[ ص: 79 ] وأما ترتيب الآي بعضها عقب بعض فهو بتوقيف من النبيء صلى الله عليه وسلم حسب نزول الوحي ، ومن المعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28864القرآن نزل منجما آيات فربما نزلت عدة آيات متتابعة أو سورة كاملة ، كما سيأتي قريبا ، وذلك الترتيب مما يدخل في وجوه إعجازه من بداعة أسلوبه كما سيأتي في المقدمة العاشرة ، فلذلك كان ترتيب آيات السورة الواحدة على ما بلغتنا عليه متعينا بحيث لو غير عنه إلى ترتيب آخر لنزل على حد الإعجاز الذي امتاز به ، فلم تختلف قراءة النبيء صلى الله عليه وسلم في ترتيب آي السور على نحو ما هو في المصحف الذي بأيدي المسلمين اليوم ، وهو ما استقرت عليه رواية الحفاظ من الصحابة عن العرضات الأخيرة التي كان يقرأ بها النبيء صلى الله عليه وسلم في أواخر سني حياته الشريفة ، وحسبك أن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت حين كتب المصحف
لأبي بكر لم يخالف في
nindex.php?page=treesubj&link=28875ترتيب آي القرآن .
وعلى ترتيب قراءة النبيء صلى الله عليه وسلم في الصلوات الجهرية وفي عديد المناسبات حفظ القرآن كل من حفظه كلا أو بعضا ، وليس لهم معتمد في ذلك إلا ما عرفوا به من قوة الحوافظ ، ولم يكونوا يعتمدون على الكتابة ، وإنما كان كتاب الوحي يكتبون ما أنزل من القرآن بأمر النبيء صلى الله عليه وسلم ، وذلك بتوقيف إلهي . ولعل حكمة الأمر بالكتابة أن يرجع إليها المسلمون عندما يحدث لهم شك أو نسيان ولكن ذلك لم يقع .
ولما جمع القرآن في عهد
أبي بكر لم يؤثر عنهم أنهم ترددوا في ترتيب آيات من إحدى السور ، ولا أثر عنهم إنكار أو اختلاف فيما جمع من القرآن فكان موافقا لما حفظته حوافظهم ، قال
ابن وهب : سمعت
مالكا يقول : إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري كانت الآية تنزل جوابا لمستخبر يسأل ويوقف
جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم على موضع الآية . واتساق الحروف واتساق الآيات واتساق السور كله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلهذا كان
nindex.php?page=treesubj&link=28862الأصل في آي القرآن أن يكون بين الآية ولاحقتها تناسب في الغرض . أو في الانتقال منه أو نحو ذلك من أساليب الكلام المنتظم المتصل ، ومما يدل عليه وجود
[ ص: 80 ] حروف العطف المفيدة الاتصال مثل " الفاء ولكن وبل " ومثل أدوات الاستثناء ، على أن وجود ذلك لا يعين اتصال ما بعده بما قبله في النزول ، فإنه قد اتفق على أن قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95غير أولي الضرر نزل بعد نزول ما قبله وما بعده من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95لا يستوي القاعدون إلى قوله " وأنفسهم " قال
بدر الدين الزركشي قال بعض مشائخنا المحققين : قد وهم من قال : لا تطلب للآي الكريمة مناسبة والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو مستقلة ، ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها ، ففي ذلك علم جم . على أنه يندر أن يكون موقع الآية عقب التي قبلها لأجل نزولها عقب التي قبلها من سورة هي بصدد النزول ، فيؤمر النبيء بأن يقرأها عقب التي قبلها ، وهذا كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما نتنزل إلا بأمر ربك عقب قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا في سورة مريم ، فقد روي أن
جبريل لبث أياما لم ينزل على النبيء صلى الله عليه وسلم بوحي ، فلما نزل بالآيات السابقة عاتبه النبيء ، فأمر الله
جبريل أن يقول
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما نتنزل إلا بأمر ربك فكانت وحيا نزل به
جبريل ، فقرئ مع الآية التي نزل بأثرها ، وكذلك آية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها عقب قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وهم فيها خالدون في سورة البقرة ، إذ كان ردا على المشركين في قولهم : أما يستحيي
محمد أن يمثل بالذباب وبالعنكبوت ؟ فلما ضرب لهم الأمثال بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مثلهم كمثل الذي استوقد نارا نخلص إلى الرد عليهم فيما أنكروه من الأمثال . على أنه لا يعدم مناسبة " ما " ، وقد لا تكون له مناسبة ولكنه اقتضاه سبب في ذلك المكان كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إن علينا جمعه وقرآنه nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=18فإذا قرأناه فاتبع قرآنه nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=19ثم إن علينا بيانه فهذه الآيات نزلت في سورة القيامة في خلال توبيخ المشركين على إنكارهم البعث ووصف يوم الحشر وأهواله ، وليست لها مناسبة بذلك ولكن سبب نزولها حصل في خلال ذلك .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341039كان رسول الله إذا نزل جبريل بالوحي كان مما يحرك به لسانه وشفتيه يريد أن يحفظه فأنزل الله الآية التي في " nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم بيوم القيامة " اهـ ، فذلك يفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرك شفتيه بالآيات التي نزلت في أول السورة .
[ ص: 81 ] على أنه قد لا يكون في موقع الآية من التي قبلها ظهور مناسبة فلا يوجب ذلك حيرة للمفسر ; لأنه قد يكون سبب وضعها في موضعها أنها قد نزلت على سبب ، وكان حدوث سبب نزولها في مدة نزول السورة التي وضعت فيها ، فقرئت تلك الآية عقب آخر آية انتهى إليها النزول ، وهذا كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حافظوا على الصلوات إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=239ما لم تكونوا تعلمون بين تشريعات أحكام كثيرة في شئون الأزواج والأمهات ، وقد ذكرنا ذلك عند هذه الآية في التفسير .
وقد تكون الآية ألحقت بالسورة بعد تمام نزولها بأن أمر الرسول بوضعها عقب آية معينة كما تقدم آنفا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في آية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله وكذلك ما روي في صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أن أول سورة الحديد نزل
بمكة ، ولم يختلف المفسرون في أن قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=10وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله إلى آخر السورة نزل
بالمدينة فلا يكون ذلك إلا لمناسبة بينها وبين آي تلك السورة والتشابه في أسلوب النظم ، وإنما تأخر نزول تلك الآية عن نزول أخواتها من سورتها لحكمة اقتضت تأخرها ترجع غالبا إلى حدوث سبب النزول كما سيأتي قريبا .
ولما كان تعيين الآيات التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في موضع معين غير مروي إلا في عدد قليل ، كان حقا على المفسر أن يتطلب مناسبات لمواقع الآيات ما وجد إلى ذلك سبيلا موصلا وإلا فليعرض عنه ولا يكن من المتكلفين .
إن
nindex.php?page=treesubj&link=20753الغرض الأكبر للقرآن هو إصلاح الأمة بأسرها . فإصلاح كفارها بدعوتهم إلى الإيمان ونبذ العبادة الضالة واتباع الإيمان والإسلام ، وإصلاح المؤمنين بتقويم أخلاقهم وتثبيتهم على هداهم وإرشادهم إلى طريق النجاح وتزكية نفوسهم ولذلك كانت أغراضه مرتبطة بأحوال المجتمع في مدة الدعوة ، فكانت آيات القرآن مستقلا بعضها عن بعض ، لأن كل آية منه ترجع إلى غرض الإصلاح والاستدلال عليه ، وتكميله وتخليصه من تسرب الضلالات إليه ، فلم يلزم أن تكون آياته متسلسلة ، ولكن حال القرآن كحال الخطيب ، يتطرق إلى معالجة الأحوال الحاضرة على اختلافها ، وينتقل من حال إلى حال بالمناسبة ، ولذلك تكثر في القرآن الجمل المعترضة لأسباب اقتضت نزولها أو بدون ذلك ; فإن كل جملة تشتمل على حكمة وإرشاد أو تقويم معوج ، كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=72وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار إلى
[ ص: 82 ] قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم فقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73قل إن الهدى هدى الله جملة معترضة .
[ ص: 79 ] وَأَمَّا تَرْتِيبُ الْآيِ بَعْضِهَا عَقِبَ بَعْضٍ فَهُوَ بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَبَ نُزُولِ الْوَحْيِ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28864الْقُرْآنَ نَزَلَ مُنَجَّمًا آيَاتٍ فَرُبَّمَا نَزَلَتْ عِدَّةُ آيَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ أَوْ سُورَةٍ كَامِلَةٍ ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا ، وَذَلِكَ التَّرْتِيبُ مِمَّا يَدْخُلُ فِي وُجُوهِ إِعْجَازِهِ مِنْ بَدَاعَةِ أُسْلُوبِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ ، فَلِذَلِكَ كَانَ تَرْتِيبُ آيَاتِ السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى مَا بَلَغَتْنَا عَلَيْهِ مُتَعَيِّنًا بِحَيْثُ لَوْ غُيِّرَ عَنْهُ إِلَى تَرْتِيبٍ آخَرَ لَنَزَلَ عَلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ الَّذِي امْتَازَ بِهِ ، فَلَمْ تَخْتَلِفْ قِرَاءَةُ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْتِيبِ آيِ السُّوَرِ عَلَى نَحْوِ مَا هُوَ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ ، وَهُوَ مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْحُفَّاظِ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ الْعَرْضَاتِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ بِهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَاخِرِ سِنِيِّ حَيَاتِهِ الشَّرِيفَةِ ، وَحَسْبُكَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حِينَ كَتَبَ الْمُصْحَفَ
لِأَبِي بَكْرٍ لَمْ يُخَالِفْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28875تَرْتِيبِ آيِ الْقُرْآنِ .
وَعَلَى تَرْتِيبِ قِرَاءَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَوَاتِ الْجَهْرِيَّةِ وَفِي عَدِيدِ الْمُنَاسَبَاتِ حَفِظَ الْقُرْآنَ كُلُّ مَنْ حَفِظَهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا ، وَلَيْسَ لَهُمْ مُعْتَمَدٌ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا عُرِفُوا بِهِ مِنْ قُوَّةِ الْحَوَافِظِ ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَى الْكِتَابَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كُتَّابُ الْوَحْيِ يَكْتُبُونَ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِأَمْرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَلِكَ بِتَوْقِيفٍ إِلَهِيٍّ . وَلَعَلَّ حِكْمَةَ الْأَمْرِ بِالْكِتَابَةِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ عِنْدَمَا يَحْدُثُ لَهُمْ شَكٌّ أَوْ نِسْيَانٌ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ .
وَلَمَّا جُمِعَ الْقُرْآنُ فِي عَهْدِ
أَبِي بَكْرٍ لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ تَرَدَّدُوا فِي تَرْتِيبِ آيَاتٍ مِنْ إِحْدَى السُّوَرِ ، وَلَا أُثِرَ عَنْهُمْ إِنْكَارٌ أَوِ اخْتِلَافٌ فِيمَا جُمِعَ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَانَ مُوَافِقًا لِمَا حَفِظَتْهُ حَوَافِظُهُمْ ، قَالَ
ابْنُ وَهْبٍ : سَمِعْتُ
مَالِكًا يَقُولُ : إِنَّمَا أُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ كَانَتِ الْآيَةُ تَنْزِلُ جَوَابًا لِمُسْتَخْبِرٍ يَسْأَلُ وَيُوقِفُ
جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْضِعِ الْآيَةِ . وَاتِّسَاقُ الْحُرُوفِ وَاتِّسَاقُ الْآيَاتِ وَاتِّسَاقُ السُّوَرِ كُلُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلِهَذَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=28862الْأَصْلُ فِي آيِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْآيَةِ وَلَاحِقَتِهَا تَنَاسُبٌ فِي الْغَرَضِ . أَوْ فِي الِانْتِقَالِ مِنْهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَسَالِيبِ الْكَلَامِ الْمُنْتَظِمِ الْمُتَّصِلِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُودُ
[ ص: 80 ] حُرُوفِ الْعَطْفِ الْمُفِيدَةِ الِاتِّصَالَ مِثْلَ " الْفَاءِ وَلَكِنْ وَبَلْ " وَمِثْلَ أَدَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ ، عَلَى أَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ لَا يُعَيِّنُ اتِّصَالَ مَا بَعْدَهُ بِمَا قَبْلَهُ فِي النُّزُولِ ، فَإِنَّهُ قَدِ اتُّفِقَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ نَزَلَ بَعْدَ نُزُولِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ إِلَى قَوْلِهِ " وَأَنْفُسِهِمْ " قَالَ
بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ بَعْضُ مَشَائِخِنَا الْمُحَقِّقِينَ : قَدْ وَهِمَ مَنْ قَالَ : لَا تُطْلَبُ لِلْآيِ الْكَرِيمَةِ مُنَاسَبَةٌ وَالَّذِي يَنْبَغِي فِي كُلِّ آيَةٍ أَنْ يُبْحَثَ أَوَّلَ شَيْءٍ عَنْ كَوْنِهَا مُكَمِّلَةً لِمَا قَبْلَهَا أَوْ مُسْتَقِلَّةً ، ثُمَّ الْمُسْتَقِلَّةُ مَا وَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا لِمَا قَبْلَهَا ، فَفِي ذَلِكَ عِلْمٌ جَمٌّ . عَلَى أَنَّهُ يَنْدُرُ أَنْ يَكُونَ مَوْقِعُ الْآيَةِ عَقِبَ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَجْلِ نُزُولِهَا عَقِبَ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ سُورَةٍ هِيَ بِصَدَدِ النُّزُولِ ، فَيُؤْمَرُ النَّبِيءُ بِأَنْ يَقْرَأَهَا عَقِبَ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ عَقِبَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا فِي سُورَةِ مَرْيَمَ ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ
جِبْرِيلَ لَبِثَ أَيَّامًا لَمْ يَنْزِلْ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَحْيٍ ، فَلَمَّا نَزَلَ بِالْآيَاتِ السَّابِقَةِ عَاتَبَهُ النَّبِيءُ ، فَأَمَرَ اللَّهُ
جِبْرِيلَ أَنْ يَقُولَ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ فَكَانَتْ وَحَيًّا نَزَلَ بِهِ
جِبْرِيلُ ، فَقُرِئَ مَعَ الْآيَةِ الَّتِي نَزَلَ بِأَثَرِهَا ، وَكَذَلِكَ آيَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا عَقِبَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، إِذْ كَانَ رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِمْ : أَمَا يَسْتَحْيِي
مُحَمَّدٌ أَنْ يُمَثِّلَ بِالذُّبَابِ وَبِالْعَنْكَبُوتِ ؟ فَلَمَّا ضَرَبَ لَهُمُ الْأَمْثَالَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا نَخْلُصُ إِلَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَنْكَرُوهُ مِنَ الْأَمْثَالِ . عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْدَمُ مُنَاسَبَةُ " مَا " ، وَقَدْ لَا تَكُونُ لَهُ مُنَاسَبَةٌ وَلَكِنَّهُ اقْتَضَاهُ سَبَبٌ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=17إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=18فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=19ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ فَهَذِهِ الْآيَاتُ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ فِي خِلَالِ تَوْبِيخِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَوَصْفِ يَوْمِ الْحَشْرِ وَأَهْوَالِهِ ، وَلَيْسَتْ لَهَا مُنَاسَبَةٌ بِذَلِكَ وَلَكِنْ سَبَبُ نُزُولِهَا حَصَلَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ .
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341039كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ كَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ يُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ الَّتِي فِي " nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ " اهـ ، فَذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالْآيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ .
[ ص: 81 ] عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ فِي مَوْقِعِ الْآيَةِ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا ظُهُورُ مُنَاسَبَةٍ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ حَيْرَةً لِلْمُفَسِّرِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبَبُ وَضْعِهَا فِي مَوْضِعِهَا أَنَّهَا قَدْ نَزَلَتْ عَلَى سَبَبٍ ، وَكَانَ حُدُوثُ سَبَبِ نُزُولِهَا فِي مُدَّةِ نُزُولِ السُّورَةِ الَّتِي وُضِعَتْ فِيهَا ، فَقُرِئَتْ تِلْكَ الْآيَةُ عَقِبَ آخِرِ آيَةٍ انْتَهَى إِلَيْهَا النُّزُولُ ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=239مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ بَيَّنَ تَشْرِيعَاتِ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ فِي شُئُونِ الْأَزْوَاجِ وَالْأُمَّهَاتِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي التَّفْسِيرِ .
