[
nindex.php?page=treesubj&link=16787_20588_20490_20486_9314وجوه الافتراق بين الخطابين ] ويفترقان من وجوه : أحدها : أن التكليفي لا يتعلق إلا بفعل المكلف ، والوضعي يتعلق بفعل غير المكلف ، فلو أتلفت الدابة أو الصبي شيئا ضمن صاحب الدابة والولي في مال الصبي . الثاني : أن التكليفي لا يتعلق إلا بالكسب بخلاف الوضعي ، ولهذا لو قتل خطأ وجبت الدية على العاقلة ، وإن لم يكن القتل مكتسبا لهم . فوجوب الدية عليهم ليس من باب التكليف لاستحالة التكليف بفعل الغير بل معناه أن فعل الغير سبب لثبوت هذا الحق في ذمتهم . الثالث : أن الوضعي خاص بما رتب الحكم فيه على وصف ، أو حكمة ، إن جوزنا التعليل بها ، فلا يجري في الأحكام المرسلة الغير المضافة إلى الأوصاف ، ولا في الأحكام التعبدية التي لا يعقل معناها .
ولهذا لو
nindex.php?page=treesubj&link=20741_20588_3448_3787أحرم ، ثم جن ، ثم قتل صيدا لا يجب الجزاء في ماله على الأصح . ووجهه
ابن الصباغ والرافعي بأن الصيد على الإباحة وإنما يمنع من قتله تعبدا ، فلا يجب إلا على مكلف .
قلت : وبه يظهر فساد قول من ظن أنه من باب خطاب الوضع ، وقال : الأرجح فيه الضمان
[ ص: 172 ] وقال
النووي في " شرح المهذب " : إنه الأقيس ، وليس كما قال . الرابع : أن خطاب التكليف هو الأصل ، وخطاب الوضع على خلافه . فالأصل أن يقول الشارع : أوجبت عليكم ، أو حرمت ، وأما جعله الزنى والسرقة علما على الرجم والقطع ، فبخلاف الأصل . نعم خطاب الوضع يستلزم خطاب اللفظ ; لأنه إنما يعلم به كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أقم الصلاة لدلوك الشمس } الآية . ونحوه من الخطابات اللفظية المفيدة للأحكام الوضعية بخلاف خطاب اللفظ ، فإنه لا يستلزم خطاب الوضع ، كما لو قال : لا يتوضأ إلا من حدث ، فإن هذا خطاب لفظي يعقل تجرده عن سبب وضع أو غيره . ويعلم مما ذكرناه أنه
nindex.php?page=treesubj&link=20715_20746_20588_20490_22523يقدم الحكم التكليفي على الوضعي عند التعارض ; لأنه الأصل ، ومنهم من يقدم الوضعي ; لأنه لا يتوقف على فهم وتمكن . حكاه
الآمدي في باب التراجيح .
الخامس : أن
nindex.php?page=treesubj&link=20715_20746_20490_20588_22523الوضعي لا يشترط فيه قدرة المكلف عليه ، ولا علمه ، فيورث بالسبب ، ويطلق بالضرر ، وإن كان الوارث والمطلق عليه غير عالمين ولو
nindex.php?page=treesubj&link=16763_20490_20588_28130_20723_20715أتلف النائم شيئا أو رمى إلى صيد في ملكه فأصاب إنسانا ضمنه ، وإن لم يعلما . وتحل المرأة بعقد وليها عليها ، وتحرم بطلاق زوجها ، وإن كانت لا تعلم . ويستثنى من عدم اشتراط العلم والقدرة أمران : أحدهما :
nindex.php?page=treesubj&link=20715_20746_20588_20490_9138_9139_9314_20745_10367_10355أسباب العقوبات كالقصاص لا يجب على المخطئ في القتل ،
[ ص: 173 ] لعدم العلم ، وحد الزنى لا يجب في الشبهة ، لعدم العلم ، ولا من أكره على الزنى ، لعدم القدرة على الامتناع . الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=27614_20715_20746_20588الأسباب الناقلة للملك كالبيع والهبة والوصية ونحوها يشترط فيها العلم والقدرة . فلو تلفظ بلفظ ناقل للملك ، وهو لا يعلم بمقتضاه لكونه أعجميا لم يلزمه مقتضاه ، لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إلا أن تكون تجارة عن تراض } .
[ التنبيه ] الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=20489_20490_20588استشكل جعل الحكم الشرعي جنسا للأحكام الخمسة ، وما ألحق به من خطاب الوضع ; لأن الجنس لا بد وأن يكون صادقا على نوعين خارجيين ، فيلزم أن يكون الحكم الشرعي الذي هو الجنس صادقا على خمسة أنواع أو ستة ، والأنواع مختلفة الحقائق جزما ، فيلزم أن يكون خطاب التحريم والندب والإباحة والكراهة مختلفات الحقائق لنوعيتها ، وهي أنواع : الحكم الشرعي الذي هو الكلام النفسي ، ويلزم أنه لا يكون الكلام النفسي الذي هو كلام الله حقيقة واحدة بل حقائق مختلفة ، وذلك باطل على أصل
الأشاعرة ، وإن قيل : لا أجعل الحكم الشرعي جنسا للخمسة أو الستة بل أجعله عرضا عاما ففاسد ; لأن العرض العام لا بد وأن يكون صادقا على نوعين ، وإلا لكان خاصة فيعود الإشكال .
[
nindex.php?page=treesubj&link=16787_20588_20490_20486_9314وُجُوهُ الِافْتِرَاقِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ ] وَيَفْتَرِقَانِ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ التَّكْلِيفِيَّ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ ، وَالْوَضْعِيَّ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ ، فَلَوْ أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ أَوْ الصَّبِيُّ شَيْئًا ضَمِنَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَالْوَلِيُّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ . الثَّانِي : أَنَّ التَّكْلِيفِيَّ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْكَسْبِ بِخِلَافِ الْوَضْعِيِّ ، وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ خَطَأً وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ مُكْتَسَبًا لَهُمْ . فَوُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ لِاسْتِحَالَةِ التَّكْلِيفِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ فِعْلَ الْغَيْرِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ فِي ذِمَّتِهِمْ . الثَّالِثُ : أَنَّ الْوَضْعِيَّ خَاصٌّ بِمَا رُتِّبَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى وَصْفٍ ، أَوْ حِكْمَةٍ ، إنْ جَوَّزْنَا التَّعْلِيلَ بِهَا ، فَلَا يَجْرِي فِي الْأَحْكَامِ الْمُرْسَلَةِ الْغَيْرِ الْمُضَافَةِ إلَى الْأَوْصَافِ ، وَلَا فِي الْأَحْكَامِ التَّعَبُّدِيَّةِ الَّتِي لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهَا .
وَلِهَذَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=20741_20588_3448_3787أَحْرَمَ ، ثُمَّ جُنَّ ، ثُمَّ قَتَلَ صَيْدًا لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ فِي مَالِهِ عَلَى الْأَصَحِّ . وَوَجَّهَهُ
ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الصَّيْدَ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ قَتْلِهِ تَعَبُّدًا ، فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مُكَلَّفٍ .
قُلْت : وَبِهِ يَظْهَرُ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ ، وَقَالَ : الْأَرْجَحُ فِيهِ الضَّمَانُ
[ ص: 172 ] وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ " : إنَّهُ الْأَقْيَسُ ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ . الرَّابِعُ : أَنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَصْلُ ، وَخِطَابَ الْوَضْعِ عَلَى خِلَافِهِ . فَالْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ : أَوْجَبْت عَلَيْكُمْ ، أَوْ حَرَّمْت ، وَأَمَّا جَعْلُهُ الزِّنَى وَالسَّرِقَةَ عَلَمًا عَلَى الرَّجْمِ وَالْقَطْعِ ، فَبِخِلَافِ الْأَصْلِ . نَعَمْ خِطَابُ الْوَضْعِ يَسْتَلْزِمُ خِطَابَ اللَّفْظِ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْلَمُ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } الْآيَةَ . وَنَحْوِهِ مِنْ الْخِطَابَاتِ اللَّفْظِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْأَحْكَامِ الْوَضْعِيَّةِ بِخِلَافِ خِطَابِ اللَّفْظِ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ خِطَابَ الْوَضْعِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَا يُتَوَضَّأُ إلَّا مِنْ حَدَثٍ ، فَإِنَّ هَذَا خِطَابٌ لَفْظِيٌّ يُعْقَلُ تَجَرُّدُهُ عَنْ سَبَبِ وَضْعٍ أَوْ غَيْرِهِ . وَيُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=20715_20746_20588_20490_22523يُقَدَّمُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ عَلَى الْوَضْعِيِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ ; لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُ الْوَضْعِيَّ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمٍ وَتَمَكُّنٍ . حَكَاهُ
الْآمِدِيُّ فِي بَابِ التَّرَاجِيحِ .
الْخَامِسُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20715_20746_20490_20588_22523الْوَضْعِيَّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قُدْرَةُ الْمُكَلَّفِ عَلَيْهِ ، وَلَا عِلْمُهُ ، فَيُورَثُ بِالسَّبَبِ ، وَيُطْلَقُ بِالضَّرَرِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَالْمُطْلِقُ عَلَيْهِ غَيْرَ عَالِمَيْنِ وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=16763_20490_20588_28130_20723_20715أَتْلَفَ النَّائِمُ شَيْئًا أَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فِي مِلْكِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا ضَمِنَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا . وَتَحِلُّ الْمَرْأَةُ بِعَقْدِ وَلِيِّهَا عَلَيْهَا ، وَتَحْرُمُ بِطَلَاقِ زَوْجِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ . وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَمْرَانِ : أَحَدُهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=20715_20746_20588_20490_9138_9139_9314_20745_10367_10355أَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ كَالْقِصَاصِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُخْطِئِ فِي الْقَتْلِ ،
[ ص: 173 ] لِعَدَمِ الْعِلْمِ ، وَحَدِّ الزِّنَى لَا يَجِبُ فِي الشُّبْهَةِ ، لِعَدَمِ الْعِلْمِ ، وَلَا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَى ، لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ . الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=27614_20715_20746_20588الْأَسْبَابُ النَّاقِلَةُ لِلْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ . فَلَوْ تَلَفَّظَ بِلَفْظٍ نَاقِلٍ لِلْمِلْكِ ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِمُقْتَضَاهُ لِكَوْنِهِ أَعْجَمِيًّا لَمْ يَلْزَمْهُ مُقْتَضَاهُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ } .
[ التَّنْبِيهُ ] الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=20489_20490_20588اُسْتُشْكِلَ جَعْلُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ جِنْسًا لِلْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ ; لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ صَادِقًا عَلَى نَوْعَيْنِ خَارِجِيَّيْنِ ، فَيَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي هُوَ الْجِنْسُ صَادِقًا عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ أَوْ سِتَّةٍ ، وَالْأَنْوَاعُ مُخْتَلِفَةُ الْحَقَائِقِ جَزْمًا ، فَيَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ خِطَابُ التَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ مُخْتَلِفَاتِ الْحَقَائِقِ لِنَوْعِيَّتِهَا ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ : الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ ، وَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ حَقِيقَةً وَاحِدَةً بَلْ حَقَائِقُ مُخْتَلِفَةٌ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ عَلَى أَصْلِ
الْأَشَاعِرَةِ ، وَإِنْ قِيلَ : لَا أَجْعَلُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ جِنْسًا لِلْخَمْسَةِ أَوْ السِّتَّةِ بَلْ أَجْعَلُهُ عَرَضًا عَامًّا فَفَاسِدٌ ; لِأَنَّ الْعَرَضَ الْعَامَّ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ صَادِقًا عَلَى نَوْعَيْنِ ، وَإِلَّا لَكَانَ خَاصَّةً فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ .