المسألة الثانية
ومن جملة التأويلات البعيدة ما يقوله أصحاب
أبي حنيفة في قوله - صلى الله عليه وسلم - (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355296nindex.php?page=treesubj&link=21302في أربعين شاة شاة )
[1] من أن المراد به مقدار قيمة الشاة ، وذلك لأن قوله (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355297في أربعين شاة شاة ) قوي الظهور في وجوب الشاة عينا ، حيث إنه خصصها بالذكر ، ولا بد في ذلك من إضمار حكم ، وهو إما الندب أو الوجوب ، وإضمار الندب ممتنع لعدم اختصاص الشاة الواحدة من النصاب به فلم يبق غير الواجب .
ولا يخفى أنه يلزم من تأويل ذلك بالحمل على وجوب مقدار قيمة الشاة بناء على أن المقصود إنما هو دفع حاجات الفقراء وسد خلاتهم جواز دفع القيمة ، وفيه رفع الحكم ، وهو وجوب الشاة بما استنبط منه من العلة ، وهي دفع حاجات الفقراء واستنباط العلة من الحكم
[2] إذا كانت موجبة لرفعه كانت باطلة .
ومما يلتحق من التأويلات بهذا التأويل
[3] ما يقوله بعض الناس في
nindex.php?page=treesubj&link=21302قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) الآية ، من جواز الاقتصار على البعض نظرا إلى أن المقصود من الآية إنما هو دفع الحاجة في جهة من الجهات المذكورة ، لا دفع
[ ص: 57 ] الحاجة عن الكل لأن الآية
[4] ظاهرة في استحقاق جميع الأصناف المذكورة للصدقة ، حيث إنه أضافها إليهم بلام التمليك في عطف البعض على البعض بواو التشريك ، وما استنبط من هذا الحكم من العلة يكون رافعا لحكم المستنبط منه فلا يكون صحيحا .
وما يقال من أن مقصود الآية إنما هو بيان مصارف الزكاة وشروط الاستحقاق ، فنحن وإن سلمنا كون ذلك مقصودا من الآية ، فلا نسلم أنه لا مقصود منها سواه ، ولا منافاة بين كون ذلك مقصودا ، وكون الاستحقاق بصفة التشريك مقصودا ، وهو الأولى موافقة لظاهر الإضافة بلام التمليك ، والعطف بواو التشريك .
ويقرب من هذا التأويل أيضا ما يقوله أصحاب
أبي حنيفة في
nindex.php?page=treesubj&link=21302قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فإطعام ستين مسكينا ) من أن المراد به إطعام طعام ستين مسكينا ، مصيرا منهم إلى أن المقصود إنما هو دفع الحاجة ، ولا فرق في ذلك بين دفع حاجة ستين مسكينا ، ودفع حاجة مسكين واحد في ستين يوما ، وهو بعيد أيضا وذلك لأن قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فإطعام ) فعل لا بد له من مفعول يتعدى إليه .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4ستين مسكينا ) صالح أن يكون مفعول الإطعام ، وهو مما يمكن الاستغناء به مع ظهوره ، والطعام وإن كان صالحا أن يكون هو مفعول الإطعام إلا أنه غير ظاهر ومسكوت عنه فتقدير حذف المظهر وإظهار المفعول المسكوت عنه بعيد في اللغة والواجب عكسه .
وإذا كان ذلك ظاهرا في وجوب رعاية العدد فيما استنبط منه يكون موجبا لرفعه فكان ممتنعا ، كيف وإنه لا يبعد أن يقصد الشارع مع ذلك رعاية العدد دفعا لحاجة ستين مسكينا ، نظرا للمكفر بما يناله من دعائهم له واغتنامه لبركتهم
[5] وقلما يخلو جمع من المسلمين عن ولي من أولياء الله تعالى يكون مستجاب الدعوة مغتنم الهمة ، وذلك في الواحد المعين مما يندر .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
وَمِنْ جُمْلَةِ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ مَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ
أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355296nindex.php?page=treesubj&link=21302فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ )
[1] مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مِقْدَارُ قِيمَةِ الشَّاةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355297فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ ) قَوِيُّ الظُّهُورِ فِي وُجُوبِ الشَّاةِ عَيْنًا ، حَيْثُ إِنَّهُ خَصَّصَهَا بِالذِّكْرِ ، وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ إِضْمَارِ حُكْمٍ ، وَهُوَ إِمَّا النَّدْبُ أَوِ الْوُجُوبُ ، وَإِضْمَارُ النَّدْبِ مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ النِّصَابِ بِهِ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الْوَاجِبِ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالْحَمْلِ عَلَى وُجُوبِ مِقْدَارِ قِيمَةِ الشَّاةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ إِنَّمَا هُوَ دَفْعُ حَاجَاتِ الْفُقَرَاءِ وَسَدُّ خَلَّاتِهِمْ جَوَازُ دَفْعِ الْقِيمَةِ ، وَفِيهِ رَفْعُ الْحُكْمِ ، وَهُوَ وُجُوبُ الشَّاةِ بِمَا اسْتُنْبِطَ مِنْهُ مِنَ الْعِلَّةِ ، وَهِيَ دَفْعُ حَاجَاتِ الْفُقَرَاءِ وَاسْتِنْبَاطُ الْعِلَّةِ مِنَ الْحُكْمِ
[2] إِذَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِرَفْعِهِ كَانَتْ بَاطِلَةً .
وَمِمَّا يَلْتَحِقُ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ بِهَذَا التَّأْوِيلِ
[3] مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21302قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ) الْآيَةَ ، مِنْ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ فِي جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ ، لَا دَفْعُ
[ ص: 57 ] الْحَاجَةِ عَنِ الْكُلِّ لِأَنَّ الْآيَةَ
[4] ظَاهِرَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ لِلصَّدَقَةِ ، حَيْثُ إِنَّهُ أَضَافَهَا إِلَيْهِمْ بِلَامِ التَّمْلِيكِ فِي عَطْفِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ ، وَمَا اسْتُنْبِطَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مِنَ الْعِلَّةِ يَكُونُ رَافِعًا لِحُكْمِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا .
وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ مَقْصُودَ الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ بَيَانُ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ وَشُرُوطِ الِاسْتِحْقَاقِ ، فَنَحْنُ وَإِنْ سَلَّمْنَا كَوْنَ ذَلِكَ مَقْصُودًا مِنَ الْآيَةِ ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا مَقْصُودَ مِنْهَا سِوَاهُ ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ مَقْصُودًا ، وَكَوْنِ الِاسْتِحْقَاقِ بِصِفَةِ التَّشْرِيكِ مَقْصُودًا ، وَهُوَ الْأَوْلَى مُوَافَقَةً لِظَاهِرِ الْإِضَافَةِ بِلَامِ التَّمْلِيكِ ، وَالْعَطْفِ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ .
وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ أَيْضًا مَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ
أَبِي حَنِيفَةَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21302قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِطْعَامُ طَعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا ، مَصِيرًا مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ إِنَّمَا هُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ دَفْعِ حَاجَةِ سِتِّينَ مِسْكِينًا ، وَدَفْعِ حَاجَةِ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا ، وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فَإِطْعَامُ ) فِعْلٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَفْعُولٍ يَتَعَدَّى إِلَيْهِ .
وَقَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4سِتِّينَ مِسْكِينًا ) صَالِحٌ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَ الْإِطْعَامِ ، وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ بِهِ مَعَ ظُهُورِهِ ، وَالطَّعَامُ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا أَنْ يَكُونَ هُوَ مَفْعُولَ الْإِطْعَامِ إِلَّا أَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَمَسْكُوتٌ عَنْهُ فَتَقْدِيرُ حَذْفِ الْمُظْهَرِ وَإِظْهَارِ الْمَفْعُولِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بَعِيدٌ فِي اللُّغَةِ وَالْوَاجِبُ عَكْسُهُ .
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا فِي وُجُوبِ رِعَايَةِ الْعَدَدِ فِيمَا اسْتُنْبِطَ مِنْهُ يَكُونُ مُوجِبًا لِرَفْعِهِ فَكَانَ مُمْتَنِعًا ، كَيْفَ وَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَقْصِدَ الشَّارِعُ مَعَ ذَلِكَ رِعَايَةَ الْعَدَدِ دَفَعًا لِحَاجَةِ سِتِّينَ مِسْكِينًا ، نَظَرًا لِلْمُكَفِّرِ بِمَا يَنَالُهُ مِنْ دُعَائِهِمْ لَهُ وَاغْتِنَامِهِ لِبَرَكَتِهِمْ
[5] وَقَلَّمَا يَخْلُو جَمْعٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ وَلِيٍّ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ مُغْتَنَمَ الْهِمَّةِ ، وَذَلِكَ فِي الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ مِمَّا يَنْدُرُ .