الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكر في السفر، لكني أخاف على والدتي من الوحدة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا متزوج وأعول ثلاث بنات وولداً، الكبرى في الجامعة، والباقي في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، لدي أربعة إخوة: اثنتان من البنات واثنان من الشباب، جميعهم متزوجون ويعولون أسرهم.

والدي توفي منذ عام، ووالدتي تقيم بمفردها في شقتها، ونحن نقوم برعايتها وخدمتها، لكنني أُكنّ لها حبًا شديدًا، وأسعى جاهدًا لراحتها وتطييب خاطرها، فهي لا تطلب شيئًا إلا مني، ويكفيها أن أكون بجوارها يومًا بعد يوم، نأكل معًا، ونتسامر ونضحك ونتحدث، وأنا الوحيد الذي يفعل ذلك معها باستمرار.

جاءتني فرصة سفر إلى بلد عربي، لتحسين مستوى المعيشة لزوجتي وأبنائي، أعلم أن والدتي ستوافق إذا علمت، لكنها ستحزن كثيرًا وتشعر بالوحدة، رغم وجود إخوتي، فهم لا يتجمعون إلا في الإجازة الصيفية، لانشغالهم بأزواجهم وأبنائهم ودراستهم، وزياراتهم لها لا تتعدى يومًا أو يومين كل أسبوعين أو شهر.

أنا متردد كثيرًا بشأن السفر وتركها، لما أعلمه من حالتها النفسية والعاطفية، فماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وليد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أخي الكريم: أسأل الله أن يبارك لك في حياتك، ويجعل برك بوالدتك في ميزان حسناتك، وييسر لك أمرك، ويهديك إلى القرار الصائب، الذي يرضي الله ويرضي قلبك.

لا شك أن بر الوالدين من أعظم القربات إلى الله، وقد قرن الله طاعته ببرهما في قوله تعالى: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُواْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ" (سورة الإسراء: 23) وقال النبي ﷺ: "رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ" [رواه الترمذي]، لكن في الوقت نفسه، الإسلام يراعي مسؤوليات الإنسان تجاه أسرته وأبنائه، حيث قال النبي ﷺ: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول" [رواه أبو داود].

دعنا نقسم الموضوع إلى قسمين:
الأول: إن كنت غير محتاج لهذا السفر أساسًا، بمعنى أن ظروفك المادية مقبولة، وتستطيع العيش بأدنى المطلوب في بلدك، مع توفير الاحتياجات اللازمة لمن تعولهم من مأكل، ومشرب، وصحة، وتعليم.. إلخ، ففي هذه الحالة الأفضل أن تبقى مع أمك وتكسب برها.

الثاني: أن يكون وضعك المادي لا يسمح بتلبية المتطلبات اللازمة لمن تعولهم، وهنا يترجح جانب السفر، لكن في هذه الحالة يمكن اتباع الخطوات التالية، لمساعدتك في هذا الإجراء:

1. قم بصلاة الاستخارة، وادعُ الله أن ييسر لك الأمر الذي فيه الخير لك ولأمك ولأسرتك، قال النبي ﷺ: "إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك" إلى آخر الحديث، رواه البخاري].

2. اجتمع مع إخوتك، وناقش معهم وضع والدتك، وضّح لهم أنك قد تضطر للسفر، واطلب منهم أن يتناوبوا على زيارتها والاهتمام بها بشكل أكبر.

3. يمكنكم وضع جدول دوري لزياراتهم، بحيث لا تشعر والدتك بالوحدة.

4. إذا قررت السفر، حاول أن تجعل زياراتك لوالدتك منتظمة، مثل العودة في الإجازات، أو إرسال رسائل ومكالمات يومية.

5. التكنولوجيا اليوم تسهّل التواصل، ويمكنك استخدام مكالمات الفيديو لتبقى قريباً منها.

6. إذا كان بالإمكان توفير مساعدة منزلية أو جليسة لرعاية والدتك، خاصة إذا كانت تحتاج إلى مساعدة يومية.

7. تأكد من أن هذه المساعدة تكون تحت إشراف إخوتك، لضمان راحتها.

8. تحدث مع والدتك بصراحة، واشرح لها ظروفك وحاجتك لتحسين وضع أسرتك.

9. قد تجد منها دعماً وتفهماً، خاصة إذا شعرت أنك لن تنقطع عنها تماماً.

من الطبيعي أن تشعر بالتردد والقلق، فهذا يعكس حبك واهتمامك بوالدتك، وحاول أن توازن بين احتياجات والدتك، واحتياجات أسرتك، وتذكر أن الشعور بالذنب لن يفيدك، بل ركّز على إيجاد حلول عملية تجعل الجميع يشعرون بالرضا.

أخي الكريم: تذكر أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وأن برك بوالدتك سيظل نوراً في حياتك، أسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير لك ولأسرتك ولوالدتك.

اللهم اجعل هذا الأخ باراً بوالدته، ووفقه في قراراته، وارزقه رزقاً حلالاً طيباً مباركاً فيه، واجعل والدته راضية عنه، وأعنّه على تحقيق التوازن بين بره بوالدته ومسؤولياته تجاه أسرته. آمين.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً