[ ص: 350 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة قد أفلح المؤمنون
nindex.php?page=treesubj&link=28994_32883_32881قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99قال رب ارجعون .
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن فيه من رجوع الضمير إلى الرب ، والضمير بصيغة الجمع والرب جل وعلا واحد .
والجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : وهو أظهرها ، أن الواو لتعظيم المخاطب ، وهو الله تعني كما في قول الشاعر :
ألا فارحموني يا إله محمد فإن لم أكن أهلا فأنت له أهل
وقول الآخر :
وإن شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
الوجه الثاني : أن قوله : " رب " استغاثة به تعالى ، وقوله : " ارجعون " خطاب للملائكة ، ويستأنس لهذا الوجه بما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعائشة :
nindex.php?page=treesubj&link=32881_32882إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا : نرجعك إلى دار الدنيا ؟ فيقول : إلى دار الهموم والأحزان ؟ فيقول : بل قدموني إلى الله ، وأما الكفار فيقولون له : نرجعك ، فيقول : nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99رب ارجعون .
الوجه الثالث : وهو قول
المازني ، أنه جمع الضمير ليدل على التكرار فكأنه قال : رب ارجعني ارجعني . ولا يخلو هذا القول عندي من بعد ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101nindex.php?page=treesubj&link=28994_30293فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون .
هذه الآية الكريمة تدل على أنهم لا أنساب بينهم يومئذ ، وأنهم لا يتساءلون يوم
[ ص: 351 ] القيامة ، وقد جاءت آيات أخر تدل على ثبوت الأنساب بينهم ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=34يوم يفر المرء من أخيه الآية [ 80 ] ، وآيات أخرى تدل على أنهم يتساءلون كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=27وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون [ 37 \ 27 ] .
والجواب عن الأول : أن المراد بنفي الأنساب انقطاع فوائدها وآثارها التي كانت مترتبة عليها في الدنيا ، من العواطف والنفع والصلات والتفاخر بالآباء لا نفي حقيقتها .
والجواب عن الثاني من ثلاثة أوجه :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28766نفي السؤال بعد النفخة الأولى ، وقبل الثانية وإثباته بعدهما معا .
الثاني : أن نفي السؤال عند اشتغالهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط ، وإثباته فيما عدا ذلك وهو عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي من طريق
علي بن أبي طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
الثالث : أن السؤال المنفي سؤال خاص ، وهو سؤال بعضهم العفو من بعض فيما بينهم من الحقوق لقنوطهم من الإعطاء ، ولو كان المسؤول أبا أو ابنا أو أما أو زوجة ، ذكر هذه الأوجه الثلاثة أيضا صاحب الإتقان .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=113قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين .
هذه الآية الكريمة تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30351الكفار يزعمون يوم القيامة أنهم ما لبثوا إلا يوما أو بعض يوم ، وقد جاءت آيات أخر يفهم منها خلاف ذلك ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا [ 20 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=55ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة [ 30 ] .
والجواب عن هذا بما دل عليه القرءان ، وذلك أن بعضهم يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19لبثنا يوما أو بعض يوم [ 18 \ 19 ] . وبعضهم يقول : لبثنا ساعة . وبعضهم يقول : لبثنا عشرا .
ووجه دلالة القرءان على هذا أنه بين أن أقواهم إدراكا وأرجحهم عقلا وأمثلهم طريقة ، هو من يقول : إن مدة لبثهم يوم ، وذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=104إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما [ 20 \ 104 ] ، فدل ذلك على اختلاف أقوالهم في مدة لبثهم ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 350 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=28994_32883_32881قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ .
لَا يَخْفَى مَا يَسْبِقُ إِلَى الذِّهْنِ فِيهِ مِنْ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إِلَى الرَّبِّ ، وَالضَّمِيرُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالرَّبُّ جَلَّ وَعَلَا وَاحِدٌ .
وَالْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ أَظْهَرُهَا ، أَنَّ الْوَاوَ لِتَعْظِيمِ الْمُخَاطَبِ ، وَهُوَ اللَّهُ تَعْنِي كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ :
أَلَا فَارْحَمُونِي يَا إِلَهَ مُحَمَّدٍ فَإِنْ لَمْ أَكُنْ أَهْلًا فَأَنْتَ لَهُ أَهْلُ
وَقَوْلِ الْآخَرِ :
وَإِنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ وَإِنْ شِئْتِ لَمْ أَطْعَمْ نَقَاخًا وَلَا بَرْدًا
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : " رَبِّ " اسْتِغَاثَةٌ بِهِ تَعَالَى ، وَقَوْلَهُ : " ارْجِعُونِ " خِطَابٌ لِلْمَلَائِكَةِ ، وَيُسْتَأْنَسُ لِهَذَا الْوَجْهِ بِمَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِعَائِشَةَ :
nindex.php?page=treesubj&link=32881_32882إِذَا عَايَنَ الْمُؤْمِنُ الْمَلَائِكَةَ قَالُوا : نَرْجِعُكَ إِلَى دَارِ الدُّنْيَا ؟ فَيَقُولُ : إِلَى دَارِ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ ؟ فَيَقُولُ : بَلْ قَدِّمُونِي إِلَى اللَّهِ ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَيَقُولُونَ لَهُ : نَرْجِعُكَ ، فَيَقُولُ : nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99رَبِّ ارْجِعُونِ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُ
الْمَازِنِيِّ ، أَنَّهُ جَمَعَ الضَّمِيرَ لِيَدُلَّ عَلَى التَّكْرَارِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : رَبِّ ارْجِعْنِي ارْجِعْنِي . وَلَا يَخْلُو هَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي مِنْ بُعْدٍ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101nindex.php?page=treesubj&link=28994_30293فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمئِذٍ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ يَوْمَ
[ ص: 351 ] الْقِيَامَةِ ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْأَنْسَابِ بَيْنَهُمْ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=34يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ الْآيَةَ [ 80 ] ، وَآيَاتٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَتَسَاءَلُونَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=27وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [ 37 \ 27 ] .
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْأَنْسَابِ انْقِطَاعُ فَوَائِدِهَا وَآثَارُهَا الَّتِي كَانَتْ مُتَرَتِّبَةً عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا ، مِنَ الْعَوَاطِفِ وَالنَّفْعِ وَالصِّلَاتِ وَالتَّفَاخُرِ بِالْآبَاءِ لَا نَفْيُ حَقِيقَتِهَا .
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28766نَفْيَ السُّؤَالِ بَعْدَ النَّفْخَةِ الْأَوْلَى ، وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ وَإِثْبَاتُهُ بَعْدَهُمَا مَعًا .
الثَّانِي : أَنَّ نَفْيَ السُّؤَالِ عِنْدَ اشْتِغَالِهِمْ بِالصَّعْقِ وَالْمُحَاسَبَةِ وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ ، وَإِثْبَاتَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَهُوَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ مِنْ طَرِيقِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ .
الثَّالِثُ : أَنَّ السُّؤَالَ الْمَنْفِيَّ سُؤَالٌ خَاصٌّ ، وَهُوَ سُؤَالُ بَعْضِهِمُ الْعَفْوَ مِنْ بَعْضٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ لِقُنُوطِهِمْ مِنَ الْإِعْطَاءِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَسْؤُولُ أَبًا أَوِ ابْنًا أَوْ أُمًّا أَوْ زَوْجَةً ، ذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ أَيْضًا صَاحِبُ الْإِتْقَانِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=113قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30351الْكُفَّارَ يَزْعُمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ مَا لَبِثُوا إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ يُفْهَمُ مِنْهَا خِلَافُ ذَلِكَ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا [ 20 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=55وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [ 30 ] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْءَانِ ، وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [ 18 \ 19 ] . وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : لَبِثْنَا سَاعَةً . وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : لَبِثْنَا عَشْرًا .
وَوَجْهُ دَلَالَةِ الْقُرْءَانِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ أَقْوَاهُمْ إِدْرَاكًا وَأَرْجَحَهُمْ عَقْلًا وَأَمْثَلَهُمْ طَرِيقَةً ، هُوَ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ مُدَّةَ لُبْثِهِمْ يَوْمٌ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=104إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا [ 20 \ 104 ] ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ أَقْوَالِهِمْ فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .