[ ص: 240 ] فصل
ولا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=27964_28139_27751الاستيجار على الحج وغيره من الأعمال التي لا يجوز أن تفعل إلا على وجه التقرب ، مثل : الأذان ، والإمامة ، وتعليم القرآن ، والحديث ، والفقه في إحدى الروايتين .
فأما أن يأخذ نفقة يحج بها فيجوز ، هذه طريقة القاضي وأصحابه ، ومن بعدهم ، وقال
ابن أبي موسى : في الإجارة على الحج روايتان ، كره
أحمد رضي الله عنه في إحداهما أن
nindex.php?page=treesubj&link=27751يأخذ دراهم فيحج بها عن غيره ، قال : إلا أن يكون متبرعا بالحج عن أبيه أو عن أخيه أو عن أمه ، وأجاز ذلك في موضع آخر .
وعلى هذا يكره الأخذ نفقة وأجرة مع الجواز ، وتجب على الكفاية ، وإنما تكون الروايتان في الكراهة فقط .
وأجاز
أبو إسحاق بن شاقلا الاستئجار على الحج ، وما يختص نفعه مما
[ ص: 241 ] ليس بواجب على الكفاية دون ما يعم ، فقال : لا يجوز أن يؤخذ على الخير أجر ، ويجوز أن
nindex.php?page=treesubj&link=27751يؤخذ على الحج عن الغير أجر ؛ لأن أفعال الخير على ضربين : ما كان فرضا على العامة وغيرهم مثل الأذان ، والصلاة ، وما أشبه ذلك - لا يجوز أن يؤخذ عليه أجر ، وما انفرد به من حج عنه فهو جائز ، مثل فعل البناء لبناء مسجد يجوز أن يأخذ عليه الأجرة ؛ لأنه ليس بواجب على الذي يبني بناء المسجد .
فأما المنصوص عن
أحمد فقال في رواية
أبي طالب : والذي يحج عن الناس بالأجر ليس عندنا فيه شيء ، وما سمعنا أن أحدا استأجر من حج عن ميت .
وقال في رواية
ابن منصور ، وذكر له قول
سفيان : أكره
nindex.php?page=treesubj&link=27751أن يستأجر الرجل عن والديه يحج عنهما ، فقال
أحمد : نحن نكره هذا إلا أن يعينه فقد
[ ص: 242 ] نص على كراهة الأجرة ، ولم يكره النفقة ، وقد نص في مواضع كثيرة على من يأخذ مالا يحج به عن ميت ، وهل يكون له الفاضل أو لا يكون .
وأما الرواية التي أخذ القاضي منها جواز الاستئجار ، فقال في رواية عبد الله ، وقد سأله عمن
nindex.php?page=treesubj&link=26621_27751يكري نفسه للحج ، ويحج ، قال : لا بأس ، وقال في رواية
الكوسج : يكري نفسه ، ويحج إلا أن هذا إنما أراد به أن يكري نفسه للخدمة والعمل ، ولهذا قال : يكري نفسه ، ويحج ، وفي مثل هذا جاءت السنة .
وقال في رواية
حنبل : لا يعجبني أن يأخذ دراهم فيحج بها إلا أن يكون الرجل متبرعا بحج عن أبيه عن أمه عن أخته
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014944قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي [ ص: 243 ] سأله : إن أبي شيخ كبير لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : نعم ، والذي يأخذ دراهم الحج لا يمشي ، ولا يقتر ، ولا يسرف إنما الحج عمن كان له زاد وراحلة ، وينفق ، ولا يسرف ، ولا يقتر إذا كان ورثته صغارا .
وقال في رواية
الجرجرائي . . . وقال في المعضوب : يحج عنه وليه .
ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أذن أن
nindex.php?page=treesubj&link=26618_27022يحج عن المعضوب والميت من يتبرع بالحج عنهم ، أوجب قضاء دينهم ، وبراءة ذمتهم ، وأيضا فإن أخذه الدراهم يحج بها ....
وإنما كرهت الإجارة لما ذكره
أحمد من أن ذلك بدعة لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا على عهد السلف ، وقد كان فيهم من يحتاج إلى الحج عنه ، ولم يستأجر أحد أحدا يحج عن الميت ، ولو كان ذلك جائزا حسنا لما أغفلوه ؛ ولأن الله تعالى يقول في كتابه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب ) والأجير إنما
nindex.php?page=treesubj&link=27751_26621_6089يريد بهذه العبادة حرث الدنيا ، وقال تعالى :
[ ص: 244 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ) ولأن ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=6089أكل للدنيا بالدين ؛ لأنه يبيع عمله الصالح الذي قد قيل فيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014945من حج فلم يرفث ، ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " ويشتري به ثمنا قليلا ، وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن استؤجر بدراهم يغزو بها : " ليس لك من دنياك وآخرتك إلا هذا " وهذا لأن الإجارة معاوضة على المنفعة يملك بها المستأجر المنفعة كما يملك المشتري الأعيان المبيعة ،
[ ص: 245 ] nindex.php?page=treesubj&link=6089فالأجير للحج يبيع إحرامه ، وطوافه ، وسعيه ، ووقوفه ، ورميه لمن استأجره بالأجر الذي أخذه ؛ ولأن أخذ العوض يبطل القربة المقصودة كمن أعتق عبده على مال يأخذه منه لا يجزئه عن الكفارة ؛ ولأن الحج عمل من شرطه أن يكون قربة لفاعله فلا يجوز الاستئجار عليه كغيره من القرب ، وهذا لأن دخوله في عقد الإجارة يخرجه عن أن يكون قربة ؛ لأنه قد وقع مستحقا للمستأجر ، وإنما كان من شرطه أن يقع قربة ؛ لأن الله تعالى أوجب على العبد أن يعمل مناسكه كلها لله ، ويعبده بذلك ، فلو أنه عملها بعوض من الناس لم تجزه إجماعا كمن صام أو صلى بالكرا ، فإذا عجز عن ذلك بنفسه جعل الله تعالى عمل غيره قائما مقام عمله بنفسه ، وسادا مسده رحمة ولطفا ، فلا بد أن يكون مثله ليحصل به مقصوده ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين في الذمة ، وإنما تبرأ ذمة المدين إذا قضي عنه الدين من جنس ما عليه ، فإذا كان هذا العامل عنه إنما يعمل للدنيا ، ولأجل العوض الذي أخذه لم يكن حجه عبادة لله وحده فلا يكون من جنس ما كان على الأول ، وإنما تقع النيابة المحضة ممن غرضه نفع أخيه المسلم لرحم بينهما أو صداقة أو غير ذلك ، وله قصد في أن يحج بيت الله فيكون حجه لله فيقام مقام حج المستنيب .
والجعالة بمنزلة الإجارة إلا أنها ليست لازمة ، ولا يستحق الجعل حتى يعمل .
[ ص: 246 ] وأما الحج بالنفقة فإنما كرهه
أحمد مرة ؛ لأنه قد يكون قصده الإنفاق على نفسه مدة الحج فلا يكون حجه لله كما أن الأجير قصده ملك الأجرة ، وإن كانت شيئا مقدرا مثل وصية ونحوها فقد يكون قصده استفضال شيء لنفسه فيبقى عاملا لأجل الدنيا ، ووجه جواز ذلك أن الحج واجب على المستطيع بماله فلا بد أن يخرج هذا المال في الحج .
[ ص: 240 ] فَصْلٌ
وَلَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=27964_28139_27751الِاسْتِيجَارُ عَلَى الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ تُفْعَلَ إِلَّا عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ ، مِثْلَ : الْأَذَانِ ، وَالْإِمَامَةِ ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ، وَالْحَدِيثِ ، وَالْفِقْهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
فَأَمَّا أَنْ يَأْخُذَ نَفَقَةً يَحُجُّ بِهَا فَيَجُوزُ ، هَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَقَالَ
ابْنُ أَبِي مُوسَى : فِي الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ رِوَايَتَانِ ، كَرِهُ
أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إِحْدَاهُمَا أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27751يَأْخُذَ دَرَاهِمَ فَيَحُجَّ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ ، قَالَ : إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا بِالْحَجِّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ أَخِيهِ أَوْ عَنْ أُمِّهِ ، وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ الْأَخْذُ نَفَقَةً وَأُجْرَةً مَعَ الْجَوَازِ ، وَتَجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الرِّوَايَتَانِ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَطْ .
وَأَجَازَ
أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقْلَا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْحَجِّ ، وَمَا يَخْتَصُّ نَفْعُهُ مِمَّا
[ ص: 241 ] لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْكِفَايَةِ دُونَ مَا يَعُمُّ ، فَقَالَ : لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى الْخَيْرِ أَجْرٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27751يُؤْخَذَ عَلَى الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ أَجْرٌ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْخَيْرِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : مَا كَانَ فَرْضًا عَلَى الْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِثْلَ الْأَذَانِ ، وَالصَّلَاةِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَيْهِ أَجْرٌ ، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ مَنْ حُجَّ عَنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ ، مِثْلَ فِعْلِ الْبَنَّاءِ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الَّذِي يَبْنِي بِنَاءَ الْمَسْجِدِ .
فَأَمَّا الْمَنْصُوصُ عَنْ
أَحْمَدَ فَقَالَ فِي رِوَايَةِ
أَبِي طَالِبٍ : وَالَّذِي يَحُجُّ عَنِ النَّاسِ بِالْأَجْرِ لَيْسَ عِنْدَنَا فِيهِ شَيْءٌ ، وَمَا سَمِعْنَا أَنَّ أَحَدًا اسْتَأْجَرَ مَنْ حَجَّ عَنْ مَيِّتٍ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
ابْنِ مَنْصُورٍ ، وَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ
سُفْيَانَ : أَكْرَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=27751أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ يَحُجُّ عَنْهُمَا ، فَقَالَ
أَحْمَدُ : نَحْنُ نَكْرَهُ هَذَا إِلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ فَقَدْ
[ ص: 242 ] نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الْأُجْرَةِ ، وَلَمْ يَكْرَهِ النَّفَقَةَ ، وَقَدْ نَصَّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ مَالًا يَحُجُّ بِهِ عَنْ مَيِّتٍ ، وَهَلْ يَكُونُ لَهُ الْفَاضِلُ أَوْ لَا يَكُونُ .
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي أَخَذَ الْقَاضِي مِنْهَا جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَقَدْ سَأَلَهُ عَمَّنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26621_27751يُكْرِي نَفْسَهُ لِلْحَجِّ ، وَيَحُجُّ ، قَالَ : لَا بَأْسَ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
الْكَوْسَجِ : يُكْرِي نَفْسَهُ ، وَيَحُجُّ إِلَّا أَنَّ هَذَا إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنْ يُكْرِيَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ ، وَلِهَذَا قَالَ : يُكْرِي نَفْسَهُ ، وَيَحُجُّ ، وَفِي مِثْلِ هَذَا جَاءَتِ السُّنَّةُ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
حَنْبَلٍ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ دَرَاهِمَ فَيَحُجَّ بِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُتَبَرِّعًا بِحَجٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُخْتِهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014944قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي [ ص: 243 ] سَأَلَهُ : إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، أَفَأَحُجَّ عَنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَالَّذِي يَأْخُذُ دَرَاهِمَ الْحَجِّ لَا يَمْشِي ، وَلَا يَقْتُرُ ، وَلَا يُسْرِفُ إِنَّمَا الْحَجُّ عَمَّنْ كَانَ لَهُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ ، وَيُنْفِقُ ، وَلَا يُسْرِفُ ، وَلَا يَقْتُرُ إِذَا كَانَ وَرَثَتُهُ صِغَارًا .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
الْجَرْجَرَائِيِّ . . . وَقَالَ فِي الْمَعْضُوبِ : يَحُجُّ عَنْهُ وَلِيُّهُ .
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَذِنَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26618_27022يَحُجَّ عَنِ الْمَعْضُوبِ وَالْمَيِّتِ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِالْحَجِّ عَنْهُمْ ، أَوْجَبَ قَضَاءَ دَيْنِهِمْ ، وَبَرَاءَةَ ذِمَّتِهِمْ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَخْذَهُ الدَّرَاهِمَ يَحُجُّ بِهَا ....
وَإِنَّمَا كُرِهَتِ الْإِجَارَةُ لِمَا ذَكَرَهُ
أَحْمَدُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا عَلَى عَهْدِ السَّلَفِ ، وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى الْحَجِّ عَنْهُ ، وَلَمْ يَسْتَأْجِرْ أَحَدٌ أَحَدًا يَحُجُّ عَنِ الْمَيِّتِ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا حَسَنًا لَمَا أَغْفَلُوهُ ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) وَالْأَجِيرُ إِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=27751_26621_6089يُرِيدُ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ حَرْثَ الدُّنْيَا ، وَقَالَ تَعَالَى :
[ ص: 244 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ) وَلِأَنَّ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=6089أَكْلٌ لِلدُّنْيَا بِالدِّينِ ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُ عَمَلَهُ الصَّالِحَ الَّذِي قَدْ قِيلَ فِيهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014945مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ ، وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " وَيَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ، وَقَدْ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنِ اسْتُؤْجِرَ بِدَرَاهِمَ يَغْزُو بِهَا : " لَيْسَ لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ إِلَّا هَذَا " وَهَذَا لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ يَمْلِكُ بِهَا الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ كَمَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْأَعْيَانَ الْمَبِيعَةَ ،
[ ص: 245 ] nindex.php?page=treesubj&link=6089فَالْأَجِيرُ لِلْحَجِّ يَبِيعُ إِحْرَامَهُ ، وَطَوَافَهُ ، وَسَعْيَهُ ، وَوُقُوفَهُ ، وَرَمْيَهُ لِمَنِ اسْتَأْجَرَهُ بِالْأَجْرِ الَّذِي أَخَذَهُ ؛ وَلِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ يُبْطِلُ الْقُرْبَةَ الْمَقْصُودَةَ كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَجَّ عَمَلٌ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْقُرَبِ ، وَهَذَا لِأَنَّ دُخُولَهُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ مُسْتَحِقًّا لِلْمُسْتَأْجِرِ ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَقَعَ قُرْبَةً ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْمَلَ مَنَاسِكَهُ كُلَّهَا لِلَّهِ ، وَيَعْبُدَهُ بِذَلِكَ ، فَلَوْ أَنَّهُ عَمِلَهَا بِعِوَضٍ مِنَ النَّاسِ لَمْ تُجْزِهِ إِجْمَاعًا كَمَنْ صَامَ أَوْ صَلَّى بِالْكِرَا ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَلَ غَيْرِهِ قَائِمًا مَقَامَ عَمَلِهِ بِنَفْسِهِ ، وَسَادًّا مَسَدَّهُ رَحْمَةً وَلُطْفًا ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ لِيَحْصُلَ بِهِ مَقْصُودُهُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنَّمَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَدِينِ إِذَا قُضِيَ عَنْهُ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ مَا عَلَيْهِ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْعَامِلُ عَنْهُ إِنَّمَا يَعْمَلُ لِلدُّنْيَا ، وَلِأَجْلِ الْعِوَضِ الَّذِي أَخَذَهُ لَمْ يَكُنْ حَجُّهُ عِبَادَةً لِلَّهِ وَحْدَهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ مَا كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَإِنَّمَا تَقَعُ النِّيَابَةُ الْمَحْضَةُ مِمَّنْ غَرَضُهُ نَفْعُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ لِرَحِمٍ بَيْنَهُمَا أَوْ صَدَاقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَهُ قَصْدٌ فِي أَنْ يَحُجَّ بَيْتَ اللَّهِ فَيَكُونَ حَجُّهُ لِلَّهِ فَيُقَامَ مَقَامَ حَجِّ الْمُسْتَنِيبِ .
وَالْجَعَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ حَتَّى يَعْمَلَ .
[ ص: 246 ] وَأَمَّا الْحَجُّ بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ
أَحْمَدُ مَرَّةً ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَصْدُهُ الْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مُدَّةَ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ حَجُّهُ لِلَّهِ كَمَا أَنَّ الْأَجِيرَ قَصْدُهُ مِلْكُ الْأُجْرَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ شَيْئًا مُقَدَّرًا مِثْلَ وَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا فَقَدْ يَكُونُ قَصْدُهُ اسْتِفْضَالَ شَيْءٍ لِنَفْسِهِ فَيَبْقَى عَامِلًا لِأَجْلِ الدُّنْيَا ، وَوَجْهُ جَوَازِ ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ بِمَالِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَ هَذَا الْمَالَ فِي الْحَجِّ .