nindex.php?page=treesubj&link=33788خلافة المستنصر بالله العباسي أمير المؤمنين أبي جعفر
منصور بن الظاهر محمد بن الناصر أحمد
بويع بالخلافة يوم مات أبوه يوم جمعة ثالث عشر رجب من هذه السنة ، سنة ثلاث وعشرين وستمائة ، استدعوا به من التاج ، فبايعه الخاصة والعامة من
[ ص: 151 ] أهل الحل والعقد وكان يوما مشهودا ، وكان عمره يومئذ خمسا وثلاثين سنة وخمسة أشهر وأحد عشر يوما ، وكان من أحسن الناس شكلا وأبهاهم منظرا ، وهو كما قال القائل :
كأن الثريا علقت في جبينه وفي خده الشعرى وفي وجهه القمر
وفي نسبه الشريف خمسة عشر خليفة ، منهم خمسة من آبائه ، ولوا نسقا وتلقى هو الخلافة عنهم وراثة كابرا عن كابر ، وهذا شيء لم يتفق لأحد من الخلفاء قبله ، وسار في الناس كسيرة أبيه الظاهر في الجود وحسن السيرة والإحسان إلى الرعية . وبنى المدرسة الكبيرة المستنصرية التي لم تبن مدرسة في الدنيا مثلها ، وسيأتي بيان ذلك في موضعه ، إن شاء الله تعالى ، واستمر أرباب الولايات الذين كانوا في عهد أبيه على ما كانوا عليه ، ولما كان يوم الجمعة المقبلة خطب للإمام
المستنصر بالله على المنابر ، ونثر الذهب والفضة عند ذكر اسمه ، وكان يوما مشهودا ، وأنشد الشعراء المدائح والمراثي ، وأطلقت لهم الخلع والجوائز .
وقدم رسول من صاحب
الموصل يوم غرة شعبان مع الوزير
ضياء الدين أبي الفتح نصر الله بن الأثير ، فيها التهنئة والتعزية بعبارة فصيحة بليغة .
ثم إن
المستنصر بالله كان يواظب على حضور الجمعة راكبا ظاهرا للناس ، وإنما معه خادمان ، وركب دار ، وخرج مرة وهو راكب ، فسمع ضجة عظيمة ، فقال : ما هذا؟ فقيل له : التأذين . فترجل عن فرسه ، وسعى ماشيا ، ثم
[ ص: 152 ] صار يدمن المشي إلى الجمعة رغبة في التواضع والخشوع ، ويجلس قريبا من الإمام ، ويستمع الخطبة ، ثم أصلح له المطبق ، فكان يمشي منه إلى الجمعة ، وركب في الثاني والعشرين من شعبان ركوبا ظاهرا للناس عامة ، ولما كانت أول ليلة من رمضان تصدق بصدقات كثيرة من الدقيق والغنم والنفقات على العلماء والفقراء والمحاويج ، إعانة لهم على الصيام ، وتقوية لهم على القيام .
وفي يوم السابع والعشرين من رمضان نقل تابوت أبيه
الظاهر من دار الخلافة إلى الترب من
الرصافة ، وكان يوما مشهودا ، وبعث الخليفة
المستنصر يوم العيد صدقات كثيرة ، وإنعاما جزيلا إلى الفقهاء
والصوفية وأئمة المساجد ، على يدي
محيي الدين بن الجوزي .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير أنه كانت زلزلة عظيمة في هذه السنة ، هدمت شيئا كثيرا من القرى والقلاع ببلادهم . وذكر أنه ذبح شاة ببلدهم ، فوجد لحمها مرا حتى رأسها وأكارعها ومعاليقها وجميع أجزائها .
nindex.php?page=treesubj&link=33788خِلَافَةُ الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ الْعَبَّاسِيِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي جَعْفَرٍ
مَنْصُورُ بْنُ الظَّاهِرِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّاصِرِ أَحْمَدَ
بُويِعَ بِالْخِلَافَةِ يَوْمَ مَاتَ أَبُوهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ ثَالِثَ عَشَرَ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ ، اسْتَدْعَوْا بِهِ مِنَ التَّاجِ ، فَبَايَعَهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ مِنْ
[ ص: 151 ] أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا ، وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمَئِذٍ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ شَكْلًا وَأَبْهَاهُمْ مَنْظَرًا ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ :
كَأَنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقَتْ فِي جَبِينِهِ وَفِي خَدِّهِ الشِّعْرَى وَفِي وَجْهِهِ الْقَمَرْ
وَفِي نَسَبِهِ الشَّرِيفِ خَمْسَةَ عَشَرَ خَلِيفَةً ، مِنْهُمْ خَمْسَةٌ مِنْ آبَائِهِ ، وَلُوا نَسَقًا وَتَلَقَّى هُوَ الْخِلَافَةَ عَنْهُمْ وِرَاثَةً كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ قَبْلَهُ ، وَسَارَ فِي النَّاسِ كَسِيرَةِ أَبِيهِ الظَّاهِرِ فِي الْجُودِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الرَّعِيَّةِ . وَبَنَى الْمَدْرَسَةَ الْكَبِيرَةَ الْمُسْتَنْصِرِيَّةَ الَّتِي لَمْ تُبْنَ مَدْرَسَةٌ فِي الدُّنْيَا مِثْلُهَا ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاسْتَمَرَّ أَرْبَابُ الْوِلَايَاتِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِ أَبِيهِ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ خُطِبَ لِلْإِمَامِ
الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ عَلَى الْمَنَابِرِ ، وَنُثِرَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا ، وَأَنْشَدَ الشُّعَرَاءُ الْمَدَائِحَ وَالْمَرَاثِيَ ، وَأُطْلِقَتْ لَهُمُ الْخِلَعُ وَالْجَوَائِزُ .
وَقَدِمَ رَسُولٌ مِنْ صَاحِبِ
الْمَوْصِلِ يَوْمَ غُرَّةِ شَعْبَانَ مَعَ الْوَزِيرِ
ضِيَاءِ الدِّينِ أَبِي الْفَتْحِ نَصْرِ اللَّهِ بْنِ الْأَثِيرِ ، فِيهَا التَّهْنِئَةُ وَالتَّعْزِيَةُ بِعِبَارَةٍ فَصِيحَةٍ بَلِيغَةٍ .
ثُمَّ إِنَّ
الْمُسْتَنْصِرَ بِاللَّهِ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى حُضُورِ الْجُمُعَةِ رَاكِبًا ظَاهِرًا لِلنَّاسِ ، وَإِنَّمَا مَعَهُ خَادِمَانِ ، وَرَكْبُ دَارٍ ، وَخَرَجَ مَرَّةً وَهُوَ رَاكِبٌ ، فَسَمِعَ ضَجَّةً عَظِيمَةً ، فَقَالَ : مَا هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ : التَّأْذِينُ . فَتَرَجَّلَ عَنْ فَرَسِهِ ، وَسَعَى مَاشِيًا ، ثُمَّ
[ ص: 152 ] صَارَ يُدْمِنُ الْمَشْيَ إِلَى الْجُمُعَةِ رَغْبَةً فِي التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ ، وَيَجْلِسُ قَرِيبًا مِنَ الْإِمَامِ ، وَيَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ ، ثُمَّ أُصْلِحَ لَهُ الْمُطْبِقُ ، فَكَانَ يَمْشِي مِنْهُ إِلَى الْجُمُعَةِ ، وَرَكِبَ فِي الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ رُكُوبًا ظَاهِرًا لِلنَّاسِ عَامَّةً ، وَلَمَّا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ تَصَدَّقَ بِصَدَقَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الدَّقِيقِ وَالْغَنَمِ وَالنَّفَقَاتِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَحَاوِيجِ ، إِعَانَةً لَهُمْ عَلَى الصِّيَامِ ، وَتَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ .
وَفِي يَوْمِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ نُقِلَ تَابُوتُ أَبِيهِ
الظَّاهِرِ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ إِلَى التُّرَبِ مِنَ
الرُّصَافَةِ ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا ، وَبَعَثَ الْخَلِيفَةُ
الْمُسْتَنْصِرُ يَوْمَ الْعِيدِ صَدَقَاتٍ كَثِيرَةً ، وَإِنْعَامًا جَزِيلًا إِلَى الْفُقَهَاءِ
وَالصُّوفِيَّةِ وَأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ ، عَلَى يَدَيْ
مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْجَوْزِيِّ .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّهُ كَانَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ فِي هَذِهِ السَّنَةِ ، هَدَمَتْ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْقُرَى وَالْقِلَاعِ بِبِلَادِهِمْ . وَذَكَرَ أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً بِبَلَدِهِمْ ، فَوَجَدَ لَحْمَهَا مُرًّا حَتَّى رَأْسَهَا وَأَكَارِعَهَا وَمَعَالِيقَهَا وَجَمِيعَ أَجْزَائِهَا .