[ ص: 301 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة هود
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28982من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون .
هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأن
nindex.php?page=treesubj&link=29468_30551الكافر يجازى بحسناته كالصدقة وصلة الرحم وقرى الضيف والتنفيس عن المكروب في الدنيا دون الآخرة ، لأنه تعالى قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نوف إليهم أعمالهم فيها يعني الحياة الدنيا ؛ ثم نص على بطلانها في الآخرة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها الآية [ 11 \ 16 ] .
ونظير هذه الآية قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها الآية [ 42 \ 20 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا الآية [ 46 \ 20 ] .
وعلى ما قاله
ابن زيد وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39ووجد الله عنده فوفاه حسابه [ 24 \ 39 ] ، على أحد القولين ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [ 8 \ 33 ] ، على أحد الأقوال الماضية في سورة " الأنفال " وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009956أن الكافر يجازى بحسناته في الدنيا مع أنه جاءت آيات أخر تدل على
nindex.php?page=treesubj&link=30551بطلان عمل الكافر واضمحلاله من أصله ، وفي بعضها التصريح ببطلانه في الدنيا مع الآخرة في كفر الردة وفي غيره .
أما الآيات الدالة على بطلانه من أصله فكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف [ 14 \ 18 ] ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39أعمالهم كسراب الآية [ 24 \ 39 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=23وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [ 25 \ 23 ] .
وأما الآيات الدالة على بطلانه في الدنيا مع الآخرة فكقوله في كفر المرتد :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة [ ص: 302 ] [ 2 \ 217 ] ، وكقوله في كفر غير المرتد :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=21إن الذين يكفرون بآيات الله - إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=22أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين [ 3 \ 22 ] ، وبين الله تعالى في آيات أخر أن الإنعام عليهم في الدنيا ليس للإكرام بل للاستدراج والإهلاك .
كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=182سنستدرجهم من حيث لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=183وأملي لهم إن كيدي متين [ 7 \ 182 - 183 ] ، وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=178ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين [ 3 \ 178 ] وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون [ 6 \ 44 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=56نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون [ 23 - 56 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=75قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا [ 19 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33ولولا أن يكون الناس أمة واحدة - إلى قوله -
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35والآخرة عند ربك للمتقين [ 43 33 - 35 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
والجواب من أربعة أوجه :
الأول : ويظهر لي صوابه لدلالة ظاهر القرآن عليه ، أن
nindex.php?page=treesubj&link=30551من الكفار من يثيبه الله بعمله في الدنيا كما دلت عليه آيات وصح به الحديث ، ومنهم من لا يثيبه في الدنيا كما دلت عليه آيات أخر ، وهذا مشاهد فيهم في الدنيا .
فمنهم من هو في عيش رغد ، ومنهم من هو في بؤس وضيق .
ووجه دلالة القرآن على هذا أنه تعالى أشار إليه بالتخصيص بالمشيئة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد [ 17 \ 18 ] .
فهي مخصصة لعموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نوف إليهم أعمالهم [ 11 \ 15 ] ، وعموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها [ 42 \ 20 ] .
وممن صرح بأنها مخصصة لهما الحافظ
ابن حجر في فتح الباري في كتاب الرقاق في الكلام على قول
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : " باب المكثرون هم المقلون " ، وقوله تعالى :
[ ص: 303 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها الآيتين .
ويدل لهذا التخصيص قوله في بعض الكفار :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=11خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين [ 22 \ 11 ] .
وجمهور العلماء على
nindex.php?page=treesubj&link=21281_21136حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد ، كما تقرر في الأصول .
الثاني : وهو وجيه أيضا ، أن الكافر يثاب عن عمله بالصحة وسعة الرزق والأولاد ونحو ذلك كما صرح به تعالى في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نوف إليهم أعمالهم فيها يعني الدنيا ، وأكد ذلك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15وهم فيها لا يبخسون وبظاهرها المتبادر منها كما ذكرنا .
فسرها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والضحاك كما نقله عنهم
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، وعلى هذا فبطلان أعمالهم في الدنيا بمعنى أنها لم يعتد بها شرعا في عصمة دم ولا ميراث ولا نكاح ولا غير ذلك ، ولا تفتح لها أبواب السماء ، ولا تصعد إلى الله تعالى بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [ 35 \ 10 ] ، ولا تدخر لهم في الأعمال النافعة ولا تكون في كتاب الأبرار في عليين ، وكفى بهذا بطلانا .
أما مطلق النفع الدنيوي بها فهو عند الله كلا شيء ، فلا ينافي بطلانها بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185وما الحياة الدنيا إلا متاع [ 3 \ 185 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=64وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون [ 29 \ 64 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33ولولا أن يكون الناس أمة واحدة - إلى قوله - للمتقين [ 43 33 - 35 ] ، والآيات في مثل هذا كثيرة .
ومما يوضح هذا المعنى حديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009957لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء .
ذكر
ابن كثير هذا الحديث في تفسير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33ولولا أن يكون الناس أمة الآيات .
[ ص: 304 ] ثم قال : أسنده
البغوي من رواية
زكريا بن منظور عن
أبي حازم عن
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من طريق
زمعة بن صالح عن
أبي حازم عن
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009958لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما أعطى كافرا منها شيئا .
قال مقيده عفا الله عنه : لا يخفى أن مراد الحافظ
ابن كثير رحمه الله بما ذكرناه عنه أن كلتا الطريقتين ضعيفة إلا أن كل واحدة منهما تعتضد بالأخرى فيصلح المجموع للاحتجاج كما تقرر في علم الحديث من أن
nindex.php?page=treesubj&link=21370_25443الطرق الضعيفة المعتبر بها يشد بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج .
لا تخاصم بواحد أهل بيت فضعيفان يغلبان قويا
لأن
زكريا بن منظور بن ثعلبة القرظي وزمعة بن صالح الجندي كلاهما ضعيف ، وإنما روى
مسلم عن
زمعة مقرونا بغيره لا مستقلا بالرواية كما بينه الحافظ
ابن حجر في التقريب .
الثالث : أن معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نوف إليهم أعمالهم أي نعطيهم الغرض الذي عملوا من أجله في الدنيا ، كالذي قاتل ليقال جريء ، والذي قرأ ليقال قارئ ، والذي تصدق ليقال جواد ، فقد قيل لهم ذلك ، وهو المراد بتوفيتهم أعمالهم على هذا الوجه .
ويدل له الحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة مرفوعا في المجاهد والقارئ والمتصدق أنه يقال لكل واحد منهم : إنما عملت ليقال ، فقد قيل ، أخرجه
الترمذي مطولا وأصله عند
مسلم كما قاله
ابن حجر ورواه أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، وقد استشهد
معاوية رضي الله عنه لصحة حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نوف إليهم أعمالهم فيها وهو تفسير منه رضي الله عنه لهذه الآية بما يدل لهذا الوجه الثالث .
الرابع : أن المراد بالآية المنافقون الذين يخرجون للجهاد لا يريدون وجه الله ، وإنما يريدون الغنائم فإنهم يقسم لهم فيها في الدنيا ولا حظ لهم من جهادهم في الآخرة ، والقسم لهم منها هو توفيتهم أعمالهم على هذا القول ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق الآية .
[ ص: 305 ] هذه الآية الكريمة تدل على أن هذا الابن من أهل
نوح عليه السلام ، وقد ذكر تعالى ما يدل على خلاف ذلك حيث قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46يانوح إنه ليس من أهلك [ 11 \ 46 ] .
والجواب أن معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46ليس من أهلك أي الموعود بنجاتهم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إنا منجوك وأهلك [ 29 \ 33 ] ، لأنه كافر لا مؤمن .
وقول
نوح :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45إن ابني من أهلي يظنه مسلما من جملة المسلمين الناجين كما يشير إليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فلا تسألني ما ليس لك به علم [ 11 \ 46 ] ، وقد شهد الله أنه ابنه حيث قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42ونادى نوح ابنه [ 11 \ 42 ] ، إلا أنه أخبره بأن هذا الابن عمل غير صالح لكفره ، فليس من الأهل الموعود بنجاتهم وإن كان من جملة الأهل نسبا .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام .
هذه الآية الكريمة تدل على أن
إبراهيم رد السلام على الملائكة ، وقد جاء في سورة " الحجر " ما يوهم أنهم لما سلموا عليه أجابهم بأنه وجل منهم من غير رد السلام وذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=52فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون [ 15 \ 52 ] .
والجواب ظاهر وهو أن
إبراهيم أجابهم بكلا الأمرين : رد السلام ، والإخبار بوجله منهم ، فذكر أحدهما في " هود " والآخر في " الحجر " ، ويدل لذلك ذكره تعالى ما يدل عليهما معا في سورة " الذاريات " في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=25فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون [ 51 \ 25 ] ، لأن قوله : منكرون يدل على وجله منهم ، ويوضح ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=28فأوجس منهم خيفة [ 51 \ 28 ] ، في " هود " و " الذاريات " ، مع أن في كل منهما قال : " " سلام " .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض الآية .
تقدم وجه الجمع بينه وبين الآيات التي يظن تعارضها معه كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=57خالدين فيها أبدا [ 4 \ 57 ] ، في سورة " الأنعام " ، وسيأتي له إن شاء الله زيادة إيضاح في سورة " النبأ " .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولا يزالون مختلفين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم .
اختلف العلماء في المشار إليه بقوله : " ذلك " فقيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إلا من رحم ربك ،
[ ص: 306 ] وللرحمة " خلقهم " ، والتحقيق أن المشار إليه هو اختلافهم إلى شقي وسعيد المذكور في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولا يزالون مختلفين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إلا من رحم ربك ولذلك الاختلاف خلقهم فخلق فريقا للجنة وفريقا للسعير ، كما نص عليه بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=179ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس الآية [ 7 \ 179 ] ، وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009959ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات : فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ، وروى
مسلم من حديث
عائشة رضي الله عنها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009960يا عائشة ! إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا ، وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق النار وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم .
وفي صحيح
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009961إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء .
وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009147كل ميسر لما خلق له .
وإذا تقرر أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119ولذلك خلقهم معناه أنه خلقهم لسعادة بعض وشقاوة بعض ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=179ولقد ذرأنا لجهنم الآية وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن [ 64 \ 2 ] فلا يخفى ظهور التعارض بين هذه الآيات مع
nindex.php?page=treesubj&link=29022_29429قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [ 51 \ 56 ] .
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه :
الأول : ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم وسفيان أن معنى الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56إلا ليعبدون أي يعبدني السعداء منهم ويعصيني الأشقياء ، فالحكمة المقصودة من إيجاد الخلق التي هي عبادة الله حاصلة بفعل السعداء منهم ، كما أشار له قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين [ 6 \ 89 ] .
وغاية ما يلزم على هذا القول أنه أطلق المجموع وأراد بعضهم ، وقد بينا أمثال ذلك من الآيات التي أطلق فيها المجموع مرادا بعضه في سورة " الأنفال " .
[ ص: 307 ] الوجه الثاني : هو ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير أن معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56إلا ليعبدون أي إلا ليقروا إلي بالعبودية طوعا أو كرها ، لأن المؤمن يطيع باختياره ، والكافر مذعن منقاد لقضاء ربه جبرا عليه .
الوجه الثالث : ويظهر لي أنه هو الحق ، لدلالة القرآن عليه ، أن الإرادة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119ولذلك خلقهم إرادة كونية قدرية ، والإرادة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون إرادة شرعية دينية ، فبين في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119ولذلك خلقهم وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=179ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس أنه أراد بإرادته الكونية القدرية صيرورة قوم إلى السعادة ، وآخرين إلى الشقاوة .
وبين بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56إلا ليعبدون أنه يريد العبادة بإرادته الشرعية الدينية من الجن والإنس ، فيوفق من شاء بإرادته الكونية فيعبده ويخذل من شاء فيمتنع من العبادة .
ووجه دلالة القرآن على هذا أنه تعالى بينه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله [ 4 \ 64 ] ، فعمم الإرادة الشرعية بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64إلا ليطاع وبين التخصيص في الطاعة بالإرادة الكونية ، بقوله : بإذن الله فالدعوة عامة والتوفيق خاص .
وتحقيق
nindex.php?page=treesubj&link=28779النسبة بين الإرادة الكونية والقدرية والإرادة الشرعية الدينية أنه بالنسبة إلى وجود المراد وعدم وجوده ، فالإرادة الكونية أعم مطلقا ، لأن كل مراد شرعا يتحقق وجوده في الخارج إذا أريد كونا وقدرا ، كإيمان
أبي بكر ، وليس يوجد ما لم يرد كونا وقدرا ولو أريد شرعا كإيمان
أبي لهب ، فكل مراد شرعي حصل فبالإرادة الكونية وليس كل مراد كوني حصل مرادا في الشرع .
وأما بالنسبة إلى تعلق الإرادتين بعبادة الإنس والجن لله تعالى ، فالإرادة الشرعية أعم مطلقا والإرادة الكونية أخص مطلقا ، لأن كل فرد من أفراد الجن والإنس أراد الله منه العبادة شرعا ولم يردها من كلهم كونا وقدرا ، فتعم الإرادة الشرعية عبادة جميع الثقلين ، وتختص الإرادة الكونية بعبادة السعداء منهم كما قدمنا من أن الدعوة عامة والتوفيق خاص ، كما بينه تعالى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=25والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [ 10 \ 25 ] ، فصرح بأنه يدعو الكل ويهدي من شاء منهم .
وليست بالنسبة بين الإرادة الشرعية والقدرية العموم والخصوص من وجه بل هي
[ ص: 308 ] العموم والخصوص المطلق ، كما بينا إلا أن إحداهما أعم مطلقا من الأخرى باعتبار ، والثانية أعم مطلقا باعتبار آخر ، كما بينا ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 301 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ هُودٍ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28982مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29468_30551الْكَافِرَ يُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ كَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَقِرَى الضَّيْفِ وَالتَّنْفِيسِ عَنِ الْمَكْرُوبِ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا يَعْنِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ؛ ثُمَّ نَصَّ عَلَى بُطْلَانِهَا فِي الْآخِرَةِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا الْآيَةَ [ 11 \ 16 ] .
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا الْآيَةَ [ 42 \ 20 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا الْآيَةَ [ 46 \ 20 ] .
وَعَلَى مَا قَالَهُ
ابْنُ زَيْدٍ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ [ 24 \ 39 ] ، عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [ 8 \ 33 ] ، عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْمَاضِيَةِ فِي سُورَةِ " الْأَنْفَالِ " وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009956أَنَّ الْكَافِرَ يُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا مَعَ أَنَّهُ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30551بُطْلَانِ عَمَلِ الْكَافِرِ وَاضْمِحْلَالِهِ مِنْ أَصْلِهِ ، وَفِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِبُطْلَانِهِ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْآخِرَةِ فِي كُفْرِ الرِّدَّةِ وَفِي غَيْرِهِ .
أَمَّا الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى بُطْلَانِهِ مِنْ أَصْلِهِ فَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ [ 14 \ 18 ] ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ الْآيَةَ [ 24 \ 39 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=23وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [ 25 \ 23 ] .
وَأَمَّا الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى بُطْلَانِهِ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْآخِرَةِ فَكَقَوْلِهِ فِي كُفْرِ الْمُرْتَدِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [ ص: 302 ] [ 2 \ 217 ] ، وَكَقَوْلِهِ فِي كُفْرِ غَيْرِ الْمُرْتَدِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=21إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ - إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=22أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [ 3 \ 22 ] ، وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ أُخَرَ أَنَّ الْإِنْعَامَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ لِلْإِكْرَامِ بَلْ لِلِاسْتِدْرَاجِ وَالْإِهْلَاكِ .
كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=182سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=183وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [ 7 \ 182 - 183 ] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=178وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [ 3 \ 178 ] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [ 6 \ 44 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=56نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ [ 23 - 56 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=75قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا [ 19 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً - إِلَى قَوْلِهِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=35وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [ 43 33 - 35 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَالْجَوَابُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : وَيَظْهَرُ لِي صَوَابُهُ لِدَلَالَةِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ ، أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30551مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ يُثِيبُهُ اللَّهُ بِعَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ وَصَحَّ بِهِ الْحَدِيثُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُثِيبُهُ فِي الدُّنْيَا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ فِيهِمْ فِي الدُّنْيَا .
فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي عَيْشٍ رَغْدٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي بُؤْسٍ وَضِيقٍ .
وَوَجْهُ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ تَعَالَى أَشَارَ إِلَيْهِ بِالتَّخْصِيصِ بِالْمَشِيئَةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [ 17 \ 18 ] .
فَهِيَ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ [ 11 \ 15 ] ، وَعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا [ 42 \ 20 ] .
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لَهُمَا الْحَافِظُ
ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ : " بَابُ الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْمُقِلُّونَ " ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
[ ص: 303 ] nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا الْآيَتَيْنِ .
وَيَدُلَّ لِهَذَا التَّخْصِيصِ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ الْكُفَّارِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=11خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [ 22 \ 11 ] .
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=21281_21136حَمْلِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَالْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ .
الثَّانِي : وَهُوَ وَجِيهٌ أَيْضًا ، أَنَّ الْكَافِرَ يُثَابُ عَنْ عَمَلِهِ بِالصِّحَّةِ وَسَعَةِ الرِّزْقِ وَالْأَوْلَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا يَعْنِي الدُّنْيَا ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ وَبِظَاهِرِهَا الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا كَمَا ذَكَرْنَا .
فَسَّرَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ، وَعَلَى هَذَا فَبُطْلَانُ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا شَرْعًا فِي عِصْمَةِ دَمٍ وَلَا مِيرَاثٍ وَلَا نِكَاحٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَا تُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَلَا تَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [ 35 \ 10 ] ، وَلَا تُدَّخَرُ لَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ وَلَا تَكُونُ فِي كِتَابِ الْأَبْرَارِ فِي عِلِّيِّينَ ، وَكَفَى بِهَذَا بُطْلَانًا .
أَمَّا مُطْلَقُ النَّفْعِ الدُّنْيَوِيِّ بِهَا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ كَلَا شَيْءٍ ، فَلَا يُنَافِي بُطْلَانَهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ [ 3 \ 185 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=64وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [ 29 \ 64 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً - إِلَى قَوْلِهِ - لِلْمُتَّقِينَ [ 43 33 - 35 ] ، وَالْآيَاتُ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009957لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى مِنْهَا كَافِرًا شَرْبَةَ مَاءٍ .
ذَكَرَ
ابْنُ كَثِيرٍ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=33وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً الْآيَاتِ .
[ ص: 304 ] ثُمَّ قَالَ : أَسْنَدَهُ
الْبَغَوِيُّ مِنْ رِوَايَةِ
زَكَرِيَّا بْنِ مَنْظُورٍ عَنْ
أَبِي حَازِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=31سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ .
وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ
زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ
أَبِي حَازِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=31سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009958لَوْ عَدَلَتِ الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا أَعْطَى كَافِرًا مِنْهَا شَيْئًا .
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ : لَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَ الْحَافِظِ
ابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ أَنَّ كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ ضَعِيفَةٌ إِلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْتَضِدُ بِالْأُخْرَى فَيَصْلُحُ الْمَجْمُوعُ لِلِاحْتِجَاجِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21370_25443الطُّرُقَ الضَّعِيفَةَ الْمُعْتَبَرَ بِهَا يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا فَتَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ .
لَا تُخَاصِمْ بِوَاحِدٍ أَهْلَ بَيْتٍ فَضَعِيفَانِ يَغْلِبَانِ قَوِيًّا
لِأَنَّ
زَكَرِيَّا بْنَ مَنْظُورِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْقُرَظِيَّ وَزَمَعَةَ بْنَ صَالِحٍ الْجَنَدِيَّ كِلَاهُمَا ضَعِيفٌ ، وَإِنَّمَا رَوَى
مُسْلِمٌ عَنْ
زَمْعَةَ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ لَا مُسْتَقِلًّا بِالرِّوَايَةِ كَمَا بَيَّنَهُ الْحَافِظُ
ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ أَيْ نُعْطِيهِمُ الْغَرَضَ الَّذِي عَمِلُوا مِنْ أَجْلِهِ فِي الدُّنْيَا ، كَالَّذِي قَاتَلَ لِيُقَالَ جَرِيءٌ ، وَالَّذِي قَرَأَ لِيُقَالَ قَارِئٌ ، وَالَّذِي تَصَدَّقَ لِيُقَالَ جَوَّادٌ ، فَقَدْ قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِتَوْفِيَتِهِمْ أَعْمَالَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ .
وَيَدُلُّ لَهُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي الْمُجَاهِدِ وَالْقَارِئِ وَالْمُتَصَدِّقِ أَنَّهُ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ : إِنَّمَا عَمِلْتَ لِيُقَالَ ، فَقَدْ قِيلَ ، أَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ مُطَوَّلًا وَأَصْلُهُ عِنْدَ
مُسْلِمٍ كَمَا قَالَهُ
ابْنُ حَجَرٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ، وَقَدِ اسْتَشْهَدَ
مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِصِحَّةِ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُوَ تَفْسِيرٌ مِنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِهَذِهِ الْآيَةِ بِمَا يَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ الثَّالِثِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ لِلْجِهَادِ لَا يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ الْغَنَائِمَ فَإِنَّهُمْ يُقْسَمُ لَهُمْ فِيهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا حَظَّ لَهُمْ مِنْ جِهَادِهِمْ فِي الْآخِرَةِ ، وَالْقَسْمُ لَهُمْ مِنْهَا هُوَ تَوْفِيَتُهُمْ أَعْمَالَهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ الْآيَةَ .
[ ص: 305 ] هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الِابْنَ مِنْ أَهْلِ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [ 11 \ 46 ] .
وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أَيِ الْمَوْعُودِ بِنَجَاتِهِمْ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ [ 29 \ 33 ] ، لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا مُؤْمِنٌ .
وَقَوْلُ
نُوحٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=45إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي يَظُنُّهُ مُسْلِمًا مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ النَّاجِينَ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [ 11 \ 46 ] ، وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ ابْنُهُ حَيْثُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=42وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ [ 11 \ 42 ] ، إِلَّا أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ هَذَا الِابْنَ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ لِكُفْرِهِ ، فَلَيْسَ مِنَ الْأَهْلِ الْمَوْعُودِ بِنَجَاتِهِمْ وَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَهْلِ نَسَبًا .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=69وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ رَدَّ السَّلَامِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي سُورَةِ " الْحِجْرِ " مَا يُوهِمُ أَنَّهُمْ لَمَّا سَلَّمُوا عَلَيْهِ أَجَابَهُمْ بِأَنَّهُ وَجِلٌ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ رَدِّ السَّلَامِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=52فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ [ 15 \ 52 ] .
وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ أَجَابَهُمْ بِكِلَا الْأَمْرَيْنِ : رَدِّ السَّلَامِ ، وَالْإِخْبَارِ بِوَجَلِهِ مِنْهُمْ ، فَذُكِرَ أَحَدُهُمَا فِي " هُودٍ " وَالْآخَرُ فِي " الْحِجْرِ " ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ ذِكْرُهُ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مَعًا فِي سُورَةِ " الذَّارِيَاتِ " فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=25فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ [ 51 \ 25 ] ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : مُنْكَرُونَ يَدُلُّ عَلَى وَجَلِهِ مِنْهُمْ ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=28فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً [ 51 \ 28 ] ، فِي " هُودٍ " وَ " الذَّارِيَاتِ " ، مَعَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ : " " سَلَامٌ " .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ الْآيَةَ .
تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَاتِ الَّتِي يُظَنُّ تَعَارُضُهَا مَعَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=57خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [ 4 \ 57 ] ، فِي سُورَةِ " الْأَنْعَامِ " ، وَسَيَأْتِي لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ فِي سُورَةِ " النَّبَأِ " .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ .
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ : " ذَلِكَ " فَقِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ،
[ ص: 306 ] وَلِلرَّحْمَةِ " خَلَقَهُمْ " ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ إِلَى شَقِيٌّ وَسَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ خَلَقَهُمْ فَخَلَقَ فَرِيقًا لِلْجَنَّةِ وَفَرِيقًا لِلسَّعِيرِ ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=179وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الْآيَةَ [ 7 \ 179 ] ، وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009959ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ : فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ، وَرَوَى
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009960يَا عَائِشَةُ ! إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا ، وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ ، وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ .
وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009961إِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009147كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ .
وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِسَعَادَةِ بَعْضٍ وَشَقَاوَةِ بَعْضٍ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=179وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ الْآيَةَ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [ 64 \ 2 ] فَلَا يَخْفَى ظُهُورُ التَّعَارُضِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ مَعَ
nindex.php?page=treesubj&link=29022_29429قَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ 51 \ 56 ] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : وَنَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَسُفْيَانَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أَيْ يَعْبُدُنِي السُّعَدَاءُ مِنْهُمْ وَيَعْصِينِي الْأَشْقِيَاءُ ، فَالْحِكْمَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ إِيجَادِ الْخَلْقِ الَّتِي هِيَ عِبَادَةُ اللَّهِ حَاصِلَةٌ بِفِعْلِ السُّعَدَاءِ مِنْهُمْ ، كَمَا أَشَارَ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [ 6 \ 89 ] .
وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَجْمُوعَ وَأَرَادَ بَعْضَهُمْ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَمْثَالَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أُطْلِقَ فِيهَا الْمَجْمُوعُ مُرَادًا بَعْضُهُ فِي سُورَةِ " الْأَنْفَالِ " .
[ ص: 307 ] الْوَجْهُ الثَّانِي : هُوَ مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أَيْ إِلَّا لِيُقِرُّوا إِلَيَّ بِالْعُبُودِيَّةِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يُطِيعُ بِاخْتِيَارِهِ ، وَالْكَافِرَ مُذْعِنٌ مُنْقَادٌ لِقَضَاءِ رَبِّهِ جَبْرًا عَلَيْهِ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ ، لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ ، أَنَّ الْإِرَادَةَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ إِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ ، وَالْإِرَادَةُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ إِرَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ دِينِيَّةٌ ، فَبَيَّنَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=179وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَنَّهُ أَرَادَ بِإِرَادَتِهِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ صَيْرُورَةَ قَوْمٍ إِلَى السَّعَادَةِ ، وَآخَرِينَ إِلَى الشَّقَاوَةِ .
وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْعِبَادَةَ بِإِرَادَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ الدِّينِيَّةَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، فَيُوَفِّقُ مَنْ شَاءَ بِإِرَادَتِهِ الْكَوْنِيَّةِ فَيَعْبُدُهُ وَيَخْذُلُ مَنْ شَاءَ فَيَمْتَنِعُ مِنَ الْعِبَادَةِ .
وَوَجْهُ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [ 4 \ 64 ] ، فَعَمَّمَ الْإِرَادَةَ الشَّرْعِيَّةَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64إِلَّا لِيُطَاعَ وَبَيَّنَ التَّخْصِيصَ فِي الطَّاعَةِ بِالْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ ، بِقَوْلِهِ : بِإِذْنِ اللَّهِ فَالدَّعْوَةُ عَامَّةٌ وَالتَّوْفِيقُ خَاصٌّ .
وَتَحْقِيقُ
nindex.php?page=treesubj&link=28779النِّسْبَةِ بَيْنَ الْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْإِرَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ الدِّينِيَّةِ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُجُودِ الْمُرَادِ وَعَدَمِ وُجُودِهِ ، فَالْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ أَعَمُّ مُطْلَقًا ، لِأَنَّ كُلَّ مُرَادٍ شَرْعًا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ إِذَا أُرِيدَ كَوْنًا وَقَدَرًا ، كَإِيمَانِ
أَبِي بَكْرٍ ، وَلَيْسَ يُوجَدُ مَا لَمْ يُرَدْ كَوْنًا وَقَدَرًا وَلَوْ أُرِيدَ شَرْعًا كَإِيمَانِ
أَبِي لَهَبٍ ، فَكُلُّ مُرَادٍ شَرْعِيٍّ حَصَلَ فَبِالْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ وَلَيْسَ كُلُّ مُرَادٍ كَوْنِيٍّ حَصَلَ مُرَادًا فِي الشَّرْعِ .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَعَلُّقِ الْإِرَادَتَيْنِ بِعِبَادَةِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَالْإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَعَمُّ مُطْلَقًا وَالْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ أَخَصُّ مُطْلَقًا ، لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَرَادَ اللَّهُ مِنْهُ الْعِبَادَةَ شَرْعًا وَلَمْ يُرِدْهَا مِنْ كُلِّهِمْ كَوْنًا وَقَدَرًا ، فَتَعُمُّ الْإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ عِبَادَةَ جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ ، وَتَخْتَصُّ الْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ بِعِبَادَةِ السُّعَدَاءِ مِنْهُمْ كَمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الدَّعْوَةَ عَامَّةٌ وَالتَّوْفِيقَ خَاصٌّ ، كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=25وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [ 10 \ 25 ] ، فَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَدْعُو الْكُلَّ وَيَهْدِي مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ .
وَلَيْسَتْ بِالنِّسْبَةِ بَيْنَ الْإِرَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ مِنْ وَجْهٍ بَلْ هِيَ
[ ص: 308 ] الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ ، كَمَا بَيَّنَّا إِلَّا أَنَّ إِحْدَاهُمَا أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنَ الْأُخْرَى بِاعْتِبَارٍ ، وَالثَّانِيَةَ أَعَمُّ مُطْلَقًا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ ، كَمَا بَيَّنَّا ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .