فصل
nindex.php?page=treesubj&link=28966وللاختلاف أسباب :
الأول : وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى ، كقوله تعالى في خلق
آدم إنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59من تراب ( آل عمران : 59 ) ، ومرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=26من حمإ مسنون ( الحجر : 26 ، 28 ، 33 ) ، ومرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=11من طين لازب ( الصافات : 11 ) ، ومرة من :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=14صلصال كالفخار ( الرحمن : 14 ) ، وهذه الألفاظ مختلفة ومعانيها في أحوال مختلفة ; لأن الصلصال غير
[ ص: 184 ] الحمأ ، والحمأ غير التراب ; إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر وهو التراب ، ومن التراب تدرجت هذه الأحوال .
ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=32فإذا هي ثعبان مبين ( الشعراء : 32 ) وفي موضع :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31تهتز كأنها جان ( القصص : 31 ) والجان : الصغير من الحيات ، والثعبان الكبير منها ؛ وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم ، واهتزازها وحركاتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته .
السبب الثاني : لاختلاف الموضوع ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=24وقفوهم إنهم مسئولون ( الصافات : 24 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=6فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ( الأعراف : 6 ) مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ( الرحمن : 39 ) قال
الحليمي : فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل ، والثانية على ما يستلزم الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه . وحمله غيره على اختلاف الأماكن ; لأن في القيامة مواقف كثيرة ، فموضع يسأل ويناقش ، وموضع آخر يرحم ويلطف به ، وموضع آخر يعنف ويوبخ - وهم الكفار - وموضع آخر لا يعنف - وهم المؤمنون .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174ولا يكلمهم الله يوم القيامة ( البقرة : 174 ) مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فوربك لنسألنهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=93عما كانوا يعملون ( الحجر : 92 و 93 ) وقيل : المنفي كلام التلطف والإكرام ، والمثبت سؤال التوبيخ والإهانة ، فلا تنافي .
وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها ( الشورى : 40 ) مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=20يضاعف لهم العذاب ( هود : 20 ) والجواب : إن التضعيف هنا ليس على حد التضعيف في الحسنات ; بل هو راجع لتضاعيف مرتكباتهم ; فكان لكل مرتكب منها عذاب يخصه ، فليس التضعيف من هذا الطريق على ما هو في الطريق الآخر ; وإنما المراد هنا تكثيره بحسب كثرة المجترحات ; لأن السيئة الواحدة يضاعف الجزاء عليها بدليل سياق تلك الآية وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=18ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=19الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون ( هود : 18 و 19 )
[ ص: 185 ] فهؤلاء كذبوا على ربهم ، وصدوا عن سبيله وبغوها عوجا وكفروا ، فهذه مرتكبات عذبوا بكل مرتكب منها .
وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ( الأنعام : 23 ) ، مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42ولا يكتمون الله حديثا ( النساء : 42 ) فإن الأولى تقتضي أنهم كتموا كفرهم السابق .
والجواب من وجهين : أحدهما : أن للقيامة مواطن ففي بعضها يقع منهم الكذب ، وفي بعضها لا يقع كما سبق . والثاني : أن الكذب يكون بأقوالهم ، والصدق يكون من جوارحهم ، فيأمرها الله تعالى بالنطق ، فتنطق بالصدق .
وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164ولا تكسب كل نفس إلا عليها ( الأنعام : 164 ) ، مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ( البقرة : 286 ) والجواب أن المراد : لا تكسب شرا ولا إثما ; بدليل سبب النزول أو ضمن معنى ( تجني ) وهذه الآية اقتصر فيها على الشر والأخرى ذكر فيها الأمران ; ولهذا لما ذكر القسمين ذكر ما يميز أحدهما عن الآخر ، وهاهنا لما كان المراد ذكر أحدهما اقتصر عليه بـ ( فعل ) ولم يأت بـ ( افتعل ) .
ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102اتقوا الله حق تقاته ( آل عمران : 102 ) مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فاتقوا الله ما استطعتم ( التغابن : 16 ) يحكى عن
الشيخ العارف أبي الحسن الشاذلي رحمه الله أنه جمع بينهما ; فحمل الآية الأولى على التوحيد ، والثانية على الأعمال ، والمقام يقتضي ذلك ; لأنه قال بعد الأولى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( آل عمران : 102 ) .
وقيل : بل الثانية ناسخة ; قال
ابن المنير الظاهر أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102اتقوا الله حق تقاته ( آل عمران : 102 ) إنما نسخ حكمه لا فضله وأجره ; وقد
فسر النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 186 ] حق تقاته بأن قال : ( هو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ) ، فقالوا : أينا يطيق ذلك ؟ فنزلت : nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فاتقوا الله ما استطعتم ( التغابن : 16 ) وكان التكليف أولا باستيعاب العمر بالعبادة بلا فترة ولا نعاس ، كما كانت الصلاة خمسين ، ثم صارت بحسب الاستطاعة خمسا ، والاقتدار منزل على هذا الاعتبار ، ولم ينحط عن درجاته .
