[ ص: 8 ] الباب الثاني
في الموجب للكفارة
وفيه فصلان : الفصل الأول : في الصريح ، والكناية .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=16361_16369الصريح الذي يوجب الكفارة بنطقه من غير احتياج إلى نية ، ففي الكتاب : الحلف بجميع أسماء الله تعالى وصفاته يوجب الكفارة ، نحو العزيز اللطيف ، أو عزة الله ، وأمانته ، ولعمر الله ، وعلي عهد الله ، أو ذمته ، أو كفالته ، أو ميثاقه ، وقاله ( ح ) ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وابن حنبل ، وقال ( ش ) : العهد ، والكفالة ، والميثاق ، وقولنا : وحق الله ، والرحمن الرحيم والعليم والجبار ، كنايات لترددها بين القديم والمحدث . إن نوى القديم وجبت الكفارة ، وإلا فلا . قال
اللخمي : العهد أربعة تلزم الكفارة في وجه ، وتسقط في اثنين ، ومختلف في الرابع ، فالأول : علي عهد الله ، والاثنان : لك علي عهد الله ، و : أعطيك عهد الله ، والرابع : أعاهد الله . اعتبره
ابن حبيب ، وأسقطه
nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان ، قال : وهو أحسن ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم : ( لاها الله ) يمين ، نحو بالله ، وفي ( البيان ) إذا قال : يعلم الله لا فعلت . استحب له
مالك الكفارة احتياطا تنزيلا له منزلة أيم الله تعالى ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : إن أراد الحلف وجبت الكفارة ، وإلا فلا ; لأن حروف القسم قد تحذف ، وإذا حلف بالقرآن ، فرواية
ابن القاسم الكفارة حملا له على القديم ، وقاله ( ش )
nindex.php?page=showalam&ids=12251وابن حنبل ، وروي عن
مالك عدم الكفارة حملا له على الحروف ; لأنه المتبادر في العرف إلى الذهن والفهم ، وفي ( الجواهر ) : أيم الله يمين ، وفي ( الكتاب ) : وعزة الله ،
لمالك في إيجابه الكفارة روايتان .
[ ص: 9 ] ( فوائد ) : أمانة الله تعالى تكليفه ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=72إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض ) ( الأحزاب : 72 ) الآية إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=72وحملها الإنسان ) وتكليفه : كلامه القديم ، فهي صفته تعالى ، وعمر الله تعالى : بقاؤه ، وهو استمرار وجوده مع الأزمان ، ووجوده : ذاته ، وعهد الله تعالى : إلزامه ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40وأوفوا بعهدي ) ( البقرة : 40 ) أي تكليفي ، فهو صفة ذاته تعالى ، وذمته : إلزامه ، فيرجع إلى خبره ، وخبره : كلامه ، وكذلك كفالته ، والميثاق هو العهد المؤكد بالحلف ، فيرجع إلى كلامه تعالى ، وأيمن الله تعالى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : هو من اليمن ، والبركة ، ولذلك قال ( ش ) : هو كناية لتردده بين المحدث من تنمية الأخلاق والأرزاق ، وبين القديم الذي هو جلال الله وعظمته تعالى ، ومنه قوله تبارك وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تبارك الذي بيده الملك ) ( الملك : 1 ) أي عظم شأنه ، وكبر علاؤه ، وقال
الفراء هو جمع يمين ، فيكون الكلام فيه كالكلام في أيمان المسلمين من جهة أنه هو صريح ، أو كناية ، ويقال : أيمن الله ، وأيم الله ، ومن الله ، وم الله .
فرع : في ( الجواهر ) : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=26721قال : الأيمان تلزمني قال :
الأستاذ أبو بكر : ليس
لمالك ، ولا لأصحابه فيها نص ، وإنما تكلم فيها المتأخرون ، فأجمعوا على لزوم الطلاق في جميع النساء ، والعتاق في جميع العبيد ، فإن لم يكن له عبيد فعليه عتق رقبة ، والمشي إلى
مكة في الحج ، والتصدق بجميع أمواله ، وصيام شهرين متتابعين ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11947أبو بكر بن عبد الرحمن وأكثر الأندلسيين : يلزمه الطلاق الثلاث ، وقال
أبو عمران والعراقيون : واحدة ، واختار الأستاذ : أن لا تلزمه إلا ثلاث كفارات حملا لليمين على اليمين بالله تعالى الذي هو المشروع . قال : إلا أن ينوي غير ذلك ، أو يكون عرفا ، وحملا للصيغة على أقل الجمع . قال : ولا فرق بين : الأيمان تلزمني ، أو : لازمة لي ، أو : جميع الأيمان ، أو : الأيمان كلها تلزمني . وقال
أبو الطاهر : لم يختلف المذهب أن جميع الأيمان تلزمه عند عدم النية ، ويلزمه التصدق بثلث ماله ، وكفارة يمين ، ومن
[ ص: 10 ] اعتاد الحلف بصوم سنة لزمه ، وهكذا يجري في
nindex.php?page=treesubj&link=26721حكم أيمان البيعة ، وهي أيمان رتبها
الحجاج ، فيها اليمين بالله تعالى والطلاق ، والعتاق ، والحج ، وصدقة المال يحلف بها الناس عند البيعة . قال صاحب ( التخليص ) : واختلف هل الطلقة بائنة أو رجعية ، قال : ومنشأ الخلاف اختلاف الرواية عن
مالك في أشد ما أخذ أحد على أحد هل تلزمه طلقة ، أو ثلاث .
قواعد : اليمين حقيقته لغة : الحلف ، على ما تقدم من الخلاف ، وإطلاقه على الطلاق ، والعتاق ، والنذر مجاز ; لأنه ليس بحلف ، فلو
nindex.php?page=treesubj&link=24741_16428حلف بالطلاق أو العتاق لا يلزمه شيء ; لأنه حلف محدث ، والعلاقة في هذا المجاز أن الحالف ملتزم لحكم على تقدير ، وهو الكفارة على تقدير الحنث ، والمعلق من الطلاق وغيره قياسا على تقدير وجوب الشرط ، ثم هذا المجاز منه خفي لم يترجح على الحقيقة ولا سواها ، نحو : لله علي هدي ، أو بناء مسجد ، أو الغزو ، ومنه راجح على الحقيقة ، أو مساو ، وهو ما ذكره المتأخرون ، ويدل على الشهرة قديما وحديثا قوله - عليه السلام - : (
الطلاق والعتاق يمين الفساق ) فسماهما أيمانا ، ومن قواعد المذهب : استعمال اللفظ المشترك في جميع مسمياته ، وغير المشترك في مجازاته المستوية ، ومجازه ، وحقيقته ، فلذلك حمل المتأخرون اللفظ على ما ذكروه دون غيره من التعاليق ، وأما إذا قلنا : اليمين أصله من القوة ; لأنه يقوي المخبر عنه ، فالتعاليق أيضا مقويات للإقدام ، والإحجام ، فيكون اللفظ متواطئا في الجميع ، وقد دخلت عليه أداة العموم ، فيعم الجميع إلا ما خصه الدليل بالإجماع ، وقد تقدم تقريره أول الكتاب .
[ ص: 11 ] وقاعدة ( ش ) حمل اللفظ على حقائقه ، ومجازاته ، ومجازه ، وحقيقته ، وقد خالف في هذه القاعدة أصله ، فقال : إن نوى شيئا لزمه ، وإلا فلا ، محتجا بأن هذا كناية ، فيتبع النية ، والصريح هو النطق بالاسم المعظم ، ولم ينطق به ، وجوابه : أن كل ما يعتقد صريحا فلفظ اليمين صادق عليه حقيقة في اللغة ، فلفظ الأيمان تتناول الصريح بالوضع ، والكناية لا تتناول بالوضع ، بل تصلح للتناول ، فليست بكناية ، فإن قيل : لفظ اليمين يتناول قولنا : والله . من جهة عموم كونه حلفا لا من جهة خصوص قولنا : والله . بل لفظ اليمين صادق عليه ، وعلى قولنا :
والكعبة ، وحياتي ، ولعمري ، والدال على الأعم غير الدال على الأخص ، وغير مستلزم له ، فيكون كناية . قلنا : القائل : أيمان المسلمين ، والأيمان . نطق بصيغة العموم الشاملة لكل ما يصدق عليه يمين ; لأن اللام للعموم ، واسم الجنس إذا أضيف عم ، فكانت الصيغة متناولة لكل يمين مخصوصة ، فيكون صريحا ، أجمعنا على سقوط ما لم يشرع وما لم يشتهر عرفا ، بقينا في صفة العموم على مقتضى الأصل . قال
ابن يونس : إذا قال : أشد ما أخذ أحد على أحد ، ولا نية له وحنث ، طلق نساءه ، وعتق عبيده ، ومشى إلى البيت ، وتصدق بثلث ماله .
فائدة : قال صاحب كتاب ( الخصال ) : الموجب للكفارة سبع وعشرون صيغة : الله ، وبالله ، وتالله ، ولعمر الله ، ووالله ، ويعلم الله ، وحق الله ، وأيم الله ، وبسم الله ، وبعزة الله ، وبكبرياء الله ، وقدرة الله ، وعظمة الله ، وأمانة الله ، وعهد الله ، وذمة الله ، وكفالة الله ، وميثاق الله ، وأشهد بالله ، وأعزم بالله ، وأحلف بالله ، وعلي نذر لله ، وبالقرآن ، وبالمصحف ، وبما أنزل الله ، وبالتوراة ، وبالإنجيل . والكناية ما هو متردد بين الموجب ، وغيره على السواء ، ففي الكتاب : إذا قال : أشهد ، أو أقسم ، أو أحلف ، أو أعز . إن أراد : بالله ، فهو يمين ، وإلا فلا شيء عليه . قال
ابن يونس : قال أصحابنا : ( معاذ الله ) ليست يمينا إلا أن يريد اليمين
[ ص: 12 ] وقيل : ( معاذ الله ) و ( حاشا لله ) ليست يمينا مطلقا ; لأن المعاذ من العوذ ، ومحاشاة الله من التبرئة إليه ، فهما فعلان محدثان .
( تمهيد ) : لما تقدم أن أسماء الله تعالى كلها يجوز الحلف بها ، وتوجب الكفارة على تفصيل يأتي ، إما لدلالتها كلها على الذات من حيث هي هي ، وهو قولنا : ولله ; لأنه على الصحيح موضوع للذات من حيث هي هي علما عليها لجريان النعوت عليه ، فنقول : الله الرحمن الرحيم ، وقيل : للذات مع جملة الصفات ، وإما لدلالتها على الذات مع مفهوم زائد وجودي قائم بذاته تعالى نحو قولنا : عليم ، أو وجودي منفصل عن الذات نحو خالق ، أو عدمي نحو : قدوس . ثم هو أربعة أقسام : ما ورد السمع به ، ولا يوهم نقصا نحو العليم ، فيجوز إطلاقه إجماعا ، وما لم يرد السمع به ، وهو موهم ، فيمتنع إطلاقه إجماعا نحو متواضع . وما ورد السمع به وهو موهم ، فيقتصر به على محله نحو : ماكر . وما لم يرد السمع به ، وهو غير موهم ، فلا يجوز إطلاقه عند الشيخ
أبي الحسن ، ويجوز عند القاضي ، وقيل بالوقف ، نحو السيد . قال
أبو الطاهر : فكل ما جاز إطلاقه جاز الحلف به ، وأوجب الكفارة ، وإلا فلا ، فتنزل الأقسام المتقدمة على هذه الفتيا ،
nindex.php?page=treesubj&link=16370وما يسمى صفة لله تعالى ثلاثة أقسام : قديم ، ومحدث ، ومختلف فيه هل هو قديم أو محدث ، والمحدث قسمان : وجودي نحو الخلق ، والرزق ، فلا يحلف به ولا يوجب كفارة ، وسلبي نحو الحلم والإمهال والعفو ; لأن الأولين تأخر العقوبة ، والثالث إسقاطها ، والظاهر أنه كالوجودي ، ولم أر فيه نقلا بخصوصه . والقديم ثلاثة أقسام : ما هو عائد إلى نفس الذات كالوجود ، والقدم ، والبقاء ، فيجوز الحلف به ، ويوجب الكفارة ، وما هو زائد على الذات وجودي ، وهو سبعة : العلم
[ ص: 13 ] والكلام ، والقدرة ، والإرادة ، والحياة ، والسمع ، والبصر ، وما لحق بها مما في معناها ، وإن اختلف اللفظ كالأمانة ، والعهد ، واختلف في القدم والبقاء هل هما وجوديان أم لا ، وفي الوجه والعينين واليدين هل ترجع إلى السبعة على حسب ما تقتضيه قاعدة التعبير في لغة العرب ، أو هي صفات وجودية لا نعلمها ، والأول الصحيح . وما هو سلبي قسمان : سلب نقص كسلب الجوهر والعرض عن ذاته وصفاته تعالى ، وسلب المشارك في الكمال ، وهو الوحدانية ، والظاهر أنهما كالوجودي ، ولم أر فيها نقلا بخصوصها مفصلة ، والثالث : الذي اختلف فيه هل هو قديم أو محدث كالغضب ، والسخط ، والرضا ، والرحمة ، فإن حقائقها اللغوية مستحيلة عليه تعالى لكونها تغيرات في الأمزجة ، وهو تعالى منزه عن المزاج وتغيراته ، فحملها الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري على إرادة آثار هذه الأمور لكون المتصف بها من المحدثين يريد هذه الآثار عند قيام هذه المعاني به ، فتكون هذه الأمور قديمة في حقه تعالى ، وحملها
القاضي أبو بكر على آثارها لكونها ملازمة لها غالبا ، فعبر عنها ، فالمراد بالرحمة الإحسان ، والغضب العقوبة فعلى هذا تكون محدثة ، فلا توجب كفارة . قال
ابن يونس : الحالف برضا الله ورحمته ، وسخطه عليه كفارة واحدة ، وهذا يدل على أن الفتيا على مذهب الشيخ دون القاضي ، وبسط هذا كله في أصول الدين ، وإنما الفقيه يحتاج هاهنا إلى ما يوجب الكفارة ، وما لا يوجب ، وقد تلخص ذلك مستوعبا بفضل الله تعالى .
( تنبيه ) : الألف واللام في اللغة تكون للعهد ، فالقائل العلم ، والقدرة تنصرف إلى ما عهد الحلف به ، وهو القديم ، وأن اللفظ بعمومه يتناول المحدث والقديم ، وأما الإضافة ، فلم توضع للعهد ، وعلى هذا لو قال : وعلم الله ، وقدرته ، وعزته اندرج فيه القديم ، والمحدث ; لأن اسم الجنس إذا أضيف عم ، والإضافة تكفي فيها أدنى نسبة كقول أحد حاملي الخشبة مثل طرفك ، والمحدثات تضاف إلى الله
[ ص: 14 ] تعالى ; لأنه خلقها ، ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12فنفخنا فيه من روحنا ) ( التحريم : 12 ) قال : نفخ فيه روحا من أرواحه . إشارة إلى أرواح الخلائق كلها ، وإن روح
عيسى - عليه السلام - من جملتها . قال صاحب ( تهذيب الطالب ) :
nindex.php?page=treesubj&link=16374_16540_26942الحالف بعزة الله وعظمته وجلال الله يكفر كفارة واحدة ، وهو متجه في إيجاب الكفارة لا في الجواز ، أما الكفارة فلأن الصيغة للعموم ، فيندرج فيها القديم والمحدث ، وإذا اجتمع الموجب ، وغير الموجب وجب الحكم ، وأما الجواز فلاندراج ما لا يباح مع ما يباح إلا أن يقال غلب استعمال هذا اللفظ بخصوصه في القديم حتى صار منقولا له ، وما هو أيضا متجه ، وقال
أشهب : إن أراد بعزة الله ، وأمانته القديمة وجبت الكفارة ، أو المحدثة لم تجب ، وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) ( الصافات : 185 ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) ( النساء : 85 ) والقديم لا يكون مربوبا ، ولا مأمورا به ، ولهذه المدارك قال الشافعية ، والحنابلة :
nindex.php?page=treesubj&link=16362_16363أسماء الله تعالى قسمان : منهما ما هو مختص به ، فهي صريحة في الحلف كقولنا : والله ، والرحيم ، ومنها ما لا يختص به كالحكيم ، والرشيد ، والعزيز ، والقادر ، والمريد ، والعالم ، فهي كنايات لا تكون يمينا إلا بالنية لأجل التردد بين الموجب وغير الموجب كما انعقد الإجماع في الطلاق ، والظهار ، وغيرهما من أبواب الفقه ، وجوابهم : أن ذكر هذه الأسماء في سياق الحلف اشتهر عادة يختص بالله تعالى ، فأذهب الاحتمال اللغوي النقل العرفي ، وأما في غير سياق الحلف ، فاللفظ متردد بين القديم والمحدث ، وهذا الجواب يستقيم في الأسماء التي جرت العادة بالحلف بها . أما الحكيم ، والرشيد ، ونحوهما ، فلعل كثيرا من الناس لا يعلمها أسماء الله ، ولم يشتهر الحلف بها ، وأصحابنا عمموا الحكم في الجميع ، ولم يفصلوا ، وهو مشكل ، ووافقنا جمهور الحنفية لكنهم خالفونا في الصفات ، فقالوا إن تعارف الناس بالحلف بها كانت يمينا ، وإلا فلا ، سواء كانت صفات الذات أو صفات الفعل ، فاشترطوا الشهرة دوننا ، وسووا بين الفعل وغيره .
[ ص: 15 ] فرع : في ( الكتاب ) :
nindex.php?page=treesubj&link=16418_16419القائل : إن فعلت كذا ، فهو يهودي أو نصراني ، أو بريء من الله ، ونحو ذلك - ليس بيمين ، وليستغفر الله تعالى ; لأنه التزم انتهاك حرمة الله تعالى على تقدير ممكن ، واللائق بالعبد الامتناع من ذلك مطلقا ، ووافقنا
nindex.php?page=showalam&ids=12251ابن حنبل في الإثم ، وأوجب عليه الكفارة لما يروى عنه - عليه السلام - أنه
سئل عن رجل يقول هو يهودي ، أو نصراني ، أو مجوسي ، أو بريء من الله ، أو من الإسلام في اليمين يحلف بها ، فيحنث . قال : عليه كفارة يمين ، وقال الحنفية : ليس بإثم ، وتجب عليه الكفارة ; لأنه معظم لله تعالى ; لأن المفهوم من ذكر هذه الأمور في هذا السياق شدة قبحها عند الحالف ، ولذلك جعل ملابستها مانعة له من الفعل ; لأن الموقوف على الممتنع ممتنع ، وإذا كان معظما لله تعالى وجبت الكفارة لتعظيمه بذكر أسمائه ، وجوابهم أن العبد لو قال لسيده : إن لم أسرج الدابة ، فأنا أصفعك أو أفسق بامرأتك - لاستحق الأدب في العرف لذكر هذه القبائح لسيده ، بل ينبغي أن يقول : لو عرضت علي هذه الأمور لا أفعلها ، ولو قطعت أو انطبقت السماء على الأرض ، فإذا قبح ذلك في حق المخلوقين ، فأولى في حق رب العالمين . سلمنا أنه تعظيم لكن لا نسلم وجوب الكفارة ، فإن التسبيح والتهليل تعظيم اتفاقا ، ولا يوجب الكفارة .
فرع : في ( الكتاب ) : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=16541قال لرجل : أعزم عليك بالله إلا ما فعلت ، وأسألك بالله لتفعلن ، فامتنع ، فلا شيء عليهما ، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقال
ابن يونس : إذا أقسم عليه ليفعلن ، فيحنث إذا لم يجبه .
[ ص: 8 ] الْبَابُ الثَّانِي
فِي الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ
وَفِيهِ فَصْلَانِ : الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي الصَّرِيحِ ، وَالْكِنَايَةِ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=16361_16369الصَّرِيحُ الَّذِي يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِنُطْقِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى نِيَّةٍ ، فَفِي الْكِتَابِ : الْحَلِفُ بِجَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ، نَحْوَ الْعَزِيزِ اللَّطِيفِ ، أَوْ عِزَّةِ اللَّهِ ، وَأَمَانَتِهِ ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ ، وَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ ، أَوْ ذِمَّتُهُ ، أَوْ كَفَالَتُهُ ، أَوْ مِيثَاقُهُ ، وَقَالَهُ ( ح ) ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَابْنُ حَنْبَلٍ ، وَقَالَ ( ش ) : الْعَهْدُ ، وَالْكَفَالَةُ ، وَالْمِيثَاقُ ، وَقَوْلُنَا : وَحَقِّ اللَّهِ ، وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَلِيمِ وَالْجَبَّارِ ، كِنَايَاتٌ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ . إِنْ نَوَى الْقَدِيمَ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ ، وَإِلَّا فَلَا . قَالَ
اللَّخْمِيُّ : الْعَهْدُ أَرْبَعَةٌ تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ فِي وَجْهٍ ، وَتَسْقُطُ فِي اثْنَيْنِ ، وَمُخْتَلَفٌ فِي الرَّابِعِ ، فَالْأَوَّلُ : عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ ، وَالِاثْنَانِ : لَكَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ ، وَ : أُعْطِيكَ عَهْدَ اللَّهِ ، وَالرَّابِعُ : أُعَاهِدُ اللَّهَ . اعْتَبَرَهُ
ابْنُ حَبِيبٍ ، وَأَسْقَطَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13270ابْنُ شَعْبَانَ ، قَالَ : وَهُوَ أَحْسَنُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ : ( لَاهَا اللَّهِ ) يَمِينٌ ، نَحْوُ بِاللَّهِ ، وَفِي ( الْبَيَانِ ) إِذَا قَالَ : يَعْلَمُ اللَّهُ لَا فَعَلْتُ . اسْتَحَبَّ لَهُ
مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ أَيْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونٌ : إِنْ أَرَادَ الْحَلِفَ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ ، وَإِلَّا فَلَا ; لِأَنَّ حُرُوفَ الْقَسَمِ قَدْ تُحْذَفُ ، وَإِذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ ، فَرِوَايَةُ
ابْنِ الْقَاسِمِ الْكَفَّارَةُ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْقَدِيمِ ، وَقَالَهُ ( ش )
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَابْنُ حَنْبَلٍ ، وَرُوِيَ عَنْ
مَالِكٍ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْحُرُوفِ ; لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ فِي الْعُرْفِ إِلَى الذِّهْنِ وَالْفَهْمِ ، وَفِي ( الْجَوَاهِرِ ) : أَيْمُ اللَّهِ يَمِينٌ ، وَفِي ( الْكِتَابِ ) : وَعِزَّةِ اللَّهِ ،
لِمَالِكٍ فِي إِيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ رِوَايَتَانِ .
[ ص: 9 ] ( فَوَائِدُ ) : أَمَانَةُ اللَّهِ تَعَالَى تَكْلِيفُهُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=72إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ( الْأَحْزَابِ : 72 ) الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=72وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ) وَتَكْلِيفُهُ : كَلَامُهُ الْقَدِيمُ ، فَهِيَ صِفَتُهُ تَعَالَى ، وَعَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى : بَقَاؤُهُ ، وَهُوَ اسْتِمْرَارُ وَجُودِهِ مَعَ الْأَزْمَانِ ، وَوُجُودُهُ : ذَاتُهُ ، وَعَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى : إِلْزَامُهُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40وَأَوْفُوا بِعَهْدِي ) ( الْبَقَرَةِ : 40 ) أَيْ تَكْلِيفِي ، فَهُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ تَعَالَى ، وَذِمَّتُهُ : إِلْزَامُهُ ، فَيَرْجِعُ إِلَى خَبَرِهِ ، وَخَبَرُهُ : كَلَامُهُ ، وَكَذَلِكَ كَفَالَتُهُ ، وَالْمِيثَاقُ هُوَ الْعَهْدُ الْمُؤَكَّدُ بِالْحَلِفِ ، فَيَرْجِعُ إِلَى كَلَامِهِ تَعَالَى ، وَأَيْمَنُ اللَّهِ تَعَالَى : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : هُوَ مِنَ الْيُمْنِ ، وَالْبَرَكَةِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ ( ش ) : هُوَ كِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمُحْدَثِ مِنْ تَنْمِيَةِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَرْزَاقِ ، وَبَيْنَ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ جَلَالُ اللَّهِ وَعَظَمَتُهُ تَعَالَى ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) ( الْمُلْكِ : 1 ) أَيْ عَظُمَ شَأْنُهُ ، وَكَبُرَ عَلَاؤُهُ ، وَقَالَ
الْفَرَّاءُ هُوَ جَمْعُ يَمِينٍ ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ هُوَ صَرِيحٌ ، أَوْ كِنَايَةٌ ، وَيُقَالُ : أَيْمَنُ اللَّهِ ، وَأَيْمُ اللَّهِ ، وَمِنَ اللَّهِ ، وَمُ اللَّهِ .
فَرْعٌ : فِي ( الْجَوَاهِرِ ) : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=26721قَالَ : الْأَيْمَانُ تَلْزَمُنِي قَالَ :
الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ : لَيْسَ
لِمَالِكٍ ، وَلَا لِأَصْحَابِهِ فِيهَا نَصٌّ ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهَا الْمُتَأَخِّرُونَ ، فَأَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ ، وَالْعَتَاقِ فِي جَمِيعِ الْعَبِيدِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبِيدٌ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ ، وَالْمَشْيُ إِلَى
مَكَّةَ فِي الْحَجِّ ، وَالتَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ ، وَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11947أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَكْثَرُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ : يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ ، وَقَالَ
أَبُو عِمْرَانَ وَالْعِرَاقِيُّونَ : وَاحِدَةٌ ، وَاخْتَارَ الْأُسْتَاذُ : أَنْ لَا تَلْزَمَهُ إِلَّا ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ حَمْلًا لِلْيَمِينِ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ الْمَشْرُوعُ . قَالَ : إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ ، أَوْ يَكُونَ عُرْفًا ، وَحَمْلًا لِلصِّيغَةِ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ . قَالَ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ : الْأَيْمَانُ تَلْزَمُنِي ، أَوْ : لَازِمَةٌ لِي ، أَوْ : جَمِيعُ الْأَيْمَانِ ، أَوِ : الْأَيْمَانُ كُلُّهَا تَلْزَمُنِي . وَقَالَ
أَبُو الطَّاهِرِ : لَمْ يَخْتَلِفِ الْمَذْهَبُ أَنَّ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ تَلْزَمُهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ ، وَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ ، وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَمَنِ
[ ص: 10 ] اعْتَادَ الْحَلِفَ بِصَوْمِ سَنَةٍ لَزِمَهُ ، وَهَكَذَا يَجْرِي فِي
nindex.php?page=treesubj&link=26721حُكْمِ أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ ، وَهِيَ أَيْمَانٌ رَتَّبَهَا
الْحَجَّاجُ ، فِيهَا الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَدَقَةِ الْمَالِ يَحْلِفُ بِهَا النَّاسُ عِنْدَ الْبَيْعَةِ . قَالَ صَاحِبُ ( التَّخْلِيصِ ) : وَاخْتُلِفَ هَلِ الطَّلْقَةُ بَائِنَةٌ أَوْ رَجْعِيَّةٌ ، قَالَ : وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ
مَالِكٍ فِي أَشَدِّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ هَلْ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ ، أَوْ ثَلَاثٌ .
قَوَاعِدُ : الْيَمِينُ حَقِيقَتُهُ لُغَةً : الْحَلِفُ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخِلَافِ ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ ، وَالنَّذْرِ مَجَازٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَلِفٍ ، فَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=24741_16428حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوِ الْعَتَاقِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ; لِأَنَّهُ حَلِفٌ مُحْدَثٌ ، وَالْعَلَاقَةُ فِي هَذَا الْمَجَازِ أَنَّ الْحَالِفَ مُلْتَزِمٌ لِحُكْمٍ عَلَى تَقْدِيرٍ ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ عَلَى تَقْدِيرِ الْحِنْثِ ، وَالْمُعَلَّقُ مِنَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ قِيَاسًا عَلَى تَقْدِيرِ وُجُوبِ الشَّرْطِ ، ثُمَّ هَذَا الْمَجَازُ مِنْهُ خَفِيٌّ لَمْ يَتَرَجَّحْ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا سِوَاهَا ، نَحْوَ : لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ ، أَوْ بِنَاءُ مَسْجِدٍ ، أَوِ الْغَزْوُ ، وَمِنْهُ رَاجِحٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، أَوْ مُسَاوٍ ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ ، وَيَدُلُّ عَلَى الشُّهْرَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ يَمِينُ الْفُسَّاقِ ) فَسَمَّاهُمَا أَيْمَانًا ، وَمِنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ : اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مُسَمَّيَاتِهِ ، وَغَيْرِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَجَازَاتِهِ الْمُسْتَوِيَةِ ، وَمَجَازِهِ ، وَحَقِيقَتِهِ ، فَلِذَلِكَ حَمَلَ الْمُتَأَخِّرُونَ اللَّفْظَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ التَّعَالِيقِ ، وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا : الْيَمِينُ أَصْلُهُ مِنَ الْقُوَّةِ ; لِأَنَّهُ يُقَوِّي الْمُخْبَرَ عَنْهُ ، فَالتَّعَالِيقُ أَيْضًا مُقَوِّيَاتٌ لِلْإِقْدَامِ ، وَالْإِحْجَامِ ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُتَوَاطِئًا فِي الْجَمِيعِ ، وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْعُمُومِ ، فَيَعُمُّ الْجَمِيعَ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ .
[ ص: 11 ] وَقَاعِدَةُ ( ش ) حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقَائِقِهِ ، وَمَجَازَاتِهِ ، وَمَجَازِهِ ، وَحَقِيقَتِهِ ، وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَصْلَهُ ، فَقَالَ : إِنْ نَوَى شَيْئًا لَزِمَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، مُحْتَجًّا بِأَنَّ هَذَا كِنَايَةٌ ، فَيَتْبَعُ النِّيَّةَ ، وَالصَّرِيحُ هُوَ النُّطْقُ بِالِاسْمِ الْمُعْظَّمِ ، وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ ، وَجَوَابُهُ : أَنَّ كُلَّ مَا يُعْتَقَدُ صَرِيحًا فَلَفْظُ الْيَمِينِ صَادِقٌ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فِي اللُّغَةِ ، فَلَفْظُ الْأَيْمَانِ تَتَنَاوَلُ الصَّرِيحَ بِالْوَضْعِ ، وَالْكِنَايَةُ لَا تَتَنَاوَلُ بِالْوَضْعِ ، بَلْ تَصْلُحُ لِلتَّنَاوُلِ ، فَلَيْسَتْ بِكِنَايَةٍ ، فَإِنْ قِيلَ : لَفْظُ الْيَمِينِ يَتَنَاوَلُ قَوْلَنَا : وَاللَّهِ . مِنْ جِهَةِ عُمُومِ كَوْنِهِ حَلِفًا لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِ قَوْلِنَا : وَاللَّهِ . بَلْ لَفْظُ الْيَمِينِ صَادِقٌ عَلَيْهِ ، وَعَلَى قَوْلِنَا :
وَالْكَعْبَةِ ، وَحَيَاتِي ، وَلَعَمْرِي ، وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ الدَّالِّ عَلَى الْأَخَصِّ ، وَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لَهُ ، فَيَكُونُ كِنَايَةً . قُلْنَا : الْقَائِلُ : أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْأَيْمَانُ . نَطَقَ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ الشَّامِلَةِ لِكُلِّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ يَمِينٌ ; لِأَنَّ اللَّامَ لِلْعُمُومِ ، وَاسْمُ الْجِنْسِ إِذَا أُضِيفَ عَمَّ ، فَكَانَتِ الصِّيغَةُ مُتَنَاوِلَةً لِكُلِّ يَمِينٍ مَخْصُوصَةٍ ، فَيَكُونُ صَرِيحًا ، أَجْمَعْنَا عَلَى سُقُوطِ مَا لَمْ يُشْرَعْ وَمَا لَمْ يَشْتَهِرْ عُرْفًا ، بَقِينَا فِي صِفَةِ الْعُمُومِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ . قَالَ
ابْنُ يُونُسَ : إِذَا قَالَ : أَشَدُّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَحَنِثَ ، طَلَّقَ نِسَاءَهُ ، وَعَتَقَ عَبِيدَهُ ، وَمَشَى إِلَى الْبَيْتِ ، وَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ .
فَائِدَةٌ : قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ ( الْخِصَالِ ) : الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ صِيغَةً : اللَّهُ ، وَبِاللَّهِ ، وَتَاللَّهِ ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ ، وَوَاللَّهِ ، وَيَعْلَمُ اللَّهُ ، وَحَقُّ اللَّهِ ، وَأَيْمُ اللَّهِ ، وَبِسْمِ اللَّهِ ، وَبِعِزَّةِ اللَّهِ ، وَبِكِبْرِيَاءِ اللَّهِ ، وَقُدْرَةِ اللَّهِ ، وَعَظَمَةِ اللَّهِ ، وَأَمَانَةِ اللَّهِ ، وَعَهْدِ اللَّهِ ، وَذِمَّةِ اللَّهِ ، وَكَفَالَةِ اللَّهِ ، وَمِيثَاقِ اللَّهِ ، وَأَشْهَدُ بِاللَّهِ ، وَأَعْزِمُ بِاللَّهِ ، وَأَحْلِفُ بِاللَّهِ ، وَعَلَيَّ نَذْرٌ لِلَّهِ ، وَبِالْقُرْآنِ ، وَبِالْمُصْحَفِ ، وَبِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَبِالتَّوْرَاةِ ، وَبِالْإِنْجِيلِ . وَالْكِنَايَةُ مَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمُوجِبِ ، وَغَيْرِهِ عَلَى السَّوَاءِ ، فَفِي الْكِتَابِ : إِذَا قَالَ : أَشْهَدُ ، أَوْ أُقْسِمُ ، أَوْ أَحْلِفُ ، أَوْ أُعِزُّ . إِنْ أَرَادَ : بِاللَّهِ ، فَهُوَ يَمِينٌ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ . قَالَ
ابْنُ يُونُسَ : قَالَ أَصْحَابُنَا : ( مَعَاذَ اللَّهِ ) لَيْسَتْ يَمِينًا إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ
[ ص: 12 ] وَقِيلَ : ( مَعَاذَ اللَّهِ ) وَ ( حَاشَا لِلَّهِ ) لَيْسَتْ يَمِينًا مُطْلَقًا ; لِأَنَّ الْمَعَاذَ مِنَ الْعَوْذِ ، وَمُحَاشَاةَ اللَّهِ مِنَ التَّبْرِئَةِ إِلَيْهِ ، فَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ .
( تَمْهِيدٌ ) : لَمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا ، وَتُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي ، إِمَّا لِدَلَالَتِهَا كُلِّهَا عَلَى الذَّاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ ، وَهُوَ قَوْلُنَا : وَلِلَّهِ ; لِأَنَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مَوْضُوعٌ لِلذَّاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ عَلَمًا عَلَيْهَا لِجَرَيَانِ النُّعُوتِ عَلَيْهِ ، فَنَقُولُ : اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، وَقِيلَ : لِلذَّاتِ مَعَ جُمْلَةِ الصِّفَاتِ ، وَإِمَّا لِدَلَالَتِهَا عَلَى الذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ زَائِدٍ وُجُودِيٍّ قَائِمٍ بِذَاتِهِ تَعَالَى نَحْوَ قَوْلِنَا : عَلِيمٌ ، أَوْ وُجُودِيٌّ مُنْفَصِلٌ عَنِ الذَّاتِ نَحْوَ خَالِقٍ ، أَوْ عَدَمِيٍّ نَحْوَ : قُدُّوسٍ . ثُمَّ هُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ ، وَلَا يُوهِمُ نَقْصًا نَحْوَ الْعَلِيمِ ، فَيَجُوزُ إِطْلَاقُهُ إِجْمَاعًا ، وَمَا لَمْ يَرِدِ السَّمْعُ بِهِ ، وَهُوَ مُوهِمٌ ، فَيَمْتَنِعُ إِطْلَاقُهُ إِجْمَاعًا نَحْوَ مُتَوَاضِعٍ . وَمَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ مُوهِمٌ ، فَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَحَلِّهِ نَحْوَ : مَاكِرٌ . وَمَا لَمْ يَرِدِ السَّمْعُ بِهِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُوهِمٍ ، فَلَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ عِنْدَ الشَّيْخِ
أَبِي الْحَسَنِ ، وَيَجُوزُ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ ، نَحْوَ السَّيِّدِ . قَالَ
أَبُو الطَّاهِرِ : فَكُلُّ مَا جَازَ إِطْلَاقُهُ جَازَ الْحَلِفُ بِهِ ، وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ ، وَإِلَّا فَلَا ، فَتُنَزَّلُ الْأَقْسَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى هَذِهِ الْفُتْيَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=16370وَمَا يُسَمَّى صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : قَدِيمٌ ، وَمُحْدَثٌ ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ قَدِيمٌ أَوْ مُحْدَثٌ ، وَالْمُحْدَثُ قِسْمَانِ : وُجُودِيٌّ نَحْوَ الْخَلْقِ ، وَالرِّزْقِ ، فَلَا يُحْلَفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً ، وَسَلْبِيٌّ نَحْوَ الْحِلْمِ وَالْإِمْهَالِ وَالْعَفْوِ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ تَأَخُّرُ الْعُقُوبَةِ ، وَالثَّالِثَ إِسْقَاطُهَا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْوُجُودِيِّ ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا بِخُصُوصِهِ . وَالْقَدِيمُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : مَا هُوَ عَائِدٌ إِلَى نَفْسِ الذَّاتِ كَالْوُجُودِ ، وَالْقِدَمِ ، وَالْبَقَاءِ ، فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ ، وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ، وَمَا هُوَ زَائِدٌ عَلَى الذَّاتِ وُجُودِيٌّ ، وَهُوَ سَبْعَةٌ : الْعِلْمُ
[ ص: 13 ] وَالْكَلَامُ ، وَالْقُدْرَةُ ، وَالْإِرَادَةُ ، وَالْحَيَاةُ ، وَالسَّمْعُ ، وَالْبَصَرُ ، وَمَا لَحِقَ بِهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا ، وَإِنِ اخْتَلَفَ اللَّفْظُ كَالْأَمَانَةِ ، وَالْعَهْدِ ، وَاخْتُلِفَ فِي الْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ هَلْ هُمَا وُجُودِيَّانِ أَمْ لَا ، وَفِي الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ هَلْ تَرْجِعُ إِلَى السَّبْعَةِ عَلَى حَسْبِ مَا تَقْتَضِيهِ قَاعِدَةُ التَّعْبِيرِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ ، أَوْ هِيَ صِفَاتٌ وُجُودِيَّةٌ لَا نَعْلَمُهَا ، وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ . وَمَا هُوَ سَلْبِيٌّ قِسْمَانِ : سَلْبُ نَقْصٍ كَسَلْبِ الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ عَنْ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ تَعَالَى ، وَسَلْبِ الْمُشَارِكِ فِي الْكَمَالِ ، وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَالْوُجُودِيِّ ، وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا بِخُصُوصِهَا مُفَصَّلَةً ، وَالثَّالِثُ : الَّذِي اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ قَدِيمٌ أَوْ مُحْدَثٌ كَالْغَضَبِ ، وَالسَّخَطِ ، وَالرِّضَا ، وَالرَّحْمَةِ ، فَإِنَّ حَقَائِقَهَا اللُّغَوِيَّةَ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى لِكَوْنِهَا تَغَيُّرَاتٍ فِي الْأَمْزِجَةِ ، وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْمِزَاجِ وَتَغَيُّرَاتِهِ ، فَحَمَلَهَا الشَّيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ عَلَى إِرَادَةِ آثَارِ هَذِهِ الْأُمُورِ لِكَوْنِ الْمُتَّصِفِ بِهَا مِنَ الْمُحْدَثِينَ يُرِيدُ هَذِهِ الْآثَارَ عِنْدَ قِيَامِ هَذِهِ الْمَعَانِي بِهِ ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْأُمُورُ قَدِيمَةً فِي حَقِّهِ تَعَالَى ، وَحَمَلَهَا
الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَلَى آثَارِهَا لِكَوْنِهَا مُلَازِمَةً لَهَا غَالِبًا ، فَعَبَّرَ عَنْهَا ، فَالْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ الْإِحْسَانُ ، وَالْغَضَبِ الْعُقُوبَةُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مُحْدَثَةً ، فَلَا تُوجِبُ كَفَّارَةً . قَالَ
ابْنُ يُونُسَ : الْحَالِفُ بِرِضَا اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ ، وَسَخَطِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُتْيَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ دُونَ الْقَاضِي ، وَبُسِطَ هَذَا كُلُّهُ فِي أُصُولِ الدِّينِ ، وَإِنَّمَا الْفَقِيهُ يَحْتَاجُ هَاهُنَا إِلَى مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ، وَمَا لَا يُوجِبُ ، وَقَدْ تَلَخَّصَ ذَلِكَ مُسْتَوْعَبًا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى .
( تَنْبِيهٌ ) : الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي اللُّغَةِ تَكُونُ لِلْعَهْدِ ، فَالْقَائِلُ الْعِلْمُ ، وَالْقُدْرَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى مَا عُهِدَ الْحَلِفُ بِهِ ، وَهُوَ الْقَدِيمُ ، وَأَنَّ اللَّفْظَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْمُحْدَثَ وَالْقَدِيمَ ، وَأَمَّا الْإِضَافَةُ ، فَلَمْ تُوضَعْ لِلْعَهْدِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : وَعِلْمِ اللَّهِ ، وَقُدْرَتِهِ ، وَعِزَّتِهِ انْدَرَجَ فِيهِ الْقَدِيمُ ، وَالْمُحْدَثُ ; لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إِذَا أُضِيفَ عَمَّ ، وَالْإِضَافَةُ تَكْفِي فِيهَا أَدْنَى نِسْبَةٍ كَقَوْلِ أَحَدِ حَامِلَيِ الْخَشَبَةِ مِثْلَ طَرَفِكَ ، وَالْمُحْدَثَاتُ تُضَافُ إِلَى اللَّهِ
[ ص: 14 ] تَعَالَى ; لِأَنَّهُ خَلَقَهَا ، وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16850كَعْبُ الْأَحْبَارِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=12فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ) ( التَّحْرِيمِ : 12 ) قَالَ : نَفَخَ فِيهِ رُوحًا مِنْ أَرْوَاحِهِ . إِشَارَةً إِلَى أَرْوَاحِ الْخَلَائِقِ كُلِّهَا ، وَإِنَّ رُوحَ
عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ جُمْلَتِهَا . قَالَ صَاحِبُ ( تَهْذِيبِ الطَّالِبِ ) :
nindex.php?page=treesubj&link=16374_16540_26942الْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ لَا فِي الْجَوَازِ ، أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِأَنَّ الصِّيغَةَ لِلْعُمُومِ ، فَيَنْدَرِجُ فِيهَا الْقَدِيمُ وَالْمُحْدَثُ ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ ، وَغَيْرُ الْمُوجِبِ وَجَبَ الْحُكْمُ ، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَلِانْدِرَاجِ مَا لَا يُبَاحُ مَعَ مَا يُبَاحُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ بِخُصُوصِهِ فِي الْقَدِيمِ حَتَّى صَارَ مَنْقُولًا لَهُ ، وَمَا هُوَ أَيْضًا مُتَّجِهٌ ، وَقَالَ
أَشْهَبُ : إِنْ أَرَادَ بِعِزَّةِ اللَّهِ ، وَأَمَانَتِهِ الْقَدِيمَةَ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ ، أَوِ الْمُحْدَثَةَ لَمْ تَجِبْ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ( الصَّافَاتِ : 185 ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) ( النِّسَاءِ : 85 ) وَالْقَدِيمُ لَا يَكُونُ مَرْبُوبًا ، وَلَا مَأْمُورًا بِهِ ، وَلِهَذِهِ الْمَدَارِكِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ ، وَالْحَنَابِلَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=16362_16363أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى قِسْمَانِ : مِنْهُمَا مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ ، فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي الْحَلِفِ كَقَوْلِنَا : وَاللَّهِ ، وَالرَّحِيمِ ، وَمِنْهَا مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ كَالْحَكِيمِ ، وَالرَّشِيدِ ، وَالْعَزِيزِ ، وَالْقَادِرِ ، وَالْمُرِيدِ ، وَالْعَالِمِ ، فَهِيَ كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَجْلِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ كَمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي الطَّلَاقِ ، وَالظِّهَارِ ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ ، وَجَوَابُهُمْ : أَنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فِي سِيَاقِ الْحَلِفِ اشْتُهِرَ عَادَةً يَخْتَصُّ بِاللَّهِ تَعَالَى ، فَأَذْهَبَ الِاحْتِمَالُ اللُّغَوِيُّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ سِيَاقِ الْحَلِفِ ، فَاللَّفْظُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ ، وَهَذَا الْجَوَابُ يَسْتَقِيمُ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهَا . أَمَّا الْحَكِيمُ ، وَالرَّشِيدُ ، وَنَحْوُهُمَا ، فَلَعَلَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُهَا أَسْمَاءَ اللَّهِ ، وَلَمْ يَشْتَهِرِ الْحَلِفُ بِهَا ، وَأَصْحَابُنَا عَمَّمُوا الْحُكْمَ فِي الْجَمِيعِ ، وَلَمْ يُفَصِّلُوا ، وَهُوَ مُشْكِلٌ ، وَوَافَقَنَا جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ لَكِنَّهُمْ خَالَفُونَا فِي الصِّفَاتِ ، فَقَالُوا إِنْ تَعَارَفَ النَّاسُ بِالْحَلِفِ بِهَا كَانَتْ يَمِينًا ، وَإِلَّا فَلَا ، سَوَاءٌ كَانَتْ صِفَاتِ الذَّاتِ أَوْ صِفَاتِ الْفِعْلِ ، فَاشْتَرَطُوا الشُّهْرَةَ دُونَنَا ، وَسَوَّوْا بَيْنَ الْفِعْلِ وَغَيْرِهِ .
[ ص: 15 ] فَرْعٌ : فِي ( الْكِتَابِ ) :
nindex.php?page=treesubj&link=16418_16419الْقَائِلُ : إِنْ فَعَلْتُ كَذَا ، فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ، أَوْ بَرِيءٌ مِنَ اللَّهِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ - لَيْسَ بِيَمِينٍ ، وَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ تَعَالَى ; لِأَنَّهُ الْتَزَمَ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَقْدِيرٍ مُمْكِنٍ ، وَاللَّائِقُ بِالْعَبْدِ الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا ، وَوَافَقَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251ابْنُ حَنْبَلٍ فِي الْإِثْمِ ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ لِمَا يُرْوَى عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ
سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَقُولُ هُوَ يَهُودِيٌّ ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ ، أَوْ مَجُوسِيٌّ ، أَوْ بَرِيءٌ مِنَ اللَّهِ ، أَوْ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي الْيَمِينِ يَحْلِفُ بِهَا ، فَيَحْنَثُ . قَالَ : عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : لَيْسَ بِإِثْمٍ ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ; لِأَنَّهُ مُعْظِّمٌ لِلَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي هَذَا السِّيَاقِ شِدَّةُ قُبْحِهَا عِنْدَ الْحَالِفِ ، وَلِذَلِكَ جَعَلَ مُلَابَسَتَهَا مَانِعَةً لَهُ مِنَ الْفِعْلِ ; لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مُمْتَنِعٌ ، وَإِذَا كَانَ مُعَظِّمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ لِتَعْظِيمِهِ بِذِكْرِ أَسْمَائِهِ ، وَجَوَابُهُمْ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ قَالَ لِسَيِّدِهِ : إِنْ لَمْ أُسْرِجِ الدَّابَّةَ ، فَأَنَا أَصْفَعُكَ أَوْ أَفْسُقُ بِامْرَأَتِكِ - لَاسْتَحَقَّ الْأَدَبَ فِي الْعُرْفِ لِذِكْرِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ لِسَيِّدِهِ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : لَوْ عُرِضَتْ عَلَيَّ هَذِهِ الْأُمُورُ لَا أَفْعَلُهَا ، وَلَوْ قُطِّعْتُ أَوِ انْطَبَقَتِ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ ، فَإِذَا قَبُحَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ ، فَأَوْلَى فِي حَقِّ رَبِّ الْعَالَمِينَ . سَلَّمْنَا أَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ ، فَإِنَّ التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ تَعْظِيمٌ اتِّفَاقًا ، وَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ .
فَرْعٌ : فِي ( الْكِتَابِ ) : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=16541قَالَ لِرَجُلٍ : أَعْزِمُ عَلَيْكَ بِاللَّهِ إِلَّا مَا فَعَلْتَ ، وَأَسْأَلُكَ بِاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ ، فَامْتَنَعَ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا ، وَقَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ
ابْنُ يُونُسَ : إِذَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ لَيَفْعَلَنَّ ، فَيَحْنَثُ إِذَا لَمْ يُجِبْهُ .