وَقَدْ تَكُونُ الْآيَةُ أُلْحِقَتْ بِالسُّورَةِ بَعْدَ تَمَامِ نُزُولِهَا بِأَنْ أُمِرَ الرَّسُولُ بِوَضْعِهَا عَقِبَ آيَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي آيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَوَّلَ سُورَةِ الْحَدِيدِ نَزَلَ
بِمَكَّةَ ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمُفَسِّرُونَ فِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=10وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ نَزَلَ
بِالْمَدِينَةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ آيِ تِلْكَ السُّورَةِ وَالتَّشَابُهِ فِي أُسْلُوبِ النَّظْمِ ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ نُزُولُ تِلْكَ الْآيَةِ عَنْ نُزُولِ أَخَوَاتِهَا مِنْ سُورَتِهَا لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْ تَأَخُّرَهَا تَرْجِعُ غَالِبًا إِلَى حُدُوثِ سَبَبِ النُّزُولِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا .
وَلَمَّا كَانَ تَعْيِينُ الْآيَاتِ الَّتِي أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضْعِهَا فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ غَيْرَ مَرْوِيٍّ إِلَّا فِي عَدَدٍ قَلِيلٍ ، كَانَ حَقًّا عَلَى الْمُفَسِّرِ أَنْ يَتَطَلَّبَ مُنَاسَبَاتٍ لِمَوَاقِعِ الْآيَاتِ مَا وَجَدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا مُوَصَّلًا وَإِلَّا فَلْيُعْرِضْ عَنْهُ وَلَا يَكُنْ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ .
إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20753الْغَرَضَ الْأَكْبَرَ لِلْقُرْآنِ هُوَ إِصْلَاحُ الْأُمَّةِ بِأَسْرِهَا . فَإِصْلَاحُ كُفَّارِهَا بِدَعْوَتِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَنَبْذِ الْعِبَادَةِ الضَّالَّةِ وَاتِّبَاعِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ ، وَإِصْلَاحُ الْمُؤْمِنِينَ بِتَقْوِيمِ أَخْلَاقِهِمْ وَتَثْبِيتِهِمْ عَلَى هُدَاهُمْ وَإِرْشَادِهِمْ إِلَى طَرِيقِ النَّجَاحِ وَتَزْكِيَةِ نُفُوسِهِمْ وَلِذَلِكَ كَانَتْ أَغْرَاضُهُ مُرْتَبِطَةً بِأَحْوَالِ الْمُجْتَمَعِ فِي مُدَّةِ الدَّعْوَةِ ، فَكَانَتْ آيَاتُ الْقُرْآنِ مُسْتَقِلًّا بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ ، لِأَنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنْهُ تَرْجِعُ إِلَى غَرَضِ الْإِصْلَاحِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ ، وَتَكْمِيلِهِ وَتَخْلِيصِهِ مِنْ تَسَرُّبِ الضَّلَالَاتِ إِلَيْهِ ، فَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ تَكُونَ آيَاتُهُ مُتَسَلْسِلَةً ، وَلَكِنَّ حَالَ الْقُرْآنِ كَحَالِ الْخَطِيبِ ، يَتَطَرَّقُ إِلَى مُعَالَجَةِ الْأَحْوَالِ الْحَاضِرَةِ عَلَى اخْتِلَافِهَا ، وَيَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ بِالْمُنَاسَبَةِ ، وَلِذَلِكَ تَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ الْجُمَلُ الْمُعْتَرِضَةُ لِأَسْبَابٍ اقْتَضَتْ نُزُولَهَا أَوْ بِدُونِ ذَلِكَ ; فَإِنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى حِكْمَةٍ وَإِرْشَادٍ أَوْ تَقْوِيمِ مُعْوَجٍّ ، كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=72وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ إِلَى
[ ص: 82 ] قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ فَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=73قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ .