْرِ مَوَانِعِ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ بِقَوْلِهِ :
أَوْ جَهْلُ الْحُكْمِ أَوِ النُّطْقِ انْجَلَبَ لِلسُّؤْلِ أَوْ جَرَى عَلَى الَّذِي غَلَبَ
وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ قَوْلُهُ : أَوِ النُّطْقِ انْجَلَبَ لِلسُّؤْلِ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ رِوَايَةَ
أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12341أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ رَوَى عَنْهُمْ
أَيُّوبُ مَجْهُولُونَ ، وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ مَنْ هُوَ ، لَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِرِوَايَتِهِ . وَلِذَا قَالَ
النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " مَا نَصُّهُ : وَأَمَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي
لِأَبِي دَاوُدَ فَضَعِيفَةٌ ، رَوَاهَا
أَيُّوبُ عَنْ قَوْمٍ مَجْهُولِينَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَلَا يُحْتَجُّ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ . وَقَالَ
الْمُنْذِرِيُّ فِي " مُخْتَصَرِ سُنَنِ
أَبِي دَاوُدَ " بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مَا نَصُّهُ : الرُّوَاةُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ مَجَاهِيلُ ، انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ ، وَضَعْفُ رِوَايَةِ
أَبِي دَاوُدَ هَذِهِ ظَاهِرٌ كَمَا تَرَى لِلْجَهْلِ بِمَنْ رَوَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ فِيهَا ، وَقَالَ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " زَادِ الْمَعَادِ " بَعْدَ أَنْ سَاقَ لَفْظَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا نَصُّهُ : وَهَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ وَهُوَ بِأَصَحِّ إِسْنَادٍ ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ فَانْظُرْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ . هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا صَوَابُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ فِيهَا دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ الْمَذْكُورِ كَوْنُ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ .
الثَّانِي : أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ وَلَمْ يَشْتَهِرِ الْعِلْمُ بِنَسْخِهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا فِي زَمَانِ
عُمَرَ ، كَمَا وَقَعَ نَظِيرُهُ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ .
أَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ
الْبَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الْكُبْرَى " مَا نَصُّهُ : فَإِنْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ الثَّلَاثَ كَانَتْ تُحْسَبُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدَةً ، يَعْنِي أَنَّهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَالَّذِي يُشْبِهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ عَلِمَ أَنْ كَانَ شَيْءٌ
[ ص: 135 ] فَنُسِخَ ، فَإِنْ قِيلَ : فَمَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْتَ ؟ قِيلَ : لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا ثُمَّ يُخَالِفُهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَعْلَمْهُ ، كَانَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ خِلَافٌ .
قَالَ الشَّيْخُ : رِوَايَةُ
عِكْرِمَةَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ مَضَتْ فِي النَّسْخِ وَفِيهِ تَأْكِيدٌ لِصِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ قِيلَ فَلَعَلَّ هَذَا شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ
عُمَرَ فَقَالَ فِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قِيلَ : قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ يُخَالِفُ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ، وَفِي بَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ ، وَفِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَغَيْرِهِ ، فَكَيْفَ يُوَافِقُهُ فِي شَيْءٍ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ خِلَافُ مَا قَالَ ؟ اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
وَمَعْنَاهُ وَاضِحٌ فِي أَنَّ الْحَقَّ دَائِرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ . . . إِلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ ، وَعَلَى أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهَا ثَلَاثٌ بِفَمٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ أَقَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَعْلِهَا وَاحِدَةً ، فَالَّذِي يُشْبِهُ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا ، وَنَحْنُ نَقُولُ : إِنَّ الظَّاهِرَ لَنَا دَوَرَانُ الْحَقِّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ الْمَذْكُورِ أَنَّ الثَّلَاثَ لَيْسَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ، بَلْ بِأَلْفَاظٍ مُتَفَرِّقَةٍ بِنَسَقٍ وَاحِدٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ . وَهَذِهِ الصُّورَةُ تَدْخُلُ لُغَةً فِي مَعْنَى طَلَاقِ الثَّلَاثِ دُخُولًا لَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا
أَبُو دَاوُدَ الَّتِي جَزَمَ
ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّ إِسْنَادَهَا أَصَحُّ إِسْنَادًا ، فَإِنَّ لَفْظَهَا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007170أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبِي بَكْرٍ ، وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ ؟ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : بَلَى ! كَانَ الرَّجُلُ إِذَا nindex.php?page=treesubj&link=11742طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبِي بَكْرٍ ، وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ تَتَايِعُوا فِيهَا قَالَ : أَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهُوَ أَظْهَرُ فِي كَوْنِهَا مُتَفَرِّقَةً بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ ، كَمَا جَزَمَ بِهِ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي رَدِّهِ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ
عَائِشَةَ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ . فَقَدْ قَالَ فِي " زَادِ الْمَعَادَ " مَا نَصُّهُ : وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِحَدِيثِ
عَائِشَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=1007171أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ ؟ قَالَ : " لَا ، حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ " فَهَذَا مِمَّا لَا نُنَازِعُكُمْ فِيهِ ، نَعَمْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنِ اكْتَفَى بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الثَّانِي . وَلَكِنْ أَيْنَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ طَلَّقَ الثَّلَاثَ بِفَمٍ وَاحِدٍ ؟ بَلِ الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَنَا ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا ، وَقَالَ ثَلَاثًا ، إِلَّا مَنْ فَعَلَ وَقَالَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْقُولُ فِي لُغَاتِ الْأُمَمِ عَرِبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ ، كَمَا يُقَالُ قَذَفَهُ ثَلَاثًا ، وَشَتَمَهُ ثَلَاثًا ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ، انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
[ ص: 136 ] وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ
أَبِي دَاوُدَ مُوَافِقٌ لِلَفْظِ
عَائِشَةَ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ الَّذِي جَزَمَ فِيهِ
ابْنُ الْقَيِّمِ ، بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ بِفَمٍ وَاحِدٍ ، بَلْ دَلَالَتُهُ عَلَى أَنَّهَا بِأَلْفَاظٍ مُتَفَرِّقَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ فِي جَمِيعِ لُغَاتِ الْأُمَمِ ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ
الْبَيْهَقِيَّ فِي " السُّنَنِ الْكُبْرَى " قَالَ مَا نَصُّهُ : وَذَهَبَ
أَبُو يَحْيَى السَّاجِيُّ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا قَالَ لِلْبِكْرِ : أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ . كَانَتْ وَاحِدَةً فَغَلَّظَ عَلَيْهِمْ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَعَلَهَا ثَلَاثًا ، قَالَ الشَّيْخُ : وَرِوَايَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=12341أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ ، اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
وَرِوَايَةُ
أَيُّوبَ الْمَذْكُورَةُ هِيَ الَّتِي أَخْرَجَهَا
أَبُو دَاوُدَ وَهِيَ الْمُطَابِقُ لَفْظُهَا حَدِيثَ
عَائِشَةَ الَّذِي جَزَمَ فِيهِ
ابْنُ الْقَيِّمِ ، بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى أَنَّ الطَّلَقَاتِ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ بِفَمٍ وَاحِدٍ ، بَلْ وَاقِعَةٌ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَهِيَ وَاضِحَةٌ جِدًّا فِيمَا ذَكَرْنَا ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ
الْبَيْهَقِيَّ نَقَلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ بِأَلْفَاظٍ مُتَتَابِعَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ، مُبَيِّنٌ أَنَّ الثَّلَاثَ الَّتِي تَكُونُ وَاحِدَةً هِيَ الْمَسْرُودَةُ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ ; لِأَنَّهَا تَأْكِيدٌ لِلصِّيغَةِ الْأُولَى .
فَفِي " السُّنَنِ الْكُبْرَى "
لِلْبَيْهَقِيِّ مَا نَصُّهُ : قَالَ الشَّيْخُ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا تَتْرَى ، رَوَى
جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ، قَالَ عُقْدَةٌ كَانَتْ بِيَدِهِ أَرْسَلَهَا جَمِيعًا . وَإِذَا كَانَتْ تَتْرَى فَلَيْسَ بِشَيْءٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ تَتْرَى يَعْنِي أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ . فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالْأَوْلَى ، وَالثِّنْتَانِ لَيْسَتَا بِشَيْءٍ ، وَرُوِيَ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ ، انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ . فَهَذِهِ أَدِلَّةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ لَيْسَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ، بَلْ مَسْرُودَةٌ بِأَلْفَاظٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَحَّحَهُ
النَّوَوِيُّ ،
وَالْقُرْطُبِيُّ ،
وَابْنُ سُرَيْجٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14451وَأَبُو يَحْيَى السَّاجِيُّ ، وَذَكَرَهُ
الْبَيْهَقِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ
أَيُّوبَ الَّتِي صَحَّحَهَا
ابْنُ الْقَيِّمِ كَمَا ذَكَرَهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَأَوْضَحْنَاهُ آنِفًا مَعَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ دَلِيلٌ يُعَيِّنُ كَوْنَ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ الْمَذْكُورِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ، لَا مِنْ وَضْعِ اللُّغَةِ ، وَلَا مِنَ الْعُرْفِ ، وَلَا مِنَ الشَّرْعِ ، وَلَا مِنَ الْعَقْلِ ; لِأَنَّ رِوَايَاتِ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَةَ وَاقِعَةٌ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ، وَمُجَرَّدُ لَفْظِ الثَّلَاثِ ، أَوْ طَلَاقُ الثَّلَاثِ ، أَوِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثِ ، لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِصِدْقِ كُلِّ تِلْكَ الْعِبَارَاتِ عَلَى الثَّلَاثِ الْوَاقِعَةِ بِأَلْفَاظٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَمَا
[ ص: 137 ] رَأَيْتَ ، وَنَحْنُ لَا نُفَرِّقُ فِي هَذَا بَيْنَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ ، وَلَا بَيْنَ زَمَنٍ وَزَمَنٍ ، وَإِنَّمَا نُفَرِّقُ بَيْنَ مَنْ نَوَى التَّأْكِيدَ ، وَمَنْ نَوَى التَّأْسِيسَ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا يُمْكِنُ إِنْكَارُهُ ، وَنَقُولُ : الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ
عُمَرُ إِنَّمَا هُوَ لِمَا عَلِمَ مِنْ كَثْرَةِ قَصْدِ التَّأْسِيسِ فِي زَمَنِهِ ، بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي قَبْلَهُ قَصْدُ التَّأْكِيدِ هُوَ الْأَغْلَبَ كَمَا قَدَّمْنَا ، وَتَغْيِيرُ مَعْنَى اللَّفْظِ لِتَغَيُّرِ قَصْدِ اللَّافِظِينَ بِهِ لَا إِشْكَالَ فِيهِ ، فَقُوَّةُ هَذَا الْوَجْهِ وَاتِّجَاهُهُ وَجَرَيَانُهُ عَلَى اللُّغَةِ ، مَعَ عَدَمِ إِشْكَالٍ فِيهِ كَمَا تَرَى . وَبِالْجُمْلَةِ بِلَفْظِ رِوَايَةِ
أَيُّوبَ الَّتِي أَخْرَجَهَا
أَبُو دَاوُدَ .
وَقَالَ
ابْنُ الْقَيِّمِ : إِنَّهَا بِأَصَحِّ إِسْنَادٍ مُطَابِقٍ لِلَفْظِ حَدِيثِ
عَائِشَةَ الثَّابِتِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " ، الَّذِي فِيهِ التَّصْرِيحُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا الثَّانِي كَمَا ذَاقَهَا الْأَوَّلُ . وَبِهِ تُعْرَفُ أَنَّ جَعْلَ الثَّلَاثِ فِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ مُتَفَرِّقَةً فِي أَوْقَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ ، وَجَعْلَهَا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ تَفْرِيقٌ لَا وَجْهَ لَهُ مَعَ اتِّحَادِ لَفْظِ الْمَتْنِ فِي رِوَايَةِ
أَبِي دَاوُدَ ، وَمَعَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِرَدِّ الثَّلَاثِ الْمُجْتَمِعَةِ إِلَى وَاحِدَةٍ لَا يَجِدُونَ فَرْقًا فِي الْمَعْنَى بَيْنَ رِوَايَةِ
أَيُّوبَ وَغَيْرِهَا مِنْ رِوَايَاتِ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ .
وَنَحْنُ نَقُولُ لِلْقَائِلِينَ بِرَدِّ الثَّلَاثِ إِلَى وَاحِدَةٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الثَّلَاثِ فِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ ، وَحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ أَنَّهَا مُجْتَمِعَةٌ أَوْ مُفَرَّقَةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ مُجْتَمِعَةً فَحَدِيثُ
عَائِشَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ تِلْكَ الثَّلَاثَ تُحَرِّمُهَا وَلَا تَحِلُّ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَلَا حُجَّةَ لَكُمْ أَصْلًا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ ; لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي خُصُوصِ الثَّلَاثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ . أَمَّا جَعْلُكُمُ الثَّلَاثَ فِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ مُفَرَّقَةً ، وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ مُجْتَمِعَةً فَلَا وَجْهَ لَهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ بَعْضَ رِوَايَاتِهِ مُطَابِقٌ لَفْظُهُ لِلَفْظِ حَدِيثِ
عَائِشَةَ ، وَأَنْتُمْ لَا تَرَوْنَ فَرْقًا بَيْنَ مَعَانِي أَلْفَاظِ رِوَايَاتِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الثَّلَاثِ مُجْتَمِعَةً لَا مُتَفَرِّقَةً .
وَأَمَّا عَلَى كَوْنِ مَعْنَى حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ أَنَّ الثَّلَاثَ الَّتِي كَانَتْ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَبِي بَكْرٍ ، هِيَ الْمَجْمُوعَةُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ النَّسْخُ كَمَا جَزَمَ بِهِ
أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَجَزَمَ بِهِ
ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُ ، وَقَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ .
وَقَدْ رَأَيْتَ النُّصُوصَ الدَّالَّةَ عَلَى النَّسْخِ الَّتِي تُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِجَعْلِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً ، أَنَّهُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي كَانَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ ، وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً ; لِجَوَازِ الرَّجْعَةِ وَلَوْ بَعْدَ مِائَةِ تَطْلِيقَةٍ ، مُتَفَرِّقَةً كَانَتْ أَوْ لَا . وَأَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ كَانَ يَفْعَلُهُ فِي زَمَنِ
أَبِي بَكْرٍ هُوَ مَنْ
[ ص: 138 ] لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ ، وَفِي زَمَنِ
عُمَرَ اشْتُهِرَ النَّسْخُ بَيْنَ الْجَمِيعِ . وَادِّعَاءُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَصِحُّ يَرُدُّهُ بِإِيضَاحٍ وُقُوعُ مِثْلِهِ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ، فَإِنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ
مُسْلِمًا رَوَى عَنْ
جَابِرٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُفْعَلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَأَبِي بَكْرٍ ، وَفِي بَعْضٍ مِنْ زَمَنِ
عُمَرَ قَالَ : فَنَهَانَا عَنْهَا
عُمَرُ . وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي جَعْلِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً ، وَالنَّسْخُ ثَابِتٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، فَادِّعَاءُ إِمْكَانِ إِحْدَاهُمَا وَاسْتِحَالَةِ الْأُخْرَى فِي غَايَةِ السُّقُوطِ كَمَا تَرَى ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، رَوَى فِيهَا
مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ صَحَابِيٍّ جَلِيلٍ ، أَنَّ مَسْأَلَةً تَتَعَلَّقُ بِالْفُرُوجِ كَانَتْ تُفْعَلُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَأَبِي بَكْرٍ ، وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ
عُمَرَ ، ثُمَّ غَيَّرَ حُكْمَهَا
عُمَرُ ، وَالنَّسْخُ ثَابِتٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا . وَأَمَّا غَيْرُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ ; لِأَنَّ نِسْبَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
nindex.php?page=showalam&ids=11وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَخَلْقٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَنَّهُمْ تَرَكُوا مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَجَاءُوا بِمَا يُخَالِفُهُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ عَمْدًا غَيْرُ لَائِقٍ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ .
وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا فِي زَمَنِ
عُمَرَ عَلَى نُفُوذِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ دُفْعَةً وَاحِدَةً .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُدَّعِي لِهَذَا الْإِجْمَاعِ هُوَ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ ، مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ . وَقَدْ قَدَّمْنَا كَلَامَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815أَبِي بَكْرٍ بْنِ الْعَرَبِيِّ الْقَائِلِ : بِأَنَّ نِسْبَةَ ذَلِكَ إِلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ كَذِبٌ بَحْتٌ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ جَعْلَ
nindex.php?page=treesubj&link=11753الثَّلَاثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَاحِدَةً ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَجِلَّاءِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ
عُمَرَ إِنَّمَا أَوْقَعَ عَلَيْهِمُ الثَّلَاثَ مُجْتَمِعَةً عُقُوبَةً لَهُمْ ، مَعَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْمُسْلِمُونَ فِي زَمَنِ
أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَالظَّاهِرُ عَدَمُ نُهُوضِهِ ; لِأَنَّ
عُمَرَ لَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يُحَرِّمَ فَرْجًا أَحَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبِيحُ ذَلِكَ الْفَرْجَ بِجَوَازِ الرَّجْعَةِ ، وَيَتَجَرَّأُ هُوَ عَلَى مَنْعِهِ بِالْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ الْآيَةَ [ 95 \ 7 ] ، وَيَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [ 01 \ 95 ] ، وَيَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [ 24 \ 12 ] .
وَالْمَرْوِيُّ عَنْ
عُمَرَ فِي عُقُوبَةِ مَنْ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الطَّلَاقِ هُوَ التَّعْزِيرُ الشَّرْعِيُّ الْمَعْرُوفُ ، كَالضَّرْبِ . أَمَّا تَحْرِيمُ الْمُبَاحِ مِنَ الْفُرُوجِ فَلَيْسَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرَاتِ ; لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى حُرْمَتِهِ عَلَى مَنْ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ وَإِبَاحَتُهُ لِمَنْ حَرَّمُهُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ إِنْ أُكْرِهَ عَلَى إِبَانَتِهَا
[ ص: 139 ] وَهِيَ غَيْرُ بَائِنٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ ; لِأَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يُبِنْهَا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ ، وَحُكْمُ
nindex.php?page=treesubj&link=28444الْحَاكِمِ وَفَتْوَاهُ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=54أَمِّ سَلَمَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فَإِنَّ فِيهِ : " فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا ، فَكَأَنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ " وَيُشِيرُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [ 33 ] ; لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتْرُكْهَا اخْتِيَارًا لِقَضَائِهِ وَطَرَهُ مِنْهَا مَا حَلَّتْ لِغَيْرِهِ .
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ
ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " مَا نَصُّهُ : وَفِي الْجُمْلَةِ فَالَّذِي وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظِيرُ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُتْعَةِ سَوَاءٌ ، أَعْنِيَ قَوْلَ
جَابِرٍ ، إِنَّهَا كَانَتْ تُفْعَلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَأَبِي بَكْرٍ ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ
عُمَرَ ، قَالَ : ثُمَّ نَهَانَا
عُمَرُ عَنْهَا فَانْتَهَيْنَا ، فَالرَّاجِحُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَحْرِيمُ الْمُتْعَةِ وَإِيقَاعُ الثَّلَاثِ لِلْإِجْمَاعِ الَّذِي انْعَقَدَ فِي عَهْدِ
عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ .
وَلَا يُحْفَظُ أَنَّ أَحَدًا فِي عَهْدِ
عُمَرَ خَالَفَهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، وَقَدْ دَلَّ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى وُجُودِ نَاسِخٍ وَإِنْ كَانَ خَفِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى ظَهَرَ لِجَمِيعِهِمْ فِي عَهْدِ
عُمَرَ ، فَالْمُخَالِفُ بَعْدَ هَذَا الْإِجْمَاعِ مِنَّا بِذِلَّةٍ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَنْ أَحْدَثَ الِاخْتِلَافَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .