فصل : والدباغة لا تفتقر إلى فعل فاعل ؛ لأن ما طريقه إزالة النجاسة لا يفتقر إلى فعل ، كالسيل إذا مر بنجاسة فأزالها طهر محلها ، ولذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28188لم تفتقر إزالتها إلى نية بخلاف الحدث ، فعلى هذا لو
nindex.php?page=treesubj&link=28188أطارت الريح جلد ميتة وألقته في المدبغة فاندبغ صار طاهرا ، فأما إن
nindex.php?page=treesubj&link=27624أخذ رجل جلد ميتة غيره فدبغه فقد اختلف أصحابنا : هل يكون ملكا لربه أو لدابغه ؟ على ثلاثة مذاهب :
[ ص: 65 ] أحدها : يكون ملكا لربه دون دابغه كالخمر المنقلب خلا في يد أحدهم يكون ملكه لربه دون من صار خلا في يده .
والوجه الثاني : يكون ملكا لدابغه دون ربه كالمحيي أرضا مواتا بعد إجازة غيره يكون ملكا لمن أحياها دون من أجازها .
والوجه الثالث : أنه كان رب الجلد قد رفع يده عنه فأخذه الدابغ فدبغه كان ملكا لدابغه دون ربه ، وإن كانت يده عليه فغصبه إياه كان ملكا لربه دون دابغه ، وإنما كان كذلك لأن جلد الميتة لا يوصف بثبوت الملك عليه ، وإنما يوصف بثبوت اليد عليه ، فإذا رفع يده زالت صفة استحقاقه .
فإذا ثبت ما وصفنا من طهارة جلد الميتة بالدباغة ، تعلق الكلام بفصلين :
أحدهما : بيان
nindex.php?page=treesubj&link=17637حكمه قبل الدباغة .
والثاني : بيان حكمه بعد الدباغة .
فأما ما قبل الدباغة فيجوز استعماله في اليابسات دون الذائبات ويجوز هبته ، ولا يجوز بيعه ، ولا رهنه . وقال
أبو حنيفة : يجوز بيعه ورهنه استدلالا بأن ما أمكن تطهيره بعد نجاسته جاز بيعه كالثوب النجس .
ودليلنا عموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة [ المائدة : 3 ] . لأن الأعيان النجسة لا يجوز بيعها كالعذرة .
وأما الثوب فهو طاهر العين وإنما جاورته النجاسة فجاز بيعه لأن العذرة تتناول عينا ظاهرة وإن جاورتها نجاسة وكذلك الجلد الطاهر إذا جاورته نجاسة .
فَصْلٌ : وَالدِّبَاغَةُ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى فِعْلِ فَاعِلٍ ؛ لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى فِعْلٍ ، كَالسَّيْلِ إِذَا مَرَّ بِنَجَاسَةٍ فَأَزَالَهَا طَهُرَ مَحَلُّهَا ، وَلِذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28188لَمْ تَفْتَقِرْ إِزَالَتُهَا إِلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ الْحَدَثِ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=28188أَطَارَتِ الرِّيحُ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَأَلْقَتْهُ فِي الْمَدْبَغَةِ فَانْدَبَغَ صَارَ طَاهِرًا ، فَأَمَّا إِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27624أَخَذَ رَجُلٌ جِلْدَ مَيْتَةِ غَيْرِهِ فَدَبَغَهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا : هَلْ يَكُونُ مِلْكًا لِرَبِّهِ أَوْ لِدَابِغِهِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ :
[ ص: 65 ] أَحَدُهَا : يَكُونُ مِلْكًا لِرَبِّهِ دُونَ دَابِغِهِ كَالْخَمْرِ الْمُنْقَلِبِ خَلًّا فِي يَدِ أَحَدِهِمْ يَكُونُ مِلْكُهُ لِرَبِّهِ دُونَ مَنْ صَارَ خَلًّا فِي يَدِهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَكُونُ مِلْكًا لِدَابِغِهِ دُونَ رَبِّهِ كَالْمُحْيِي أَرْضًا مَوَاتًا بَعْدَ إِجَازَةِ غَيْرِهِ يَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ أَحْيَاهَا دُونَ مَنْ أَجَازَهَا .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ كَانَ رَبُّ الْجِلْدِ قَدْ رَفَعَ يَدَهُ عَنْهُ فَأَخَذَهُ الدَّابِغُ فَدَبَغَهُ كَانَ مِلْكًا لدَابِغِهِ دُونَ رَبِّهِ ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ فَغَصْبُهُ إِيَّاهُ كَانَ مِلْكًا لِرَبِّهِ دُونَ دَابِغِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَا يُوصَفُ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَفَعَ يَدَهُ زَالَتْ صِفَةُ اسْتِحْقَاقِهِ .
فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ طَهَارَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغَةِ ، تَعَلَّقَ الْكَلَامُ بِفَصْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : بَيَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=17637حُكْمِهِ قَبْلَ الدِّبَاغَةِ .
وَالثَّانِي : بَيَانُ حُكْمِهِ بَعْدَ الدِّبَاغَةِ .
فَأَمَّا مَا قَبْلَ الدِّبَاغَةِ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْيَابِسَاتِ دُونَ الذَّائِبَاتِ وَيَجُوزُ هِبَتُهُ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَلَا رَهْنُهُ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : يَجُوزُ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ مَا أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ بَعْدَ نَجَاسَتِهِ جَازَ بَيْعُهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ .
وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [ الْمَائِدَةِ : 3 ] . لِأَنَّ الْأَعْيَانَ النَّجِسَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا كَالْعُذْرَةِ .
وَأَمَّا الثَّوْبُ فَهُوَ طَاهِرُ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا جَاوَرَتْهُ النَّجَاسَةُ فَجَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ تَتَنَاوَلُ عَيْنًا ظَاهِرَةً وَإِنْ جَاوَرَتْهَا نَجَاسَةٌ وَكَذَلِكَ الْجِلْدُ الطَّاهِرُ إِذَا جَاوَرَتْهُ نَجَاسَةٌ .