[ ص: 210 ] [ ص: 211 ] بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=28883سورة النساء
سميت هذه السورة في كلام السلف سورة النساء; ففي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=10341472عن عائشة قالت ما نزلت سورة البقرة وسورة النساء إلا وأنا عنده . وكذلك سميت في المصاحف وفي كتب السنة وكتب التفسير ، ولا يعرف لها اسم آخر ، لكن يؤخذ مما روي في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود من قوله " لنزلت سورة النساء القصرى " يعني سورة الطلاق أنها شاركت هذه السورة في التسمية الطولى ، ولم أقف عليه صريحا . ووقع في كتاب بصائر ذوي التمييز
للفيروزاباذي أن هذه السورة تسمى سورة النساء الكبرى ، واسم سورة الطلاق سورة النساء الصغرى . ولم أره لغيره .
ووجه تسميتها بإضافة إلى النساء أنها افتتحت بأحكام صلة الرحم ، ثم بأحكام تخص النساء ، وأن فيها أحكاما كثيرة من أحكام النساء : الأزواج ، والبنات ، وختمت بأحكام تخص النساء .
وكان ابتداء نزولها
بالمدينة ، لما صح
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341473عن عائشة أنها قالت : ما نزلت سورة البقرة وسورة النساء إلا وأنا عنده . وقد علم أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - بنى
بعائشة في
المدينة في شوال ، لثمان أشهر خلت من الهجرة ، واتفق العلماء على أن سورة النساء نزلت بعد البقرة ، فتعين أن يكون نزولها متأخرا عن الهجرة بمدة طويلة . والجمهور قالوا : نزلت بعد آل عمران ، ومعلوم أن آل عمران نزلت في خلال سنة ثلاث أي بعد وقعة
أحد ، فيتعين أن تكون سورة النساء نزلت بعدها . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28889_32265أول ما نزل بالمدينة سورة البقرة ، ثم الأنفال ثم آل عمران ، ثم سورة الأحزاب ، ثم الممتحنة ، ثم النساء ، فإذا كان كذلك تكون سورة النساء نازلة بعد وقعة الأحزاب التي هي في أواخر سنة أربع أو أول سنة خمس من الهجرة ، وبعد صلح
الحديبية الذي هو في سنة ست حيث تضمنت سورة
[ ص: 212 ] الممتحنة شرط إرجاع من يأتي من المشركين هاربا إلى المسلمين عدا النساء ، وهي آية
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية . وقد قيل : إن آية
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وآتوا اليتامى أموالهم نزلت في رجل من
غطفان له ابن أخ له يتيم ،
وغطفان أسلموا بعد وقعة الأحزاب ، إذ هم من جملة الأحزاب ، أي بعد سنة خمس . ومن العلماء من قال : نزلت سورة النساء عند الهجرة . وهو بعيد . وأغرب منه من قال : إنها نزلت
بمكة لأنها افتتحت ب ( يا أيها الناس ) ، وما كان فيه يا أيها الناس فهو
مكي ، ولعله يعني أنها نزلت
بمكة أيام الفتح لا قبل الهجرة لأنهم يطلقون المكي بإطلاقين . وقال بعضهم : نزل صدرها
بمكة وسائرها
بالمدينة . والحق أن الخطاب ب يا أيها الناس لا يدل إلا على إرادة دخول أهل
مكة في الخطاب ، ولا يلزم أن يكون ذلك
بمكة ، ولا قبل الهجرة ، فإن كثيرا مما فيه يا أيها الناس مدني بالاتفاق . ولا شك في أنها نزلت بعد آل عمران لأن في سورة النساء من تفاصيل الأحكام ما شأنه أن يكون بعد استقرار المسلمين
بالمدينة ، وانتظام أحوالهم وأمنهم من أعدائهم . وفيها آية التيمم ، والتيمم شرع يوم غزوة
المريسيع سنة خمس ، وقيل : سنة ست . فالذي يظهر أن
nindex.php?page=treesubj&link=32267نزول سورة النساء كان في حدود سنة سبع وطالت مدة نزولها ، ويؤيد ذلك أن كثيرا من الأحكام التي جاءت فيها مفصلة تقدمت مجملة في سورة البقرة من أحكام الأيتام والنساء والمواريث ، فمعظم ما في سورة النساء شرائع تفصيلية في معظم نواحي حياة المسلمين الاجتماعية من نظم الأموال والمعاشرة والحكم وغير ذلك ، على أنه قد قيل : إن آخر آية منها ، وهي آية الكلالة ، هي آخر آية نزلت من القرآن ، على أنه يجوز أن يكون بين نزول سائر سورة النساء وبين نزول آية الكلالة ، التي في آخرها مدة طويلة ، وأنه لما نزلت آية الكلالة الأخيرة أمروا بإلحاقها بسورة النساء التي فيها الآية الأولى . ووردت في السنة تسمية آية الكلالة الأولى آية الشتاء ، وآية الكلالة الأخيرة آية الصيف . ويتعين ابتداء نزولها قبل فتح
مكة لقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها يعني
مكة . وفيها آية
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها نزلت يوم فتح
مكة في قصة
عثمان بن طلحة الشيبي ، صاحب مفتاح
الكعبة ، وليس فيها جدال مع المشركين سوى تحقير دينهم ، نحو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=116فقد ضل ضلالا بعيدا إلخ .
[ ص: 213 ] وسوى التهديد بالقتال ، وقطع معذرة المتقاعدين عن الهجرة . وتوهين بأسهم عن المسلمين ، مما يدل على أن أمر المشركين قد صار إلى وهن ، وصار المسلمون في قوة عليهم ، وأن معظمها ، بعد التشريع ، جدال كثير مع
اليهود وتشويه لأحوال المنافقين ، وجدال مع
النصارى ليس بكثير ، ولكنه أوسع مما في سورة آل عمران ، مما يدل على أن مخالطة المسلمين
للنصارى أخذت تظهر بسبب تفشي الإسلام في تخوم
الحجاز الشامية لفتح معظم
الحجاز وتهامة .
وقد عدت الثالثة والتسعين من السور ، نزلت بعد سورة الممتحنة وقبل سورة
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=1إذا زلزلت الأرض .
وعدد آيها مائة وخمس وسبعون في عدد
أهل المدينة ومكة والبصرة ، ومائة وست وسبعون في عدد
أهل الكوفة ، ومائة وسبع وسبعون في عدد
أهل الشام .
وقد اشتملت على أغراض وأحكام كثيرة أكثرها تشريع معاملات الأقرباء وحقوقهم ، فكانت فاتحتها مناسبة لذلك بالتذكير بنعمة خلق الله ، وأنهم محقوقون بأن يشكروا ربهم على ذلك ، وأن يراعوا حقوق النوع الذي خلقوا منه ، بأن يصلوا أرحامهم القريبة والبعيدة ، وبالرفق بضعفاء النوع من اليتامى ، ويراعوا حقوق صنف النساء من نوعهم بإقامة العدل في معاملاتهن ، والإشارة إلى النكاح والصداق ، وشرع قوانين المعاملة مع النساء في حالتي الاستقامة والانحراف من كلا الزوجين ، ومعاشرتهن والمصالحة معهن ، وبيان ما يحل للتزوج منهن ، والمحرمات بالقرابة أو الصهر ، وأحكام الجواري بملك اليمين . وكذلك حقوق مصير المال إلى القرابة ، وتقسيم ذلك ، وحقوق حفظ اليتامى في أموالهم وحفظها لهم والوصاية عليهم .
ثم أحكام المعاملات بين جماعة المسلمين في الأموال والدماء وأحكام القتل عمدا وخطأ ، وتأصيل الحكم الشرعي بين المسلمين في الحقوق والدفاع عن المعتدى عليه ، والأمر بإقامة العدل بدون مصانعة ، والتحذير من اتباع الهوى ، والأمر بالبر ، والمواساة ، وأداء الأمانات ، والتمهيد لتحريم شرب الخمر .
[ ص: 214 ] وطائفة من أحكام الصلاة ، والطهارة ، وصلاة الخوف . ثم أحوال
اليهود ، لكثرتهم
بالمدينة ، وأحوال المنافقين وفضائحهم ، وأحكام الجهاد لدفع شوكة المشركين . وأحكام معاملة المشركين ومساويهم ، ووجوب هجرة المؤمنين من مكة ، وإبطال مآثر الجاهلية .
وقد تخلل ذلك مواعظ وترغيب ، ونهي عن الحسد ، وعن تمني ما للغير من المزايا التي حرم منها من حرم بحكم الشرع ، أو بحكم الفطرة . والترغيب في التوسط في الخير والإصلاح . وبث المحبة بين المسلمين .
[ ص: 210 ] [ ص: 211 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=28883سُورَةُ النِّسَاءِ
سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فِي كَلَامِ السَّلَفِ سُورَةَ النِّسَاءِ; فَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341472عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَسُورَةُ النِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ . وَكَذَلِكَ سُمِّيَتْ فِي الْمَصَاحِفِ وَفِي كُتُبِ السُّنَّةِ وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ ، وَلَا يُعْرَفُ لَهَا اسْمٌ آخَرُ ، لَكِنْ يُؤْخَذُ مِمَّا رُوِيَ فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ " لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى " يَعْنِي سُورَةَ الطَّلَاقِ أَنَّهَا شَارَكَتْ هَذِهِ السُّورَةَ فِي التَّسْمِيَةِ الطُّولَى ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ صَرِيحًا . وَوَقَعَ فِي كِتَابِ بَصَائِرِ ذَوِي التَّمْيِيزِ
لِلْفِيرُوزَابَاذِيِّ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تُسَمَّى سُورَةَ النِّسَاءِ الْكُبْرَى ، وَاسْمُ سُورَةِ الطَّلَاقِ سُورَةُ النِّسَاءِ الصُّغْرَى . وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ .
وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا بِإِضَافَةٍ إِلَى النِّسَاءِ أَنَّهَا افْتُتِحَتْ بِأَحْكَامِ صِلَةِ الرَّحِمِ ، ثُمَّ بِأَحْكَامٍ تَخُصُّ النِّسَاءَ ، وَأَنَّ فِيهَا أَحْكَامًا كَثِيرَةً مِنْ أَحْكَامِ النِّسَاءِ : الْأَزْوَاجُ ، وَالْبَنَاتُ ، وَخُتِمَتْ بِأَحْكَامٍ تَخُصُّ النِّسَاءَ .
وَكَانَ ابْتِدَاءُ نُزُولِهَا
بِالْمَدِينَةِ ، لِمَا صَحَّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341473عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : مَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَسُورَةُ النِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ . وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنَى
بِعَائِشَةَ فِي
الْمَدِينَةِ فِي شَوَّالٍ ، لِثَمَانِ أَشْهُرٍ خَلَتْ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ نَزَلَتْ بَعْدَ الْبَقَرَةِ ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا مُتَأَخِّرًا عَنِ الْهِجْرَةِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ . وَالْجُمْهُورُ قَالُوا : نَزَلَتْ بَعْدَ آلِ عِمْرَانَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ آلَ عِمْرَانَ نَزَلَتْ فِي خِلَالِ سَنَةِ ثَلَاثٍ أَيْ بَعْدَ وَقْعَةِ
أُحُدٍ ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ سُورَةُ النِّسَاءِ نَزَلَتْ بَعْدَهَا . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28889_32265أَوَّلَ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ، ثُمَّ الْأَنْفَالِ ثُمَّ آلِ عِمْرَانَ ، ثُمَّ سُورَةُ الْأَحْزَابِ ، ثُمَّ الْمُمْتَحَنَةِ ، ثُمَّ النِّسَاءِ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَكُونُ سُورَةُ النِّسَاءِ نَازِلَةً بَعْدَ وَقْعَةِ الْأَحْزَابِ الَّتِي هِيَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ أَوْ أَوَّلِ سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَبَعْدَ صُلْحِ
الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِي هُوَ فِي سَنَةِ سِتٍّ حَيْثُ تَضَمَّنَتْ سُورَةُ
[ ص: 212 ] الْمُمْتَحَنَةِ شَرْطَ إِرْجَاعِ مَنْ يَأْتِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ هَارِبًا إِلَى الْمُسْلِمِينَ عَدَا النِّسَاءِ ، وَهِيَ آيَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ الْآيَةَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ آيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ
غَطَفَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ لَهُ يَتِيمٌ ،
وَغَطَفَانُ أَسْلَمُوا بَعْدَ وَقْعَةِ الْأَحْزَابِ ، إِذْ هُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْزَابِ ، أَيْ بَعْدَ سَنَةِ خَمْسٍ . وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ عِنْدَ الْهِجْرَةِ . وَهُوَ بَعِيدٌ . وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ
بِمَكَّةَ لِأَنَّهَا افْتُتِحَتْ بِ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ، وَمَا كَانَ فِيهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَهُوَ
مَكِّيٌّ ، وَلَعَلَّهُ يَعْنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ
بِمَكَّةَ أَيَّامَ الْفَتْحِ لَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ الْمَكِّيَّ بِإِطْلَاقَيْنِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَزَلَ صَدْرُهَا
بِمَكَّةَ وَسَائِرُهَا
بِالْمَدِينَةِ . وَالْحَقُّ أَنَّ الْخِطَابَ بِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى إِرَادَةِ دُخُولِ أَهْلِ
مَكَّةَ فِي الْخِطَابِ ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
بِمَكَّةَ ، وَلَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّا فِيهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَدَنِيٌّ بِالِاتِّفَاقِ . وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ آلِ عِمْرَانَ لِأَنَّ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمُسْلِمِينَ
بِالْمَدِينَةِ ، وَانْتِظَامِ أَحْوَالِهِمْ وَأَمْنِهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ . وَفِيهَا آيَةُ التَّيَمُّمِ ، وَالتَّيَمُّمُ شُرِعَ يَوْمَ غَزْوَةِ
الْمُرَيْسِيعِ سَنَةَ خَمْسٍ ، وَقِيلَ : سَنَةَ سِتٍّ . فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32267نُزُولَ سُورَةِ النِّسَاءِ كَانَ فِي حُدُودِ سَنَةِ سَبْعٍ وَطَالَتْ مُدَّةُ نُزُولِهَا ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي جَاءَتْ فِيهَا مُفَصَّلَةٌ تَقَدَّمَتْ مُجْمَلَةً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْأَيْتَامِ وَالنِّسَاءِ وَالْمَوَارِيثِ ، فَمُعْظَمُ مَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ شَرَائِعُ تَفْصِيلِيَّةٌ فِي مُعْظَمِ نَوَاحِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِينَ الِاجْتِمَاعِيَّةِ مِنْ نُظُمِ الْأَمْوَالِ وَالْمُعَاشَرَةِ وَالْحُكْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ : إِنَّ آخِرَ آيَةٍ مِنْهَا ، وَهِيَ آيَةُ الْكَلَالَةِ ، هِيَ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ ، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ نُزُولِ سَائِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَبَيْنَ نُزُولِ آيَةِ الْكَلَالَةِ ، الَّتِي فِي آخِرِهَا مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ ، وَأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْكَلَالَةِ الْأَخِيرَةِ أُمِرُوا بِإِلْحَاقِهَا بِسُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي فِيهَا الْآيَةُ الْأُولَى . وَوَرَدَتْ فِي السُّنَّةِ تَسْمِيَةُ آيَةِ الْكَلَالَةِ الْأُولَى آيَةَ الشِّتَاءِ ، وَآيَةِ الْكَلَالَةِ الْأَخِيرَةِ آيَةَ الصَّيْفِ . وَيَتَعَيَّنُ ابْتِدَاءُ نُزُولِهَا قَبْلَ فَتْحِ
مَكَّةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا يَعْنِي
مَكَّةَ . وَفِيهَا آيَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا نَزَلَتْ يَوْمَ فَتْحِ
مَكَّةَ فِي قِصَّةِ
عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ الشَّيْبِيِّ ، صَاحِبِ مِفْتَاحِ
الْكَعْبَةِ ، وَلَيْسَ فِيهَا جِدَالٌ مَعَ الْمُشْرِكِينَ سِوَى تَحْقِيرِ دِينِهِمْ ، نَحْوَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=116فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا إِلَخْ .
[ ص: 213 ] وَسِوَى التَّهْدِيدِ بِالْقِتَالِ ، وَقَطْعِ مَعْذِرَةِ الْمُتَقَاعِدِينَ عَنِ الْهِجْرَةِ . وَتَوْهِينِ بَأْسِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ صَارَ إِلَى وَهْنٍ ، وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ فِي قُوَّةٍ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّ مُعْظَمَهَا ، بَعْدَ التَّشْرِيعِ ، جِدَالٌ كَثِيرٌ مَعَ
الْيَهُودِ وَتَشْوِيهٌ لِأَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ ، وَجِدَالٌ مَعَ
النَّصَارَى لَيْسَ بِكَثِيرٍ ، وَلَكِنَّهُ أَوْسَعُ مِمَّا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُخَالَطَةَ الْمُسْلِمِينَ
لِلنَّصَارَى أَخَذَتْ تَظْهَرُ بِسَبَبِ تَفَشِّي الْإِسْلَامِ فِي تُخُومِ
الْحِجَازِ الشَّامِيَّةِ لِفَتْحِ مُعْظَمِ
الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ .
وَقَدْ عُدَّتِ الثَّالِثَةُ وَالتِّسْعِينَ مِنَ السُّوَرِ ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ وَقَبْلَ سُورَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=1إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ .
وَعَدَدُ آيِهَا مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي عَدَدِ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ ، وَمِائَةٌ وَسِتٌّ وَسَبْعُونَ فِي عَدَدِ
أَهْلِ الْكُوفَةِ ، وَمِائَةٌ وَسَبْعٌ وَسَبْعُونَ فِي عَدَدِ
أَهْلِ الشَّامِ .
وَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَغْرَاضٍ وَأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ أَكْثَرُهَا تَشْرِيعُ مُعَامَلَاتِ الْأَقْرِبَاءِ وَحُقُوقِهِمْ ، فَكَانَتْ فَاتِحَتُهَا مُنَاسِبَةً لِذَلِكَ بِالتَّذْكِيرِ بِنِعْمَةِ خَلْقِ اللَّهِ ، وَأَنَّهُمْ مَحْقُوقُونَ بِأَنْ يَشْكُرُوا رَبَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَنْ يُرَاعُوا حُقُوقَ النَّوْعِ الَّذِي خُلِقُوا مِنْهُ ، بِأَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمُ الْقَرِيبَةَ وَالْبَعِيدَةَ ، وَبِالرِّفْقِ بِضُعَفَاءَ النَّوْعِ مِنَ الْيَتَامَى ، وَيُرَاعُوا حُقُوقَ صِنْفِ النِّسَاءِ مِنْ نَوْعِهِمْ بِإِقَامَةِ الْعَدْلِ فِي مُعَامَلَاتِهِنَّ ، وَالْإِشَارَةِ إِلَى النِّكَاحِ وَالصَّدَاقِ ، وَشَرْعِ قَوَانِينِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ النِّسَاءِ فِي حَالَتَيِ الِاسْتِقَامَةِ وَالِانْحِرَافِ مِنْ كِلَا الزَّوْجَيْنِ ، وَمُعَاشَرَتِهِنَّ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَهُنَّ ، وَبَيَانِ مَا يَحِلُّ لِلتَّزَوُّجِ مِنْهُنَّ ، وَالْمُحَرَّمَاتِ بِالْقَرَابَةِ أَوِ الصِّهْرِ ، وَأَحْكَامِ الْجَوَارِي بِمِلْكِ الْيَمِينِ . وَكَذَلِكَ حُقُوقُ مَصِيرِ الْمَالِ إِلَى الْقَرَابَةِ ، وَتَقْسِيمِ ذَلِكَ ، وَحُقُوقُ حِفْظِ الْيَتَامَى فِي أَمْوَالِهِمْ وَحِفْظِهَا لَهُمْ وَالْوِصَايَةِ عَلَيْهِمْ .
ثُمَّ أَحْكَامُ الْمُعَامَلَاتِ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَأَحْكَامُ الْقَتْلِ عَمْدًا وَخَطَأً ، وَتَأْصِيلُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحُقُوقِ وَالدِّفَاعِ عَنِ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ ، وَالْأَمْرُ بِإِقَامَةِ الْعَدْلِ بِدُونِ مُصَانَعَةٍ ، وَالتَّحْذِيرُ مِنَ اتِّبَاعِ الْهَوَى ، وَالْأَمْرُ بِالْبِرِّ ، وَالْمُوَاسَاةُ ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَاتِ ، وَالتَّمْهِيدُ لِتَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ .
[ ص: 214 ] وَطَائِفَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ ، وَالطَّهَارَةِ ، وَصَلَاةُ الْخَوْفِ . ثُمَّ أَحْوَالُ
الْيَهُودِ ، لِكَثْرَتِهِمْ
بِالْمَدِينَةِ ، وَأَحْوَالُ الْمُنَافِقِينَ وَفَضَائِحُهُمْ ، وَأَحْكَامُ الْجِهَادِ لِدَفْعِ شَوْكَةِ الْمُشْرِكِينَ . وَأَحْكَامُ مُعَامَلَةِ الْمُشْرِكِينَ وَمَسَاوِيهِمْ ، وَوُجُوبُ هِجْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مَكَّةَ ، وَإِبْطَالُ مَآثِرِ الْجَاهِلِيَّةِ .
وَقَدْ تَخَلَّلَ ذَلِكَ مَوَاعِظُ وَتَرْغِيبٌ ، وَنَهْيٌ عَنِ الْحَسَدِ ، وَعَنْ تَمَنِّي مَا لِلْغَيْرِ مِنَ الْمَزَايَا الَّتِي حُرِمَ مِنْهَا مَنْ حُرِمَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ ، أَوْ بِحُكْمِ الْفِطْرَةِ . وَالتَّرْغِيبُ فِي التَّوَسُّطِ فِي الْخَيْرِ وَالْإِصْلَاحِ . وَبَثُّ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ .