إن الذي عارض القرآن بشعر
امرئ القيس لأضل من حمار باهلة ، وأحمق من هبنقة .
لو كان شعره كله كالأبيات المختارة التي قدمناها ، لأوجب البراءة منه قوله :
وسن كسنيق سناء وسنما ذعرت بمدلاج الهجيز نهوض
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : لا أدري ما السن ، ولا السنيق ، ولا السنم ؟ ! وقال بعضهم : السنيق : أكمة .
[ ص: 212 ] وقال فيها :
له قصريا عير وساقا نعامة كفحل الهجان القيسري العضوض
وقوله :
عصافير وذبان ودود وأجرأ من مجلحة الذئاب
وزاد في تقبيح ذلك وقوعه في أبيات فيها :
فقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وكل مكارم الأخلاق صارت إليه همتي وبها اكتسابي
وكقوله في قصيدة قالها في نهاية السقوط :
أزمان فوها كلما نبهتها كالمسك فاح وظل في الفدام
أفلا ترى أظعانهن بواكرا كالنخل من شوكان حين صرام
وكأن شاربها أصاب لسانه موم يخالط جسمه بسقام
وكقوله :
لم يفعلوا فعل آل حنظلة إنهم جير بئسما ائتمروا
[ ص: 213 ] لا حميري وفى ولا عدس ولا است عير يحكها الثفر
إن بني عوف ابتنوا حسبا ضيعه الدخللون إذ غدروا
وكقوله :
أبلغ شهابا بل وأبلغ عاصما ومالكا هل أتاك الخبر مال
أنا تركنا منكم قتلى بخو عى وسبيا كالسعالي
يمشين بين رحالنا معـ ـترفات بجوع وهزال
* * *
ولم يقع مثل ذلك له وحده ؛ فقد قال
الأعشى :
فأدخلك الله برد الجنا ن جذلان في مدخل طيب
وقال أيضا :
فرميت غفلة عينه عن شاته فأصبت حية قلبها وطحالها
وقال في فرسه :
ويأمر لليحموم كل عشية بقت وتعليق فقد كاد يسنق
[ ص: 214 ] وقال :
شاو مشل شلول شلشل شول
وهذه الألفاظ في معنى واحد .
وقد وقع
لزهير نحوه ، كقوله :
فأقسمت جهدا بالمنازل من منى وما سحفت فيه المقاديم والقمل
كيف يقول هذا في قصيدة يقول فيها :
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه وتغرس إلا في منابتها النخل
وكقول
الطرماح :
سوف تدنيك من لميس سبنتا ة أمارت بالبول ماء الكراض
السبنتاة : الناقة الصلبة . والكراض : ماء الفحل ، أسالت ماء الفحل مع البول ، فلم تعقد عليه ، ولم تحمل ، فتضعف ، والمائر : السائل .
* * *
إِنَّ الَّذِي عَارَضَ الْقُرْآنَ بِشِعْرِ
امْرِئِ الْقَيْسِ لَأَضَلُّ مِنْ حِمَارِ بَاهِلَةَ ، وَأَحْمَقُ مِنْ هَبَنَّقَةَ .
لَوْ كَانَ شِعْرُهُ كُلُّهُ كَالْأَبْيَاتِ الْمُخْتَارَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا ، لَأَوْجَبَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ قَوْلُهُ :
وَسِنٍّ كَسُنَّيْقٍ سَنَاءً وَسُنَّمَا ذَعَرْتُ بِمِدْلَاجِ الْهَجِيزِ نَهُوضِ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13721الْأَصْمَعِيُّ : لَا أَدْرِي مَا السِّنُّ ، وَلَا السُّنَّيْقُ ، وَلَا السُّنَّمُ ؟ ! وَقَالَ بَعْضُهُمُ : السُّنَّيْقُ : أَكَمَةٌ .
[ ص: 212 ] وَقَالَ فِيهَا :
لَهُ قُصْرَيَا عَيْرٍ وَسَاقَا نَعَامَةٍ كَفَحْلِ الْهِجَانِ الْقَيْسَرِيِّ الْعَضُوضِ
وَقَوْلُهُ :
عَصَافِيرٌ وُذِبَّانٌ وَدُودٌ وَأَجْرَأُ مِنْ مُجَلِّحَةِ الذِّئَابِ
وَزَادَ فِي تَقْبِيحِ ذَلِكَ وُقُوعُهُ فِي أَبْيَاتٍ فِيهَا :
فَقَدَ طَوَّفْتُ فِي الْآفَاقِ حَتَّى رَضِيتُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِالْإِيَابِ
وَكُلُّ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ صَارَتْ إِلَيْهِ هِمَّتِي وَبِهَا اكْتِسَابِي
وَكَقَوْلِهِ فِي قَصِيدَةٍ قَالَهَا فِي نِهَايَةِ السُّقُوطِ :
أَزْمَانَ فُوهَا كُلَّمَا نَبَّهَتُهَا كَالْمِسْكِ فَاحَ وَظَلَّ فِي الْفَدَّامِ
أَفَلَا تَرَى أَظْعَانَهُنَّ بَوَاكِرًا كَالنَّخْلِ مِنْ شَوْكَانَ حِينَ صِرَامِ
وَكَأَنَّ شَارِبَهَا أَصَابَ لِسَانَهُ مُومٌ يُخَالِطُ جِسْمَهُ بِسِقَامِ
وَكَقَوْلِهِ :
لَمْ يَفْعَلُوا فِعْلَ آلِ حَنْظَلَةٍ إِنَّهُمْ جَيْرِ بِئْسَمَا ائْتَمَرُوا
[ ص: 213 ] لَا حِمْيَرِيٌّ وَفَى وَلَا عُدَسٌ وَلَا اسْتُ عَيْرٍ يَحُكُّهَا الثَّفَرُ
إِنَّ بَنِي عَوْفٍ ابْتَنَوْا حَسَبًا ضَيَّعَهُ الدُّخْلَلُونَ إِذْ غَدَرُوا
وَكَقَوْلِهِ :
أَبْلِغْ شِهَابًا بَلْ وَأَبْلِغْ عَاصِمًا وَمَالِكًا هَلْ أَتَاكَ الْخُبْرُ مَالِ
أَنَّا تَرَكْنَا مِنْكُمُ قَتْلَى بِخَوْ عَى وَسُبِيًّا كَالسَّعَالِي
يَمْشِينَ بَيْنَ رِحَالِنَا مُعْـ ـتَرِفَاتٍ بِجُوعٍ وَهُزَالِ
* * *
وَلَمْ يَقَعْ مِثْلُ ذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ ؛ فَقَدْ قَالَ
الْأَعْشَى :
فَأَدْخَلَكَ اللَّهُ بَرْدَ الْجِنَا نِ جَذْلَانَ فِي مَدْخَلٍ طَيِّبِ
وَقَالَ أَيْضًا :
فَرَمَيْتُ غَفْلَةَ عَيْنِهِ عَنْ شَاتِهِ فَأَصَبْتُ حَيَّةَ قَلْبِهَا وَطِحَالَهَا
وَقَالَ فِي فَرَسِهِ :
وَيَأْمُرُ لِلْيَحْمُومِ كُلَّ عَشِيَّةٍ بِقَتٍّ وَتَعْلِيقٍ فَقَدْ كَادَ يَسْنَقُ
[ ص: 214 ] وَقَالَ :
شَاوٍ مِشَلٌّ شَلُولٌ شُلْشُلٌ شَوْلٌ
وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ .
وَقَدْ وَقَعَ
لِزُهَيْرٍ نَحْوُهُ ، كَقَوْلِهِ :
فَأَقْسَمْتُ جَهْدًا بِالْمَنَازِلِ مِنْ مِنًى وَمَا سُحِفَتْ فِيهِ الْمَقَادِيمُ وَالْقَمْلُ
كَيْفَ يَقُولُ هَذَا فِي قَصِيدَةٍ يَقُولُ فِيهَا :
وَهَلْ يُنْبِتُ الْخَطِّيَّ إِلَّا وَشِيجُهُ وَتُغْرَسُ إِلَّا فِي مَنَابِتِهَا النَّخْلُ
وَكَقَوْلِ
الطِّرِمَّاحِ :
سَوْفَ تُدْنِيكَ مِنْ لَمِيسَ سَبَنْتَا ةٌ أَمَارَتْ بِالْبَوْلِ مَاءَ الْكِرَاضِ
السَّبَنْتَاةُ : النَّاقَةُ الصُّلْبَةُ . وَالْكِرَاضُ : مَاءُ الْفَحْلِ ، أَسَالَتْ مَاءَ الْفَحْلِ مَعَ الْبَوْلِ ، فَلَمْ تَعْقِدْ عَلَيْهِ ، وَلَمْ تَحْمِلْ ، فَتَضْعُفَ ، وَالْمَائِرُ : السَّائِلُ .
* * *