[ ص: 364 ] nindex.php?page=treesubj&link=31589_29290قصة النجاشي
" من السيرة "
ثم
إن قريشا قالوا : إن ثأرنا بأرض الحبشة ، فانتدب إليها عمرو بن العاص ، وابن أبي ربيعة .
قال الزهري : بلغني أن مخرجها كان بعد وقعة بدر .
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم مخرجهما ، بعث nindex.php?page=showalam&ids=243عمرو بن أمية الضمري بكتابه إلى النجاشي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب وغيره : فبعث الكفار مع
عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي ، ولعظماء
الحبشة هدايا . فلما قدما على
النجاشي قبل الهدايا ، وأجلس
عمرو بن العاص على سريره . فكلم
النجاشي فقال : إن بأرضكم رجالا منا ليسوا على دينك ولا على ديننا ، فادفعهم إلينا . فقال عظماء
الحبشة nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي : صدق ، فادفعهم إليه . فقال : حتى أكلمهم .
قال
الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11947أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن
أم سلمة ، قالت : نزلنا
الحبشة ، فجاورنا بها خير جار ،
النجاشي ، أمنا على ديننا وعبدنا الله عز وجل ، لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه . فلما بلغ ذلك
قريشا ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى
النجاشي مع رجلين بما يستطرف من
مكة . وكان من أعجب ما يأتيه منها : الأدم . فجمعوا له أدما كثيرا ، ولم يتركوا بطريقا عنده إلا أهدوا له . وبعثوا
عبد الله بن أبي ربيعة ، nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص وقالوا : ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما
النجاشي .
[ ص: 365 ] فقدما ، وقالا لكل بطريق : إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء ، خالفوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم . وقد بعثنا أشرافنا إلى الملك ليردهم ، فإذا كلمناه فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا . فقالوا : نعم .
ثم قربا هداياهما إلى
النجاشي فقبلها ، فكلماه . فقالت بطارقته : صدقا أيها الملك ، قومهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم . فغضب
النجاشي ، ثم قال : لاها الله أبدا ، لا أرسلهم إليهم . قوم جاوروني ونزلوا بلادي ، واختاروني على سواي ، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقولون .
ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما جاء رسوله اجتمعوا ، وقال بعضهم لبعض : ما تقولون إذا جئتموه ؟ قالوا : نقول والله ما علمنا الله ، وأمرنا به نبينا ، كائن في ذلك ما كان . فلما جاءوه وقد دعا
النجاشي أساقفته ، ونشروا مصاحفهم حوله ، سألهم : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من الملل . قالت : فكلمه
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب ، فقال : أيها الملك : كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء إلى الجار ويأكل القوي منا الضعيف . كنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعا إلى الله لنعبده وحده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ،
[ ص: 366 ] وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام . وعد أمور الإسلام . قال : فصدقناه واتبعناه ، فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلدك ، وآثرناك على من سواك فرغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك .
قال : فهل معك شيء مما جاء به عن الله ؟ قال
جعفر : نعم . فقرأ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=1كهيعص ( 1 ) ) [ مريم ] .
قالت : فبكى
النجاشي وأساقفته حتى أخضلوا لحاهم ، حين سمعوا القرآن .
فقال
النجاشي : إن هذا والذي جاء به
موسى ليخرج من مشكاة واحدة . انطلقا ، فوالله لا أسلمهم إليكما أبدا .
قالت : فلما خرجنا من عنده ، قال
عمرو بن العاص : والله لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم . فقال له
ابن أبي ربيعة ; وكان أتقى الرجلين فينا : لا تفعل ، فإن لهم أرحاما ، وإن كانوا قد خالفونا . قال : فوالله لأخبرنه أنهم يزعمون أن
عيسى عبد .
قالت : ثم غدا عليه ، فقال : أيها الملك ، إنهم يقولون في
عيسى قولا عظيما . فأرسل إلينا ليسألنا . قالت : ولم ينزل بنا مثلها .
فقال : ما تقولون في
عيسى ؟ فقال
جعفر : نقول فيه الذي جاء به نبينا : عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى
مريم العذراء البتول .
فضرب
النجاشي بيده إلى الأرض ، وأخذ منها عودا ، وقال : ما عدا
عيسى بن مريم ما قلت هذا المقدار .
قال : فتناخرت بطارقته حين قال ما قال ، فقال : وإن نخرتم
[ ص: 367 ] والله . ثم قال
لجعفر وأصحابه : اذهبوا آمنين . ما أحب أن لي دبر ذهب ، وإني آذيت واحدا منكم والدبر بلسان
الحبشة : الجبل ردوا عليهما هديتهما ، فلا حاجة لنا فيها ، فوالله ما أخذ الله في الرشوة فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه . فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به .
قالت : فوالله إنا لعلى ذلك ، إذ نزل به رجل من
الحبشة ينازعه في ملكه ، فوالله ما علمنا حزنا قط أشد من حزن حزناه عند ذلك ، تخوفا أن يظهر عليه من لا يعرف حقنا . فسار إليه
النجاشي ، وبينهما عرض النيل .
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يخرج حتى يحضر الوقعة ويخبرنا ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام : أنا أخرج . وكان من أحدث القوم سنا . فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ، وسبح عليها إلى الناحية التي فيها الوقعة ، ودعونا الله
nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي ، فوالله إنا لعلى ذلك ، متوقعون لما هو كائن ، إذ طلع علينا
الزبير يسعى ويلوح بثوبه : ألا أبشروا ، فقد ظهر
النجاشي ، وأهلك الله عدوه . فوالله ما علمنا فرحة مثلها قط .
ورجع
النجاشي سالما ، واستوسق له أمر
الحبشة . فكنا عنده في خير منزل ، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمكة .
أخرجه
أبو داود من حديث
ابن إسحاق عن
الزهري .
وهؤلاء قدموا
مكة ، ثم هاجروا إلى
المدينة ، وبقي
جعفر وطائفة
بالحبشة إلى عام
خيبر .
وقد قيل إن إرسال
قريش إلى
النجاشي كان مرتين ، وأن المرة الثانية كان مع
عمرو :
عمارة بن الوليد المخزومي أخو
خالد . ذكر ذلك
[ ص: 368 ] ابن إسحاق أيضا . وذكر ما دار
nindex.php?page=showalam&ids=59لعمرو بن العاص مع
عمارة بن الوليد من رميه إياه في البحر ، وسعي
عمرو به إلى
النجاشي في وصوله إلى بعض حرمه أو خدمه ، وأنه ظهر ذلك في ظهور طيب الملك عليه ، وأن الملك دعا بسحرة فسحروه ونفخوا في إحليله . فتبرر ولزم البرية ، وهام ، حتى وصل إلى موضع رام أهله أخذه فيه ، فلما قربوا منه فاضت نفسه فمات .
وقال
ابن إسحاق ، قال
الزهري : حدثت
عروة بن الزبير حديث
أبي بكر عن
أم سلمة ، فقال : هل تدري ما قوله : ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه ؟ قلت : لا . قال : فإن
عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه ، لم يكن له ولد إلا
النجاشي . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي عم ، له من صلبه اثنا عشر رجلا ، وكانوا أهل بيت مملكة
الحبشة . فقالت
الحبشة : لو أنا قتلنا أبا
النجاشي وملكنا أخاه لتوارث بنوه ملكه بعده ، ولبقيت
الحبشة دهرا . قالت : فقتلوه وملكوا أخاه . فنشأ
النجاشي مع عمه . وكان لبيبا حازما . فغلب على أمر عمه . فلما رأت
الحبشة ذلك قالت : إنا نتخوف أن يملكه بعده ، ولئن ملك ليقتلنا بأبيه . فمشوا إلى عمه فقالوا : إما أن تقتل هذا الفتى ، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا . فقال : ويلكم ! قتلت أباه بالأمس ، وأقتله اليوم ؟ بل أخرجه . قال : فخرجوا به فباعوه من تاجر من سحائب الخريف ، فخرج عمه يستمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته . ففزعت
الحبشة إلى ولده ، فإذا هو محمق ليس في ولده خير . فمرج
[ ص: 369 ] على
الحبشة أمرهم وضاق عليهم ما هم فيه . فقال بعضهم لبعض : تعلموا ، والله ، إن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتم . قال : فخرجوا في طلبه وطلب الذي باعوه منه ، حتى أدركوه فأخذوه منه . ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج وأجلسوه على سرير الملك . فجاء التاجر فقال : إما أن تعطوني مالي وإما أن أكلمه في ذلك . فقالوا : لا نعطيك شيئا . قال : إذن والله أكلمه . قالوا : فدونك . فجاءه فجلس بين يديه ، فقال : أيها الملك ، ابتعت غلاما من قوم بالسوق بستمائة درهم ، حتى إذا سرت به أدركوني ، فأخذوه ومنعوني دراهمي . فقال
النجاشي : لتعطنه غلامه أو دراهمه . قالوا : بل نعطيه دراهمه .
قالت : فلذلك يقول : ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه . وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعدله .
قال
ابن إسحاق : وحدثني
يزيد بن رومان ، عن
عروة ، عن
عائشة ، قالت : لما مات
النجاشي كان يتحدث أنه لا يزال على قبره نور .
قال : وحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : اجتمعت
الحبشة فقالوا
nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي : إنك فارقت ديننا ، وخرجوا عليه . فأرسل إلى
جعفر وأصحابه ، فهيأ لهم سفنا ، وقال : اركبوا فيها ، وكونوا كما أنتم ، فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم ، وإن ظفرت فاثبتوا . ثم عمد إلى كتاب فكتب : هو يشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا عبده ورسوله ، ويشهد أن
عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته .
ثم جعله في قبائه وخرج إلى
الحبشة ، وصفوا له ، فقال : يا
[ ص: 370 ] معشر
الحبشة ، ألست أحق الناس بكم ؟ قالوا : بلى . قال : فكيف رأيتم سيرتي فيكم ؟ قالوا : خير سيرة . قال : فما بالكم ؟ قالوا : فارقت ديننا وزعمت أن
عيسى عبد . قال : فما تقولون أنتم ؟ قالوا : هو ابن الله . فوضع يده على صدره ، على قبائه ، وقال : هو يشهد أن
عيسى بن مريم . لم يزد على هذا شيئا ، وإنما يعني على ما كتب . فرضوا وانصرفوا .
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما مات صلى عليه واستغفر له ، رضي الله عنه ، وإنما ذكرنا هذا بعد
بدر استطرادا ، والله أعلم .
[ ص: 364 ] nindex.php?page=treesubj&link=31589_29290قِصَّةُ النَّجَاشِيِّ
" مِنَ السِّيرَةِ "
ثُمَّ
إِنَّ قُرَيْشًا قَالُوا : إِنْ ثَأَرْنَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فَانْتُدِبَ إِلَيْهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ .
قَالَ الزُّهْرِيُّ : بَلَغَنِي أَنَّ مُخْرَجَهَا كَانَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ .
فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْرَجَهُمَا ، بَعَثَ nindex.php?page=showalam&ids=243عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ بِكِتَابِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرُهُ : فَبَعَثَ الْكُفَّارُ مَعَ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ nindex.php?page=showalam&ids=888لِلنَّجَاشِيِّ ، وَلِعُظَمَاءِ
الْحَبَشَةِ هَدَايَا . فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى
النَّجَاشِيِّ قَبِلَ الْهَدَايَا ، وَأَجْلَسَ
عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ . فَكَلَّمَ
النَّجَاشِيَّ فَقَالَ : إِنَّ بِأَرْضِكُمْ رِجَالًا مِنَّا لَيْسُوا عَلَى دِينِكَ وَلَا عَلَى دِينِنَا ، فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا . فَقَالَ عُظَمَاءُ
الْحَبَشَةِ nindex.php?page=showalam&ids=888لِلنَّجَاشِيِّ : صَدَقَ ، فَادْفَعْهُمْ إِلَيْهِ . فَقَالَ : حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ .
قَالَ
الزُّهْرِيُّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11947أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ ، قَالَتْ : نَزَلْنَا
الْحَبَشَةَ ، فَجَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ ،
النَّجَاشِيَّ ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا وَعَبَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، لَا نُؤْذَى وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ . فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ
قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى
النَّجَاشِيِّ مَعَ رَجُلَيْنِ بِمَا يُسْتَطْرَفُ مِنْ
مَكَّةَ . وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا : الْأُدُمُ . فَجَمَعُوا لَهُ أُدُمًا كَثِيرًا ، وَلَمْ يَتْرُكُوا بِطْرِيقًا عِنْدَهُ إِلَّا أَهْدَوْا لَهُ . وَبَعَثُوا
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=59وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَقَالُوا : ادْفَعَا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَا
النَّجَاشِيَّ .
[ ص: 365 ] فَقَدِمَا ، وَقَالَا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ : إِنَّهُ قَدْ ضَوَى إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ ، خَالَفُوا دِينَ قَوْمِهِمْ ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ . وَقَدْ بَعَثْنَا أَشْرَافَنَا إِلَى الْمَلِكِ لِيَرُدَّهُمْ ، فَإِذَا كَلَّمْنَاهُ فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْنَا . فَقَالُوا : نَعَمْ .
ثُمَّ قَرَّبَا هَدَايَاهُمَا إِلَى
النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا ، فَكَلَّمَاهُ . فَقَالَتْ بِطَارِقَتُهُ : صَدَقَا أَيُّهَا الْمَلِكُ ، قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا ، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلِيْهِمْ . فَغَضِبَ
النَّجَاشِيُّ ، ثُمَّ قَالَ : لَاهَا اللَّهُ أَبَدًا ، لَا أُرْسِلُهُمْ إِلَيْهِمْ . قَوْمٌ جَاوَرُونِي وَنَزَلُوا بِلَادِي ، وَاخْتَارُونِي عَلَى سِوَايَ ، حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ .
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَا تَقُولُونَ إِذَا جِئْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : نَقُولُ وَاللَّهِ مَا عَلَّمَنَا اللَّهُ ، وَأَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا ، كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ . فَلَمَّا جَاءُوهُ وَقَدْ دَعَا
النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ ، وَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ ، سَأَلَهُمْ : مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ ، وَلَمْ تَدْخُلُوا بِهِ فِي دِينِي وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنَ الْمِلَلِ . قَالَتْ : فَكَلَّمَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=315جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ : كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَنُسِيءُ إِلَى الْجَارِ وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ . كُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَا إِلَى اللَّهِ لِنَعْبُدَهُ وَحْدَهُ ، وَنَخْلَعُ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ،
[ ص: 366 ] وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ . وَعَدَّ أُمُورَ الْإِسْلَامِ . قَالَ : فَصَدَّقْنَاهُ وَاتَّبَعْنَاهُ ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ، خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ ، وَآثَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ فَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ .
قَالَ : فَهَلْ مَعَكَ شَيْءٌ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ ؟ قَالَ
جَعْفَرٌ : نَعَمْ . فَقَرَأَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=1كهيعص ( 1 ) ) [ مَرْيَمَ ] .
قَالَتْ : فَبَكَى
النَّجَاشِيُّ وَأَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ ، حِينَ سَمِعُوا الْقُرْآنَ .
فَقَالَ
النَّجَاشِيُّ : إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ
مُوسَى لِيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ . انْطَلِقَا ، فَوَاللَّهِ لَا أُسَلِّمُهُمْ إِلَيْكُمَا أَبَدًا .
قَالَتْ : فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ ، قَالَ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ . فَقَالَ لَهُ
ابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ; وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا : لَا تَفْعَلْ ، فَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَامًا ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا . قَالَ : فَوَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ
عِيسَى عَبْدٌ .
قَالَتْ : ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي
عِيسَى قَوْلًا عَظِيمًا . فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا لِيَسْأَلَنَا . قَالَتْ : وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا .
فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي
عِيسَى ؟ فَقَالَ
جَعْفَرٌ : نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى
مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ .
فَضَرَبَ
النَّجَاشِيُّ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ ، وَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ، وَقَالَ : مَا عَدَا
عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْمِقْدَارَ .
قَالَ : فَتَنَاخَرَتْ بِطَارِقَتُهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ ، فَقَالَ : وَإِنْ نَخِرْتُمْ
[ ص: 367 ] وَاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ
لِجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ : اذْهَبُوا آمِنِينَ . مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرَ ذَهَبٍ ، وَإِنِّي آذَيْتُ وَاحِدًا مِنْكُمْ وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ
الْحَبَشَةِ : الْجَبَلُ رُدُّوا عَلِيْهِمَا هَدَيْتَهُمَا ، فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا ، فَوَاللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ فِيَّ الرِّشْوَةَ فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ . فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلِيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ .
قَالَتْ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ ، إِذْ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ
الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ ، تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَقَّنَا . فَسَارَ إِلَيْهِ
النَّجَاشِيُّ ، وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النِّيلِ .
فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ الْوَقْعَةَ وَيُخْبِرَنَا ؟ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ : أَنَا أَخْرُجُ . وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا . فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ، وَسَبَحَ عَلِيْهَا إِلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا الْوَقْعَةُ ، وَدَعَوْنَا اللَّهَ
nindex.php?page=showalam&ids=888لِلنَّجَاشِيِّ ، فَوَاللَّهِ إِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ ، مُتَوَقِّعُونَ لِمَا هُوَ كَائِنٌ ، إِذْ طَلَعَ عَلِيْنَا
الزُّبَيْرُ يَسْعَى وَيُلَوِّحُ بِثَوْبِهِ : أَلَا أَبْشِرُوا ، فَقَدْ ظَهَرَ
النَّجَاشِيُّ ، وَأَهْلَكَ اللَّهُ عَدُوَّهُ . فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا فَرْحَةً مِثْلَهَا قَطُّ .
وَرَجَعَ
النَّجَاشِيُّ سَالِمًا ، وَاسْتَوْسَقَ لَهُ أَمْرُ
الْحَبَشَةِ . فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمَكَّةَ .
أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ .
وَهَؤُلَاءِ قَدِمُوا
مَكَّةَ ، ثُمَّ هَاجَرُوا إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَبَقِيَ
جَعْفَرٌ وَطَائِفَةٌ
بِالْحَبَشَةِ إِلَى عَامِ
خَيْبَرَ .
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ إِرْسَالَ
قُرَيْشٍ إِلَى
النَّجَاشِيِّ كَانَ مَرَّتَيْنِ ، وَأَنَّ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ كَانَ مَعَ
عَمْرٍو :
عِمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ أَخُو
خَالِدٍ . ذَكَرَ ذَلِكَ
[ ص: 368 ] ابْنُ إِسْحَاقَ أَيْضًا . وَذَكَرَ مَا دَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=59لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَعَ
عِمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ مِنْ رَمْيِهِ إِيَّاهُ فِي الْبَحْرِ ، وَسَعْيِ
عَمْرٍو بِهِ إِلَى
النَّجَاشِيِّ فِي وُصُولِهِ إِلَى بَعْضِ حَرَمِهِ أَوْ خَدَمِهِ ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي ظُهُورِ طِيبِ الْمَلِكِ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ الْمَلِكَ دَعَا بِسَحَرَةٍ فَسَحَرُوهُ وَنَفَخُوا فِي إِحْلِيلِهِ . فَتَبَرَّرَ وَلَزِمَ الْبَرِيَّةَ ، وَهَامَ ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى مَوْضِعٍ رَامَ أَهْلُهُ أَخْذَهُ فِيهِ ، فَلَمَّا قَرُبُوا مِنْهُ فَاضَتْ نَفْسُهُ فَمَاتَ .
وَقَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ
الزُّهْرِيُّ : حَدَّثْتُ
عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدِيثَ
أَبِي بَكْرٍ عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا قَوْلُهُ : مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلِيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ ؟ قُلْتُ : لَا . قَالَ : فَإِنَّ
عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إِلَّا
النَّجَاشِيَّ . وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=888لِلنَّجَاشِيِّ عَمٌّ ، لَهُ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ، وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ مَمْلَكَةِ
الْحَبَشَةِ . فَقَالَتِ
الْحَبَشَةُ : لَوْ أَنَّا قَتَلْنَا أَبَا
النَّجَاشِيِّ وَمَلَّكْنَا أَخَاهُ لَتَوَارَثَ بَنُوهُ مُلْكَهُ بَعْدَهُ ، وَلَبَقِيَتِ
الْحَبَشَةُ دَهْرًا . قَالَتْ : فَقَتَلُوهُ وَمَلَّكُوا أَخَاهُ . فَنَشَأَ
النَّجَاشِيُّ مَعَ عَمِّهِ . وَكَانَ لَبِيبًا حَازِمًا . فَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ عَمِّهِ . فَلَمَّا رَأَتِ
الْحَبَشَةُ ذَلِكَ قَالَتْ : إِنَّا نَتَخَوَّفُ أَنْ يَمْلِكَهُ بَعْدَهُ ، وَلَئِنْ مَلَكَ لَيَقْتُلُنَا بِأَبِيهِ . فَمَشَوْا إِلَى عَمِّهِ فَقَالُوا : إِمَّا أَنْ تَقْتُلَ هَذَا الْفَتَى ، وَإِمَّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا . فَقَالَ : وَيْلَكُمُ ! قَتَلْتُ أَبَاهُ بِالْأَمْسِ ، وَأَقْتُلُهُ الْيَوْمَ ؟ بَلْ أُخْرِجُهُ . قَالَ : فَخَرَجُوا بِهِ فَبَاعُوهُ مِنْ تَاجِرٍ مِنْ سَحَائِبِ الْخَرِيفِ ، فَخَرَجَ عَمُّهُ يَسْتَمْطِرُ تَحْتَهَا فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَقَتَلَتْهُ . فَفَزِعَتِ
الْحَبَشَةُ إِلَى وَلَدِهِ ، فَإِذَا هُوَ مُحَمَّقٌ لَيْسَ فِي وَلَدِهِ خَيْرٌ . فَمَرَجَ
[ ص: 369 ] عَلَى
الْحَبَشَةِ أَمْرُهُمْ وَضَاقَ عَلِيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : تَعْلَّمُوا ، وَاللَّهِ ، إِنَّ مَلِكَكُمُ الَّذِي لَا يُقِيمُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ لِلَّذِي بِعْتُمْ . قَالَ : فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ وَطَلَبِ الَّذِي بَاعُوهُ مِنْهُ ، حَتَّى أَدْرَكُوهُ فَأَخَذُوهُ مِنْهُ . ثُمَّ جَاءُوا بِهِ فَعَقَدُوا عَلَيْهِ التَّاجَ وَأَجْلَسُوهُ عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ . فَجَاءَ التَّاجِرُ فَقَالَ : إِمَّا أَنْ تُعْطُونِي مَالِي وَإِمَّا أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي ذَلِكَ . فَقَالُوا : لَا نُعْطِيكَ شَيْئًا . قَالَ : إِذَنْ وَاللَّهِ أُكَلِّمُهُ . قَالُوا : فَدُونَكَ . فَجَاءَهُ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، ابْتَعْتُ غُلَامًا مِنْ قَوْمٍ بِالسُّوقِ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ ، حَتَّى إِذَا سِرْتُ بِهِ أَدْرَكُونِي ، فَأَخَذُوهُ وَمَنَعُونِي دَرَاهِمِي . فَقَالَ
النَّجَاشِيُّ : لَتُعْطُنَّهُ غُلَامَهُ أَوْ دَرَاهِمَهُ . قَالُوا : بَلْ نُعْطِيهِ دَرَاهِمَهُ .
قَالَتْ : فَلِذَلِكَ يَقُولُ : مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي رِشْوَةً حِينَ رَدَّ عَلِيَّ مُلْكِي ، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ . وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا خُبِّرَ مِنْ صَلَابَتِهِ فِي دِينِهِ وَعَدْلِهِ .
قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ
عُرْوَةَ ، عَنْ
عَائِشَةَ ، قَالَتْ : لَمَّا مَاتَ
النَّجَاشِيُّ كَانَ يُتَحَدَّثُ أَنَّهُ لَا يَزَالُ عَلَى قَبْرِهِ نُورٌ .
قَالَ : وَحَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : اجْتَمَعَتِ
الْحَبَشَةُ فَقَالُوا
nindex.php?page=showalam&ids=888لِلنَّجَاشِيِّ : إِنَّكَ فَارَقْتَ دِينَنَا ، وَخَرَجُوا عَلَيْهِ . فَأَرْسَلَ إِلَى
جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ ، فَهَيَّأَ لَهُمْ سُفُنًا ، وَقَالَ : ارْكَبُوا فِيهَا ، وَكُونُوا كَمَا أَنْتُمْ ، فَإِنْ هُزِمْتُ فَامْضُوا حَتَّى تَلْحَقُوا بِحَيْثُ شِئْتُمْ ، وَإِنْ ظَفِرْتُ فَاثْبُتُوا . ثُمَّ عَمَدَ إِلَى كِتَابٍ فَكَتَبَ : هُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَيَشْهَدُ أَنَّ
عِيسَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ .
ثُمَّ جَعَلَهُ فِي قِبَائِهِ وَخَرَجَ إِلَى
الْحَبَشَةِ ، وَصَفُّوا لَهُ ، فَقَالَ : يَا
[ ص: 370 ] مَعْشَرَ
الْحَبَشَةِ ، أَلَسْتُ أَحَقَّ النَّاسِ بِكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَكَيْفَ رَأَيْتُمْ سِيرَتِي فِيكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرُ سِيرَةٍ . قَالَ : فَمَا بَالُكُمْ ؟ قَالُوا : فَارَقْتَ دِينَنَا وَزَعَمْتَ أَنَّ
عِيسَى عَبْدٌ . قَالَ : فَمَا تَقُولُونَ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : هُوَ ابْنُ اللَّهِ . فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ ، عَلَى قِبَائِهِ ، وَقَالَ : هُوَ يَشْهَدُ أَنَّ
عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ . لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا ، وَإِنَّمَا يَعْنِي عَلَى مَا كَتَبَ . فَرَضُوا وَانْصَرَفُوا .
فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا مَاتَ صَلَّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا بَعْدَ
بَدْرٍ اسْتِطْرَادًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .