الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أريد الإثقال على أسرتي بالانتقال للمدينة من أجل لدراسة، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا في حيرة شديدة؛ فقد تخرجت في الثانوية، ويتوجب علي أن ألتحق بالجامعة، لكن مشكلتي أننا نعيش في الريف، ونحن من المدينة، وقد تزوجت أختي في الريف، وكان يتوجب عليها أن تذهب للجامعة، ولكن تعرقل سكنها، وعادت للريف، وتزوجت، والآن حين أقول بأني سأذهب للجامعة فإن أمي تشعر بالحزن وتبدأ بالتفكير في بيع منزلنا، وأن ننتقل إلى المدينة، ولكن أختي هنا في الريف، وأبي لا يعمل، وحتى إن ذهبنا فلن يكون حالنا أفضل.

الآن فكرت أن أوقف الدراسة في السنة الأولى، ولكنني قلقة بشأن أن العمر يمضي، وبنفس الوقت أختي مسكينة، ولا نريد الابتعاد عنها، فنحن منذ أن خلقنا ونحن نعيش في الريف، وكنا وحدنا، ولا نريد أن يعاد ذلك، وبنفس الوقت فلعل إيقاف الدراسة أن يجعل أمي تهدأ قليلاً، وتشعر بما أعانيه من تعب وإرهاق، لا أريد أن أخطو خطوةً وأشعر بأني ظلمت أحدًا بسببها.

ليس لدينا إخوة شباب، وأبي لا يهتم لنا، والله إنني أفكر أحيانًا أن أعمل، ولكن لا يوجد عمل، وأحيانًا أفكر بأني في عمر 19، وأني سأكبر، ولا أرغب بترك أمي وحدها، فقد تعبت معنا أنا وأختي الأصغر، وأبي لا يريد أن يعمل، وقد حاولنا إقناعه، ولكن دون جدوى، ودائما أدعو الله كي يصلح حالنا.

أشعر بحزن وندم، وأقول: ليتنا لم نزوج أختي في هذا الريف؛ فأختي بحاجة لنا، ونحنا بحاجة لها، فهي الآن كالغصن الغض، ماذا أفعل؟ ما هو القرار الصحيح؟ كيف أوقف تدهور وضعنا؟ كيف أعيد الحياة؟

لو أن أبي فقط يعمل لكانت مشاكلنا محلولة، لكنه يقول بأنه لا يريد أن يعمل؛ حتى لا يبقي شيئًا للورثة، وكل يوم أرى الحزن في عيني أمي، وأرى الندم في عين أختي، بينما أنا أعاني من التشتت والضياع، لا أعلم ماذا أفعل؟

أصبّر نفسي بالأشخاص الأقل حظًا منا، ومع هذا الحال يجب أن أجد حلاً، قولوا لي ماذا أفعل؟ ما الذي يجب أن أفعله في هذه الحالة؟

أتمنى أن تجدوا حلاً لنا، ولكن دون بيع المنزل، وأن تفكروا بوضعنا أنا وأهلي، فأنا دائمًا أحرص على أن لا أعصي الله، وأكون من الصالحات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Khalel حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله أن يفرّج همّك، ويشرح صدرك، ويهديك إلى القرار الصائب الذي يرضيه ويرضي قلبك.

ما تمرّين به ليس بالأمر السهل، ولكن تذكّري دائمًا أن الله سبحانه وتعالى لا يكلّف نفسًا إلا وسعها، وأنه مع الصابرين والمحتسبين، قال الله تعالى: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" (سورة الطلاق: 2-3)، اجعلي ثقتك بالله كبيرةً؛ فهو القادر على تغيير الأحوال من حال إلى حال.

ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" (رواه مسلم).
وعليك بالدعاء؛ فهو سلاح المؤمن، استمري في دعائك لله أن يفرّج كربكم؛ ويصلح حالكم؛ قال الله تعالى: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (سورة غافر: 60)؛ وتذكّري أن الصبر مع التخطيط، والعمل هو السبيل للخروج من الأزمات.

وإليك بعض الخطوات العملية:

• إذا كنتِ تشعرين أن تأجيل الدراسة لعام واحد سيخفف من الضغط على والدتك، ويمنحك وقتًا للتفكير، فلا بأس بذلك، لكن اجعلي هذا التأجيل مؤقتًا ومخططًا له، وحددي هدفك بوضوح.
• استغلي هذا العام في تطوير نفسك، سواءً بتعلم مهارات جديدة، أو البحث عن فرص عمل تناسبك.
• كوني سندًا لوالدتك وأختك، وشاركيهما همومهما؛ فأحيانًا مجرد الحديث معهنّ، ومشاركتهنّ مشاعرك قد يخفف من العبء النفسي عليكنّ جميعًا.
• حاولي أن تجدي طرقًا لدعم أختك معنويًا وماديًا إن أمكن، دون أن تشعريها بالذنب أو الندم.
• تحدثي مع والدك بلطف، وذكّريه بمسؤوليته تجاه الأسرة، استخدمي أسلوبًا هادئًا ومحببًا، واطلبي منه أن يعمل ولو بشكل جزئي لتحسين الوضع، وإذا لم يستجب، فلا تيأسي، بل استمري في الدعاء له بالهداية.
• فكري في طرق مبتكرة لتحسين الوضع المالي للأسرة، مثل: العمل من المنزل، أو تعلم مهارة يمكن أن تدرّ دخلاً.
• يمكنكِ البحث عن منح دراسية، أو دعم مالي لاستكمال دراستك دون أن يكون ذلك عبئًا على الأسرة.
• تواصلي مع الجمعيات الخيرية أو المؤسسات التي تقدم دعمًا للأسر المحتاجة.
• استشيري أشخاصًا تثقين بهم من الأقارب أو الجيران، الذين قد يكون لديهم حلول أو نصائح مفيدة.
• خصصي وقتًا يوميًا للراحة النفسية، مثل: قراءة القرآن، أو ممارسة التأمل.
• تذكري أن التفكير الزائد قد يزيد من شعورك بالإرهاق، لذا ركزي على ما يمكنكِ فعله الآن بدلاً من القلق بشأن المستقبل.
• لا تحمّلي نفسك فوق طاقتك، وتذكري أن الله لا يطلب منكِ أكثر مما تستطيعين.
• اجعلي هدفك هو تحقيق التوازن بين دعم أسرتك وتحقيق طموحاتك الشخصية.

ابنتي العزيزة: أسأل الله أن يفرّج همّك، ويصلح حالك وحال أسرتك، وتذكري أن الحياة مليئة بالتحديات، ولكن مع الصبر والعمل والدعاء، ستجدين طريقك -بإذن الله-.
اللهم يا مفرّج الكروب، ويا سامع الدعاء، فرّج همّ أختنا، واهدِ والدها، وبارك في والدتها وأختها، وارزقهم من حيث لا يحتسبون، اللهم اجعل لها من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همّ فرجًا، ووفقها لما تحب وترضى.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً