ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33746_33730محاربة شبيب nindex.php?page=showalam&ids=12582عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وقتل عثمان بن قطن
ثم إن
الحجاج دعا
nindex.php?page=showalam&ids=12582عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وأمره أن ينتخب من الناس ستة آلاف فارس ، ويسير في طلب
شبيب أين كان ، ففعل ذلك وسار نحوه ، وكتب
الحجاج إليه وإلى أصحابه يتهددهم بالقتل والتنكيد إن انهزموا .
فوصل
عبد الرحمن إلى
المدائن ، فأتى
الجزل يعوده من جراحته ، فأوصاه
الجزل بالاحتياط ، وحذره من
شبيب وأصحابه ، وأعطاه فرسا كانت له تسمى الفسيفساء ، وكانت لا تجارى ، ثم ودعه
عبد الرحمن وسار إلى
شبيب .
فسار
شبيب إلى
دقوقاء وشهرزور ، فخرج
عبد الرحمن في طلبه ، حتى إذا كان بالتخوم وقف وقال : هذه أرض
الموصل فليقاتلوا عنها . فكتب إليه
الحجاج : أما بعد ، فاطلب
شبيبا واسلك في أثره أين سلك ، حتى تدركه فتقتله أو تنفيه ، فإنما السلطان سلطان أمير المؤمنين والجند جنده ، والسلام .
فخرج عبد الرحمن في أثر
شبيب ، [ فكان
شبيب ] يدعه حتى يدنو منه فيبيته ، فيجده قد خندق على نفسه وحذر ، فيتركه ويسير ، فيتبعه
عبد الرحمن . فإذا بلغ
شبيبا مسيره أتاهم وهم سائرون ، فيجدهم على تعبية فلا يصيب منه غرة ، ثم جعل إذا دنا منه
عبد الرحمن يسير عشرين فرسخا أو ما يقاربها فينزل في أرض خشنة غليظة ويتبعه
عبد الرحمن ، فإذا دنا منه فعل مثل ذلك ، حتى عذب ذلك الجيش وشق عليه وأحفى دوابهم ، ولقوا منه كل بلاء ، ولم يزل
عبد الرحمن يتبعه حتى مر به على
خانقين وجلولاء وسامرا ، ثم أقبل إلى البت ، وهي من قرى الموصل ، ليس بينها وبين سواد
الكوفة إلا
نهر حولايا ، وهو في راذان الأعلى من أرض
جوخى ، ونزل
عبد الرحمن في عواقيل من النهر ; لأنها مثل الخندق .
[ ص: 451 ] فأرسل
شبيب إلى
عبد الرحمن يقول : إن هذه الأيام عيد لنا ولكم ، يعني عيد النحر ، فهل لك في الموادعة حتى تمضي هذه الأيام ؟ فأجابه إلى ذلك ، وكان يحب المطاولة ، وكتب
عثمان بن قطن إلى
الحجاج : أما بعد ، فإن
عبد الرحمن قد حفر
جوخى كلها خندقا واحدا ، وكسر خراجها ، وخلى
شبيبا يأكل أهلها ، والسلام . فكتب إليه
الحجاج يأمره بالمسير إلى الجيش ، وجعله أميرهم ، وعزل عنهم
عبد الرحمن ، وبعث
الحجاج إلى
المدائن مطرف بن المغيرة بن شعبة ، وسار
عثمان حتى قدم على
عبد الرحمن وعسكر
الكوفة ، فوصل عشية الثلاثاء يوم التروية ، فنادى الناس وهو على بغلة : أيها الناس ، اخرجوا إلى عدوكم . فوثب إليه الناس وقالوا : هذا المساء قد غشينا ، والناس لم يوطنوا أنفسهم على الحرب ، فبت الليلة ثم اخرج على تعبية ، وهو يقول : لأناجزنهم ، فلتكونن الفرصة لي أو لهم . فأتاه
عبد الرحمن فأنزله .
وكان
شبيب قد نزل ببيعة البت ، فأتاه أهلها فقالوا له : أنت ترحم الضعفاء وأهل الذمة ، ويكلمك من تلي عليه ويشكون إليك فتنظر إليهم ، وإن هؤلاء جبابرة لا يكلمون ولا يقبلون العذر ، والله لئن بلغهم أنك مقيم في بيعتنا ليقتلننا إذا ارتحلت عنا ، فإن رأيت أن تنزل جانب القرية ولا تجعل علينا مقالا فافعل . فخرج عن البيعة فنزل جانب القرية .
وبات
عثمان ليلته كلها يحرض أصحابه ، فلما أصبح يوم الأربعاء خرج بالناس كلهم ، فاستقبلتهم ريح شديدة وغبرة شديدة ، فصاح الناس وقالوا له : ننشدك الله أن تخرج بنا والريح علينا . فأقام بهم ذلك اليوم ، ثم خرج بهم يوم الخميس وقد عبأ الناس ، فجعل في الميمنة
خالد بن نهيك بن قيس ، وعلى الميسرة عقيل
بن شداد السلولي ، ونزل هو في الرجالة ، وعبر
شبيب النهر إليهم ، وهو يومئذ في مائة وأحد وثمانين رجلا ، فوقف هو في الميمنة ، وجعل أخاه
مصادا في القلب ، وجعل
سويد بن سليم في الميسرة ، وزحف بعضهم إلى بعض .
وقال
شبيب لأصحابه : إني حامل على ميسرتهم مما يلي النهر ، فإذا هزمتها فليحمل صاحب ميسرتي على ميمنتهم ، ولا يبرح صاحب القلب حتى يأتيه أمري .
وحمل على ميسرة
عثمان فانهزموا ، ونزل
عقيل بن شداد فقاتل حتى قتل ، وقتل أيضا
مالك بن عبد الله الهمداني عم عياش بن عبد الله المنتوف ، ودخل
شبيب عسكرهم ، وحمل
سويد على ميمنة
عثمان ، فهزمها وعليها
خالد بن نهيك ، فقاتله قتالا شديدا ، وحمل
شبيب من ورائه فقتله .
وتقدم
عثمان بن قطن وقد نزل معه العرفاء وأشراف الناس والفرسان نحو القلب ، وفيه
مصاد أخو شبيب في نحو من ستين رجلا ، فلما دنا منهم عثمان شد عليهم فيمن
[ ص: 452 ] معه ، فضاربوهم حتى فرقوا بينهم ، وحمل
شبيب بالخيل من ورائهم ، فما شعر
عثمان ومن معه إلا والرماح في أكتافهم تكبهم لوجوههم ، وعطف عليهم سويد بن سليم أيضا في خيله ، ورجع
مصاد وأصحابه فاضطربوا ساعة ، وقاتل
عثمان بن قطن أحسن قتال ، ثم إنهم أحاطوا به ، وضربه
مصاد أخو شبيب ضربة بالسيف استدار لها وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وكان أمر الله مفعولا ، ثم إن الناس قتلوه ، ووقع
عبد الرحمن ، فأتاه
ابن أبي سبرة الجعفي ، وهو على بغله ، فعرفه فأركبه معه ، ونادى في الناس : الحقوا
بدير أبي مريم ، ثم انطلقا ذاهبين .
ورأى
واصل السكوني فرس
عبد الرحمن التي أعطاه
الجزل تجول في العسكر ، فأخذها بعض أصحاب
شبيب ، فظن أنه قتل ، فطلبه في القتلى فلم يجده ، فسأل عنه فأعطي خبره ، فاتبعه
واصل على برذونه ومعه غلامه على بغل ، فلما دنا منهما نزل
عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=12503وابن أبي سبرة ليقاتلا ، فلما رآهما
واصل عرفهما وقال : إنكما تركتما النزول في موضعه ، فلا تنزلا الآن ! وحسر عمامته عن وجهه فعرفاه ، وقال
لابن الأشعث : قد أتيتك بهذا البرذون لتركبه . فركبه وسار حتى نزل
دير البقار .
وأمر
شبيب أصحابه فرفعوا السيف عن الناس ، ودعاهم إلى البيعة فبايعوه .
وقتل من كندة يومئذ مائة وعشرون ، وقتل معظم العرفاء .
وبات
عبد الرحمن بدير البقار ، فأتاه فارسان فصعدا إليه ، فخلا أحدهما
بعبد الرحمن طويلا ، ثم نزلا ، فتبين أن ذلك الرجل كان
شبيبا ، وقد كان بينه وبين
عبد الرحمن مكاتبة ، وسار
عبد الرحمن حتى أتى
دير أبي مريم ، فاجتمع الناس إليه وقالوا له : إن سمع
شبيب بمكانك أتاك فكنت له غنيمة . فخرج إلى
الكوفة واختفى من
الحجاج حتى أخذ له الأمان منه .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33746_33730مُحَارَبَةِ شَبِيبٍ nindex.php?page=showalam&ids=12582عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ ، وَقَتْلِ عُثْمَانَ بْنِ قَطَنٍ
ثُمَّ إِنَّ
الْحَجَّاجَ دَعَا
nindex.php?page=showalam&ids=12582عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْتَخِبَ مِنَ النَّاسِ سِتَّةَ آلَافِ فَارِسٍ ، وَيَسِيرُ فِي طَلَبِ
شَبِيبٍ أَيْنَ كَانَ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَسَارَ نَحْوَهُ ، وَكَتَبَ
الْحَجَّاجُ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ يَتَهَدَّدُهُمْ بِالْقَتْلِ وَالتَّنْكِيدِ إِنِ انْهَزَمُوا .
فَوَصَلَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى
الْمَدَائِنِ ، فَأَتَى
الْجَزْلَ يَعُودُهُ مِنْ جِرَاحَتِهِ ، فَأَوْصَاهُ
الْجَزْلُ بِالِاحْتِيَاطِ ، وَحَذَّرَهُ مِنْ
شَبِيبٍ وَأَصْحَابِهِ ، وَأَعْطَاهُ فَرَسًا كَانَتْ لَهُ تُسَمَّى الْفُسَيْفِسَاءَ ، وَكَانَتْ لَا تُجَارَى ، ثُمَّ وَدَّعَهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَارَ إِلَى
شَبِيبٍ .
فَسَارَ
شَبِيبٌ إِلَى
دَقُوقَاءَ وَشَهْرَزُورَ ، فَخَرَجَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي طَلَبِهِ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالتُّخُومِ وَقَفَ وَقَالَ : هَذِهِ أَرْضُ
الْمَوْصِلِ فَلْيُقَاتِلُوا عَنْهَا . فَكَتَبَ إِلَيْهِ
الْحَجَّاجُ : أَمَّا بَعْدُ ، فَاطْلُبْ
شَبِيبًا وَاسْلُكْ فِي أَثَرِهِ أَيْنَ سَلَكَ ، حَتَّى تُدْرِكَهُ فَتَقْتُلَهُ أَوْ تَنْفِيهِ ، فَإِنَّمَا السُّلْطَانُ سُلْطَانُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْجُنْدُ جُنْدُهُ ، وَالسَّلَامُ .
فَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي أَثَرِ
شَبِيبٍ ، [ فَكَانَ
شَبِيبٌ ] يَدَعُهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْهُ فَيُبَيِّتُهُ ، فَيَجِدُهُ قَدْ خَنْدَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَحَذِرَ ، فَيَتْرُكُهُ وَيَسِيرُ ، فَيَتْبَعُهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ . فَإِذَا بَلَغَ
شَبِيبًا مَسِيرُهُ أَتَاهُمْ وَهُمْ سَائِرُونَ ، فَيَجِدُهُمْ عَلَى تَعْبِيَةٍ فَلَا يُصِيبُ مِنْهُ غِرَّةً ، ثُمَّ جَعَلَ إِذَا دَنَا مِنْهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَسِيرُ عِشْرِينَ فَرْسَخًا أَوْ مَا يُقَارِبُهَا فَيَنْزِلُ فِي أَرْضٍ خَشِنَةٍ غَلِيظَةٍ وَيَتْبَعُهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، فَإِذَا دَنَا مِنْهُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، حَتَّى عَذَّبَ ذَلِكَ الْجَيْشَ وَشَقَّ عَلَيْهِ وَأَحْفَى دَوَابَّهُمْ ، وَلَقُوا مِنْهُ كُلَّ بَلَاءٍ ، وَلَمْ يَزَلْ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتْبَعُهُ حَتَّى مَرَّ بِهِ عَلَى
خَانِقِينَ وَجَلُولَاءَ وَسَامِرَّا ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى الْبَتِّ ، وَهِيَ مِنْ قُرَى الْمَوْصِلِ ، لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَوَادِ
الْكُوفَةِ إِلَّا
نَهْرُ حَوْلَايَا ، وَهُوَ فِي رَاذَانَ الْأَعْلَى مِنْ أَرْضِ
جُوخَى ، وَنَزَلَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي عَوَاقِيلَ مِنَ النَّهْرِ ; لِأَنَّهَا مِثْلُ الْخَنْدَقِ .
[ ص: 451 ] فَأَرْسَلَ
شَبِيبٌ إِلَى
عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ : إِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ عِيدٌ لَنَا وَلَكُمْ ، يَعْنِي عِيدَ النَّحْرِ ، فَهَلْ لَكَ فِي الْمُوَادَعَةِ حَتَّى تَمْضِيَ هَذِهِ الْأَيَّامُ ؟ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ ، وَكَانَ يُحِبُّ الْمُطَاوَلَةَ ، وَكَتَبَ
عُثْمَانُ بْنُ قَطَنٍ إِلَى
الْحَجَّاجِ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَدْ حَفَرَ
جُوخَى كُلَّهَا خَنْدَقًا وَاحِدًا ، وَكَسَرَ خَرَاجَهَا ، وَخَلَّى
شَبِيبًا يَأْكُلُ أَهْلَهَا ، وَالسَّلَامُ . فَكَتَبَ إِلَيْهِ
الْحَجَّاجُ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْجَيْشِ ، وَجَعَلَهُ أَمِيرَهُمْ ، وَعَزَلَ عَنْهُمْ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، وَبَعَثَ
الْحَجَّاجُ إِلَى
الْمَدَائِنِ مُطَرِّفَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، وَسَارَ
عُثْمَانُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى
عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَسْكَرِ
الْكُوفَةِ ، فَوَصَلَ عَشِيَّةَ الثُّلَاثَاءِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ، فَنَادَى النَّاسَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ : أَيُّهَا النَّاسُ ، اخْرُجُوا إِلَى عَدُوِّكُمْ . فَوَثَبَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَقَالُوا : هَذَا الْمَسَاءُ قَدْ غَشِيَنَا ، وَالنَّاسُ لَمْ يُوَطِّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ ، فَبِتِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اخْرُجْ عَلَى تَعْبِيَةٍ ، وَهُوَ يَقُولُ : لَأُنَاجِزَنَّهُمْ ، فَلَتَكُونَنَّ الْفُرْصَةُ لِي أَوْ لَهُمْ . فَأَتَاهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَنْزَلَهُ .
وَكَانَ
شَبِيبٌ قَدْ نَزَلَ بِبَيْعَةِ الْبَتِّ ، فَأَتَاهُ أَهْلُهَا فَقَالُوا لَهُ : أَنْتَ تَرْحَمُ الضُّعَفَاءَ وَأَهْلَ الذِّمَّةِ ، وَيُكَلِّمُكَ مَنْ تَلِي عَلَيْهِ وَيَشْكُونَ إِلَيْكَ فَتَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ جَبَابِرَةٌ لَا يُكَلِّمُونَ وَلَا يَقْبَلُونَ الْعُذْرَ ، وَاللَّهِ لَئِنْ بَلَغَهُمْ أَنَّكَ مُقِيمٌ فِي بَيْعَتِنَا لَيَقْتُلُنَّنَا إِذَا ارْتَحَلْتَ عَنَّا ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَنْزِلَ جَانِبَ الْقَرْيَةِ وَلَا تَجْعَلْ عَلَيْنَا مَقَالًا فَافْعَلْ . فَخَرَجَ عَنِ الْبَيْعَةِ فَنَزَلَ جَانِبَ الْقَرْيَةِ .
وَبَاتَ
عُثْمَانُ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا يُحَرِّضُ أَصْحَابَهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ خَرَجَ بِالنَّاسِ كُلِّهِمْ ، فَاسْتَقْبَلَتْهُمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَغَبَرَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا لَهُ : نَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تَخْرُجَ بِنَا وَالرِّيحُ عَلَيْنَا . فَأَقَامَ بِهِمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَدْ عَبَّأَ النَّاسَ ، فَجَعَلَ فِي الْمَيْمَنَةِ
خَالِدَ بْنَ نَهِيكِ بْنِ قَيْسٍ ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عَقِيلَ
بْنَ شَدَّادٍ السَّلُولِيَّ ، وَنَزَلَ هُوَ فِي الرَّجَّالَةِ ، وَعَبَرَ
شَبِيبٌ النَّهْرَ إِلَيْهِمْ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٌ فِي مِائَةٍ وَأَحَدٍ وَثَمَانِينَ رَجُلًا ، فَوَقَفَ هُوَ فِي الْمَيْمَنَةِ ، وَجَعَلَ أَخَاهُ
مُصَادًا فِي الْقَلْبِ ، وَجَعَلَ
سُوَيْدَ بْنَ سُلَيْمٍ فِي الْمَيْسَرَةِ ، وَزَحَفَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ .
وَقَالَ
شَبِيبٌ لِأَصْحَابِهِ : إِنِّي حَامِلٌ عَلَى مَيْسَرَتِهِمْ مِمَّا يَلِي النَّهْرَ ، فَإِذَا هَزَمْتُهَا فَلْيَحْمِلْ صَاحِبُ مَيْسَرَتِي عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ ، وَلَا يَبْرَحْ صَاحِبُ الْقَلْبِ حَتَّى يَأْتِيَهُ أَمْرِي .
وَحَمَلَ عَلَى مَيْسَرَةِ
عُثْمَانَ فَانْهَزَمُوا ، وَنَزَلَ
عَقِيلُ بْنُ شَدَّادٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، وَقُتِلَ أَيْضًا
مَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ عَمُّ عَيَّاشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنْتُوفِ ، وَدَخَلَ
شَبِيبٌ عَسْكَرَهُمْ ، وَحَمَلَ
سُوَيْدٌ عَلَى مَيْمَنَةِ
عُثْمَانَ ، فَهَزَمَهَا وَعَلَيْهَا
خَالِدُ بْنُ نَهِيكٍ ، فَقَاتَلَهُ قِتَالًا شَدِيدًا ، وَحَمَلَ
شَبِيبٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَتَلَهُ .
وَتَقَدَّمَ
عُثْمَانُ بْنُ قَطَنٍ وَقَدْ نَزَلَ مَعَهُ الْعُرَفَاءُ وَأَشْرَافُ النَّاسِ وَالْفُرْسَانُ نَحْوَ الْقَلْبِ ، وَفِيهِ
مُصَادٌ أَخُو شَبِيبٍ فِي نَحْوٍ مِنْ سِتِّينَ رَجُلًا ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ عُثْمَانُ شَدَّ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ
[ ص: 452 ] مَعَهُ ، فَضَارَبُوهُمْ حَتَّى فَرَّقُوا بَيْنَهُمْ ، وَحَمَلَ
شَبِيبٌ بِالْخَيْلِ مِنْ وَرَائِهِمْ ، فَمَا شَعَرَ
عُثْمَانُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَّا وَالرِّمَاحُ فِي أَكْتَافِهِمْ تُكِبُّهُمْ لِوُجُوهِهِمْ ، وَعَطَفَ عَلَيْهِمْ سُوَيْدُ بْنُ سُلَيْمٍ أَيْضًا فِي خَيْلِهِ ، وَرَجَعَ
مُصَادٌ وَأَصْحَابُهُ فَاضْطَرَبُوا سَاعَةً ، وَقَاتَلَ
عُثْمَانُ بْنُ قَطَنٍ أَحْسَنَ قِتَالٍ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَحَاطُوا بِهِ ، وَضَرَبَهُ
مُصَادٌ أَخُو شَبِيبٍ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ اسْتَدَارَ لَهَا وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ قَتَلُوهُ ، وَوَقَعَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، فَأَتَاهُ
ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ الْجُعْفِيُّ ، وَهُوَ عَلَى بَغْلِهِ ، فَعَرَفَهُ فَأَرْكَبَهُ مَعَهُ ، وَنَادَى فِي النَّاسِ : الْحَقُوا
بِدَيْرِ أَبِي مَرْيَمَ ، ثُمَّ انْطَلَقَا ذَاهِبَيْنِ .
وَرَأَى
وَاصِلٌ السَّكُونِيُّ فَرَسَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّتِي أَعْطَاهُ
الْجَزْلُ تَجُولُ فِي الْعَسْكَرِ ، فَأَخَذَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ
شَبِيبٍ ، فَظَنَّ أَنَّهُ قُتِلَ ، فَطَلَبَهُ فِي الْقَتْلَى فَلَمْ يَجِدْهُ ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُعْطِيَ خَبَرَهُ ، فَاتَّبَعَهُ
وَاصِلٌ عَلَى بِرْذَوْنِهِ وَمَعَهُ غُلَامُهُ عَلَى بَغْلٍ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمَا نَزَلَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ nindex.php?page=showalam&ids=12503وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ لِيُقَاتِلَا ، فَلَمَّا رَآهُمَا
وَاصِلٌ عَرَفَهُمَا وَقَالَ : إِنَّكُمَا تَرَكْتُمَا النُّزُولَ فِي مَوْضِعِهِ ، فَلَا تَنْزِلَا الْآنَ ! وَحَسَرَ عِمَامَتَهُ عَنْ وَجْهِهِ فَعَرَفَاهُ ، وَقَالَ
لِابْنِ الْأَشْعَثِ : قَدْ أَتَيْتُكَ بِهَذَا الْبِرْذَوْنِ لِتَرْكَبَهُ . فَرَكِبَهُ وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ
دَيْرَ الْبَقَّارِ .
وَأَمَرَ
شَبِيبٌ أَصْحَابَهُ فَرَفَعُوا السَّيْفَ عَنِ النَّاسِ ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْبَيْعَةِ فَبَايَعُوهُ .
وَقُتِلَ مِنْ كِنْدَةَ يَوْمَئِذٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَقُتِلَ مُعْظَمُ الْعُرَفَاءِ .
وَبَاتَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِدَيْرِ الْبَقَّارِ ، فَأَتَاهُ فَارِسَانِ فَصَعِدَا إِلَيْهِ ، فَخَلَا أَحَدُهُمَا
بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ طَوِيلًا ، ثُمَّ نَزَلَا ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ
شَبِيبًا ، وَقَدْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُكَاتَبَةٌ ، وَسَارَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَتَّى أَتَى
دَيْرَ أَبِي مَرْيَمَ ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ : إِنْ سَمِعَ
شَبِيبٌ بِمَكَانِكَ أَتَاكَ فَكُنْتَ لَهُ غَنِيمَةً . فَخَرَجَ إِلَى
الْكُوفَةِ وَاخْتَفَى مِنَ
الْحَجَّاجِ حَتَّى أُخِذَ لَهُ الْأَمَانُ مِنْهُ .