الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد استقامتي طلبت زوجتي الكتابية الطلاق مني، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تزوجتُ من امرأة كتابية عفيفة بعقد زواج مدني، بحضور مأذون وشاهدين مسلمين في بلدي، ولكن دون ولي للزوجة.

كانت مطيعة لي -والحمد لله- ولكنني قبل الزواج كنتُ مستهترًا وعاصيًا، ولا أصلي (سامحني الله)، وبعد الزواج تقربتُ من الله أكثر، وبدأتُ أسلك طريق الهداية شيئًا فشيئًا، وأصبحت زوجتي ترى مني سلوكيات لم تكن تعجبها؛ نظرًا لتغيُّري عمَّا كنتُ عليه في السابق.

وبعد مرور سنتين على الزواج، أصرّت على أن نذهب ونعيش معًا في بلدها، وهي دولة أوروبية، وبالفعل ذهبتُ؛ لأني لم أُحبّ أن أفارقها، وعزمتُ على أن أجد عملاً حلالاً، وألَّا أُغضب الله في أي شيء، ولكن بعد أسبوع واحد قررتُ العودة إلى بلدي؛ لأني لم أستطع العيش في مجتمع غير مسلم، لأني مسلم وأعتز بإسلامي، وشعرتُ في الغربة كأني دائمًا محاط بالشبهات، فلم أقبل ذلك على نفسي، ولكن زوجتي رفضت أن تعود معي ونعيش كما كنا.

الآن هي تريد الطلاق عن طريق المحكمة في بلدها، وتُبلغني متى يتم ذلك، فهل في هذه الحالة يقع الطلاق؟ وإذا قمتُ بطلاقها في بلدي بحضور شاهدين هل يصح ذلك؟ وما هي الطريقة الصحيحة التي يقع بها الطلاق؟

مع العلم أنني لن أذهب إلى بلدها، وهي لا تريد أن تأتي إلى بلدي في النهاية، فهل من الممكن تقديم نصيحة لي؟ والله تعالى يعلم مدى حزني على فراقها، ولكني أعلم أن الله يريدني أن أكون بين الصالحين، وأشكر الله كل يوم على هدايته لي.

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نُهنِّئُك بما تفضَّل الله تعالى به عليك، ومَنَّ به من الهداية والتوفيق إلى التوبة، وأعانك على إصلاح حالك، فله -سبحانه وتعالى- جزيل الحمد، ووصيتنا لك -أيها الحبيب- أن تشكر هذه النعمة؛ فإن شكر النعم سببٌ لثبوتها، فالشكر قيد النعم، قيدٌ للموجود وجالبٌ للمفقود، والله تعالى يقول: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7]. ومن شكر هذه النعمة أن تحافظ عليها، وأن تُداوم على ما أنت عليه من أداء فرائض الله تعالى واجتناب محرماته.

ومما يُعينك على ذلك الصحبة الصالحة، والرفقة الطيبة، فلا ترضَ أبدًا بديلاً عن مُجالسة الصالحين، وقد وفَّقك الله وسدَّد رأيك حين رأيت هذا الرأي؛ فإن الأصحاب والجُلساء من أهم الأسباب المُعينة على الصلاح والاستقامة، والله تعالى يقول: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ * الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].

وما دامت هذه المرأة قد تغيَّرت كل هذا التغيُّر عليك بسبب استقامتك، ولم يُعجبها ما رأته منك من صلاح الحال والرجوع إلى الله تعالى؛ فإنها داخلةٌ في هذا المعنى الذي نهى الله -سبحانه وتعالى- عن طاعة أصحابه، فلا تُطع من ﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]، أي أمره ضائع.

فنحن نُوصيك -أيها الحبيب- بأن تثبت على ما أنت عليه، وهذه المرأة، ما دامت قد طلبت الطلاق وقرَّرتْ فراقك، فسيُعوِّضك الله -سبحانه وتعالى- خيرًا منها، فـ (مَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ).

وكُنْ على ثقة من أن النساء سِواها ممَّن يقوم مقامها وزيادة كثير، ولا سيما إذا وفَّقك الله تعالى لامرأةٍ صالحةٍ على دينك، تُعينك على مرضاة ربك، وتُبلِّغُك منازل السعادة في الآخرة، فقد قال الرسول الكريم ﷺ كما في صحيح مسلم وغيره: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ). فأفضل حلال هذه الدنيا، وأطيب ما في هذه الدنيا هو الوصول إلى امرأة صالحة.

فاحرص على أن تبحث عن امرأة صالحة من بنات دينك، وستجد في بلدك -إن شاء الله- منهنَّ الكثير.

أمَّا كيفية الطلاق، فالطلاق يقع بمجرد أن تتلفظ أنت بكلمة الطلاق، ولو لم تكتبها، فإذا قلت "زوجتي طالق" طَلُقتْ ووقع الطلاق، ولكن توثيقه وإجراؤه في المحاكم، وتثبيت هذا أفضل حفظًا للحقوق، وأمْنًا من الإنكار والجحود في المستقبل، فبأي طريقة أثبت بها هذا الطلاق في محكمةٍ في بلادك أو في محكمة غربية، وثبّت هذا حتى لا يلزمك أي حقٍ في المستقبل، وحتى تنجو من أي مطالبة؛ فهذا أفضل بلا شك.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُقدِّر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً