قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28976_30857ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا الآية ، نهى الله المسلمين في هذه الآية الكريمة أن يحملهم بغض الكفار لأجل أن صدوهم عن المسجد الحرام في عمرة الحديبية أن يعتدوا على المشركين بما لا يحل لهم شرعا .
كما روى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم في سبب نزول هذه الآية عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، قال :
" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون عن البيت ، وقد اشتد ذلك عليهم ، فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة ، فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم ، فأنزل الله هذه الآية " ، اهـ . بلفظه من
ابن كثير .
ويدل لهذا قوله قبل هذا :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2ولا آمين البيت الحرام [ 5 \ 2 ] ، وصرح بمثل هذه الآية في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا الآية [ 5 \ 8 ] ، وقد ذكر تعالى في هذه الآية أنهم صدوهم عن المسجد الحرام بالفعل على قراءة الجمهور :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2أن صدوكم ، بفتح الهمزة ; لأن معناها : لأجل أن صدوكم ، ولم يبين هنا حكمة هذا الصد ، ولم يذكر أنهم صدوا معهم الهدي معكوفا أن يبلغ محله ، وذكر في سورة الفتح أنهم صدوا معهم الهدي ، وأن الحكمة في ذلك المحافظة على المؤمنين والمؤمنات ، الذين لم يتميزوا عن الكفار في ذلك الوقت ، بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما [ 48 \ 25 ] ; وفي هذه الآية دليل صريح على أن الإنسان عليه أن يعامل من عصى الله فيه ، بأن يطيع الله فيه .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007372 " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " .
وهذا دليل واضح على كمال دين الإسلام ، وحسن ما يدعو إليه من مكارم الأخلاق ، مبين أنه دين سماوي لا شك فيه .
[ ص: 329 ] وقوله في هذه الآية الكريمة : ولا يجرمنكم ، معناه : لا يحملنكم شنآن قوم على أن تعتدوا ، ونظيره من كلام العرب ، قول الشاعر :
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أي حملتهم على أن يغضبوا .
وقال بعض العلماء : ولا يجرمنكم ، أي : لا يكسبنكم ، وعليه فلا تقدير لحرف الجر في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2أن تعتدوا ، أي : لا يكسبنكم بغضهم الاعتداء عليهم .
وقرأ بعض السبعة : شنآن ، بسكون النون ، ومعنى الشنآن على القراءتين ، أي بفتح النون ، وبسكونها : البغض . مصدر " شنأه " إذا أبغضه .
وقيل على قراءة سكون النون يكون وصفا كالغضبان ، وعلى قراءة :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2أن صدوكم ، بكسر الهمزة ; فالمعنى : إن وقع منهم صدهم لكم عن المسجد الحرام ، فلا يحملنكم ذلك على أن تعتدوا عليهم بما لا يحل لكم .
وإبطال هذه القراءة : بأن الآية نزلت بعد صد المشركين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه
بالحديبية ، وأنه لا وجه لاشتراط الصد بعد وقوعه - مردود من وجهين :
الأول منهما : أن قراءة إن صدوكم ، بصيغة الشرط قراءة سبعية متواترة لا يمكن ردها ، وبها قرأ
ابن كثير ،
وأبو عمرو من السبعة :
الثاني : أنه لا مانع من أن يكون معنى هذه القراءة : إن صدوكم مرة أخرى على سبيل الفرض والتقدير ، كما تدل عليه صيغة " أن " ; لأنها تدل على الشك في حصول الشرط ، فلا يحملنكم تكرر الفعل السيئ على الاعتداء عليهم بما لا يحل لكم ، والعلم عند الله تعالى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28976_30857وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا الْآيَةَ ، نَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنْ يَحْمِلَهُمْ بُغْضُ الْكُفَّارِ لِأَجْلِ أَنْ صَدُّوهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَعْتَدُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ شَرْعًا .
كَمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، قَالَ :
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ ، وَقَدِ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَمَرَّ بِهِمْ أُنَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ يُرِيدُونَ الْعُمْرَةَ ، فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : نَصُدُّ هَؤُلَاءِ كَمَا صَدَّنَا أَصْحَابُهُمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ " ، اهـ . بِلَفْظِهِ مِنِ
ابْنِ كَثِيرٍ .
وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ قَبْلَ هَذَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ [ 5 \ 2 ] ، وَصَرَّحَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا الْآيَةَ [ 5 \ 8 ] ، وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ صَدُّوهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالْفِعْلِ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2أَنْ صَدُّوكُمْ ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ; لِأَنَّ مَعْنَاهَا : لِأَجْلِ أَنْ صَدُّوكُمْ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا حِكْمَةَ هَذَا الصَّدِّ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُمْ صَدُّوا مَعَهُمُ الْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ، وَذَكَرَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ أَنَّهُمْ صَدُّوا مَعَهُمُ الْهَدْيَ ، وَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، الَّذِينَ لَمَّ يَتَمَيَّزُوا عَنِ الْكَفَّارِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [ 48 \ 25 ] ; وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَامِلَ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيهِ ، بِأَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ .
وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007372 " أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " .
وَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى كَمَالِ دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَحُسْنُ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، مُبَيِّنٌ أَنَّهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ لَا شَكَّ فِيهِ .
[ ص: 329 ] وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ ، مَعْنَاهُ : لَا يَحْمِلْنَكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ تَعْتَدُوا ، وَنَظِيرُهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ، قَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَلَقَدْ طَعَنْتُ أَبَا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً جَرَمَتْ فَزَارَةُ بَعْدَهَا أَنْ يَغْضَبُوا
أَيْ حَمَلَتْهُمْ عَلَى أَنْ يَغْضَبُوا .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ ، أَيْ : لَا يُكْسِبَنَّكُمْ ، وَعَلَيْهِ فَلَا تَقْدِيرَ لِحَرْفِ الْجَرِّ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2أَنْ تَعْتَدُوا ، أَيْ : لَا يُكْسِبَنَّكُمْ بُغْضُهُمُ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهِمْ .
وَقَرَأَ بَعْضُ السَّبْعَةِ : شَنْآنُ ، بِسُكُونِ النُّونِ ، وَمَعْنَى الشَّنَآنِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ ، أَيْ بِفَتْحِ النُّونِ ، وَبِسُكُونِهَا : الْبُغْضُ . مَصْدَرُ " شَنَأَهُ " إِذَا أَبْغَضَهُ .
وَقِيلَ عَلَى قِرَاءَةِ سُكُونِ النُّونِ يَكُونُ وَصْفًا كَالْغَضْبَانِ ، وَعَلَى قِرَاءَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2أَنْ صَدُّوكُمْ ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ; فَالْمَعْنَى : إِنْ وَقَعَ مِنْهُمْ صَدُّهُمْ لَكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ بِمَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ .
وَإِبْطَالُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ : بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ صَدِّ الْمُشْرِكِينَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ
بِالْحُدَيْبِيَةِ ، وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِ الصَّدِّ بَعْدَ وُقُوعِهِ - مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا : أَنَّ قِرَاءَةَ إِنْ صَدُّوكُمْ ، بِصِيغَةِ الشَّرْطِ قِرَاءَةٌ سَبْعِيَّةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا ، وَبِهَا قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ ،
وَأَبُو عَمْرٍو مِنَ السَّبْعَةِ :
الثَّانِي : أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ : إِنْ صَدُّوكُمْ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ ، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ صِيغَةُ " أَنْ " ; لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الشَّكِّ فِي حُصُولِ الشَّرْطِ ، فَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ تَكَرُّرُ الْفِعْلِ السَّيِّئِ عَلَى الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .