.
[ ص: 114 ] nindex.php?page=treesubj&link=22161_22160_22159دلالة الإلهام ذكرها بعض
الصوفية وقال : ما وقع في القلب من عمل الخير فهو إلهام ، أو الشر فهو وسواس وقال بها بعض
الشيعة فيما حكاه صاحب اللباب " قال
القفال : ولو ثبتت العلوم بالإلهام لم يكن للنظر معنى ، ولم يكن في شيء من العالم دلالة ولا عبرة ، وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } فلو كانت المعارف إلهاما لم يكن لإرادة الأمارات وجه قال : ويسأل القاتل بهذا عن دليله ، فإن احتج بغير الإلهام فقد ناقض قوله ، وإن احتج به أبطل بمن ادعى إلهاما في إبطال الإلهام .
وحكى
الماوردي والروياني في باب القضاء في
nindex.php?page=treesubj&link=22161حجية الإلهام خلافا ، وفرعا عليه أن
nindex.php?page=treesubj&link=21623_22161الإجماع هل يجوز انعقاده لا عن دليل ؟ فإن قلنا : لم يصح جعله دليلا شرعيا جوزنا الانعقاد لا عن دليل ، وإلا فلا قال
الماوردي : والقائل بانعقاده لا عن دليل هو قول من جعل الإلهام دليلا
قلت : وقد اختار جماعة من المتأخرين اعتماد الإلهام ، منهم
الإمام في تفسيره " في أدلة القبلة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12795وابن الصلاح في فتاويه " فقال : إلهام خاطر حق من الحق ، قال : ومن علاماته أن يشرح له الصدر ولا يعارضه معارض من خاطر آخر .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12088أبو علي التميمي في كتاب التذكرة في أصول الدين " : ذهب بعض
الصوفية إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=22161المعارف تقع اضطرارا للعباد على سبيل الإلهام بحكم وعد الله سبحانه وتعالى بشرط التقوى ، واحتج بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا } أي تفرقون به بين الحق والباطل ، {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2ومن يتق الله يجعل له مخرجا } أي مخرجا على كل ما التبس على الناس وجه الحكم فيه ،
[ ص: 115 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282واتقوا الله ويعلمكم الله } فهذه العلوم الدينية تحصل للعباد إذا زكت أنفسهم وسلمت قلوبهم لله تعالى ، بترك المنهيات وامتثال المأمورات ، إذ خبره صدق ، ووعده حق ، فتزكية النفس بعد القلب لحصول المعارضة فيه بطريق الإلهام بحكم وعد الله تعالى وذلك كإعداده بإحضار المقدمتين فيه مع التفطن لوجوه لزوم النتيجة عقيب النظر لقدرة الله اضطرارا ، ولا مدخل للقدرة الحادثة فيه وأما حصول هذه المعارف على سبيل إلهام المبتدأ من غير استعداد يكون من العبد ، فأحد هذين الوجهين غير ممكن في العقل ويمتنع في العادة وما ذكر من أن مدارك العلوم الإلهام يحتاج إلى هذا التفصيل ، وهو غلط في الحصر إذ ليس هو جميع المدارك ، بل مدرك واحد على ما بيناه وتأول بعض العلماء قولهم ، وقال : يمكن أن يريدوا أن العلوم كلها ضرورية مخترعة لله تعالى وقال
الإمام شهاب الدين السهروردي - رحمه الله - في بعض أماليه محتجا على الإلهام بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7وأوحينا إلى أم موسى } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وأوحى ربك إلى النحل } فهذا الوحي مجرد الإلهام ، ثم إن من الإلهام علوما تحدث في النفوس الزكية المطمئنة قال عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62685إن من أمتي لمحدثين ومكلمين ، وإن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لمنهم } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=7ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها } .
[ ص: 116 ] فأخبر أن النفوس ملهمة ، فالنفس الملهمة علوم لدنية هي التي تبدلت صفتها واطمأنت بعد أن كانت أمارة قال : وهذا النوع لا تتعلق به المصالح العامة من عالم الملك والشهادة ، بل تختص فائدته بصاحبه دون غيره ، إذ لم تكن له ثمرة السراية إلى الغير على طريق العموم ، وإن كانت له فائدة تتعلق بالاعتبار على وجه خاص ، قال : وإنما لم تكن له السراية إلى الغير على طريق العموم عن مفاتيح الملك لكون محلها النفس ، وقربها من الأرض والعالم السفلي ، بخلاف المرتبة الأولى ، وهو الوحي الذي قام [ بنقله ] الملك الملقى ، لأن محله القلب المجانس للروح الروحاني العلوي قال : وبينهما ثالثة وهي النفث في الروع يزداد بها القلب علما بالله وبإدراك المغيبات ، وهي رحمة خاصة تكون للأولياء فيها نصيب ، وإنما يكون بعثا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتصل بروح القدس ، وترد عليه كموجة ترد على البحر ، فيكشف لرسول الله صلى الله عليه وسلم
جبريل عقب ورودها على
جبريل عليه السلام ، فتصير الرحمة بواسطة
جبريل واصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفث في روعه . انتهى .
واحتج غيره بما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62686قد كان في الأمم محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر } قال
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهيب : يعني ملهمون ولهذا قال صاحب نهاية الغريب " : جاء في الحديث تفسيره أنهم الملهمون ، والملهم هو الذي يلقى في نفسه الشيء فيخبر به حدسا وفراسة ، وهو نوع يخص الله به من يشاء من عباده ، كأنهم حدثوا بشيء فقالوه
[ ص: 117 ] وأما قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62687استفت قلبك وإن أفتاك الناس } فذلك في الواقعة التي تتعارض فيها الشبه والريب قال
الغزالي : واستفتاء القلب إنما هو حيث أباح الشيء ، أما حيث حرم فيجب الامتناع ، ثم لا يعول على كل قلب ، فرب موسوس ينفي كل شيء ، ورب مساهل نظر إلى كل شيء فلا اعتبار بهذين القلبين ، وإنما الاعتبار بقلب العالم الموفق المراقب لدقائق الأحوال ، فهو المحك الذي تمتحن به حقائق الصور ، وما أعز هذا القلب وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في شعب الإيمان " : هذا محمول على أنه يعرف في شأنه من علم الغيب ما عسى يحتاج إليه أو يحدث على لسان ملك بشيء من ذلك ، كما ورد في بعض طرق الحديث : {
وكيف يحدث ؟ قال : يتكلم الملك على لسانه } وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12350إبراهيم بن سعد أنه قال في هذا الحديث : يعني يلقى في روعه تنبيه لا يخفى أن المراد بهذا في غير الأنبياء عليهم السلام ، وإلا فمن جملة طرق الوحي الإلهام .
.
[ ص: 114 ] nindex.php?page=treesubj&link=22161_22160_22159دَلَالَةُ الْإِلْهَامِ ذَكَرَهَا بَعْضُ
الصُّوفِيَّةِ وَقَالَ : مَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ مِنْ عَمَلِ الْخَيْرِ فَهُوَ إلْهَامٌ ، أَوْ الشَّرِّ فَهُوَ وَسْوَاسٌ وَقَالَ بِهَا بَعْضُ
الشِّيعَةِ فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ " قَالَ
الْقَفَّالُ : وَلَوْ ثَبَتَتْ الْعُلُومُ بِالْإِلْهَامِ لَمْ يَكُنْ لِلنَّظَرِ مَعْنًى ، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعَالَمِ دَلَالَةٌ وَلَا عِبْرَةٌ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } فَلَوْ كَانَتْ الْمَعَارِفُ إلْهَامًا لَمْ يَكُنْ لِإِرَادَةِ الْأَمَارَاتِ وَجْهٌ قَالَ : وَيُسْأَلُ الْقَاتِلُ بِهَذَا عَنْ دَلِيلِهِ ، فَإِنْ احْتَجَّ بِغَيْرِ الْإِلْهَامِ فَقَدْ نَاقَضَ قَوْلَهُ ، وَإِنْ احْتَجَّ بِهِ أَبْطَلَ بِمِنْ ادَّعَى إلْهَامًا فِي إبْطَالِ الْإِلْهَامِ .
وَحَكَى
الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=22161حُجِّيَّةِ الْإِلْهَامِ خِلَافًا ، وَفَرَّعَا عَلَيْهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21623_22161الْإِجْمَاعَ هَلْ يَجُوزُ انْعِقَادُهُ لَا عَنْ دَلِيلٍ ؟ فَإِنْ قُلْنَا : لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا جَوَّزْنَا الِانْعِقَادَ لَا عَنْ دَلِيلٍ ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَالْقَائِلُ بِانْعِقَادِهِ لَا عَنْ دَلِيلٍ هُوَ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ الْإِلْهَامَ دَلِيلًا
قُلْت : وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتِمَادَ الْإِلْهَامِ ، مِنْهُمْ
الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِهِ " فِي أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12795وَابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ " فَقَالَ : إلْهَامُ خَاطِرٍ حَقٌّ مِنْ الْحَقِّ ، قَالَ : وَمِنْ عَلَامَاتِهِ أَنْ يُشْرَحَ لَهُ الصَّدْرُ وَلَا يُعَارِضَهُ مُعَارِضٌ مِنْ خَاطِرٍ آخَرَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12088أَبُو عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ " : ذَهَبَ بَعْضُ
الصُّوفِيَّةِ إلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=22161الْمَعَارِفَ تَقَعُ اضْطِرَارًا لِلْعِبَادِ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْهَامِ بِحُكْمِ وَعْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِشَرْطِ التَّقْوَى ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } أَيْ تُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } أَيْ مَخْرَجًا عَلَى كُلِّ مَا الْتَبَسَ عَلَى النَّاسِ وَجْهُ الْحُكْمِ فِيهِ ،
[ ص: 115 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ } فَهَذِهِ الْعُلُومُ الدِّينِيَّةُ تَحْصُلُ لِلْعِبَادِ إذَا زَكَتْ أَنْفُسُهُمْ وَسَلِمَتْ قُلُوبُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ، بِتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ وَامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ ، إذْ خَبَرُهُ صِدْقٌ ، وَوَعْدُهُ حَقٌّ ، فَتَزْكِيَةُ النَّفْسِ بَعْدَ الْقَلْبِ لِحُصُولِ الْمُعَارَضَةِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْإِلْهَامِ بِحُكْمِ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ كَإِعْدَادِهِ بِإِحْضَارِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ فِيهِ مَعَ التَّفَطُّنِ لِوُجُوهِ لُزُومِ النَّتِيجَةِ عَقِيبَ النَّظَرِ لِقُدْرَةِ اللَّهِ اضْطِرَارًا ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ فِيهِ وَأَمَّا حُصُولُ هَذِهِ الْمَعَارِفِ عَلَى سَبِيلِ إلْهَامِ الْمُبْتَدَأِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ يَكُونُ مِنْ الْعَبْدِ ، فَأَحَدُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الْعَقْلِ وَيَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ مَدَارَكَ الْعُلُومِ الْإِلْهَامُ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ، وَهُوَ غَلَطٌ فِي الْحَصْرِ إذْ لَيْسَ هُوَ جَمِيعُ الْمَدَارِكِ ، بَلْ مُدْرَكٌ وَاحِدٌ عَلَى مَا بَيِّنَاهُ وَتَأَوَّلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَوْلَهُمْ ، وَقَالَ : يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدُوا أَنَّ الْعُلُومَ كُلَّهَا ضَرُورِيَّةٌ مُخْتَرَعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَالَ
الْإِمَامُ شِهَابُ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ أَمَالِيهِ مُحْتَجًّا عَلَى الْإِلْهَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7وَأَوْحَيْنَا إلَى أُمِّ مُوسَى } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وَأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ } فَهَذَا الْوَحْيُ مَجْرَدُ الْإِلْهَامِ ، ثُمَّ إنَّ مِنْ الْإِلْهَامِ عُلُومًا تَحْدُثُ فِي النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ الْمُطْمَئِنَّةِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62685إنَّ مِنْ أُمَّتِي لَمُحَدَّثِينَ وَمُكَلَّمِينَ ، وَإِنَّ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ لَمِنْهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=7وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } .
[ ص: 116 ] فَأَخْبَرَ أَنَّ النُّفُوسَ مُلْهَمَةٌ ، فَالنَّفْسُ الْمُلْهَمَةُ عُلُومٌ لَدُنِّيَّةٌ هِيَ الَّتِي تَبَدَّلَتْ صِفَتُهَا وَاطْمَأَنَّتْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ أَمَّارَةً قَالَ : وَهَذَا النَّوْعُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ مِنْ عَالِمِ الْمُلْكِ وَالشَّهَادَةِ ، بَلْ تَخْتَصُّ فَائِدَتُهُ بِصَاحِبِهِ دُونَ غَيْرِهِ ، إذْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ثَمَرَةُ السِّرَايَةِ إلَى الْغَيْرِ عَلَى طَرِيقِ الْعُمُومِ ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ فَائِدَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِبَارِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ ، قَالَ : وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ لَهُ السِّرَايَةُ إلَى الْغَيْرِ عَلَى طَرِيقِ الْعُمُومِ عَنْ مَفَاتِيحِ الْمُلْكِ لِكَوْنِ مَحَلِّهَا النَّفْسَ ، وَقُرْبِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَالْعَالَمِ السُّفْلِيُّ ، بِخِلَافِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى ، وَهُوَ الْوَحْيُ الَّذِي قَامَ [ بِنَقْلِهِ ] الْمَلَكُ الْمُلَقَّى ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ الْمُجَانِسُ لِلرُّوحِ الرُّوحَانِيِّ الْعُلْوِيِّ قَالَ : وَبَيْنَهُمَا ثَالِثَةٌ وَهِيَ النَّفْثُ فِي الرَّوْعِ يَزْدَادُ بِهَا الْقَلْبُ عِلْمًا بِاَللَّهِ وَبِإِدْرَاكِ الْمُغَيَّبَاتِ ، وَهِيَ رَحْمَةٌ خَاصَّةٌ تَكُونُ لِلْأَوْلِيَاءِ فِيهَا نَصِيبٌ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْثًا فِي حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَّصِلُ بِرُوحِ الْقُدْسِ ، وَتَرِدُ عَلَيْهِ كَمَوْجَةٍ تَرِدُ عَلَى الْبَحْرِ ، فَيَكْشِفُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جِبْرِيلُ عَقِبَ وُرُودِهَا عَلَى
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَتَصِيرُ الرَّحْمَةُ بِوَاسِطَةِ
جِبْرِيلَ وَاصِلَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْثٍ فِي رَوْعِهِ . انْتَهَى .
وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62686قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ } قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابْنُ وُهَيْبٍ : يَعْنِي مُلْهَمُونَ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ " : جَاءَ فِي الْحَدِيثِ تَفْسِيرُهُ أَنَّهُمْ الْمُلْهَمُونَ ، وَالْمُلْهَمُ هُوَ الَّذِي يُلْقَى فِي نَفْسِهِ الشَّيْءُ فَيُخْبِرُ بِهِ حَدْسًا وَفِرَاسَةً ، وَهُوَ نَوْعٌ يَخُصُّ اللَّهُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، كَأَنَّهُمْ حُدِّثُوا بِشَيْءٍ فَقَالُوهُ
[ ص: 117 ] وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62687اسْتَفْتِ قَلْبَك وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ } فَذَلِكَ فِي الْوَاقِعَةِ الَّتِي تَتَعَارَضُ فِيهَا الشُّبَهُ وَالرِّيَبُ قَالَ
الْغَزَالِيُّ : وَاسْتِفْتَاءُ الْقَلْبِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ أَبَاحَ الشَّيْءَ ، أَمَّا حَيْثُ حُرِّمَ فَيَجِبُ الِامْتِنَاعُ ، ثُمَّ لَا يُعَوَّلُ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ ، فَرُبَّ مُوَسْوَسٍ يَنْفِي كُلَّ شَيْءٍ ، وَرُبَّ مُسَاهِلٍ نَظَرَ إلَى كُلِّ شَيْءٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَذَيْنِ الْقَلْبَيْنِ ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِقَلْبِ الْعَالِمِ الْمُوَفَّقِ الْمُرَاقِبِ لِدَقَائِقِ الْأَحْوَالِ ، فَهُوَ الْمِحَكُّ الَّذِي تُمْتَحَنُ بِهِ حَقَائِقُ الصُّوَرِ ، وَمَا أَعَزَّ هَذَا الْقَلْبَ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ " : هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يُعْرَفُ فِي شَأْنِهِ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ مَا عَسَى يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَوْ يُحَدِّثُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ : {
وَكَيْفَ يُحَدَّثُ ؟ قَالَ : يَتَكَلَّمُ الْمَلَكُ عَلَى لِسَانِهِ } وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12350إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : يَعْنِي يُلْقَى فِي رَوْعِهِ تَنْبِيهٌ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ ، وَإِلَّا فَمِنْ جُمْلَةِ طُرُقِ الْوَحْيِ الْإِلْهَامُ .