nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28975_28862وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا .
اشتمال هذه الآية على كلمة اليتامى يؤذن بمناسبتها للآية السابقة ، بيد أن الأمر بنكاح النساء وعددهن في جواب شرط الخوف من عدم العدل في اليتامى مما خفي وجهه على كثير من علماء سلف الأمة ، إذ لا تظهر مناسبة أي ملازمة بين الشرط وجوابه . واعلم أن في الآية إيجازا بديعا إذ أطلق فيها لفظ اليتامى في الشرط وقوبل بلفظ النساء في الجزاء فعلم السامع أن اليتامى هنا جمع يتيمة وهي صنف من اليتامى في قوله السابق
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وآتوا اليتامى أموالهم . واعلم أن بين عدم القسط في يتامى النساء ، وبين الأمر بنكاح النساء ، ارتباطا لا محالة وإلا لكان الشرط عبثا . وبيانه ما في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341477أن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير سأل عائشة عن هذه الآية فقالت : " يا بن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فلا يعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء غيرهن . ثم إن الناس استفتوا رسول الله بعد هذه الآية فأنزل الله nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن .
فقول الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال ، فنهوا عن أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال .
وعائشة لم تسند هذا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن سياق كلامها يؤذن بأنه عن توقيف ،
[ ص: 223 ] ولذلك أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في باب تفسير سورة النساء بسياق الأحاديث المرفوعة اعتدادا بأنها ما قالت ذلك إلا عن معاينة حال النزول ، وأفهام المسلمين التي أقرها الرسول عليه السلام ، لا سيما وقد قالت : ثم إن الناس استفتوا رسول الله ، وعليه فيكون إيجاز لفظ الآية اعتدادا بما فهمه الناس مما يعلمون من أحوالهم ، وتكون قد جمعت إلى حكم حفظ حقوق اليتامى في أموالهم الموروثة حفظ حقوقهم في الأموال التي يستحقها البنات اليتامى من مهور أمثالهن ، وموعظة الرجال بأنهم لما لم يجعلوا أواصر القرابة شافعة النساء اللاتي لا مرغب فيهن لهم فيرغبون عن نكاحهن ، فكذلك لا يجعلون القرابة سببا للإجحاف بهن في مهورهن . وقولها : ثم إن الناس استفتوا رسول الله ، معناه استفتوه طلبا لإيضاح هذه الآية أو استفتوه في
nindex.php?page=treesubj&link=33318حكم نكاح اليتامى ، ولم يهتدوا إلى أخذه من هذه الآية ، فنزل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127ويستفتونك في النساء الآية ، وأن الإشارة بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء أي ما يتلى من هذه الآية الأولى ، أي كان هذا الاستفتاء في زمن نزول هذه السورة ، وكلامها هذا أحسن تفسير لهذه الآية . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، والسدي ، وقتادة : كانت العرب تتحرج في أموال اليتامى ولا تتحرج في العدل بين النساء ، فكانوا يتزوجون العشر فأكثر فنزلت هذه الآية في ذلك ، وعلى هذا القول فمحمل الملازمة بين الشرط والجزاء إنما هو فيما تفرع عن الجزاء من قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " ، فيكون نسيج الآية قد حيك على هذا الأسلوب ليدمج في خلاله تحديد النهاية إلى الأربع . وقال
عكرمة : نزلت في
قريش ، كان الرجل يتزوج العشر فأكثر فإذا ضاق ماله عن إنفاقهن أخذ مال يتيمه فتزوج منه ، وعلى هذا الوجه فالملازمة ظاهرة ، لأن تزوج ما لا يستطاع القيام به صار ذريعة إلى أكل أموال اليتامى ، فتكون الآية دليلا على
nindex.php?page=treesubj&link=22146مشروعية سد الذرائع إذا غلبت . وقال
مجاهد : الآية تحذير من الزنا ، وذلك أنهم كانوا يتحرجون من أكل أموال اليتامى ولا يتحرجون من الزنا ، فقيل لهم : إن كنتم تخافون من أموال اليتامى فخافوا الزنا ، لأن شأن المتنسك أن يهجر جميع المآثم لا سيما ما كانت مفسدته أشد . وعلى هذا الوجه تضعف الملازمة بين الشرط وجوابه ويكون فعل الشرط ماضيا لفظا ومعنى . وقيل في هذا وجوه أخر هي أضعف مما ذكرنا .
[ ص: 224 ] ومعنى ما طاب ما حسن بدليل قوله لكم ويفهم منه أنه مما حل لكم لأن الكلام في سياق التشريع .
وماصدق " ما طاب " النساء فكان الشأن أن يؤتى ب ( من ) الموصولة لكن جيء ب ( ما ) الغالبة في غير العقلاء ، لأنها نحي بها منحى الصفة وهو الطيب بلا تعيين ذات ، ولو قال : ( من ) لتبادر إلى إرادة نسوة طيبات معروفات بينهم ، وكذلك حال ( ما ) في الاستفهام ، كما قال صاحب الكشاف وصاحب المفتاح ، فإذا قلت : ما تزوجت ؟ فأنت تريد ما صفتها أبكرا أم ثيبا مثلا ، وإذا قلت : من تزوجت ؟ فأنت تريد تعيين اسمها ونسبها .
والآية ليست هي المثبتة لمشروعية النكاح ، لأن الأمر فيها معلق على حالة الخوف من الجور في اليتامى ، فالظاهر أن الأمر فيها للإرشاد ، وأن النكاح شرع بالتقرير للإباحة الأصلية لما عليه الناس قبل الإسلام مع إبطال ما لا يرضاه الدين كالزيادة على الأربع ، وكنكاح المقت ، والمحرمات من الرضاعة ، والأمر بأن لا يخلوه عن الصداق ، ونحو ذلك .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3مثنى وثلاث ورباع أحوال من " طاب " ولا يجوز كونها أحوالا من النساء لأن النساء أريد به الجنس كله لأن ( من ) إما تبعيضية أو بيانية وكلاهما تقتضي بقاء البيان على عمومه ، ليصلح للتبعيض وشبهه ، والمعنى : أن الله وسع عليكم فلكم في نكاح غير أولئك اليتامى مندوحة عن نكاحهن مع الإضرار بهن في الصداق ، وفي هذا إدماج لحكم شرعي آخر في خلال حكم القسط لليتامى إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3ذلك أدنى ألا تعولوا .
وصيغة مفعل وفعال في أسماء الأعداد من واحد إلى أربعة ، وقيل إلى ستة وقيل إلى عشرة ، وهو الأصح ، وهو مذهب الكوفيين ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=11880المعري في شرح ديوان
nindex.php?page=showalam&ids=15155المتنبي عند قول
أبي الطيب أحاد أم سداس في آحاد لييلتنا المنوطة بالتنادي
[ ص: 225 ] تدل كلها على معنى تكرير اسم لقصد التوزيع كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع أي لطائفة جناحان ، ولطائفة ثلاثة ، ولطائفة أربعة . والتوزيع هنا باعتبار اختلاف المخاطبين في السعة والطول ، فمنهم فريق يستطيع أن يتزوجوا اثنين ، فهؤلاء تكون أزواجهم اثنتين اثنتين ، وهلم جرا ، كقولك لجماعة : اقتسموا هذا المال درهمين درهمين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، على حسب أكبركم سنا . وقد دل على ذلك قوله بعد
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة . والظاهر أن تحريم الزيادة على الأربع مستفاد من غير هذه الآية لأن مجرد الاقتصار غير كاف في الاستدلال ولكنه يستأنس به ، وأن هذه الآية قررت ما ثبت من
nindex.php?page=treesubj&link=10990الاقتصار على أربع زوجات كما دل على ذلك الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341478أن غيلان بن سلمة أسلم على عشر نسوة فقال له النبيء - صلى الله عليه وسلم - أمسك أربعا وفارق سائرهن . ولعل الآية صدرت بذكر العدد المقرر من قبل نزولها ، تمهيدا لشروع العدل بين النساء ، فإن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة صريح في اعتبار العدل في التنازل في مراتب العدد ينزل بالمكلف إلى الواحدة . فلا جرم أن يكون خوفه في كل مرتبة من مراتب العدد ينزل به إلى التي دونها . ومن العجيب ما حكاه
ابن العربي في الأحكام عن قوم من الجهال - لم يعينهم - أنهم توهموا أن هذه الآية تبيح للرجال تزوج تسع نساء توهما بأن مثنى وثلاث ورباع مرادفة لاثنين وثلاثا وأربعا ، وأن الواو للجمع ، فحصلت تسعة وهي العدد الذي جمعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين نسائه ، وهذا جهل شنيع في معرفة الكلام العربي . وفي تفسير
القرطبي نسبة هذا القول إلى
الرافضة ، وإلى بعض أهل الظاهر ، ولم يعينه ، وليس ذلك قولا
nindex.php?page=showalam&ids=15858لداود الظاهري ولا لأصحابه ، ونسبه
ابن الفرس في أحكام القرآن إلى قوم لا يعبأ بخلافهم ، وقال
الفخر : هم قوم سدى ، ولم يذكر
الجصاص ، مخالفا أصلا . ونسب
ابن الفرس إلى قوم القول بأنه لا حصر في عدد الزوجات وجعلوا الاقتصار في الآية بمعنى : إلى ما كان من العدد ، وتمسك هذان الفريقان بأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - مات عن تسع نسوة ، وهو تمسك واه ، فإن تلك خصوصية له ، كما دل على ذلك الإجماع ، وتطلب الأدلة القواطع في انتزاع الأحكام من القرآن تطلب لما يقف بالمجتهدين في استنباطهم موقف الحيرة ، فإن مبنى كلام العرب على أساس الفطنة ، ومسلكه هو مسلك اللمحة الدالة .
[ ص: 226 ] وظاهر الخطاب للناس يعم الحر والعبد ، فللعبد أن يتزوج أربع نسوة على الصحيح ، وهو قول
مالك ، ويعزى إلى
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد ، وسالم ، nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، ومجاهد ، وذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري . وقيل :
nindex.php?page=treesubj&link=10991لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين ، وهو قول
أبي حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وينسب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب ، nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف ، nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ، والحسن ، وليس هذا من مناسب التنصيف للعبيد ، لأن هذا من مقتضى الطبع الذي لا يختلف في الأحرار والعبيد . ومن ادعى إجماع الصحابة على أنه لا يتزوج أكثر من اثنتين فقد جازف القول .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ، أي فواحدة لكل من يخاف عدم العدل . وإنما لم يقل : فأحاد أو فموحد لأن وزن مفعل وفعال لا يأتي إلا بعد جمع ولم يجر جمع هنا . وقرأ الجمهور : فواحدة بالنصب ، وانتصب واحدة على أنه مفعول لمحذوف أي فانكحوا واحدة . وقرأه
أبو جعفر بالرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي كفاية .
وخوف عدم العدل معناه عدم
nindex.php?page=treesubj&link=11355_19834العدل بين الزوجات ، أي عدم التسوية ، وذلك في النفقة والكسوة والبشاشة والمعاشرة وترك الضر في كل ما يدخل تحت قدرة المكلف وطوقه دون ميل القلب .
وقد شرع الله تعدد النساء للقادر العادل لمصالح جمة : منها أن في ذلك وسيلة إلى تكثير عدد الأمة بازدياد المواليد فيها ، ومنها أن ذلك يعين على كفالة النساء اللائي هن أكثر من الرجال في كل أمة ؛ لأن الأنوثة في المواليد أكثر من الذكورة ، ولأن الرجال يعرض لهم من أسباب الهلاك في الحروب والشدائد ما لا يعرض للنساء ، ولأن النساء أطول أعمارا من الرجال غالبا ، بما فطرهن الله عليه ، ومنها أن الشريعة قد حرمت الزنا وضيقت في تحريمه لما يجر إليه من الفساد في الأخلاق والأنساب ونظام العائلات ، فناسب أن توسع على الناس في تعدد النساء لمن كان من الرجال ميالا للتعدد مجبولا عليه ، ومنها قصد الابتعاد عن الطلاق إلا لضرورة .
[ ص: 227 ] ولم يكن في الشرائع السالفة ولا في الجاهلية حد للزوجات ، ولم يثبت أن جاء
عيسى - عليه السلام - بتحديد للتزوج ، وإن كان ذلك توهمه بعض علمائنا مثل
القرافي ، ولا أحسبه صحيحا . والإسلام هو الذي جاء بالتحديد . فأما أصل التحديد فحكمته ظاهرة : من حيث إن العدل لا يستطيعه كل أحد ، وإذا لم يقم تعدد الزوجات على قاعدة العدل بينهن اختل نظام العائلة ، وحدثت الفتن فيها ، ونشأ عقوق الزوجات أزواجهن ، وعقوق الأبناء آباءهم بأذاهم في زوجاتهم وفي أبنائهم ، فلا جرم أن كان الأذى في التعدد لمصلحة يجب أن تكون مضبوطة غير عائدة على الأصل بالإبطال .
وأما الانتهاء في التعدد إلى الأربع فقد حاول كثير من العلماء توجيهه فلم يبلغوا إلى غاية مرضية ، وأحسب أن حكمته ناظرة إلى نسبة عدد النساء من الرجال في غالب الأحوال ، وباعتبار المعدل في التعدد فليس كل رجل يتزوج أربعا ، فلنفرض المعدل يكشف عن امرأتين لكل رجل ، يدلنا على أن النساء ضعف الرجال . وقد أشار إلى هذا ما جاء في الصحيح : أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341479يكثر النساء في آخر الزمان حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أو ما ملكت أيمانكم إن عطف على قوله " فواحدة " ، فقد خير بينه وبين الواحدة باعتبار التعدد ، أي فواحدة من الأزواج أو عدد مما ملكت أيمانكم ، وذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=11349_21150المملوكات لا يشترط فيهن من العدل ما يشترط في الأزواج ، ولكن يشترط حسن المعاملة وترك الضر ، وإن عطفته على قوله " فانكحوا ما طاب " كان تخييرا بين التزوج والتسري بحسب أحوال الناس ، وكان العدل في الإماء المتخذات للتسري مشروطا قياسا على الزوجات ، وكذلك العدد بحسب المقدرة غير أنه لا يمتنع في التسري الزيادة على الأربع لأن القيود المذكورة بين الجمل ترجع إلى ما تقدم منها . وقد منع الإجماع من قياس الإماء على الحراير في نهاية العدد ، وهذا الوجه أدخل في حكمة التشريع وأنظم في معنى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3ذلك أدنى ألا تعولوا .
والإشارة بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3ذلك أدنى ألا تعولوا إلى الحكم المتقدم ، وهو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم إلى قوله أو ما ملكت أيمانكم باعتبار ما اشتمل عليه
[ ص: 228 ] من التوزيع على حسب العدل . وإفراد اسم الإشارة باعتبار المذكور كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68ومن يفعل ذلك يلق أثاما .
و ( أدنى ) بمعنى أقرب ، وهو قرب مجازي أي أحق وأعون على أن لا تعولوا ، و ( تعولوا ) مضارع عال عولا ، وهو فعل واوي العين ، بمعنى جار ومال ، وهو مشهور في كلام العرب ، وبه فسر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وجمهور السلف ، يقال : عال الميزان عولا إذا مال ، وعال فلان في حكمه أي جار ، وظاهر أن نزول المكلف إلى العدد الذي لا يخاف معه عدم العدل أقرب إلى عدم الجور ، فيكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أدنى ألا تعولوا في معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم ألا تعدلوا فيفيد زيادة تأكيد كراهية الجور .
ويجوز أن تكون الإشارة إلى الحكم المتضمن له قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فواحدة أو ما ملكت أيمانكم أي ذلك أسلم من الجور ، لأن التعدد يعرض المكلف إلى الجور وإن بذل جهده في العدل ، إذ للنفس رغبات وغفلات ، وعلى هذا الوجه لا يكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أدنى ألا تعولوا تأكيدا لمضمون
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم ألا تعدلوا ويكون ترغيبا في الاقتصار على المرأة الواحدة أو التعدد بملك اليمين ، إذ هو سد ذريعة الجور ، وعلى هذا الوجه لا يكون العدل شرطا في ملك اليمين ، وهو الذي نحاه جمهور فقهاء الأمصار في ملك اليمين .
وقيل : معنى " أن لا تعولوا " أن لا تكثر عيالكم ، مأخوذ من قولهم عال الرجل أهله يعولهم بمعنى مانهم ، يعني فاستعمل نفي كثرة العيال على طريق الكناية لأن العول يستلزم وجود العيال ، والإخبار عن الرجل بأنه يعول يستلزم كثرة العيال ، لأنه إخبار بشيء لا يخلو عنه أحد فما يخبر المخبر به إلا إذا رآه تجاوز الحد المتعارف . كما تقول فلان يأكل وفلان ينام ، أي يأكل كثيرا وينام كثيرا ، ولا يصح أن يراد كونه معنى لعال صريحا ، لأنه لا يقال عال بمعنى كثرت عياله ، وإنما يقال أعال . وهذا التفسير مأثور عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقال به
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي من علماء اللغة وهو تفسير بعيد وكناية خفية ، لا يلائم إلا أن تكون الإشارة بقوله " ذلك " إلى ما تضمنه قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " ويكون في الآية ترغيب في الاقتصار على الواحدة لخصوص الذي لا يستطيع السعة في الإنفاق ، لأن الاقتصار على الواحدة
[ ص: 229 ] يقلل النفقة ويقلل النسل فيبقي عليه ماله ، ويدفع عنه الحاجة ، إلا أن هذا الوجه لا يلائم قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أو ما ملكت أيمانكم " لأن تعدد الإماء يفضي إلى كثرة العيال في النفقة عليهن وعلى ما يتناسل منهن ، ولذلك رد جماعة على
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي هذا الوجه بين مفرط ومقتصد .
وقد أغلظ في الرد
أبو بكر الجصاص في أحكامه حتى زعم أن هذا غلط في اللغة ، اشتبه به عال يعيل بعال يعول . واقتصد
ابن العربي في رد هذا القول في كتاب الأحكام . وانتصر صاحب الكشاف
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ، وأورد عليهم أن ذلك لا يلاقي قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أو ما ملكت أيمانكم فإن تعدد الجواري مثل تعدد الحرائر فلا مفر من الإعالة على هذا التفسير . وأجيب عنه بجواب فيه تكلف .
وحكم هذه الآية مما أشار إليه قوله تعالى "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1وبث منهما رجالا كثيرا ونساء .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28975_28862وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا .
اشْتِمَالُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى كَلِمَةِ الْيَتَامَى يُؤْذِنُ بِمُنَاسَبَتِهَا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ، بَيْدَ أَنَّ الْأَمْرَ بِنِكَاحِ النِّسَاءِ وَعَدَدِهِنَّ فِي جَوَابِ شَرْطِ الْخَوْفِ مِنْ عَدَمِ الْعَدْلِ فِي الْيَتَامَى مِمَّا خُفِيَ وَجْهُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ سَلَفِ الْأُمَّةِ ، إِذْ لَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةٌ أَيْ مُلَازَمَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ . وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ إِيجَازًا بَدِيعًا إِذْ أَطْلَقَ فِيهَا لَفْظَ الْيَتَامَى فِي الشَّرْطِ وَقُوبِلَ بِلَفْظِ النِّسَاءِ فِي الْجَزَاءِ فَعَلِمَ السَّامِعُ أَنَّ الْيَتَامَى هُنَا جَمْعُ يَتِيمَةٍ وَهِيَ صِنْفٌ مِنَ الْيَتَامَى فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ . وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْنَ عَدَمِ الْقِسْطِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ ، وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِنِكَاحِ النِّسَاءِ ، ارْتِبَاطًا لَا مَحَالَةَ وَإِلَّا لَكَانَ الشَّرْطُ عَبَثًا . وَبَيَانُهُ مَا فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341477أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَتْ : " يَا بْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا تُشْرِكُهُ فِي مَالِهِ وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا ، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَلَا يُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرِهِنَّ . ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ .
فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ رَغْبَةَ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ ، فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوا مَنْ رَغِبُوا فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذَا كُنَّ قَلِيلَاتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ .
وَعَائِشَةُ لَمْ تُسْنِدْ هَذَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَكِنْ سِيَاقَ كَلَامِهَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ عَنْ تَوْقِيفٍ ،
[ ص: 223 ] وَلِذَلِكَ أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ بِسِيَاقِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ اعْتِدَادًا بِأَنَّهَا مَا قَالَتْ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ مُعَايَنَةِ حَالِ النُّزُولِ ، وَأَفْهَامِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَقَرَّهَا الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَتْ : ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ إِيجَازُ لَفْظِ الْآيَةِ اعْتِدَادًا بِمَا فَهِمَهُ النَّاسُ مِمَّا يَعْلَمُونَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ ، وَتَكُونُ قَدْ جَمَعَتْ إِلَى حُكْمِ حِفْظِ حُقُوقِ الْيَتَامَى فِي أَمْوَالِهِمُ الْمَوْرُوثَةِ حِفْظَ حُقُوقِهِمْ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا الْبَنَاتُ الْيَتَامَى مِنْ مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ ، وَمَوْعِظَةُ الرِّجَالِ بِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَجْعَلُوا أَوَاصِرَ الْقَرَابَةِ شَافِعَةَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا مُرَغِّبَ فِيهِنَّ لَهُمْ فَيَرْغَبُونَ عَنْ نِكَاحِهِنَّ ، فَكَذَلِكَ لَا يَجْعَلُونَ الْقَرَابَةَ سَبَبًا لِلْإِجْحَافِ بِهِنَّ فِي مُهُورِهِنَّ . وَقَوْلُهَا : ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ، مَعْنَاهُ اسْتَفْتَوْهُ طَلَبًا لِإِيضَاحِ هَذِهِ الْآيَةِ أَوِ اسْتَفْتَوْهُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33318حُكْمِ نِكَاحِ الْيَتَامَى ، وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى أَخْذِهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ الْآيَةَ ، وَأَنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ أَيْ مَا يُتْلَى مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْأُولَى ، أَيْ كَانَ هَذَا الِاسْتِفْتَاءُ فِي زَمَنِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ ، وَكَلَامُهَا هَذَا أَحْسَنُ تَفْسِيرٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَقَتَادَةُ : كَانَتِ الْعَرَبُ تَتَحَرَّجُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَلَا تَتَحَرَّجُ فِي الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ ، فَكَانُوا يَتَزَوَّجُونَ الْعَشْرَ فَأَكْثَرَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَمَحْمَلُ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا تَفَرَّعَ عَنِ الْجَزَاءِ مِنْ قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً " ، فَيَكُونُ نَسِيجُ الْآيَةِ قَدْ حِيكَ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ لِيُدْمَجَ فِي خِلَالِهِ تَحْدِيدُ النِّهَايَةِ إِلَى الْأَرْبَعِ . وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : نَزَلَتْ فِي
قُرَيْشٍ ، كَانَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْعَشْرَ فَأَكْثَرَ فَإِذَا ضَاقَ مَالُهُ عَنْ إِنْفَاقِهِنَّ أَخَذَ مَالَ يَتِيمِهِ فَتَزَوَّجَ مِنْهُ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالْمُلَازَمَةُ ظَاهِرَةٌ ، لِأَنَّ تَزَوُّجَ مَا لَا يُسْتَطَاعُ الْقِيَامُ بِهِ صَارَ ذَرِيعَةً إِلَى أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ، فَتَكُونُ الْآيَةُ دَلِيلًا عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=22146مَشْرُوعِيَّةِ سَدِّ الذَّرَائِعِ إِذَا غَلَبَتْ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : الْآيَةُ تَحْذِيرٌ مِنَ الزِّنَا ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَلَا يَتَحَرَّجُونَ مِنَ الزِّنَا ، فَقِيلَ لَهُمْ : إِنْ كُنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى فَخَافُوا الزِّنَا ، لِأَنَّ شَأْنَ الْمُتَنَسِّكَ أَنْ يَهْجُرَ جَمِيعَ الْمَآثِمِ لَا سِيَّمَا مَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ أَشَدَّ . وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَضْعُفُ الْمُلَازَمَةُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ وَيَكُونُ فِعْلُ الشَّرْطِ مَاضِيًا لَفْظًا وَمَعْنًى . وَقِيلَ فِي هَذَا وُجُوهٌ أُخَرُ هِيَ أَضْعَفُ مِمَّا ذَكَرْنَا .
[ ص: 224 ] وَمَعْنَى مَا طَابَ مَا حَسُنَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَكُمْ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مِمَّا حَلَّ لَكُمْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي سِيَاقِ التَّشْرِيعِ .
وَمَاصَدَقَ " مَا طَابَ " النِّسَاءُ فَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ يُؤْتَى بِ ( مِنْ ) الْمَوْصُولَةِ لَكِنْ جِيءَ بِ ( مَا ) الْغَالِبَةِ فِي غَيْرِ الْعُقَلَاءِ ، لِأَنَّهَا نُحِيَ بِهَا مَنْحَى الصِّفَةِ وَهُوَ الطَّيِّبُ بِلَا تَعْيِينِ ذَاتٍ ، وَلَوْ قَالَ : ( مَنْ ) لَتَبَادَرَ إِلَى إِرَادَةِ نِسْوَةٍ طَيِّبَاتٍ مَعْرُوفَاتٍ بَيْنَهُمْ ، وَكَذَلِكَ حَالُ ( مَا ) فِي الِاسْتِفْهَامِ ، كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَصَاحِبُ الْمِفْتَاحِ ، فَإِذَا قُلْتَ : مَا تَزَوَّجْتَ ؟ فَأَنْتَ تُرِيدُ مَا صِفَتُهَا أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا مَثَلًا ، وَإِذَا قَلْتَ : مَنْ تَزَوَّجْتَ ؟ فَأَنْتَ تُرِيدُ تَعْيِينَ اسْمِهَا وَنَسَبِهَا .
وَالْآيَةُ لَيْسَتْ هِيَ الْمُثْبِتَةُ لِمَشْرُوعِيَّةِ النِّكَاحِ ، لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا مُعَلَّقٌ عَلَى حَالَةِ الْخَوْفِ مِنَ الْجَوْرِ فِي الْيَتَامَى ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا لِلْإِرْشَادِ ، وَأَنَّ النِّكَاحَ شُرِّعَ بِالتَّقْرِيرِ لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مَعَ إِبْطَالِ مَا لَا يَرْضَاهُ الدِّينُ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ ، وَكَنِكَاحِ الْمَقْتِ ، وَالْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الرَّضَاعَةِ ، وَالْأَمْرِ بِأَنْ لَا يُخْلُوهُ عَنِ الصَّدَاقِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ أَحْوَالُ مَنْ " طَابَ " وَلَا يَجُوزُ كَوْنُهَا أَحْوَالًا مِنَ النِّسَاءِ لِأَنَّ النِّسَاءَ أُرِيدَ بِهِ الْجِنْسُ كُلُّهُ لِأَنَّ ( مِنْ ) إِمَّا تَبْعِيضِيَّةٌ أَوْ بَيَانِيَّةٌ وَكِلَاهُمَا تَقْتَضِي بَقَاءَ الْبَيَانِ عَلَى عُمُومِهِ ، لِيَصْلُحَ لِلتَّبْعِيضِ وَشَبَهِهِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّهَ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ فَلَكُمْ فِي نِكَاحِ غَيْرِ أُولَئِكَ الْيَتَامَى مَنْدُوحَةٌ عَنْ نِكَاحِهِنَّ مَعَ الْإِضْرَارِ بِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ ، وَفِي هَذَا إِدْمَاجٌ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ آخَرَ فِي خِلَالِ حُكْمِ الْقِسْطِ لِلْيَتَامَى إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا .
وَصِيغَةُ مَفْعَلٍ وَفُعَالٍ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى أَرْبَعَةٍ ، وَقِيلَ إِلَى سِتَّةٍ وَقِيلَ إِلَى عَشَرَةٍ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ ، وَصَحَّحَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11880الْمَعَرِّيُّ فِي شَرْحِ دِيوَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=15155الْمُتَنَبِّي عِنْدَ قَوْلِ
أَبِي الطَّيِّبِ أُحَادٌ أَمْ سُدَاسٌ فِي آحَادِ لُيَيْلَتُنَا الْمَنُوطَةُ بِالتَّنَادِي
[ ص: 225 ] تَدُلُّ كُلُّهَا عَلَى مَعْنَى تَكْرِيرِ اسْمٍ لِقَصْدِ التَّوْزِيعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=1أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ أَيْ لِطَائِفَةٍ جَنَاحَانِ ، وَلِطَائِفَةٍ ثَلَاثَةٌ ، وَلِطَائِفَةٍ أَرْبَعَةٌ . وَالتَّوْزِيعُ هُنَا بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمُخَاطَبِينَ فِي السَّعَةِ وَالطَّوْلِ ، فَمِنْهُمْ فَرِيقٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَزَوَّجُوا اثْنَيْنِ ، فَهَؤُلَاءِ تَكُونُ أَزْوَاجُهُمُ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ ، وَهَلُمَّ جَرًّا ، كَقَوْلِكَ لِجَمَاعَةٍ : اقْتَسِمُوا هَذَا الْمَالَ دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ ، وَثَلَاثَةً ثَلَاثَةً ، وَأَرْبَعَةً أَرْبَعَةً ، عَلَى حَسَبِ أَكْبَرِكُمْ سِنًّا . وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً . وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَحْرِيمَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ مُسْتَفَادٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاقْتِصَارِ غَيْرُ كَافٍ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَلَكِنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ ، وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قَرَّرَتْ مَا ثَبَتَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10990الِاقْتِصَارِ عَلَى أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341478أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةٍ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ . وَلَعَلَّ الْآيَةَ صَدَرَتْ بِذِكْرِ الْعَدَدِ الْمُقَرَّرِ مِنْ قَبْلِ نُزُولِهَا ، تَمْهِيدًا لِشُرُوعِ الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْعَدْلِ فِي التَّنَازُلِ فِي مَرَاتِبِ الْعَدَدِ يَنْزِلُ بِالْمُكَلَّفِ إِلَى الْوَاحِدَةِ . فَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ خَوْفُهُ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْعَدَدِ يَنْزِلُ بِهِ إِلَى الَّتِي دُونَهَا . وَمِنَ الْعَجِيبِ مَا حَكَاهُ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْجُهَّالِ - لَمْ يُعَيِّنْهُمْ - أَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُبِيحُ لِلرِّجَالِ تَزَوُّجَ تِسْعِ نِسَاءٍ تَوَهُّمًا بِأَنَّ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ مُرَادِفَةٌ لِاثْنَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا ، وَأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ ، فَحَصَلَتْ تِسْعَةٌ وَهِيَ الْعَدَدُ الَّذِي جَمَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ نِسَائِهِ ، وَهَذَا جَهْلٌ شَنِيعٌ فِي مَعْرِفَةِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ . وَفِي تَفْسِيرِ
الْقُرْطُبِيِّ نِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى
الرَّافِضَةِ ، وَإِلَى بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ قَوْلًا
nindex.php?page=showalam&ids=15858لِدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَلَا لِأَصْحَابِهِ ، وَنَسَبَهُ
ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ إِلَى قَوْمٍ لَا يُعْبَأُ بِخِلَافِهِمْ ، وَقَالَ
الْفَخْرُ : هُمْ قَوْمٌ سُدًى ، وَلَمْ يَذْكُرْ
الْجَصَّاصُ ، مُخَالِفًا أَصْلًا . وَنَسَبَ
ابْنُ الْفَرَسِ إِلَى قَوْمٍ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا حَصْرَ فِي عَدَدِ الزَّوْجَاتِ وَجَعَلُوا الِاقْتِصَارَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى : إِلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَدَدِ ، وَتَمَسَّكَ هَذَانِ الْفَرِيقَانِ بِأَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ ، وَهُوَ تَمَسُّكٌ وَاهٍ ، فَإِنَّ تِلْكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ ، وَتَطَلُّبُ الْأَدِلَّةِ الْقَوَاطِعِ فِي انْتِزَاعِ الْأَحْكَامِ مِنَ الْقُرْآنِ تَطَلُّبٌ لِمَا يَقِفُ بِالْمُجْتَهِدِينَ فِي اسْتِنْبَاطِهِمْ مَوْقِفَ الْحَيْرَةِ ، فَإِنَّ مَبْنَى كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَسَاسِ الْفِطْنَةِ ، وَمَسْلَكُهُ هُوَ مَسْلَكُ اللَّمْحَةِ الدَّالَّةِ .
[ ص: 226 ] وَظَاهِرُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ يَعُمُّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ ، فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَهُوَ قَوْلُ
مَالِكٍ ، وَيُعْزَى إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبِي الدَّرْدَاءِ ، nindex.php?page=showalam&ids=14946وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَسَالِمٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=15885وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=15858دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ . وَقِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=10991لَا يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ، وَيُنْسَبُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=38وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=16972وَابْنِ سِيرِينَ ، وَالْحَسَنِ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مُنَاسِبِ التَّنْصِيفِ لِلْعَبِيدِ ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ مُقْتَضَى الطَّبْعِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ فِي الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ . وَمَنِ ادَّعَى إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ فَقَدْ جَازَفَ الْقَوْلَ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ، أَيْ فَوَاحِدَةً لِكُلِّ مَنْ يَخَافُ عَدَمَ الْعَدْلِ . وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ : فَأُحَادٌ أَوْ فَمَوْحَدٌ لِأَنَّ وَزْنَ مَفْعَلٍ وَفُعَالٍ لَا يَأْتِي إِلَّا بَعْدَ جَمْعٍ وَلَمْ يَجْرِ جَمْعٌ هُنَا . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : فَوَاحِدَةً بِالنَّصْبِ ، وَانْتَصَبَ وَاحِدَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ فَانْكِحُوا وَاحِدَةً . وَقَرَأَهُ
أَبُو جَعْفَرٍ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ كِفَايَةٌ .
وَخَوْفُ عَدَمِ الْعَدْلِ مَعْنَاهُ عَدَمُ
nindex.php?page=treesubj&link=11355_19834الْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ ، أَيْ عَدَمُ التَّسْوِيَةِ ، وَذَلِكَ فِي النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ وَالْبَشَاشَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ وَتَرْكِ الضُّرِّ فِي كُلِّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَةِ الْمُكَلَّفِ وَطَوْقُهُ دُونَ مَيْلِ الْقَلْبِ .
وَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ تَعَدُّدَ النِّسَاءِ لِلْقَادِرِ الْعَادِلِ لِمَصَالِحَ جَمَّةٍ : مِنْهَا أَنَّ فِي ذَلِكَ وَسِيلَةً إِلَى تَكْثِيرِ عَدَدِ الْأُمَّةِ بِازْدِيَادِ الْمَوَالِيدِ فِيهَا ، وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ يُعِينُ عَلَى كَفَالَةِ النِّسَاءِ اللَّائِي هُنَّ أَكْثَرُ مِنَ الرِّجَالِ فِي كُلِّ أُمَّةٍ ؛ لِأَنَّ الْأُنُوثَةَ فِي الْمَوَالِيدِ أَكْثَرُ مِنَ الذُّكُورَةِ ، وَلِأَنَّ الرِّجَالَ يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ فِي الْحُرُوبِ وَالشَّدَائِدِ مَا لَا يَعْرِضُ لِلنِّسَاءِ ، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ أَطْوَلُ أَعْمَارًا مِنَ الرِّجَالِ غَالِبًا ، بِمَا فَطَرَهُنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَمِنْهَا أَنَّ الشَّرِيعَةَ قَدْ حَرَّمَتِ الزِّنَا وَضَيَّقَتْ فِي تَحْرِيمِهِ لِمَا يَجُرُّ إِلَيْهِ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْأَنْسَابِ وَنِظَامِ الْعَائِلَاتِ ، فَنَاسَبَ أَنْ تَوَسَّعَ عَلَى النَّاسِ فِي تَعَدُّدِ النِّسَاءِ لِمَنْ كَانَ مِنَ الرِّجَالِ مَيَّالًا لِلتَّعَدُّدِ مَجْبُولًا عَلَيْهِ ، وَمِنْهَا قَصْدُ الِابْتِعَادِ عَنِ الطَّلَاقِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ .
[ ص: 227 ] وَلَمْ يَكُنْ فِي الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ وَلَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَدٌّ لِلزَّوْجَاتِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنْ جَاءَ
عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَحْدِيدٍ لِلتَّزَوُّجِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَوَهَّمَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِثْلُ
الْقَرَافِيِّ ، وَلَا أَحْسَبُهُ صَحِيحًا . وَالْإِسْلَامُ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِالتَّحْدِيدِ . فَأَمَّا أَصْلُ التَّحْدِيدِ فَحِكْمَتُهُ ظَاهِرَةٌ : مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْعَدْلَ لَا يَسْتَطِيعُهُ كُلُّ أَحَدٍ ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ تَعَدُّدُ الزَّوْجَاتِ عَلَى قَاعِدَةِ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ اخْتَلَّ نِظَامُ الْعَائِلَةِ ، وَحَدَثَتِ الْفِتَنُ فِيهَا ، وَنَشَأَ عُقُوقُ الزَّوْجَاتِ أَزْوَاجَهُنَّ ، وَعُقُوقُ الْأَبْنَاءِ آبَاءَهُمْ بِأَذَاهُمْ فِي زَوْجَاتِهِمْ وَفِي أَبْنَائِهِمْ ، فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ الْأَذَى فِي التَّعَدُّدِ لِمَصْلَحَةٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَضْبُوطَةً غَيْرَ عَائِدَةٍ عَلَى الْأَصْلِ بِالْإِبْطَالِ .
وَأَمَّا الِانْتِهَاءُ فِي التَّعَدُّدِ إِلَى الْأَرْبَعِ فَقَدْ حَاوَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَوْجِيهَهُ فَلَمْ يَبْلُغُوا إِلَى غَايَةٍ مُرْضِيَةٍ ، وَأَحْسَبُ أَنَّ حِكْمَتَهُ نَاظِرَةٌ إِلَى نِسْبَةِ عَدَدِ النِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ ، وَبِاعْتِبَارِ الْمُعَدَّلِ فِي التَّعَدُّدِ فَلَيْسَ كُلُّ رَجُلٍ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا ، فَلْنَفْرِضِ الْمُعَدَّلَ يَكْشِفُ عَنِ امْرَأَتَيْنِ لِكُلِّ رَجُلٍ ، يَدُلُّنَا عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ ضَعْفُ الرِّجَالِ . وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ : أَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341479يَكْثُرُ النِّسَاءُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنْ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ " فَوَاحِدَةً " ، فَقَدْ خَيَّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاحِدَةِ بِاعْتِبَارِ التَّعَدُّدِ ، أَيْ فَوَاحِدَةً مِنَ الْأَزْوَاجِ أَوْ عَدَدٍ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ، وَذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11349_21150الْمَمْلُوكَاتِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِنَّ مِنَ الْعَدْلِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَزْوَاجِ ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ حُسْنُ الْمُعَامَلَةِ وَتَرْكُ الضُّرِّ ، وَإِنْ عَطَفْتَهُ عَلَى قَوْلِهِ " فَانْكِحُوا مَا طَابَ " كَانَ تَخْيِيرًا بَيْنَ التَّزَوُّجِ وَالتَّسَرِّي بِحَسَبِ أَحْوَالِ النَّاسِ ، وَكَانَ الْعَدْلُ فِي الْإِمَاءِ الْمُتَّخَذَاتِ لِلتَّسَرِّي مَشْرُوطًا قِيَاسًا عَلَى الزَّوْجَاتِ ، وَكَذَلِكَ الْعَدَدُ بِحَسَبِ الْمَقْدِرَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ فِي التَّسَرِّي الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ لِأَنَّ الْقُيُودَ الْمَذْكُورَةَ بَيْنَ الْجُمَلِ تَرْجِعُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا . وَقَدْ مَنَعَ الْإِجْمَاعُ مِنْ قِيَاسِ الْإِمَاءِ عَلَى الْحَرَايِرِ فِي نِهَايَةِ الْعَدَدِ ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَدْخُلُ فِي حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ وَأَنْظَمُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا .
وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا إِلَى الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ بِاعْتِبَارِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ
[ ص: 228 ] مِنَ التَّوْزِيعِ عَلَى حَسَبِ الْعَدْلِ . وَإِفْرَادُ اسْمِ الْإِشَارَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا .
وَ ( أَدْنَى ) بِمَعْنَى أَقْرَبَ ، وَهُوَ قُرْبٌ مَجَازِيٌّ أَيْ أَحَقُّ وَأَعْوَنُ عَلَى أَنْ لَا تَعُولُوا ، وَ ( تَعُولُوا ) مُضَارِعُ عَالَ عَوْلًا ، وَهُوَ فِعْلٌ وَاوِيُّ الْعَيْنِ ، بِمَعْنَى جَارَ وَمَالَ ، وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَبِهِ فَسَّرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ ، يُقَالُ : عَالَ الْمِيزَانُ عَوْلًا إِذَا مَالَ ، وَعَالَ فُلَانٌ فِي حُكْمِهِ أَيْ جَارَ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ نُزُولَ الْمُكَلَّفِ إِلَى الْعَدَدِ الَّذِي لَا يُخَافُ مَعَهُ عَدَمُ الْعَدْلِ أَقْرَبُ إِلَى عَدَمِ الْجَوْرِ ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَيُفِيدُ زِيَادَةَ تَأْكِيدِ كَرَاهِيَةِ الْجَوْرِ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إِلَى الْحُكْمِ الْمُتَضَمِّنِ لَهُ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ أَيْ ذَلِكَ أَسْلَمُ مِنَ الْجَوْرِ ، لِأَنَّ التَّعَدُّدَ يُعَرِّضُ الْمُكَلَّفَ إِلَى الْجَوْرِ وَإِنْ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي الْعَدْلِ ، إِذْ لِلنَّفْسِ رَغَبَاتٌ وَغَفَلَاتٌ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا تَأْكِيدًا لِمَضْمُونِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا وَيَكُونُ تَرْغِيبًا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ أَوِ التَّعَدُّدِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ، إِذْ هُوَ سَدَّ ذَرِيعَةَ الْجَوْرِ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ الْعَدْلُ شَرْطًا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ ، وَهُوَ الَّذِي نَحَّاهُ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ .
وَقِيلَ : مَعْنَى " أَنْ لَا تَعُولُوا " أَنْ لَا تَكْثُرَ عِيَالُكُمْ ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَالَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ يَعُولُهُمْ بِمَعْنَى مَانَهُمْ ، يَعْنِي فَاسْتَعْمَلَ نَفْيَ كَثْرَةِ الْعِيَالِ عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّ الْعَوْلَ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْعِيَالِ ، وَالْإِخْبَارُ عَنِ الرَّجُلِ بِأَنَّهُ يَعُولُ يَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ الْعِيَالِ ، لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ بِشَيْءٍ لَا يَخْلُو عَنْهُ أَحَدٌ فَمَا يُخْبِرُ الْمُخْبَرَ بِهِ إِلَّا إِذَا رَآهُ تَجَاوَزَ الْحَدَّ الْمُتَعَارَفَ . كَمَا تَقُولُ فُلَانٌ يَأْكُلُ وَفُلَانٌ يَنَامُ ، أَيْ يَأْكُلُ كَثِيرًا وَيَنَامُ كَثِيرًا ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ كَوْنُهُ مَعْنًى لِعَالَ صَرِيحًا ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ عَالَ بِمَعْنَى كَثُرَتْ عِيَالُهُ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ أَعَالَ . وَهَذَا التَّفْسِيرُ مَأْثُورٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، وَقَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ مِنْ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ بَعِيدٌ وَكِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ ، لَا يُلَائِمُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ " ذَلِكَ " إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " وَيَكُونُ فِي الْآيَةِ تَرْغِيبٌ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِخُصُوصِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ السِّعَةَ فِي الْإِنْفَاقِ ، لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوَاحِدَةِ
[ ص: 229 ] يُقَلِّلُ النَّفَقَةَ وَيُقَلِّلُ النَّسْلَ فَيُبْقِي عَلَيْهِ مَالَهُ ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ الْحَاجَةَ ، إِلَّا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْإِمَاءِ يُفْضِي إِلَى كَثْرَةِ الْعِيَالِ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ وَعَلَى مَا يُتَنَاسَلُ مِنْهُنَّ ، وَلِذَلِكَ رَدَّ جَمَاعَةٌ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ هَذَا الْوَجْهَ بَيْنَ مُفْرِطٍ وَمُقْتَصِدٍ .
وَقَدْ أَغْلَظَ فِي الرَّدِّ
أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ فِي أَحْكَامِهِ حَتَّى زَعَمَ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ فِي اللُّغَةِ ، اشْتَبَهَ بِهِ عَالَ يَعِيلُ بِعَالَ يَعُولُ . وَاقْتَصَدَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي رَدِّ هَذَا الْقَوْلِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ . وَانْتَصَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790لِلشَّافِعِيِّ ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُلَاقِي قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَإِنَّ تَعَدُّدَ الْجَوَارِي مِثْلَ تَعَدُّدِ الْحَرَائِرِ فَلَا مَفَرَّ مِنَ الْإِعَالَةِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ . وَأُجِيبَ عَنْهُ بِجَوَابٍ فِيهِ تَكَلُّفٌ .
وَحُكْمُ هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً .