[ ص: 109 ] ثم دخلت سنة تسع وتسعين ومائة
فيها قدم
الحسن بن سهل بغداد نائبا عليها من جهة
المأمون ووجه نوابه إلى بقية أعماله ، وتوجه طاهر إلى نيابة
الجزيرة والشام ومصر وبلاد
المغرب ، وسار
هرثمة إلى نيابة
خراسان .
وكان قد خرج في أواخر السنة الماضية في ذي الحجة منها
الحسن الهرش يدعو إلى الرضا من آل
محمد صلى الله عليه وسلم ، فجبى الأموال ، وانتهب الأنعام ، وعاث في البلاد فسادا ، فبعث إليه
المأمون جيشا ، فقتلوه في المحرم من هذه السنة .
وفي هذه السنة
nindex.php?page=treesubj&link=33796خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة ، يدعو إلى الرضا من آل
محمد ، والعمل بالكتاب والسنة ، وهو الذي يقال له :
ابن طباطبا . وكان القائم بأمره وتدبير الحرب بين يديه
أبو السرايا السري بن منصور الشيباني ، وقد أصفق أهل
الكوفة على وفاقه واجتمعوا عليه من كل فج عميق ، ووفدت إليه الأعراب من ضواحي
الكوفة وكان النائب عليها من جهة
الحسن بن سهل سليمان بن أبي جعفر المنصور ، فبعث
الحسن بن سهل إلى
سليمان يلومه ويؤنبه على ذلك ، وأرسل إليه بعشرة آلاف فارس
[ ص: 110 ] صحبة
زهير بن المسيب ، فتقاتلوا خارج
الكوفة فهزموا
nindex.php?page=showalam&ids=15932زهيرا واستباحوا جيشه ونهبوا ما كان معه ، وذلك يوم الأربعاء سلخ جمادى الآخرة ، فلما كان الغد من الوقعة توفي
ابن طباطبا أمير
الشيعة فجأة يقال : إن
أبا السرايا سمه ، وأقام مكانه غلاما أمرد يقال له :
محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه . وانعزل
زهير بمن بقي معه من أصحابه إلى قصر
ابن هبيرة وأرسل
الحسن بن سهل مع
عبدوس بن محمد أربعة آلاف فارس مددا
لزهير فاتقعوا
وأبو السرايا ، فهزمهم
أبو السرايا ولم يفلت من أصحاب
عبدوس أحد وانتشر الطالبيون في تلك البلاد
nindex.php?page=treesubj&link=34063وضرب أبو السرايا الدراهم والدنانير في الكوفة ونقش عليها
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص الآية [ الصف : 4 ] ، ثم بعث
أبو السرايا جيوشه إلى
البصرة وواسط والمدائن ، فهزموا من فيها ودخلوها قهرا ، وقويت شوكتهم فاهتم لذلك
الحسن بن سهل وكتب إلى
هرثمة من
خراسان يستدعيه لحرب
أبي السرايا ، فتمنع ، ثم قدم عليه ، فخرج إلى
أبي السرايا ، فهزم
أبا السرايا غير مرة وطرده حتى رده إلى
الكوفة ووثب الطالبيون على دور
بني العباس بالكوفة فنهبوها ، وخربوا ضياعهم ، وفعلوا فعالا قبيحة وبعث
أبو السرايا إلى أهل
المدينة فاستجابوا له ، وبعث إلى أهل
مكة حسين بن حسن الأفطس [ ص: 111 ] بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ليقيم لهم الموسم ، فتهيب أن يدخلها جهرة ، ولما سمع نائب
مكة وهو
داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بقدومه هرب من
مكة طالبا أرض
العراق ، وبقي الناس بلا إمام ، فسئل مؤذنها
أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي أن يصلي بهم فأبى ، فقيل لقاضيها
محمد بن عبد الرحمن المخزومي فامتنع ، وقال : لمن أدعو وقد هرب نواب البلاد . فقدم الناس رجلا من عرضهم ، فصلى بهم الظهر والعصر ، وبلغ الخبر إلى
حسين بن الحسن الأفطس ، فدخل
مكة في عشرة رهط قبل الغروب فطاف
بالبيت ، ثم وقف
بعرفة ليلا وصلى بالناس الفجر
بمزدلفة ودفع بهم ، وأقام بقية المناسك في أيام منى للناس ، فدفع الناس من
عرفة بغير إمام .
[ ص: 109 ] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ
فِيهَا قَدِمَ
الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ بَغْدَادَ نَائِبًا عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ
الْمَأْمُونِ وَوَجَّهَ نُوَّابَهُ إِلَى بَقِيَّةِ أَعْمَالِهِ ، وَتَوَجَّهَ طَاهِرٌ إِلَى نِيَابَةِ
الْجَزِيرَةِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَبِلَادِ
الْمَغْرِبِ ، وَسَارَ
هَرْثَمَةُ إِلَى نِيَابَةِ
خُرَاسَانَ .
وَكَانَ قَدْ خَرَجَ فِي أَوَاخِرِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا
الْحَسَنُ الْهِرْشُ يَدْعُو إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَبَى الْأَمْوَالَ ، وَانْتَهَبَ الْأَنْعَامَ ، وَعَاثَ فِي الْبِلَادِ فَسَادًا ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ
الْمَأْمُونُ جَيْشًا ، فَقَتَلُوهُ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=33796خَرَجَ بِالْكُوفَةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، يَوْمَ الْخَمِيسِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ ، يَدْعُو إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ
مُحَمَّدٍ ، وَالْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَةِ ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ :
ابْنُ طَبَاطَبَا . وَكَانَ الْقَائِمُ بِأَمْرِهِ وَتَدْبِيرِ الْحَرْبِ بَيْنَ يَدَيْهِ
أَبُو السَّرَايَا السَّرِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ الشَّيْبَانِيُّ ، وَقَدْ أَصْفَقَ أَهْلُ
الْكُوفَةِ عَلَى وِفَاقِهِ وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، وَوَفَدَتْ إِلَيْهِ الْأَعْرَابُ مِنْ ضَوَاحِي
الْكُوفَةِ وَكَانَ النَّائِبُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ
الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ ، فَبَعَثَ
الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ إِلَى
سُلَيْمَانَ يَلُومُهُ وَيُؤَنِّبُهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِعَشَرَةِ آلَافِ فَارِسٍ
[ ص: 110 ] صُحْبَةَ
زُهَيْرِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، فَتَقَاتَلُوا خَارِجَ
الْكُوفَةِ فَهَزَمُوا
nindex.php?page=showalam&ids=15932زُهَيْرًا وَاسْتَبَاحُوا جَيْشَهُ وَنَهَبُوا مَا كَانَ مَعَهُ ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءَ سَلْخَ جُمَادَى الْآخِرَةِ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنَ الْوَقْعَةِ تُوُفِّيَ
ابْنُ طَبَاطَبَا أَمِيرُ
الشِّيعَةِ فَجْأَةً يُقَالُ : إِنَّ
أَبَا السَّرَايَا سَمَّهُ ، وَأَقَامَ مَكَانَهُ غُلَامًا أَمْرَدَ يُقَالُ لَهُ :
مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَانْعَزَلَ
زُهَيْرٌ بِمَنْ بَقِيَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى قَصْرِ
ابْنِ هُبَيْرَةَ وَأَرْسَلَ
الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ مَعَ
عُبْدُوسِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ مَدَدًا
لِزُهَيْرٍ فَاتَّقَعُوا
وَأَبُو السَّرَايَا ، فَهَزَمَهُمْ
أَبُو السَّرَايَا وَلَمْ يُفْلِتْ مِنْ أَصْحَابِ
عُبْدُوسٍ أَحَدٌ وَانْتَشَرَ الطَّالِبِيُّونَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ
nindex.php?page=treesubj&link=34063وَضَرَبَ أَبُو السَّرَايَا الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي الْكُوفَةِ وَنَقَشَ عَلَيْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=4إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ الْآيَةَ [ الصَّفِّ : 4 ] ، ثُمَّ بَعَثَ
أَبُو السَّرَايَا جُيُوشَهُ إِلَى
الْبَصْرَةِ وَوَاسِطٍ وَالْمَدَائِنِ ، فَهَزَمُوا مَنْ فِيهَا وَدَخَلُوهَا قَهْرًا ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ فَاهْتَمَّ لِذَلِكَ
الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ وَكَتَبَ إِلَى
هَرْثَمَةَ مِنْ
خُرَاسَانَ يَسْتَدْعِيهِ لِحَرْبِ
أَبِي السَّرَايَا ، فَتَمَنَّعَ ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ ، فَخَرَجَ إِلَى
أَبِي السَّرَايَا ، فَهَزَمَ
أَبَا السَّرَايَا غَيْرَ مَرَّةٍ وَطَرَدَهُ حَتَّى رَدَّهُ إِلَى
الْكُوفَةِ وَوَثَبَ الطَّالِبِيُّونَ عَلَى دَورِ
بَنِي الْعَبَّاسِ بِالْكُوفَةِ فَنَهَبُوهَا ، وَخَرَّبُوا ضِيَاعَهُمْ ، وَفَعَلُوا فِعَالًا قَبِيحَةً وَبَعَثَ
أَبُو السَّرَايَا إِلَى أَهْلِ
الْمَدِينَةِ فَاسْتَجَابُوا لَهُ ، وَبَعَثَ إِلَى أَهْلِ
مَكَّةَ حُسَيْنَ بْنَ حَسَنٍ الْأَفْطَسِ [ ص: 111 ] بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، لِيُقِيمَ لَهُمُ الْمَوْسِمَ ، فَتَهَيَّبَ أَنْ يَدْخُلَهَا جَهْرَةً ، وَلَمَّا سَمِعَ نَائِبُ
مَكَّةَ وَهُوَ
دَاوُدُ بْنُ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بِقُدُومِهِ هَرَبَ مِنْ
مَكَّةَ طَالِبًا أَرْضَ
الْعِرَاقِ ، وَبَقِيَ النَّاسُ بِلَا إِمَامٍ ، فَسُئِلَ مُؤَذِّنُهَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ فَأَبَى ، فَقِيلَ لِقَاضِيهَا
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ فَامْتَنَعَ ، وَقَالَ : لِمَنْ أَدْعُو وَقَدْ هَرَبَ نُوَّابُ الْبِلَادِ . فَقَدَّمَ النَّاسُ رَجُلًا مِنْ عُرْضِهِمْ ، فَصَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى
حُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَفْطَسِ ، فَدَخَلَ
مَكَّةَ فِي عَشَرَةِ رَهْطٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَطَافَ
بِالْبَيْتِ ، ثُمَّ وَقَفَ
بِعَرَفَةَ لَيْلًا وَصَلَّى بِالنَّاسِ الْفَجْرَ
بِمُزْدَلِفَةَ وَدَفَعَ بِهِمْ ، وَأَقَامَ بَقِيَّةَ الْمَنَاسِكِ فِي أَيَّامِ مِنًى لِلنَّاسِ ، فَدَفَعَ النَّاسُ مِنْ
عَرَفَةَ بِغَيْرِ إِمَامٍ .