قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى
فيه خمس مسائل :
[ ص: 106 ] الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28991_31942قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وما تلك بيمينك قيل : كان هذا الخطاب من الله تعالى
لموسى وحيا ؛ لأنه قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13فاستمع لما يوحى nindex.php?page=treesubj&link=28752ولا بد للنبي في نفسه من معجزة يعلم بها صحة نبوة نفسه ، فأراه في العصا وفي نفسه ما أراه لذلك . ويجوز أن يكون ما أراه في الشجرة آية كافية له في نفسه ، ثم تكون اليد والعصا زيادة توكيد ، وبرهانا يلقى به قومه . واختلف في ما في قوله وما تلك فقال
الزجاج والفراء : هي اسم ناقص وصلت ب ( يمينك ) أي ما التي بيمينك ؟ وقال أيضا : تلك بمعنى هذه ؛ ولو قال : ما ذلك لجاز ؛ أي ما ذلك الشيء : ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول
موسى : هي عصاي ؛ ليثبت الحجة عليه بعد ما اعترف ، وإلا فقد علم الله ما هي في الأزل . وقال
ابن الجوهري وفي بعض الآثار أن الله تعالى عتب على
موسى إضافة العصا إلى نفسه في ذلك الموطن ، فقيل له : ألقها لترى منها العجب فتعلم أنه لا ملك عليها ولا تنضاف إليك . وقرأ
ابن أبي إسحاق ( عصي ) على لغة
هذيل ؛ ومثله ( يا بشرى ) و ( محيي ) وقد تقدم . وقرأ
الحسن ( عصاي ) بكسر الياء لالتقاء الساكنين . ومثل هذا قراءة
حمزة ( وما أنتم بمصرخي ) . وعن
ابن أبي إسحاق سكون الياء .
الثانية : في هذه الآية دليل على جواب السؤال بأكثر مما سئل ؛ لأنه لما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وما تلك بيمينك يا موسى ذكر معاني أربعة وهي إضافة العصا إليه ، وكان حقه أن يقول عصا ؛ والتوكؤ ؛ والهش ، والمآرب المطلقة . فذكر
موسى من منافع عصاه عظمها وجمهورها وأجمل سائر ذلك . وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=832115سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ماء البحر فقال : هو الطهور ماؤه الحل ميتته .
nindex.php?page=hadith&LINKID=863889وسألته امرأة عن الصغير حين رفعته إليه فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر . ومثله في الحديث كثير .
الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=28991قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أتوكأ عليها أي أتحامل عليها في المشي والوقوف ؛ ومنه الاتكاء .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18وأهش بها ( وأهش ) أيضا ؛ ذكره
النحاس . وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي ، أي أخبط بها الورق ، أي أضرب أغصان الشجر ليسقط ورقها ، فيسهل على غنمي تناوله فتأكله . قال الراجز :
أهش بالعصا على أغنامي من ناعم الأراك والبشام
[ ص: 107 ] يقال : هش على غنمه يهش بضم الهاء في المستقبل . وهش إلى الرجل يهش بالفتح وكذلك هش للمعروف يهش وهششت أنا : وفي حديث
عمر : هششت يوما فقبلت وأنا صائم . قال شمر : أي فرحت واشتهيت . قال : ويجوز هاش بمعنى هش . قال
الراعي :
فكبر للرؤيا وهاش فؤاده وبشر نفسا كان قبل يلومها
أي طرب . والأصل في الكلمة الرخاوة . يقال رجل هش وزوج هش . وقرأ
عكرمة ( وأهس ) بالسين غير معجمة ؛ قيل : هما لغتان بمعنى واحد . وقيل : معناهما مختلف ؛ فالهش بالإعجام خبط الشجر ؛ والهس بغير إعجام زجر الغنم ؛ ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي ؛ وكذلك ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . وعن
عكرمة : ( وأهس ) بالسين أي أنحى عليها زاجرا لها والهس زجر الغنم .
الرابعة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18ولي فيها مآرب أخرى أي حوائج . واحدها مأربة ومأربة ومأربة . وقال : أخرى على صيغة الواحد ؛ لأن مآرب في معنى الجماعة ، لكن المهيع في توابع جمع ما لا يعقل الإفراد والكناية عنه بذلك ؛ فإن ذلك يجري مجرى الواحدة المؤنثة ؛ كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10يا جبال أوبي معه وقد تقدم هذا في ( الأعراف ) .
الخامسة : تعرض قوم لتعديد منافع العصا منهم
ابن عباس ، قال : إذا انتهيت إلى رأس بئر فقصر الرشا وصلته بالعصا ، وإذا أصابني حر الشمس غرزتها في الأرض وألقيت عليها ما يظلني ، وإذا خفت شيئا من هوام الأرض قتلته بها ، وإذا مشيت ألقيتها على عاتقي وعلقت عليها القوس والكنانة والمخلاة ، وأقاتل بها السباع عن الغنم .
وروى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران قال : إمساك العصا سنة للأنبياء ، وعلامة للمؤمن . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : فيها ست خصال ؛ سنة للأنبياء ، وزينة الصلحاء ، وسلاح على الأعداء ، وعون للضعفاء ، وغم المنافقين ، وزيادة في الطاعات . ويقال : إذا كان مع المؤمن العصا يهرب منه الشيطان ، ويخشع منه المنافق والفاجر ، وتكون قبلته إذا صلى ، وقوة إذا أعيا . ولقي
الحجاج أعرابيا فقال : من أين أقبلت يا أعرابي ؟ قال : من البادية . قال : وما في يدك ؟ قال : عصاي أركزها لصلاتي ، وأعدها لعداتي ، وأسوق بها دابتي ، وأقوى بها على سفري ، وأعتمد بها في مشيتي لتتسع خطوتي ، وأثب بها النهر ، وتؤمنني من العثر ، وألقي عليها كسائي فيقيني
[ ص: 108 ] الحر ، ويدفئني من القر ، وتدني إلي ما بعد مني ، وهي محمل سفرتي ، وعلاقة إداوتي ، أعصي بها عند الضراب ، وأقرع بها الأبواب ، وأتقي بها عقور الكلاب ؛ وتنوب عن الرمح في الطعان ؛ وعن السيف عند منازلة الأقران ؛ ورثتها عن أبي ، وأورثها بعدي ابني ، وأهش بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى ، كثيرة لا تحصى .
قلت : منافع العصا كثيرة ، ولها مدخل في مواضع من الشريعة : منها أنها تتخذ قبلة في الصحراء ؛ وقد كان للنبي - عليه الصلاة والسلام - عنزة تركز له فيصلي إليها ، وكان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة ، فتوضع بين يديه فيصلي إليها ؛ وذلك ثابت في الصحيح . والحربة والعنزة والنيزك والآلة اسم لمسمى واحد . وكان له محجن وهو عصا معوجة الطرف يشير به إلى الحجر إذا لم يستطع أن يقبله ؛ ثابت في الصحيح أيضا . وفي الموطأ عن
السائب بن يزيد أنه قال : أمر
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
أبي بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=155وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة ، وكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام ، وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر .
وفي الصحيحين :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832116أنه - عليه الصلاة والسلام - كان له مخصرة . والإجماع منعقد على أن
nindex.php?page=treesubj&link=956الخطيب يخطب متوكئا على سيف أو عصا ، فالعصا مأخوذة من أصل كريم ، ومعدن شريف ، ولا ينكرها إلا جاهل . وقد جمع الله
لموسى في عصاه من البراهين
[ ص: 109 ] العظام ، والآيات الجسام ، ما آمن به السحرة المعاندون . واتخذها
سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته . وكان
ابن مسعود صاحب عصا النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنزته ؛ وكان يخطب بالقضيب - وكفى بذلك فضلا على شرف حال العصا - وعلى ذلك الخلفاء وكبراء الخطباء ، وعادة العرب العرباء ، الفصحاء اللسن البلغاء ، أخذ المخصرة والعصا والاعتماد عليها عند الكلام ، وفي المحافل والخطب . وأنكرت
الشعوبية على خطباء العرب أخذ المخصرة والإشارة بها إلى المعاني .
والشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم . قال
مالك : كان
عطاء بن السائب يمسك المخصرة يستعين بها . قال
مالك : والرجل إذا كبر لم يكن مثل الشباب يقوى بها عند قيامه .
قلت : وفي مشيته كما قال بعضهم :
قد كنت أمشي على رجلين معتمدا فصرت أمشي على أخرى من الخشب
قال
مالك - رحمه الله ورضي عنه - : وقد كان الناس إذا جاءهم المطر خرجوا بالعصي يتوكئون عليها ، حتى لقد كان الشباب يحبسون عصيهم ، وربما أخذ
ربيعة العصا من بعض من يجلس إليه حتى يقوم . ومن منافع العصا ضرب الرجل نساءه بها فيما يصلحهم ، ويصلح حاله وحالهم معه . ومنه قوله - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832117وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه في إحدى الروايات . وقد روي عنه - عليه السلام - أنه قال لرجل أوصاه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832118لا ترفع عصاك عن أهلك أخفهم في الله رواه
عبادة بن الصامت ؛ خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي . ومن هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=863893علق سوطك حيث يراه أهلك وقد تقدم هذا في ( النساء ) . ومن فوائدها التنبيه على الانتقال من هذه الدار ؛ كما قيل لبعض الزهاد : ما لك تمشي على عصا ولست بكبير ولا مريض ؟ قال إني أعلم أني مسافر ، وأنها دار قلعة ، وأن العصا من آلة السفر ؛ فأخذه بعض الشعراء فقال :
[ ص: 110 ] حملت العصا لا الضعف أوجب حملها علي ولا أني تحنيت من كبر
ولكنني ألزمت نفسي حملها لأعلمها أن المقيم على سفر
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ :
[ ص: 106 ] الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28991_31942قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ قِيلَ : كَانَ هَذَا الْخِطَابُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى
لِمُوسَى وَحْيًا ؛ لِأَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى nindex.php?page=treesubj&link=28752وَلَا بُدَّ لِلنَّبِيِّ فِي نَفْسِهِ مِنْ مُعْجِزَةٍ يَعْلَمُ بِهَا صِحَّةَ نُبُوَّةِ نَفْسِهِ ، فَأَرَاهُ فِي الْعَصَا وَفِي نَفْسِهِ مَا أَرَاهُ لِذَلِكَ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا أَرَاهُ فِي الشَّجَرَةِ آيَةً كَافِيَةً لَهُ فِي نَفْسِهِ ، ثُمَّ تَكُونُ الْيَدُ وَالْعَصَا زِيَادَةَ تَوْكِيدٍ ، وَبُرْهَانًا يَلْقَى بِهِ قَوْمَهُ . وَاخْتُلِفَ فِي مَا فِي قَوْلِهِ وَمَا تِلْكَ فَقَالَ
الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ : هِيَ اسْمٌ نَاقِصٌ وُصِلَتْ ب ( يَمِينِكَ ) أَيْ مَا الَّتِي بِيَمِينِكَ ؟ وَقَالَ أَيْضًا : تِلْكَ بِمَعْنَى هَذِهِ ؛ وَلَوْ قَالَ : مَا ذَلِكَ لَجَازَ ؛ أَيْ مَا ذَلِكَ الشَّيْءُ : وَمَقْصُودُ السُّؤَالِ تَقْرِيرُ الْأَمْرِ حَتَّى يَقُولَ
مُوسَى : هِيَ عَصَايَ ؛ لِيُثْبِتَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا اعْتَرَفَ ، وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا هِيَ فِي الْأَزَلِ . وَقَالَ
ابْنُ الْجَوْهَرِيِّ وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَتَبَ عَلَى
مُوسَى إِضَافَةَ الْعَصَا إِلَى نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ ، فَقِيلَ لَهُ : أَلْقِهَا لِتَرَى مِنْهَا الْعَجَبَ فَتَعْلَمَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ عَلَيْهَا وَلَا تَنْضَافُ إِلَيْكَ . وَقَرَأَ
ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ( عَصَيَّ ) عَلَى لُغَةِ
هُذَيْلٍ ؛ وَمِثْلُهُ ( يَا بُشْرَى ) وَ ( مَحْيَيَّ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ ( عَصَايِ ) بِكَسْرِ الْيَاءِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَمِثْلُ هَذَا قِرَاءَةُ
حَمْزَةَ ( وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيِّ ) . وَعَنِ
ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ سُكُونُ الْيَاءِ .
الثَّانِيَةُ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَابِ السُّؤَالِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سُئِلَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=17وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ذَكَرَ مَعَانِيَ أَرْبَعَةً وَهِيَ إِضَافَةُ الْعَصَا إِلَيْهِ ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ عَصًا ؛ وَالتَّوَكُّؤَ ؛ وَالْهَشَّ ، وَالْمَآرِبَ الْمُطْلَقَةَ . فَذَكَرَ
مُوسَى مِنْ مَنَافِعِ عَصَاهُ عِظَمَهَا وَجُمْهُورَهَا وَأَجْمَلَ سَائِرَ ذَلِكَ . وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=832115سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ : هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=863889وَسَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ عَنِ الصَّغِيرِ حِينَ رَفَعَتْهُ إِلَيْهِ فَقَالَتْ : أَلِهَذَا حَجٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ . وَمِثْلُهُ فِي الْحَدِيثِ كَثِيرٌ .
الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28991قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا أَيْ أَتَحَامَلُ عَلَيْهَا فِي الْمَشْيِ وَالْوُقُوفِ ؛ وَمِنْهُ الِاتِّكَاءُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18وَأَهُشُّ بِهَا ( وَأَهِشُّ ) أَيْضًا ؛ ذَكَرَهُ
النَّحَّاسُ . وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=12354النَّخَعِيِّ ، أَيْ أَخْبِطُ بِهَا الْوَرَقَ ، أَيْ أَضْرِبُ أَغْصَانَ الشَّجَرِ لِيَسْقُطَ وَرَقُهَا ، فَيَسْهُلُ عَلَى غَنَمِي تَنَاوُلُهُ فَتَأْكُلَهُ . قَالَ الرَّاجِزُ :
أَهُشُّ بِالْعَصَا عَلَى أَغْنَامِي مِنْ نَاعِمِ الْأَرَاكِ وَالْبَشَامِ
[ ص: 107 ] يُقَالُ : هَشَّ عَلَى غَنَمِهِ يَهُشُّ بِضَمِّ الْهَاءِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ . وَهَشَّ إِلَى الرَّجُلِ يَهَشُّ بِالْفَتْحِ وَكَذَلِكَ هَشَّ لِلْمَعْرُوفِ يَهَشُّ وَهَشِشْتُ أَنَا : وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ : هَشِشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ . قَالَ شِمْرٌ : أَيْ فَرِحْتُ وَاشْتَهَيْتُ . قَالَ : وَيَجُوزُ هَاشَ بِمَعْنَى هَشَّ . قَالَ
الرَّاعِي :
فَكَبَّرَ لِلرُّؤْيَا وَهَاشَ فُؤَادُهُ وَبَشَّرَ نَفْسًا كَانَ قَبْلُ يَلُومُهَا
أَيْ طَرِبَ . وَالْأَصْلُ فِي الْكَلِمَةِ الرَّخَاوَةُ . يُقَالُ رَجُلٌ هَشٌّ وَزَوْجٌ هَشٌّ . وَقَرَأَ
عِكْرِمَةُ ( وَأَهُسُّ ) بِالسِّينِ غَيْرَ مُعْجَمَةٍ ؛ قِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ ؛ فَالْهَشُّ بِالْإِعْجَامِ خَبْطُ الشَّجَرِ ؛ وَالْهَسُّ بِغَيْرِ إِعْجَامٍ زَجْرُ الْغَنَمِ ؛ ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ ؛ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ . وَعَنْ
عِكْرِمَةَ : ( وَأَهُسُّ ) بِالسِّينِ أَيْ أَنْحَى عَلَيْهَا زَاجِرًا لَهَا وَالْهَسُّ زَجْرُ الْغَنَمِ .
الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى أَيْ حَوَائِجُ . وَاحِدُهَا مَأْرُبَةٌ وَمَأْرَبَةٌ وَمَأْرِبَةٌ . وَقَالَ : أُخْرَى عَلَى صِيغَةِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّ مَآرِبَ فِي مَعْنَى الْجَمَاعَةِ ، لَكِنَّ الْمَهْيَعَ فِي تَوَابِعِ جَمْعِ مَا لَا يَعْقِلُ الْإِفْرَادُ وَالْكِنَايَةُ عَنْهُ بِذَلِكَ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْوَاحِدَةِ الْمُؤَنَّثَةِ ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي ( الْأَعْرَافِ ) .
الْخَامِسَةُ : تَعَرَّضَ قَوْمٌ لِتَعْدِيدِ مَنَافِعِ الْعَصَا مِنْهُمُ
ابْنُ عَبَّاسٍ ، قَالَ : إِذَا انْتَهَيْتَ إِلَى رَأْسِ بِئْرٍ فَقَصُرَ الرِّشَا وَصَلْتَهُ بِالْعَصَا ، وَإِذَا أَصَابَنِي حَرُّ الشَّمْسِ غَرَزْتُهَا فِي الْأَرْضِ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْهَا مَا يُظِلُّنِي ، وَإِذَا خِفْتُ شَيْئًا مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ قَتَلْتُهُ بِهَا ، وَإِذَا مَشَيْتُ أَلْقَيْتُهَا عَلَى عَاتِقِي وَعَلَّقْتُ عَلَيْهَا الْقَوْسَ وَالْكِنَانَةَ وَالْمِخْلَاةَ ، وَأُقَاتِلُ بِهَا السِّبَاعَ عَنِ الْغَنَمِ .
وَرَوى عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17188مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ : إِمْسَاكُ الْعَصَا سُنَّةٌ لِلْأَنْبِيَاءِ ، وَعَلَامَةٌ لِلْمُؤْمِنِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : فِيهَا سِتُّ خِصَالٍ ؛ سُنَّةٌ لِلْأَنْبِيَاءِ ، وَزِينَةُ الصُّلَحَاءِ ، وَسِلَاحٌ عَلَى الْأَعْدَاءِ ، وَعَوْنٌ لِلضُّعَفَاءِ ، وَغَمُّ الْمُنَافِقِينَ ، وَزِيَادَةٌ فِي الطَّاعَاتِ . وَيُقَالُ : إِذَا كَانَ مَعَ الْمُؤْمِنَ الْعَصَا يَهْرَبُ مِنْهُ الشَّيْطَانُ ، وَيَخْشَعُ مِنْهُ الْمُنَافِقُ وَالْفَاجِرُ ، وَتَكُونُ قِبْلَتَهُ إِذَا صَلَّى ، وَقُوَّةً إِذَا أَعْيَا . وَلَقِيَ
الْحَجَّاجُ أَعْرَابِيًّا فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ يَا أَعْرَابِيُّ ؟ قَالَ : مِنَ الْبَادِيَةِ . قَالَ : وَمَا فِي يَدِكَ ؟ قَالَ : عَصَايَ أَرْكُزُهَا لِصَلَاتِي ، وَأُعِدُّهَا لِعِدَاتِي ، وَأَسُوقُ بِهَا دَابَّتِي ، وَأَقْوَى بِهَا عَلَى سَفَرِي ، وَأَعْتَمِدُ بِهَا فِي مِشْيَتِي لِتَتَّسِعَ خُطْوَتِي ، وَأَثِبُ بِهَا النَّهْرَ ، وَتُؤَمِّنُنِي مِنَ الْعَثْرِ ، وَأُلْقِي عَلَيْهَا كِسَائِي فَيَقِينِي
[ ص: 108 ] الْحَرَّ ، وَيُدْفِئُنِي مِنَ الْقُرِّ ، وَتُدْنِي إِلَيَّ مَا بَعُدَ مِنِّي ، وَهِيَ مَحْمَلُ سُفْرَتِي ، وَعَلَاقَةُ إِدَاوَتِي ، أَعْصِي بِهَا عِنْدَ الضِّرَابِ ، وَأَقْرَعُ بِهَا الْأَبْوَابَ ، وَأَتَّقِي بِهَا عَقُورَ الْكِلَابِ ؛ وَتَنُوبُ عَنِ الرُّمْحِ فِي الطِّعَانِ ؛ وَعَنِ السَّيْفِ عِنْدَ مُنَازَلَةِ الْأَقْرَانِ ؛ وَرِثْتُهَا عَنْ أَبِي ، وَأُوَرِّثُهَا بَعْدِي ابْنِي ، وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ، وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ، كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى .
قُلْتُ : مَنَافِعُ الْعَصَا كَثِيرَةٌ ، وَلَهَا مَدْخَلٌ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الشَّرِيعَةِ : مِنْهَا أَنَّهَا تُتَّخَذُ قِبْلَةً فِي الصَّحْرَاءِ ؛ وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنَزَةٌ تُرْكَزُ لَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا ، وَكَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ ، فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا ؛ وَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ . وَالْحَرْبَةُ وَالْعَنَزَةُ وَالنَّيْزَكُ وَالْآلَةُ اسْمٌ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ . وَكَانَ لَهُ مِحْجَنٌ وَهُوَ عَصَا مُعْوَجَّةُ الطَّرَفِ يُشِيرُ بِهِ إِلَى الْحَجَرِ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُقَبِّلَهُ ؛ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا . وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنِ
السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ : أَمَرَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ nindex.php?page=showalam&ids=155وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ ، وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي بُزُوغِ الْفَجْرِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832116أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَهُ مِخْصَرَةٌ . وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=956الْخَطِيبَ يَخْطُبُ مُتَوَكِّئًا عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا ، فَالْعَصَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَصْلٍ كَرِيمٍ ، وَمَعْدِنٍ شَرِيفٍ ، وَلَا يُنْكِرُهَا إِلَّا جَاهِلٌ . وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ
لِمُوسَى فِي عَصَاهُ مِنَ الْبَرَاهِينِ
[ ص: 109 ] الْعِظَامِ ، وَالْآيَاتِ الْجِسَامِ ، مَا آمَنَ بِهِ السَّحَرَةُ الْمُعَانِدُونَ . وَاتَّخَذَهَا
سُلَيْمَانُ لِخُطْبَتِهِ وَمَوْعِظَتِهِ وَطُولِ صَلَاتِهِ . وَكَانَ
ابْنُ مَسْعُودٍ صَاحِبَ عَصَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنَزَتِهِ ؛ وَكَانَ يَخْطُبُ بِالْقَضِيبِ - وَكَفَى بِذَلِكَ فَضْلًا عَلَى شَرَفِ حَالِ الْعَصَا - وَعَلَى ذَلِكَ الْخُلَفَاءُ وَكُبَرَاءُ الْخُطَبَاءِ ، وَعَادَةُ الْعَرَبِ الْعَرْبَاءِ ، الْفُصَحَاءِ اللُّسُنِ الْبُلَغَاءِ ، أَخْذُ الْمِخْصَرَةِ وَالْعَصَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْكَلَامِ ، وَفِي الْمَحَافِلِ وَالْخُطَبِ . وَأَنْكَرَتِ
الشُّعُوبِيَّةُ عَلَى خُطَبَاءِ الْعَرَبِ أَخْذَ الْمِخْصَرَةِ وَالْإِشَارَةَ بِهَا إِلَى الْمَعَانِي .
وَالشُّعُوبِيَّةُ تُبْغِضُ الْعَرَبَ وَتُفَضِّلُ الْعَجَمَ . قَالَ
مَالِكٌ : كَانَ
عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ يُمْسِكُ الْمِخْصَرَةَ يَسْتَعِينُ بِهَا . قَالَ
مَالِكٌ : وَالرَّجُلُ إِذَا كَبِرَ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ الشَّبَابِ يَقْوَى بِهَا عِنْدَ قِيَامِهِ .
قُلْتُ : وَفِي مِشْيَتِهِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ :
قَدْ كُنْتُ أَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ مُعْتَمِدًا فَصِرْتُ أَمْشِي عَلَى أُخْرَى مِنَ الْخَشَبِ
قَالَ
مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ - : وَقَدْ كَانَ النَّاسُ إِذَا جَاءَهُمُ الْمَطَرُ خَرَجُوا بِالْعِصِيِّ يَتَوَكَّئُونَ عَلَيْهَا ، حَتَّى لَقَدْ كَانَ الشَّبَابُ يَحْبِسُونَ عِصِيَّهُمْ ، وَرُبَّمَا أَخَذَ
رَبِيعَةُ الْعَصَا مِنْ بَعْضِ مَنْ يَجْلِسُ إِلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ . وَمِنْ مَنَافِعِ الْعَصَا ضَرْبُ الرَّجُلِ نِسَاءَهُ بِهَا فِيمَا يُصْلِحُهُمْ ، وَيُصْلِحُ حَالَهُ وَحَالَهُمْ مَعَهُ . وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832117وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَوْصَاهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=832118لَا تَرْفَعْ عَصَاكَ عَنْ أَهْلِكَ أَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ رَوَاهُ
عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ؛ خَرَّجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ . وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=863893عَلِّقْ سَوْطَكَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي ( النِّسَاءِ ) . وَمِنْ فَوَائِدِهَا التَّنْبِيهُ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ ؛ كَمَا قِيلَ لِبَعْضِ الزُّهَّادِ : مَا لَكَ تَمْشِي عَلَى عَصًا وَلَسْتَ بِكَبِيرٍ وَلَا مَرِيضٍ ؟ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ أَنِّي مُسَافِرٌ ، وَأَنَّهَا دَارُ قَلْعَةٍ ، وَأَنَّ الْعَصَا مِنْ آلَةِ السَّفَرِ ؛ فَأَخَذَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ :
[ ص: 110 ] حَمَلْتُ الْعَصَا لَا الضَّعْفُ أَوْجَبَ حَمْلَهَا عَلَيَّ وَلَا أَنِّي تَحَنَّيْتُ مِنْ كِبَرْ
وَلَكِنَّنِي أَلْزَمْتُ نَفْسِيَ حَمْلَهَا لِأُعْلِمَهَا أَنَّ الْمُقِيمَ عَلَى سَفَرْ