وقال
الشيخ كمال الدين الزملكاني : وفي كون ذلك منسوخا نظر ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60ما استطعتم ) هو (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102حق تقاته ) إذ به أمر ، فإن حق تقاته الوقوف على أمره ودينه ، وقد قال بذلك كثير من العلماء . انتهى .
والحديث الذي ذكره
ابن المنير في تفسيره : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102حق تقاته " لم يثبت مرفوعا ; بل هو من كلام
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه كذلك ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وليس فيه قول الصحابة : ( أينا يطيق ذلك ) ونزول قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فاتقوا الله ما استطعتم .
ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ( النساء : 3 ) مع قوله في أواخر السورة :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ( النساء : 129 ) فالأولى تفهم إمكان العدل ، والثانية تنفيه .
[ ص: 187 ] والجواب أن المراد بالعدل في الأولى العدل بين الأزواج في توفية حقوقهن ; وهذا ممكن الوقوع وعدمه ، والمراد به في الثانية الميل القلبي ، فالإنسان لا يملك ميل قلبه إلى بعض زوجاته دون بعض ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ، ثم يقول : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018600اللهم هذا قسمي في ما أملك فلا تؤاخذني بما لا أملك ) - يعني ميل القلب ، وكان
عمر يقول : ( الله ، قلبي فلا أملكه ، وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل ) .
ويمكن أن يكون المراد بالعدل في الثانية العدل التام ، أشار إليه
ابن عطية .
وقد يحتاج الاختلاف إلى تقدير فيرتفع به الإشكال ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى ( النساء : 95 ) ، ثم قال سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96درجات ( النساء : 95 - 96 ) والأصل في الأولى : وفضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر درجة ، والأصل في الثانية : وفضل الله المجاهدين على القاعدين من الأصحاء درجات .
[ ص: 188 ] وممن ذكر أن المحذوف كذلك
الإمام بدر الدين بن مالك في ( شرح الخلاصة ) في الكلام على حذف النعت .
nindex.php?page=showalam&ids=14423وللزمخشري فيه كلام آخر .
وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28إن الله لا يأمر بالفحشاء ( الأعراف : 28 ) مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ( الإسراء : 16 ) والمعنى : أمرناهم وملكناهم وأردنا منهم الصلاح فأفسدوا ، والمراد بالأمر في الأولى أنه لا يأمر به شرعا ولكن قضاء ، لاستحالة أن يجري في ملكه ما لا يريد ، وفرق بين الأمر الكوني والديني .
الثالث : لاختلافهما في جهتي الفعل ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ( الأنفال : 17 ) أضيف القتل إليهم على جهة الكسب والمباشرة ، ونفاه عنهم باعتبار التأثير ; ولهذا قال الجمهور : إن الأفعال مخلوقة لله تعالى مكتسبة للآدميين ، فنفي الفعل بإحدى الجهتين لا يعارضه إثباته بالجهة الأخرى .
وكذا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( الأنفال : 17 ) أي ما رميت خلقا إذا رميت كسبا . وقيل : إن الرمي يشتمل على القبض والإرسال ; وهما بكسب الرامي ،
[ ص: 189 ] وعلى التبليغ والإصابة ، وهما بفعل الله عز وجل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري : وهي الدليل على أن الله خالق لأفعال العباد ; فإن الله تعالى أضافه إلى نبيه ثم نفاه عنه ، وذلك فعل واحد ; لأنه من الله تعالى التوصيل إليهم ، ومن نبيه بالحذف والإرسال ، وإذا ثبت هذا لزم مثله في سائر أفعال العباد المكتسبة ، فمن الله تعالى الإنشاء والإيجاد ومن الخلق الاكتساب بالقوى .
ومثله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34الرجال قوامون على النساء ( النساء : 34 ) ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وقوموا لله قانتين ( البقرة : 238 ) فقيام الانتصاب لا ينافي القيام بالأمر لاختلاف جهتي الفعل .
الرابع : لاختلافهما في الحقيقة والمجاز ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ( الحج : 2 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=17ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ( إبراهيم : 17 ) وهو يرجع لقول المناطقة : الاختلاف بالإضافة ; أي
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وترى الناس سكارى بالإضافة إلى أهوال القيامة مجازا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وما هم بسكارى بالإضافة إلى الخمر حقيقة .
ومثله في الاعتبارين قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( البقرة : 8 ) ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=21ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ( الأنفال : 21 ) ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=198وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ( الأعراف : 198 ) فإنه لا يلزم من نفي النظر نفي الإبصار لجواز قولهم : ( نظرت إليه فلم أبصره ) .
الخامس : بوجهين واعتبارين ، وهو الجامع للمفترقات ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22فبصرك اليوم حديد ( ق : 22 ) ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي ( الشورى : 45 ) ، قال
قطرب : فبصرك أي علمك ومعرفتك بها قوية ، من قولهم :
[ ص: 190 ] ( بصر بكذا وكذا ) أي علم ، وليس المراد رؤية العين ، قال
الفارسي : ويدل على ذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22فكشفنا عنك غطاءك ( ق : 22 ) وصف البصر بالحدة .
وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك ( الأعراف : 127 ) ، مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى ( النازعات : 24 ) فقيل يجوز أن يكون معناه : ويذرك وآلهتك ، إن ساغ لهم ، وتكون إضافة الآلهة إليه ملكا ، كان يعبد في دين قومه ثم يدعوهم إلى أن يكون هو الأعلى ، كما تقول العرب : موالي من فوق ، وموالي من أسفل ، فيكون اعتقادهم في الآلهة مع فرعون أنها مملوكة له ، فيحسن قولهم : ( وآلهتك ) .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ( الرعد : 28 ) مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( الأنفال : 2 ) ، فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة ، وجوابه أن الطمأنينة إنما تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد ، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى ، فتوجل القلوب لذلك ، وقد جمع بينهما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ( الزمر : 23 ) فإن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ووثقوا به ، فانتفى عنهم الشك .
وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4خمسين ألف سنة ( المعارج : 4 ) وفي موضع :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5ألف سنة ( السجدة : 5 ) وأجيب بأنه باعتبار حال المؤمن والكافر ; بدليل :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=26وكان يوما على الكافرين عسيرا ( الفرقان : 26 ) .
وكقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=9بألف من الملائكة مردفين ) ( الأنفال : 9 ) وفي آية أخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=124بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ( آل عمران : 124 ) قيل إن الألف أردفهم بثلاثة آلاف ، وكان الأكثر مددا للأقل ، وكان ( الألف مردفين ) بفتحها .
وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء ( البقرة : 29 )
[ ص: 191 ] وفي آية أخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30والأرض بعد ذلك دحاها ( النازعات : 30 ) ولا تنافي بينهما ; فالأول دال على أن الأرض وما فيها خلقت قبل السماء ، وذلك صحيح ، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء ، وبذلك تتفق معاني الآيات في سورة القمر والمؤمن والنازعات .
وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=38ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ( ق : 38 ) ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ( فصلت : 9 و 10 ) إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فقضاهن سبع سماوات في يومين ( فصلت : 12 ) وذلك يبلغ ثمانية أيام ، والجواب أن المراد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام مع اليومين المتقدمين ولم يرد بذكر ( الأربعة ) غير ما تقدم ذكره ; وهذا كما يقول الفصيح : ( سرت من
البصرة إلى
بغداد في عشرة أيام ) ، ( وسرت إلى
الكوفة في ثلاثة عشر يوما ) ولا يريد سوى العشرة ، بل يريد مع العشرة ثلاثة ، ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فقضاهن سبع سماوات في يومين وأراد سوى الأربعة ، وذلك لا مخالفة فيه ; لأن المجموع يكون ستة .
ومنه قوله تعالى في السجدة :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=20عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ( الآية : 20 ) بلفظ ( الذي ) على وصف العذاب ، وفي سبأ :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=42عذاب النار التي ( الآية : 42 ) بلفظ ( التي ) على وصف النار ، وفيه أربعة أوجه : أحدها أنه وصف العذاب في السجدة لوقوع ( النار ) موقع الضمير الذي لا يوصف ، وإنما وقعت موقع الضمير لتقدم إضمارها ، مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=20وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ( السجدة : 20 ) فحق الكلام : ( وقيل لهم ذوقوا عذابها ) ، فلما وضعها موضع المضمر الذي لا يقبل الوصف عدل إلى وصف العذاب ، وأما ما في ( سبأ ) فوصفها لعدم المانع من وصفها . والثاني : أن الذي في ( السجدة ) وصف النار أيضا ، وذكر حملا على معنى الجحيم والحريق . والثالث : أن الذي في ( السجدة ) في حق من يقر بالنار ويجحد العذاب ، وفي
[ ص: 192 ] ( سبأ ) في حق من يجحد أصل النار . والرابع : أنه إنما وصف العذاب في السجدة ; لأنه لما تقدم ذكر النار مضمرا ومظهرا عدل إلى وصف العذاب ، ليكون تلوينا للخطاب ، فيكون أنشط للسامع بمنزلة العدول من الغيبة إلى الخطاب .
ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=61توفته رسلنا ( الأنعام : 61 ) ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28تتوفاهم الملائكة ( النحل : 28 ) ، وبين قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=11قل يتوفاكم ملك الموت ( السجدة : 11 ) ، وبين قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42الله يتوفى الأنفس ( الزمر : 42 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وهو الذي يتوفاكم بالليل ( الأنعام : 60 ) ، وجمع
البغوي بينها ، لأن توفي الملائكة بالقبض والنزع ، وتوفي ملك الموت بالدعاء والأمر ، يدعو الأرواح فتجيبه ، ثم يأمر أعوانه بقبضها ، وتوفي الله سبحانه خلق الموت فيه .
ومنه قوله تعالى في البقرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24فاتقوا النار ( الآية : 24 ) ، وفي سورة التحريم :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6نارا ( الآية : 6 ) بالتنكير ; لأنها نزلت
بمكة قبل آية البقرة ، فلم تكن النار التي وقودها الناس والحجارة معروفة فنكرها ، ثم نزلت آية البقرة
بالمدينة مشارا بها إلى ما عرفوه أولا .
وقال في سورة البقرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126رب اجعل هذا بلدا آمنا ( الآية : 126 ) وفي سورة إبراهيم :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35رب اجعل هذا البلد آمنا ( إبراهيم : 35 ) ; لأنه في الدعوة الأولى كان مكانا ، فطلب منه أن يجعله بلدا آمنا ، وفي الدعوة الثانية كان بلدا غير آمن ، فعرفه وطلب له الأمن ، أو كان بلدا آمنا وطلب ثبات الأمن ودوامه ، وكون سورة البقرة مدنية وسورة إبراهيم مكية لا ينافي هذا ; لأن الواقع من
إبراهيم كونه على الترتيب المذكور ، والإخبار عنه في القرآن على غير ذلك الترتيب . أو لأن المكي منه ما نزل قبل الهجرة فيكون المدني متأخرا عنها ، ومنه ما نزل بعد فتح
مكة فيكون متأخرا عن المدني ، فلم قلتم : إن سورة إبراهيم من المكي الذي نزل قبل الهجرة .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28966وَلِلِاخْتِلَافِ أَسْبَابٌ :
الْأَوَّلُ : وُقُوعُ الْمُخْبَرِ بِهِ عَلَى أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَتَطْوِيرَاتٍ شَتَّى ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي خَلْقِ
آدَمَ إِنَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59مِنْ تُرَابٍ ( آلِ عِمْرَانَ : 59 ) ، وَمَرَّةً :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=26مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ( الْحِجْرِ : 26 ، 28 ، 33 ) ، وَمَرَّةً :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=11مِنْ طِينٍ لَازِبٍ ( الصَّافَّاتِ : 11 ) ، وَمَرَّةً مِنْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=14صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ( الرَّحْمَنِ : 14 ) ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُخْتَلِفَةٌ وَمَعَانِيهَا فِي أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ ; لِأَنَّ الصَّلْصَالَ غَيْرُ
[ ص: 184 ] الْحَمَأِ ، وَالْحَمَأَ غَيْرُ التُّرَابِ ; إِلَّا أَنَّ مَرْجِعَهَا كُلِّهَا إِلَى جَوْهَرٍ وَهُوَ التُّرَابُ ، وَمِنَ التُّرَابِ تَدَرَّجَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=32فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ( الشُّعَرَاءِ : 32 ) وَفِي مَوْضِعٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ( الْقَصَصِ : 31 ) وَالْجَانُّ : الصَّغِيرُ مِنَ الْحَيَّاتِ ، وَالثُّعْبَانُ الْكَبِيرُ مِنْهَا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ خَلْقَهَا خَلْقُ الثُّعْبَانِ الْعَظِيمِ ، وَاهْتِزَازَهَا وَحَرَكَاتِهَا وَخِفَّتَهَا كَاهْتِزَازِ الْجَانِّ وَخِفَّتِهِ .
السَّبَبُ الثَّانِي : لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=24وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ( الصَّافَّاتِ : 24 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=6فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ( الْأَعْرَافِ : 6 ) مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=39فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ( الرَّحْمَنِ : 39 ) قَالَ
الْحَلِيمِيُّ : فَتُحْمَلُ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى السُّؤَالِ عَنِ التَّوْحِيدِ وَتَصْدِيقِ الرُّسُلِ ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُ الْإِقْرَارَ بِالنُّبُوَّاتِ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ . وَحَمَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ ; لِأَنَّ فِي الْقِيَامَةِ مَوَاقِفَ كَثِيرَةً ، فَمَوْضِعٌ يُسْأَلُ وَيُنَاقَشُ ، وَمَوْضِعٌ آخَرُ يُرْحَمُ وَيُلْطَفُ بِهِ ، وَمَوْضِعٌ آخَرُ يُعَنَّفُ وَيُوَبَّخُ - وَهُمُ الْكُفَّارُ - وَمَوْضِعٌ آخَرُ لَا يُعَنَّفُ - وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ( الْبَقَرَةِ : 174 ) مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=92فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=93عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( الْحِجْرِ : 92 وَ 93 ) وَقِيلَ : الْمَنْفِيُّ كَلَامُ التَّلَطُّفِ وَالْإِكْرَامِ ، وَالْمُثْبَتُ سُؤَالُ التَّوْبِيخِ وَالْإِهَانَةِ ، فَلَا تَنَافِيَ .
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ( الشُّورَى : 40 ) مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=20يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ( هُودٌ : 20 ) وَالْجَوَابُ : إِنَّ التَّضْعِيفَ هُنَا لَيْسَ عَلَى حَدِّ التَّضْعِيفِ فِي الْحَسَنَاتِ ; بَلْ هُوَ رَاجِعٌ لِتَضَاعِيفِ مُرْتَكَبَاتِهِمْ ; فَكَانَ لِكُلِّ مُرْتَكِبٍ مِنْهَا عَذَابٌ يَخُصُّهُ ، فَلَيْسَ التَّضْعِيفُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ عَلَى مَا هُوَ فِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ ; وَإِنَّمَا الْمُرَادُ هُنَا تَكْثِيرُهُ بِحَسْبِ كَثْرَةِ الْمُجْتَرَحَاتِ ; لِأَنَّ السَّيِّئَةَ الْوَاحِدَةَ يُضَاعَفُ الْجَزَاءُ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ سِيَاقِ تِلْكَ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=18وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=19الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ( هُودٍ : 18 وَ 19 )
[ ص: 185 ] فَهَؤُلَاءِ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ، وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ وَبَغَوْهَا عِوَجًا وَكَفَرُوا ، فَهَذِهِ مُرْتَكَبَاتٌ عُذِّبُوا بِكُلِّ مُرْتَكَبٍ مِنْهَا .
وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ( الْأَنْعَامِ : 23 ) ، مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ( النِّسَاءِ : 42 ) فَإِنَّ الْأُولَى تَقْتَضِي أَنَّهُمْ كَتَمُوا كُفْرَهُمُ السَّابِقَ .
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ لِلْقِيَامَةِ مُوَاطِنَ فَفِي بَعْضِهَا يَقَعُ مِنْهُمُ الْكَذِبُ ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَقَعُ كَمَا سَبَقَ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْكَذِبَ يَكُونُ بِأَقْوَالِهِمْ ، وَالصِّدْقَ يَكُونُ مِنْ جَوَارِحِهِمْ ، فَيَأْمُرُهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالنُّطْقِ ، فَتَنْطِقُ بِالصِّدْقِ .
وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ( الْأَنْعَامِ : 164 ) ، مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ( الْبَقَرَةِ : 286 ) وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ : لَا تَكْسِبُ شَرًّا وَلَا إِثْمًا ; بِدَلِيلِ سَبَبِ النُّزُولِ أَوْ ضُمِّنَ مَعْنَى ( تَجْنِي ) وَهَذِهِ الْآيَةُ اقْتُصِرَ فِيهَا عَلَى الشَّرِّ وَالْأُخْرَى ذُكِرَ فِيهَا الْأَمْرَانِ ; وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ الْقِسْمَيْنِ ذَكَرَ مَا يُمَيِّزُ أَحَدَهُمَا عَنِ الْآخَرِ ، وَهَاهُنَا لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ ذِكْرَ أَحَدِهِمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ بِـ ( فَعَلَ ) وَلَمْ يَأْتِ بِـ ( افْتَعَلَ ) .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ( آلِ عِمْرَانَ : 102 ) مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ( التَّغَابُنِ : 16 ) يُحْكَى عَنِ
الشَّيْخِ الْعَارِفِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ; فَحَمَلَ الْآيَةَ الْأُولَى عَلَى التَّوْحِيدِ ، وَالثَّانِيَةَ عَلَى الْأَعْمَالِ ، وَالْمَقَامُ يَقْتَضِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الْأُولَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( آلِ عِمْرَانَ : 102 ) .
وَقِيلَ : بَلِ الثَّانِيَةُ نَاسِخَةٌ ; قَالَ
ابْنُ الْمُنَيِّرِ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ( آلِ عِمْرَانَ : 102 ) إِنَّمَا نُسِخَ حُكْمُهُ لَا فَضْلُهُ وَأَجْرُهُ ; وَقَدْ
فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ ص: 186 ] حَقَّ تُقَاتِهِ بِأَنْ قَالَ : ( هُوَ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى ، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى ، وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرَ ) ، فَقَالُوا : أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ ؟ فَنَزَلَتْ : nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ( التَّغَابُنِ : 16 ) وَكَانَ التَّكْلِيفُ أَوَّلًا بِاسْتِيعَابِ الْعُمُرِ بِالْعِبَادَةِ بِلَا فَتْرَةٍ وَلَا نُعَاسٍ ، كَمَا كَانَتِ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ ، ثُمَّ صَارَتْ بِحَسْبِ الِاسْتِطَاعَةِ خَمْسًا ، وَالِاقْتِدَارُ مُنَزَّلٌ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ ، وَلَمْ يَنْحَطَّ عَنْ دَرَجَاتِهِ .
وَقَالَ
الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الزَّمْلَكَانِيُّ : وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ مَنْسُوخًا نَظَرٌ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60مَا اسْتَطَعْتُمْ ) هُوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102حَقَّ تُقَاتِهِ ) إِذْ بِهِ أَمَرَ ، فَإِنَّ حَقَّ تُقَاتِهِ الْوُقُوفُ عَلَى أَمْرِهِ وَدِينِهِ ، وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ . انْتَهَى .
وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ
ابْنُ الْمُنَيِّرِ فِي تَفْسِيرِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102حَقَّ تُقَاتِهِ " لَمْ يَثْبُتْ مَرْفُوعًا ; بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَلِكَ ، رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُ الصَّحَابَةِ : ( أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ ) وَنُزُولُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ( النِّسَاءِ : 3 ) مَعَ قَوْلِهِ فِي أَوَاخِرِ السُّورَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=129وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ( النِّسَاءِ : 129 ) فَالْأُولَى تُفْهِمُ إِمْكَانَ الْعَدْلِ ، وَالثَّانِيَةُ تَنْفِيهِ .
[ ص: 187 ] وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي الْأُولَى الْعَدْلُ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ فِي تَوْفِيَةِ حُقُوقِهِنَّ ; وَهَذَا مُمْكِنُ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ الْمَيْلُ الْقَلْبِيُّ ، فَالْإِنْسَانُ لَا يَمْلِكُ مَيْلَ قَلْبِهِ إِلَى بَعْضِ زَوْجَاتِهِ دُونَ بَعْضٍ ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018600اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِي مَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا لَا أَمْلِكُ ) - يَعْنِي مَيْلَ الْقَلْبِ ، وَكَانَ
عُمَرُ يَقُولُ : ( اللَّهُ ، قَلْبِي فَلَا أَمْلِكُهُ ، وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَأَرْجُو أَنْ أَعْدِلَ ) .
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعَدْلِ فِي الثَّانِيَةِ الْعَدْلَ التَّامَّ ، أَشَارَ إِلَيْهِ
ابْنُ عَطِيَّةَ .
وَقَدْ يَحْتَاجُ الِاخْتِلَافُ إِلَى تَقْدِيرٍ فَيَرْتَفِعُ بِهِ الْإِشْكَالُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ( النِّسَاءِ : 95 ) ، ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96دَرَجَاتٍ ( النِّسَاءِ : 95 - 96 ) وَالْأَصْلُ فِي الْأُولَى : وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ أُولِي الضَّرَرِ دَرَجَةً ، وَالْأَصْلُ فِي الثَّانِيَةِ : وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنَ الْأَصِحَّاءِ دَرَجَاتٍ .
[ ص: 188 ] وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّ الْمَحْذُوفَ كَذَلِكَ
الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ فِي ( شَرْحِ الْخُلَاصَةِ ) فِي الْكَلَامِ عَلَى حَذْفِ النَّعْتِ .
nindex.php?page=showalam&ids=14423وَلِلزَّمَخْشَرِيِّ فِيهِ كَلَامٌ آخَرُ .
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ( الْأَعْرَافِ : 28 ) مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ( الْإِسْرَاءِ : 16 ) وَالْمَعْنَى : أَمَّرْنَاهُمْ وَمَلَّكْنَاهُمْ وَأَرَدْنَا مِنْهُمُ الصَّلَاحَ فَأَفْسَدُوا ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِهِ شَرْعًا وَلَكِنْ قَضَاءً ، لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَجْرِيَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ وَالدِّينِيِّ .
الثَّالِثُ : لِاخْتِلَافِهِمَا فِي جِهَتَيِ الْفِعْلِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ( الْأَنْفَالِ : 17 ) أُضِيفَ الْقَتْلُ إِلَيْهِمْ عَلَى جِهَةِ الْكَسْبِ وَالْمُبَاشَرَةِ ، وَنَفَاهُ عَنْهُمْ بِاعْتِبَارِ التَّأْثِيرِ ; وَلِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ : إِنَّ الْأَفْعَالَ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى مُكْتَسَبَةٌ لِلْآدَمِيِّينَ ، فَنَفِيُ الْفِعْلِ بِإِحْدَى الْجِهَتَيْنِ لَا يُعَارِضُهُ إِثْبَاتُهُ بِالْجِهَةِ الْأُخْرَى .
وَكَذَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ( الْأَنْفَالِ : 17 ) أَيْ مَا رَمَيْتَ خَلْقًا إِذَا رَمَيْتَ كَسْبًا . وَقِيلَ : إِنَّ الرَّمْيَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْقَبْضِ وَالْإِرْسَالِ ; وَهُمَا بِكَسْبِ الرَّامِي ،
[ ص: 189 ] وَعَلَى التَّبْلِيغِ وَالْإِصَابَةِ ، وَهُمَا بِفِعْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ : وَهِيَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَهُ إِلَى نَبِيِّهِ ثُمَّ نَفَاهُ عَنْهُ ، وَذَلِكَ فِعْلٌ وَاحِدٌ ; لِأَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْصِيلُ إِلَيْهِمْ ، وَمِنْ نَبِيِّهِ بِالْحَذْفِ وَالْإِرْسَالِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَزِمَ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ الْمُكْتَسَبَةِ ، فَمِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْإِنْشَاءُ وَالْإِيجَادُ وَمِنَ الْخَلْقِ الِاكْتِسَابُ بِالْقُوَى .
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ( النِّسَاءِ : 34 ) ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ( الْبَقَرَةِ : 238 ) فَقِيَامُ الِانْتِصَابِ لَا يُنَافِي الْقِيَامَ بِالْأَمْرِ لِاخْتِلَافِ جِهَتَيِ الْفِعْلِ .
الرَّابِعُ : لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ( الْحَجِّ : 2 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=17وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ( إِبْرَاهِيمَ : 17 ) وَهُوَ يَرْجِعُ لِقَوْلِ الْمَنَاطِقَةِ : الِاخْتِلَافُ بِالْإِضَافَةِ ; أَيْ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ مَجَازًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2وَمَا هُمْ بِسُكَارَى بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْخَمْرِ حَقِيقَةً .
وَمِثْلُهُ فِي الِاعْتِبَارَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ( الْبَقَرَةِ : 8 ) ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=21وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ( الْأَنْفَالِ : 21 ) ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=198وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ( الْأَعْرَافِ : 198 ) فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ النَّظَرِ نَفْيُ الْإِبْصَارِ لِجَوَازِ قَوْلِهِمْ : ( نَظَرْتُ إِلَيْهِ فَلَمْ أُبْصِرْهُ ) .
الْخَامِسُ : بِوَجْهَيْنِ وَاعْتِبَارَيْنِ ، وَهُوَ الْجَامِعُ لِلْمُفْتَرَقَاتِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ( ق : 22 ) ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ( الشُّورَى : 45 ) ، قَالَ
قُطْرُبٌ : فَبَصَرُكَ أَيْ عِلْمُكَ وَمَعْرِفَتُكَ بِهَا قَوِيَّةٌ ، مِنْ قَوْلِهِمْ :
[ ص: 190 ] ( بَصُرَ بِكَذَا وَكَذَا ) أَيْ عَلِمَ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ رُؤْيَةَ الْعَيْنِ ، قَالَ
الْفَارِسِيُّ : وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=22فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ ( ق : 22 ) وَصَفَ الْبَصَرَ بِالْحِدَّةِ .
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ( الْأَعْرَافِ : 127 ) ، مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ( النَّازِعَاتِ : 24 ) فَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ، إِنْ سَاغَ لَهُمْ ، وَتَكُونُ إِضَافَةُ الْآلِهَةِ إِلَيْهِ مِلْكًا ، كَانَ يُعْبَدُ فِي دِينِ قَوْمِهِ ثُمَّ يَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَعْلَى ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ : مَوَالِي مِنْ فَوْقَ ، وَمَوَالِي مِنْ أَسْفَلَ ، فَيَكُونُ اعْتِقَادُهُمْ فِي الْآلِهَةِ مَعَ فِرْعَوْنَ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ ، فَيَحْسُنُ قَوْلُهُمْ : ( وَآلِهَتَكَ ) .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ( الرَّعْدِ : 28 ) مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ( الْأَنْفَالِ : 2 ) ، فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ الْوَجَلَ خِلَافُ الطُّمَأْنِينَةِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِانْشِرَاحِ الصَّدْرِ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ ، وَالْوَجَلُ يَكُونُ عِنْدَ خَوْفِ الزَّيْغِ وَالذَّهَابِ عَنِ الْهُدَى ، فَتَوْجَلُ الْقُلُوبُ لِذَلِكَ ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ( الزُّمَرِ : 23 ) فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ سَكَنَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَى مُعْتَقَدِهِمْ وَوَثِقُوا بِهِ ، فَانْتَفَى عَنْهُمُ الشَّكُّ .
وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ( الْمَعَارِجِ : 4 ) وَفِي مَوْضِعٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5أَلْفَ سَنَةٍ ( السَّجْدَةِ : 5 ) وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ حَالِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ ; بِدَلِيلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=26وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ( الْفُرْقَانِ : 26 ) .
وَكَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=9بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) ( الْأَنْفَالِ : 9 ) وَفِي آيَةٍ أُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=124بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ( آلِ عِمْرَانَ : 124 ) قِيلَ إِنَّ الْأَلْفَ أَرْدَفَهُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ ، وَكَانَ الْأَكْثَرُ مَدَدًا لِلْأَقَلِّ ، وَكَانَ ( الْأَلْفُ مُرْدَفِينَ ) بِفَتْحِهَا .
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ( الْبَقَرَةِ : 29 )
[ ص: 191 ] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ( النَّازِعَاتِ : 30 ) وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا ; فَالْأَوَّلُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا خُلِقَتْ قَبْلَ السَّمَاءِ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ ، ثُمَّ دُحِيَتِ الْأَرْضُ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ ، وَبِذَلِكَ تَتَّفِقُ مَعَانِي الْآيَاتِ فِي سُورَةِ الْقَمَرِ وَالْمُؤْمِنِ وَالنَّازِعَاتِ .
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=38وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ( ق : 38 ) ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ( فُصِّلَتْ : 9 وَ 10 ) إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ( فُصِّلَتْ : 12 ) وَذَلِكَ يَبْلُغُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مَعَ الْيَوْمَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَلَمْ يُرِدْ بِذِكْرِ ( الْأَرْبَعَةِ ) غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ; وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْفَصِيحُ : ( سِرْتُ مِنَ
الْبَصْرَةِ إِلَى
بَغْدَادَ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ ) ، ( وَسِرْتُ إِلَى
الْكُوفَةِ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا ) وَلَا يُرِيدُ سِوَى الْعَشَرَةِ ، بَلْ يُرِيدُ مَعَ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةً ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَرَادَ سِوَى الْأَرْبَعَةِ ، وَذَلِكَ لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ يَكُونُ سِتَّةً .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي السَّجْدَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=20عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ( الْآيَةَ : 20 ) بِلَفْظِ ( الَّذِي ) عَلَى وَصْفِ الْعَذَابِ ، وَفِي سَبَأٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=42عَذَابَ النَّارِ الَّتِي ( الْآيَةَ : 42 ) بِلَفْظِ ( الَّتِي ) عَلَى وَصْفِ النَّارِ ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ وَصَفَ الْعَذَابَ فِي السَّجْدَةِ لِوُقُوعِ ( النَّارِ ) مَوْقِعَ الضَّمِيرِ الَّذِي لَا يُوصَفُ ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ الضَّمِيرِ لِتَقَدُّمِ إِضْمَارِهَا ، مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=20وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا ( السَّجْدَةِ : 20 ) فَحَقُّ الْكَلَامِ : ( وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَهَا ) ، فَلَمَّا وَضَعَهَا مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ عَدَلَ إِلَى وَصْفِ الْعَذَابِ ، وَأَمَّا مَا فِي ( سَبَأٍ ) فَوَصَفَهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ وَصْفِهَا . وَالثَّانِي : أَنَّ الَّذِي فِي ( السَّجْدَةِ ) وَصْفُ النَّارِ أَيْضًا ، وَذُكِرَ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الْجَحِيمِ وَالْحَرِيقِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ الَّذِي فِي ( السَّجْدَةِ ) فِي حَقِّ مَنْ يُقِرُّ بِالنَّارِ وَيَجْحَدُ الْعَذَابَ ، وَفِي
[ ص: 192 ] ( سَبَأٍ ) فِي حَقِّ مَنْ يَجْحَدُ أَصْلَ النَّارِ . وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ إِنَّمَا وَصَفَ الْعَذَابَ فِي السَّجْدَةِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ النَّارِ مُضْمَرًا وَمُظْهَرًا عَدَلَ إِلَى وَصْفِ الْعَذَابِ ، لِيَكُونَ تَلْوِينًا لِلْخِطَابِ ، فَيَكُونَ أَنْشَطَ لِلسَّامِعِ بِمَنْزِلَةِ الْعُدُولِ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=61تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ( الْأَنْعَامِ : 61 ) ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ( النَّحْلِ : 28 ) ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=11قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ( السَّجْدَةِ : 11 ) ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=42اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ ( الزُّمَرِ : 42 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ( الْأَنْعَامِ : 60 ) ، وَجَمَعَ
الْبَغَوِيُّ بَيْنَهَا ، لِأَنَّ تَوَفِّيَ الْمَلَائِكَةِ بِالْقَبْضِ وَالنَّزْعِ ، وَتَوَفِّيَ مَلَكِ الْمَوْتِ بِالدُّعَاءِ وَالْأَمْرِ ، يَدْعُو الْأَرْوَاحَ فَتُجِيبُهُ ، ثُمَّ يَأْمُرُ أَعْوَانَهُ بِقَبْضِهَا ، وَتَوَفِّيَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ خَلْقُ الْمَوْتِ فِيهِ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24فَاتَّقُوا النَّارَ ( الْآيَةَ : 24 ) ، وَفِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6نَارًا ( الْآيَةَ : 6 ) بِالتَّنْكِيرِ ; لِأَنَّهَا نَزَلَتْ
بِمَكَّةَ قَبْلَ آيَةِ الْبَقَرَةِ ، فَلَمْ تَكُنِ النَّارُ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ مَعْرُوفَةً فَنَكَّرَهَا ، ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ الْبَقَرَةِ
بِالْمَدِينَةِ مُشَارًا بِهَا إِلَى مَا عَرَفُوهُ أَوَّلًا .
وَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ( الْآيَةَ : 126 ) وَفِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا ( إِبْرَاهِيمَ : 35 ) ; لِأَنَّهُ فِي الدَّعْوَةِ الْأَوْلَى كَانَ مَكَانًا ، فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بَلَدًا آمِنًا ، وَفِي الدَّعْوَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ بَلَدًا غَيْرَ آمِنٍ ، فَعَرَّفَهُ وَطَلَبَ لَهُ الْأَمْنَ ، أَوْ كَانَ بَلَدًا آمِنًا وَطَلَبَ ثَبَاتَ الْأَمْنِ وَدَوَامَهُ ، وَكَوْنُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةً وَسُورَةِ إِبْرَاهِيمَ مَكِّيَّةً لَا يُنَافِي هَذَا ; لِأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ
إِبْرَاهِيمَ كَوْنُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ ، وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ . أَوْ لِأَنَّ الْمَكِّيَّ مِنْهُ مَا نَزَلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَيَكُونُ الْمَدَنِيُّ مُتَأَخِّرًا عَنْهَا ، وَمِنْهُ مَا نَزَلَ بَعْدَ فَتْحِ
مَكَّةَ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْمَدَنِيِّ ، فَلِمَ قُلْتُمْ : إِنَّ سُورَةَ إِبْرَاهِيمَ مِنَ الْمَكِّيِّ الَّذِي نَزَلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ .