فصل [
nindex.php?page=treesubj&link=28204الجواب على شبه الذين جوزوا الحيل تفصيلا ]
قالوا : ونحن نذكر ما تمسكتم به في تقرير الحيل والعمل بها ، ونبين ما فيه ، متحرين للعدل والإنصاف ، منزهين لشريعة الله وكتابه وسنة رسوله عن المنكر والخداع والاحتيال المحرم ، ونبين انقسام الحيل والطرق إلى ما هو كفر محض ، وفسق ظاهر ، ومكروه ، وجائز ، ومستحب ، وواجب عقلا أو شرعا ، ثم نذكر فصلا نبين فيه التعويض بالطرق الشرعية عن الحيل الباطلة ، فنقول وبالله التوفيق وهو المستعان وعليه التكلان : [ الكلام على قصة
أيوب ]
أما قوله تعالى لنبيه
أيوب عليه السلام : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } فقال
شيخنا : الجواب أن هذا ليس مما نحن فيه ; فإن للفقهاء في موجب هذه اليمين في شرعنا قولين ، يعني
nindex.php?page=treesubj&link=22123_24905_28204_16535_16490إذا حلف ليضربن عبده أو امرأته مائة ضربة ، أحدهما : قول من يقول : موجبها الضرب مجموعا أو مفرقا ، ثم منهم من يشترط مع الجمع الوصول إلى المضروب ; فعلى هذا تكون هذه الفتيا موجب هذا اللفظ عند الإطلاق ، وليس هذا بحيلة ، إنما الحيلة أن يصرف اللفظ عن موجبه عند الإطلاق ، والقول الثاني : أن موجبه الضرب
[ ص: 165 ] المعروف ، وإذا كان هذا موجبه في شرعنا لم يصح الاحتجاج علينا بما يخالف شرعنا من شرائع من قبلنا ; لأنا إن قلنا : " ليس شرعا لنا مطلقا " فظاهر ، وإن قلنا : " هو شرع لنا " فهو مشروط بعدم مخالفته لشرعنا ، وقد انتفى الشرط .
وأيضا ; فمن تأمل الآية علم أن هذه الفتيا خاصة الحكم ; فإنها لو كانت عامة الحكم في حق كل أحد لم يخف على نبي كريم موجب يمينه ، ولم يكن في اقتصاصها علينا كبير عبرة ; فإنما يقص ما خرج عن نظائره لنعتبر به ونستدل به على حكمة الله فيما قصه علينا ، أما ما كان هو مقتضى العادة والقياس فلا يقص ، ويدل على الاختصاص قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44إنا وجدناه صابرا } .
وهذه الجملة خرجت مخرج التعليل كما في نظائرها ; فعلم أن الله سبحانه وتعالى إنما أفتاه بهذا جزاء له على صبره ، وتخفيفا عن امرأته ، ورحمة بها ، لا أن هذا موجب هذه اليمين .
وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى إنما أفتاه بهذه الفتيا لئلا يحنث ، كما أخبر تعالى .
فَصْلٌ [
nindex.php?page=treesubj&link=28204الْجَوَابُ عَلَى شُبَهِ الَّذِينَ جَوَّزُوا الْحِيَلَ تَفْصِيلًا ]
قَالُوا : وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِ فِي تَقْرِيرِ الْحِيَلِ وَالْعَمَلِ بِهَا ، وَنُبَيِّنُ مَا فِيهِ ، مُتَحَرِّينَ لِلْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ ، مُنَزِّهِينَ لِشَرِيعَةِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْخِدَاعِ وَالِاحْتِيَالِ الْمُحَرَّمِ ، وَنُبَيِّنُ انْقِسَامَ الْحِيَلِ وَالطُّرُقِ إلَى مَا هُوَ كُفْرٌ مَحْضٌ ، وَفِسْقٌ ظَاهِرٌ ، وَمَكْرُوهٌ ، وَجَائِزٌ ، وَمُسْتَحَبٌّ ، وَوَاجِبٌ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا ، ثُمَّ نَذْكُرُ فَصْلًا نُبَيِّنُ فِيهِ التَّعْوِيضَ بِالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ : [ الْكَلَامُ عَلَى قِصَّةِ
أَيُّوبَ ]
أَمَّا قَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ
أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } فَقَالَ
شَيْخُنَا : الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ; فَإِنَّ لِلْفُقَهَاءِ فِي مُوجِبِ هَذِهِ الْيَمِينِ فِي شَرْعِنَا قَوْلَيْنِ ، يَعْنِي
nindex.php?page=treesubj&link=22123_24905_28204_16535_16490إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ ، أَحَدُهُمَا : قَوْلُ مَنْ يَقُولُ : مُوجِبُهَا الضَّرْبُ مَجْمُوعًا أَوْ مُفَرَّقًا ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِطُ مَعَ الْجَمْعِ الْوُصُولَ إلَى الْمَضْرُوبِ ; فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْفُتْيَا مُوجِبَ هَذَا اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِحِيلَةٍ ، إنَّمَا الْحِيلَةُ أَنْ يَصْرِفَ اللَّفْظَ عَنْ مُوجِبِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ مُوجِبَهُ الضَّرْبُ
[ ص: 165 ] الْمَعْرُوفُ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مُوجِبُهُ فِي شَرْعِنَا لَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ عَلَيْنَا بِمَا يُخَالِفُ شَرْعَنَا مِنْ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلِنَا ; لِأَنَّا إنْ قُلْنَا : " لَيْسَ شَرْعًا لَنَا مُطْلَقًا " فَظَاهِرٌ ، وَإِنْ قُلْنَا : " هُوَ شَرْعٌ لَنَا " فَهُوَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ لِشَرْعِنَا ، وَقَدْ انْتَفَى الشَّرْطُ .
وَأَيْضًا ; فَمَنْ تَأَمَّلَ الْآيَةَ عَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْفُتْيَا خَاصَّةَ الْحُكْمِ ; فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَامَّةَ الْحُكْمِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ لَمْ يَخْفَ عَلَى نَبِيٍّ كَرِيمٍ مُوجِبَ يَمِينِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي اقْتِصَاصِهَا عَلَيْنَا كَبِيرُ عِبْرَةٍ ; فَإِنَّمَا يَقُصُّ مَا خَرَجَ عَنْ نَظَائِرِهِ لِنَعْتَبِرَ بِهِ وَنَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى حِكْمَةِ اللَّهِ فِيمَا قَصَّهُ عَلَيْنَا ، أَمَّا مَا كَانَ هُوَ مُقْتَضَى الْعَادَةِ وَالْقِيَاسِ فَلَا يَقُصُّ ، وَيَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44إنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا } .
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ كَمَا فِي نَظَائِرِهَا ; فَعُلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنَّمَا أَفْتَاهُ بِهَذَا جَزَاءً لَهُ عَلَى صَبْرِهِ ، وَتَخْفِيفًا عَنْ امْرَأَتِهِ ، وَرَحْمَةً بِهَا ، لَا أَنَّ هَذَا مُوجِبُ هَذِهِ الْيَمِينِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنَّمَا أَفْتَاهُ بِهَذِهِ الْفُتْيَا لِئَلَّا يَحْنَثَ ، كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى .