قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه
، هذه الآية الكريمة من أكبر الأدلة التي يستدل بها القائلون : بأن
nindex.php?page=treesubj&link=28915المجاز في القرآن زاعمين أن إرادة الجدار الانقضاض لا يمكن أن تكون حقيقة ، وإنما هي مجاز ، وقد دلت آيات من كتاب الله على أنه لا مانع من كون إرادة الجدار حقيقة ; لأن الله تعالى يعلم للجمادات إرادات وأفعالا وأقوالا لا يدركها الخلق كما صرح تعالى بأنه يعلم من ذلك ما لا يعلمه خلقه في قوله جل وعلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم [ 17 \ 44 ] ، فصرح بأننا لا نفقه تسبيحهم ، وتسبيحهم واقع عن إرادة لهم يعلمها هو جل وعلا ونحن لا نعلمها ، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن والسنة .
فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله الآية [ 2 \ 74 ] ، فتصريحه تعالى بأن بعض الحجارة يهبط من خشية الله دليل واضح في ذلك ; لأن تلك الخشية بإدراك يعلمه الله ونحن لا نعلمه ، وقولـه تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=72إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان الآية [ 33 \ 72 ] ، فتصريحه جل وعلا بأن السماء والأرض والجبال أبت وأشفقت ، أي : خافت ، دليل على أن ذلك واقع بإرادة وإدراك يعلمه هو جل وعلا ونحن لا نعلمه .
ومن الأحاديث الدالة على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008143إني لأعرف حجرا كان يسلم علي بمكة " وما ثبت في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حنين الجذع الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم جزعا لفراقه ، فتسليم ذلك الحجر ، وحنين ذلك الجذع كلاهما بإرادة وإدراك يعلمه الله ونحن لا نعلمه ، كما صرح بمثله في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44ولكن لا تفقهون تسبيحهم [ 17 \ 44 ] ، وزعم من لا علم عنده أن هذه الأمور لا حقيقة لها ، وإنما هي ضرب أمثال ، زعم باطل ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28964نصوص الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن معناها الواضح المتبادر إلا بدليل يجب الرجوع إليه ، وأمثال هذا كثيرة جدا ، وبذلك تعلم أنه لا مانع من إبقاء إرادة الجدار على حقيقتها لإمكان أن يكون الله علم منه إرادة الانقضاض ، وإن لم يعلم خلقه تلك الإرادة ، وهذا واضح جدا كما ترى ، مع أنه من الأساليب العربية إطلاق الإرادة على المقاربة والميل إلى الشيء ، كما في قول الشاعر :
[ ص: 340 ] في مهمه قلقت به هامتها قلق الفئوس إذا أردن نضولا
فقوله : إذا أردن نضولا ، أي قاربنه . وقول الآخر :
يريد الرمح صدر أبي براء ويعدل عن دماء بني عقيل
أي : يميل إلى صدر أبي براء ، وكقول راعي
نمير :
إن دهرا يلف شملي بجمل لزمان يهم بالإحسان
فقوله " لزمان يهم بالإحسان فيه ، وقد بينا في رسالتنا المسماة ) منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز ( أن جميع الآيات التي يزعمون أنها مجاز أن ذلك لا يتعين في شيء منها ، وبينا أدلة ذلك ، والعلم عند الله تعالى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ
، هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ أَكْبَرِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي يَسْتَدِلُّ بِهَا الْقَائِلُونَ : بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28915الْمَجَازَ فِي الْقُرْآنِ زَاعِمِينَ أَنَّ إِرَادَةَ الْجِدَارِ الِانْقِضَاضَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا هِيَ مَجَازٌ ، وَقَدْ دَلَّتْ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ إِرَادَةِ الْجِدَارِ حَقِيقَةً ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ لِلْجَمَادَاتِ إِرَادَاتٍ وَأَفْعَالًا وَأَقْوَالًا لَا يُدْرِكُهَا الْخَلْقُ كَمَا صَرَّحَ تَعَالَى بِأَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَعْلَمُهُ خَلْقُهُ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [ 17 \ 44 ] ، فَصَرَّحَ بِأَنَّنَا لَا نَفْقَهُ تَسْبِيحَهُمْ ، وَتَسْبِيحُهُمْ وَاقِعٌ عَنْ إِرَادَةٍ لَهُمْ يَعْلَمُهَا هُوَ جَلَّ وَعَلَا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُهَا ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ .
فَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ الْآيَةَ [ 2 \ 74 ] ، فَتَصْرِيحُهُ تَعَالَى بِأَنَّ بَعْضَ الْحِجَارَةِ يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْخَشْيَةَ بِإِدْرَاكٍ يَعْلَمُهُ اللَّهُ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُهُ ، وَقَوْلُـهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=72إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ الْآيَةَ [ 33 \ 72 ] ، فَتَصْرِيحُهُ جَلَّ وَعَلَا بِأَنَّ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ أَبَتْ وَأَشْفَقَتْ ، أَيْ : خَافَتْ ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ بِإِرَادَةٍ وَإِدْرَاكٍ يَعْلَمُهُ هُوَ جَلَّ وَعَلَا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُهُ .
وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008143إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ بِمَكَّةَ " وَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ مِنْ حَنِينِ الْجِذْعِ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزَعًا لِفِرَاقِهِ ، فَتَسْلِيمُ ذَلِكَ الْحَجَرِ ، وَحَنِينُ ذَلِكَ الْجِذْعِ كِلَاهُمَا بِإِرَادَةٍ وَإِدْرَاكٍ يَعْلَمُهُ اللَّهُ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُهُ ، كَمَا صَرَّحَ بِمِثْلِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [ 17 \ 44 ] ، وَزَعْمُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا ، وَإِنَّمَا هِيَ ضَرْبُ أَمْثَالٍ ، زَعْمٌ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28964نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا عَنْ مَعْنَاهَا الْوَاضِحِ الْمُتَبَادَرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ ، وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إِبْقَاءِ إِرَادَةِ الْجِدَارِ عَلَى حَقِيقَتِهَا لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَلِمَ مِنْهُ إِرَادَةَ الِانْقِضَاضِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ خَلْقُهُ تِلْكَ الْإِرَادَةَ ، وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا كَمَا تَرَى ، مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْأَسَالِيبِ الْعَرَبِيَّةِ إِطْلَاقُ الْإِرَادَةِ عَلَى الْمُقَارَبَةِ وَالْمَيْلِ إِلَى الشَّيْءِ ، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ :
[ ص: 340 ] فِي مَهْمَهٍ قَلِقَتْ بِهِ هَامَتُهَا قَلَقَ الْفُئُوسِ إِذَا أَرَدْنَ نُضُولَا
فَقَوْلُهُ : إِذَا أَرَدْنَ نُضُولًا ، أَيْ قَارَبْنَهُ . وَقَوْلِ الْآخَرِ :
يُرِيدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِي بَرَاءٍ وَيَعْدِلُ عَنْ دِمَاءِ بَنِي عَقِيلِ
أَيْ : يَمِيلُ إِلَى صَدْرِ أَبِي بَرَاءٍ ، وَكَقَوْلِ رَاعِي
نُمَيْرٍ :
إِنَّ دَهْرًا يَلُفُّ شَمْلِي بِجُمْلٍ لَزَمَانٌ يَهُمُّ بِالْإِحْسَانِ
فَقَوْلُهُ " لَزَمَانٌ يَهُمُّ بِالْإِحْسَانِ فِيهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةُ ) مَنْعُ جَوَازِ الْمَجَازِ فِي الْمَنْزِلِ لِلتَّعَبُّدِ وَالْإِعْجَازِ ( أَنَّ جَمِيعَ الْآيَاتِ الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهَا مَجَازٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ، وَبَيَّنَّا أَدِلَّةَ ذَلِكَ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .