[ ص: 1267 ] المجلد السادس من تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، من منن الله على: عبده وابن عبده وابن أمته:
عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن سعدي [ ص: 1268 ] [ ص: 1269 ] تفسير سورة القصص
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=32450_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم nindex.php?page=treesubj&link=29785_34224_34225_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2تلك آيات الكتاب المبين nindex.php?page=treesubj&link=31907_32016_32238_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون nindex.php?page=treesubj&link=31920_31952_32516_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين nindex.php?page=treesubj&link=32412_32419_34265_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين nindex.php?page=treesubj&link=29677_31952_32412_32419_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون nindex.php?page=treesubj&link=29676_31907_31908_32450_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين nindex.php?page=treesubj&link=31913_31952_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين nindex.php?page=treesubj&link=29676_31913_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=9وقالت امرأت فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون nindex.php?page=treesubj&link=31907_31913_34402_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين nindex.php?page=treesubj&link=31913_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=11وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون nindex.php?page=treesubj&link=31907_31913_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=12وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون nindex.php?page=treesubj&link=31907_32410_32412_33678_34402_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=13فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون nindex.php?page=treesubj&link=18467_19797_31908_34149_34163_34304_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=14ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين nindex.php?page=treesubj&link=19718_31909_31922_34106_34264_34334_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين nindex.php?page=treesubj&link=19734_20009_20011_24262_28723_29694_31922_32064_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=16قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم nindex.php?page=treesubj&link=19605_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=17قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين nindex.php?page=treesubj&link=31791_31922_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=18فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين nindex.php?page=treesubj&link=31909_31922_32516_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين nindex.php?page=treesubj&link=18243_29676_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين nindex.php?page=treesubj&link=19734_24262_32071_32498_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=21فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين nindex.php?page=treesubj&link=19881_32050_32498_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل nindex.php?page=treesubj&link=31921_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير nindex.php?page=treesubj&link=24262_31780_31788_31921_32495_32498_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير nindex.php?page=treesubj&link=24546_29676_31921_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين nindex.php?page=treesubj&link=31909_31921_34163_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين nindex.php?page=treesubj&link=25319_31921_33325_6117_6135_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين nindex.php?page=treesubj&link=28723_31921_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل nindex.php?page=treesubj&link=31907_32416_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=29فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون nindex.php?page=treesubj&link=28657_28743_31907_31910_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=30فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين nindex.php?page=treesubj&link=28743_29676_31907_31910_31942_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين nindex.php?page=treesubj&link=28743_28752_31907_31910_31942_31952_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين nindex.php?page=treesubj&link=31791_31922_32071_32498_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=33قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون nindex.php?page=treesubj&link=28743_31907_31910_31954_32022_32417_33177_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون nindex.php?page=treesubj&link=29676_31907_31910_31954_32417_33177_34170_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون nindex.php?page=treesubj&link=29706_31788_31913_32024_34167_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=36فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين nindex.php?page=treesubj&link=25987_30532_30539_32022_34091_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=37وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون nindex.php?page=treesubj&link=30549_31913_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين nindex.php?page=treesubj&link=18669_28760_31913_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=39واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون nindex.php?page=treesubj&link=30525_30539_31916_32016_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=40فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين nindex.php?page=treesubj&link=30351_30525_30539_34123_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون nindex.php?page=treesubj&link=30351_30539_31952_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=42وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين nindex.php?page=treesubj&link=29785_31912_32016_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=43ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون nindex.php?page=treesubj&link=32238_34195_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين nindex.php?page=treesubj&link=32238_34195_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=45ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين nindex.php?page=treesubj&link=28743_31037_31907_31910_32026_32416_34195_34274_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=46وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون nindex.php?page=treesubj&link=24262_30532_30549_34274_34299_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=47ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين nindex.php?page=treesubj&link=30549_31788_32024_34167_34199_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون nindex.php?page=treesubj&link=29786_34199_34225_34237_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=49قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين nindex.php?page=treesubj&link=19881_28723_29786_30454_30549_30554_30612_30614_32509_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين nindex.php?page=treesubj&link=32016_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=51ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون
إلى آخر القصة.
[ ص: 1270 ] [ ص: 1271 ] (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2تلك الآيات المستحقة للتعظيم والتفخيم
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2آيات الكتاب المبين لكل أمر يحتاج إليه العباد، من معرفة ربهم، ومعرفة حقوقه، ومعرفة أوليائه وأعدائه، ومعرفة وقائعه وأيامه، ومعرفة ثواب الأعمال، وجزاء العمال، فهذا القرآن قد بينها غاية التبيين، وجلاها للعباد، ووضحها.
(3) من جملة ما أبان، قصة
موسى وفرعون، فإنه أبداها، وأعادها في عدة مواضع، وبسطها في هذا الموضع فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق : فإن نبأهما غريب، وخبرهما عجيب،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3لقوم يؤمنون : فإليهم يساق
[ ص: 1272 ] الخطاب، ويوجه الكلام، حيث إن معهم من الإيمان، ما يقبلون به على تدبر ذلك، وتلقيه بالقبول والاهتداء بمواقع العبر، ويزدادون به إيمانا ويقينا، وخيرا إلى خيرهم، وأما من عداهم، فلا يستفيدون منه إلا إقامة الحجة عليهم، وصانه الله عنهم، وجعل بينهم وبينه حجابا أن يفقهوه.
(4) فأول هذه القصة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إن فرعون علا في الأرض : في ملكه وسلطانه وجنوده وجبروته، فصار من أهل العلو فيها، لا من الأعلين فيها،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4وجعل أهلها شيعا أي: طوائف متفرقة، يتصرف فيهم بشهوته، وينفذ فيهم ما أراد من قهره، وسطوته،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يستضعف طائفة منهم : وتلك الطائفة، هم بنو إسرائيل، الذين فضلهم الله على العالمين، الذي ينبغي له أن يكرمهم ويجلهم، ولكنه استضعفهم، بحيث إنه رأى أنهم لا منعة لهم تمنعهم مما أراده فيهم، فصار لا يبالي بهم، ولا يهتم بشأنهم، وبلغت به الحال إلى أنه
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم : خوفا من أن يكثروا، فيغمروه في بلاده، ويصير لهم الملك.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إنه كان من المفسدين الذين لا قصد لهم في صلاح الدين، ولا صلاح الدنيا، وهذا من إفساده في الأرض.
(5)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض : بأن نزيل عنهم مواد الاستضعاف، ونهلك من قاومهم، ونخذل من ناوأهم،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5ونجعلهم أئمة في الدين، وذلك لا يحصل مع الاستضعاف، بل لا بد من تمكين في الأرض، وقدرة تامة،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5ونجعلهم الوارثين للأرض، الذين لهم العاقبة في الدنيا قبل الآخرة.
(6)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6ونمكن لهم في الأرض : فهذه الأمور كلها، قد تعلقت بها إرادة الله، وجرت بها مشيئته، ( و ) كذلك نريد أن " نري فرعون وهامان " وزيره
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6وجنودهما : التي بها صالوا وجالوا، وعلوا وبغوا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6منهم أي: من هذه الطائفة المستضعفة.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6ما كانوا يحذرون من إخراجهم من ديارهم، ولذلك كانوا يسعون في قمعهم، وكسر شوكتهم، وتقتيل أبنائهم، الذين هم محل ذلك، فكل هذا قد أراده الله، وإذا أراد أمرا سهل أسبابه، ونهج طرقه، وهذا الأمر كذلك، فإنه قدر وأجرى من الأسباب - التي لم يشعر بها لا أولياؤه ولا أعداؤه- ما هو سبب موصل إلى هذا المقصود.
[ ص: 1273 ] (7) فأول ذلك، لما أوجد الله رسوله
موسى، الذي جعل استنقاذ هذا الشعب الإسرائيلي على يديه وبسببه، وكان في وقت تلك المخافة العظيمة، التي يذبحون بها الأبناء، أوحى إلى أمه أن ترضعه، ويمكث عندها.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7فإذا خفت عليه : بأن أحسست أحدا تخافين عليه منه أن يوصله إليهم،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7فألقيه في اليم أي: نيل
مصر، في وسط تابوت مغلق،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين : فبشرها بأنه سيرده عليها، وأنه سيكبر ويسلم من كيدهم، ويجعله الله رسولا، وهذا من أعظم البشائر الجليلة، وتقديم هذه البشارة لأم
موسى، ليطمئن قلبها، ويسكن روعها.
(8) فكأنها خافت عليه، وفعلت ما أمرت به، ألقته في اليم، وساقه الله تعالى حتى التقطه
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8آل فرعون فصار من لقطهم، وهم الذين باشروا وجدانه،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8ليكون لهم عدوا وحزنا أي: لتكون العاقبة والمآل من هذا الالتقاط، أن يكون عدوا لهم وحزنا يحزنهم، بسبب أن الحذر لا ينفع من القدر، وأن الذي خافوا منه من بني إسرائيل، قيض الله أن يكون زعيمهم، يتربى تحت أيديهم، وعلى نظرهم، وبكفالتهم.
وعند التدبر والتأمل، تجد في طي ذلك من المصالح لبني إسرائيل، ودفع كثير من الأمور الفادحة بهم، ومنع كثير من التعديات قبل رسالته، بحيث إنه صار من كبار المملكة، وبالطبع لا بد أن يحصل منه مدافعة عن حقوق شعبه، هذا وهو هو ذو الهمة العالية والغيرة المتوقدة، ولهذا وصلت الحال بذلك الشعب المستضعف -الذي بلغ بهم الذل والإهانة إلى ما قص الله علينا بعضه - أن صار بعض أفراده، ينازع ذلك الشعب القاهر العالي في الأرض، كما سيأتي بيانه، وهذا مقدمة للظهور، فإن الله تعالى من سنته الجارية، أن جعل الأمور تمشي على التدريج شيئا فشيئا، ولا تأتي دفعة واحدة. وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين أي: فأردنا أن نعاقبهم على خطئهما ونكيدهم جزاء على مكرهم وكيدهم.
(9) فلما التقطه آل
فرعون، حنن الله عليه امرأة
فرعون الفاضلة الجليلة المؤمنة
"آسية بنت مزاحم nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=9وقالت : هذا الولد
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=9قرت عين لي ولك لا تقتلوه أي: أبقه لنا، لتقر به أعيننا، ونسر به في حياتنا.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=9عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا أي: لا
[ ص: 1274 ] يخلو: إما أن يكون بمنزلة الخدم الذين يسعون في نفعنا وخدمتنا، أو نرقيه درجة أعلى من ذلك، نجعله ولدا لنا ونكرمه ونجله. فقدر الله تعالى أنه نفع
امرأة فرعون، التي قالت تلك المقالة، فإنه لما صار قرة عين لها، وأحبته حبا شديدا، فلم يزل لها بمنزلة الولد الشفيق حتى كبر ونبأه الله وأرسله، فبادرت إلى الإسلام والإيمان به، رضي الله عنها وأرضاها. قال الله تعالى عن هذه المراجعات والمقاولات في شأن
موسى: nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=9وهم لا يشعرون : ما جرى به القلم، ومضى به القدر، من وصوله إلى ما وصل إليه، وهذا من لطفه تعالى، فإنهم لو شعروا، لكان لهم وله شأن آخر.
(10) ولما فقدت
موسى أمه، حزنت حزنا شديدا، وأصبح فؤادها فارغا من القلق الذي أزعجها على مقتضى الحالة البشرية، مع أن الله تعالى نهاها عن الحزن والخوف، ووعدها برده.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10إن كادت لتبدي به أي: بما في قلبها
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10لولا أن ربطنا على قلبها : فثبتناها، فصبرت ولم تبد به؛
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10لتكون : بذلك الصبر والثبات
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10من المؤمنين : فإن
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19579العبد إذا أصابته مصيبة فصبر وثبت، ازداد بذلك إيمانه، ودل ذلك، على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30479استمرار الجزع مع العبد، دليل على ضعف إيمانه.
(11)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=11وقالت أم موسى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=11لأخته قصيه أي: اذهبي فقصي الأثر عن أخيك وابحثي عنه من غير أن يحس بك أحد أو يشعروا بمقصودك، فذهبت تقصه،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=11فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون أي: أبصرته على وجه، كأنها مارة لا قصد لها فيه، وهذا من تمام الحزم والحذر، فإنها لو أبصرته، وجاءت إليهم قاصدة، لظنوا بها أنها هي التي ألقته، فربما عزموا على ذبحه، عقوبة لأهله.
(12) ومن لطف الله
بموسى وأمه أن منعه من قبول ثدي امرأة، فأخرجوه إلى السوق رحمة به، ولعل أحدا يطلبه، فجاءت أخته وهو بتلك الحال
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=12فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون : وهذا جل غرضهم، فإنهم أحبوه حبا شديدا، وقد منعه الله من المراضع فخافوا أن يموت.
(13) فلما قالت لهم أخته تلك المقالة المشتملة على الترغيب، في أهل هذا البيت، بتمام حفظه وكفالته والنصح له، بادروا إلى إجابتها، فأعلمتهم ودلتهم على أهل هذا البيت.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=13فرددناه إلى أمه : كما وعدناها بذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=13كي تقر عينها ولا تحزن [ ص: 1275 ] بحيث إنه تربى عندها على وجه تكون فيه آمنة مطمئنة، تفرح به، وتأخذ الأجرة الكثيرة على ذلك،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=13ولتعلم أن وعد الله حق : فأريناها بعض ما وعدناها به عيانا، ليطمئن بذلك قلبها، ويزداد إيمانها، ولتعلم أنه سيحصل وعد الله في حفظه ورسالته،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=13ولكن أكثرهم لا يعلمون : فإذا رأوا السبب متشوشا؛ شوش ذلك إيمانهم؛ لعدم علمهم الكامل أن الله تعالى يجعل المحن والعقبات الشاقة بين يدي الأمور العالية والمطالب الفاضلة.
فاستمر
موسى عليه الصلاة والسلام عند آل
فرعون يتربى في سلطانهم، ويركب مراكبهم، ويلبس ملابسهم، وأمه بذلك مطمئنة، قد استقر أنها أمه من الرضاع، ولم يستنكر ملازمته إياها وحنوها عليه. وتأمل هذا اللطف، وصيانة نبيه
موسى من الكذب في منطقه، وتيسير الأمر الذي صار به التعلق بينه وبينها، الذي بان للناس هو الرضاع، الذي بسببه يسميها أما، فكان الكلام الكثير منه ومن غيره في ذلك كله، صدقا وحقا.
(14)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=14ولما بلغ أشده : من القوة والعقل واللب، وذلك نحو أربعين سنة في الغالب،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=14واستوى كملت فيه تلك الأمور
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=14آتيناه حكما وعلما أي: حكما يعرف به الأحكام الشرعية، ويحكم به بين الناس، وعلما كثيرا.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=14وكذلك نجزي المحسنين في عبادة الله المحسنين لخلق الله، يعطيهم علما وحكما بحسب إحسانهم، ودل هذا على كمال إحسان
موسى عليه السلام.
(15 - 17
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها إما وقت القائلة، أو غير ذلك من الأوقات التي بها يغفلون عن الانتشار،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فوجد فيها رجلين يقتتلان أي: يتخاصمان ويتضاربان.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15هذا من شيعته أي: من بني إسرائيل
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15وهذا من عدوه القبط،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه لأنه قد اشتهر، وعلم الناس أنه من بني إسرائيل، واستغاثته
لموسى دليل على أنه بلغ
موسى عليه السلام مبلغا يخاف منه، ويرجى من بيت المملكة والسلطان.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فوكزه موسى أي: وكز الذي من عدوه، استجابة لاستغاثة الإسرائيلي،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فقضى عليه أي: أماته من تلك الوكزة، لشدتها وقوة
موسى. فندم
موسى عليه السلام على ما جرى منه، و
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15قال هذا من عمل الشيطان أي: من تزيينه ووسوسته،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15إنه عدو مضل مبين [ ص: 1276 ] فلذلك أجريت ما أجريت بسبب عداوته البينة، وحرصه على الإضلال. ثم استغفر ربه، فـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=16قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم خصوصا للمخبتين إليه، المبادرين للإنابة والتوبة، كما جرى من
موسى عليه السلام، فـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=17قال موسى:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=17رب بما أنعمت علي بالتوبة والمغفرة، والنعم الكثيرة،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=17فلن أكون ظهيرا أي: معينا ومساعدا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=17للمجرمين أي: لا أعين أحدا على معصية، وهذا وعد من
موسى عليه السلام، بسبب منة الله عليه، أن لا يعين مجرما، كما فعل في قتل القبطي. وهذا يفيد أن
nindex.php?page=treesubj&link=19614النعم تقتضي من العبد فعل الخير، وترك الشر.
(18- 19) فلما جرى منه قتل الذي هو من عدوه " أصبح في المدينة خائفا يترقب " هل يشعر به آل
فرعون، أم لا؟ وإنما خاف، لأنه قد علم أنه لا يتجرأ أحد على مثل هذه الحال سوى
موسى من بني إسرائيل. فبينما هو على تلك الحال
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=18فإذا الذي استنصره بالأمس على عدوه
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=18يستصرخه على قبطي آخر.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=18قال له موسى موبخا له على حاله:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=18إنك لغوي مبين أي: بين الغواية، ظاهر الجراءة،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19فلما أن أراد أن يبطش موسى nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19بالذي هو عدو لهما أي: له وللمخاصم المستصرخ
لموسى ، أي: لم يزل اللجاج بين القبطي والإسرائيلي، وهو يستغيث
بموسى، فأخذته الحمية، حتى هم أن يبطش بالقبطي، فـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19قال له القبطي زاجرا له عن قتله:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض لأن من أعظم آثار الجبار في الأرض، قتل النفس بغير حق.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19وما تريد أن تكون من المصلحين وإلا فلو أردت الإصلاح لحلت بيني وبينه من غير قتل أحد، فانكف
موسى عن قتله، وارعوى لوعظه وزجره.
(20) وشاع الخبر بما جرى من
موسى في هاتين القضيتين، حتى تراود ملأ
فرعون، وفرعون على قتله، وتشاوروا على ذلك، فقيض الله ذلك الرجل الناصح، وبادرهم إلى الإخبار
لموسى بما اجتمع عليه رأي ملئهم. فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى أي: ركضا على قدميه من نصحه
لموسى، وخوفه أن يوقعوا به قبل أن يشعر، فـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20قال يا موسى إن الملأ يأتمرون أي: يتشاورون فيك
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20ليقتلوك فاخرج عن المدينة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20إني لك من الناصحين فامتثل نصحه.
[ ص: 1277 ] (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=21فخرج منها خائفا يترقب أن يوقع به القتل، ودعا الله، و
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=21قال رب نجني من القوم الظالمين فإنه قد تاب من ذنبه وفعله غضبا من غير قصد منه للقتل، فتوعدهم له ظلم منهم وجراءة.
(22)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22ولما توجه تلقاء مدين أي: قاصدا بوجهه
مدين، وهو جنوبي
فلسطين، حيث لا ملك
لفرعون، nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل أي: وسط الطريق المختصر، الموصل إليها بسهولة ورفق، فهداه الله سواء السبيل، فوصل إلى
مدين.
(23)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون مواشيهم، وكانوا أهل ماشية كثيرة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23ووجد من دونهم أي: دون تلك الأمة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23امرأتين تذودان غنمهما عن حياض الناس؛ لعجزهما عن مزاحمة الرجال وبخلهم، وعدم مروءتهم عن السقي لهما،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23قال لهما
موسى: nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23ما خطبكما أي: ما شأنكما بهذه الحالة؟
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء أي: قد جرت العادة أنه لا يحصل لنا سقي حتى يصدر الرعاء مواشيهم، فإذا خلا لنا الجو سقينا،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وأبونا شيخ كبير أي: لا قوة له على السقي، فليس فينا قوة، نقتدر بها، ولا لنا رجال يزاحمون الرعاء.
(24) فرق لهما
موسى عليه السلام ورحمهما
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فسقى لهما غير طالب منهما الأجر، ولا له قصد غير وجه الله تعالى، فلما سقى لهما، وكان ذلك وقت شدة حر، وسط النهار، بدليل قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24ثم تولى إلى الظل مستريحا لتلك الظلال بعد التعب،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فقال في تلك الحالة، مسترزقا ربه:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير أي: إني مفتقر للخير الذي تسوقه إلي وتيسره لي. وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال.
(25) فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا، وأما المرأتان فذهبتا إلى أبيهما، وأخبرتاه بما جرى، فأرسل أبوهما إحداهما إلى
موسى، فجاءته
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25تمشي على استحياء وهذا يدل على كرم عنصرها، وخلقها الحسن، فإن الحياء من الأخلاق الفاضلة، وخصوصا في النساء، ويدل على أن
موسى عليه السلام لم يكن فيما فعله من السقي لهما بمنزلة الأجير والخادم الذي لا يستحى منه عادة، وإنما هو عزيز النفس، رأت من حسن خلقه ومكارم أخلاقه ما أوجب لها الحياء منه،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25قالت له:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا أي: لا ليمن عليك، بل أنت
[ ص: 1278 ] الذي ابتدأتنا بالإحسان، وإنما قصده أن يكافئك على إحسانك، فأجابها
موسى، nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25فلما جاءه وقص عليه القصص من ابتداء السبب الموجب لهربه، إلى أن وصل إليه
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25قال له مسكنا روعه، جابرا قلبه:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25لا تخف نجوت من القوم الظالمين أي: ليذهب خوفك وروعك، فإن الله نجاك منهم حيث وصلت إلى هذا المحل، الذي ليس لهم عليه سلطان.
(26)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26قالت إحداهما أي: إحدى ابنتيه:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26يا أبت استأجره أي: اجعله أجيرا عندك، يرعى الغنم ويسقيها،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26إن خير من استأجرت القوي الأمين أي: إن موسى أولى من استؤجر، فإنه جمع القوة والأمانة، وخير أجير استؤجر من جمعهما، أي: القوة والقدرة على ما استؤجر عليه، والأمانة فيه بعدم الخيانة، وهذان الوصفان، ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملا بإجارة أو غيرها. فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد إحداهما، وأما باجتماعهما، فإن العمل يتم ويكمل، وإنما قالت ذلك، لأنها شاهدت من قوة
موسى عند السقي لهما ونشاطه، ما عرفت به قوته، وشاهدت من أمانته وديانته، وأنه رحمهما في حالة لا يرجى نفعهما، وإنما قصده بذلك وجه الله تعالى.
(27) فـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قال صاحب
مدين لموسى:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني أي: تصير أجيرا عندي
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27ثماني حجج أي: ثماني سنين.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27فإن أتممت عشرا فمن عندك تبرع منك، لا شيء واجب عليك.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27وما أريد أن أشق عليك فأحتم عشر السنين، أو ما أريد أن أستأجرك لأكلفك أعمالا شاقة، وإنما استأجرتك لعمل سهل يسير لا مشقة فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27ستجدني إن شاء الله من الصالحين : فرغبه في سهولة العمل، وفي حسن المعاملة، وهذا يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=19509_19516الرجل الصالح ينبغي له أن يحسن خلقه مهما أمكنه، وأن الذي يطلب منه أبلغ من غيره.
(28) فـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28قال موسى عليه السلام -مجيبا له فيما طلبه منه-:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28ذلك بيني وبينك أي: هذا الشرط الذي أنت ذكرت رضيت به، وقد تم فيما بيني وبينك.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي سواء قضيت الثماني الواجبة، أم تبرعت بالزائد عليها
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28والله على ما نقول وكيل حافظ يراقبنا، ويعلم ما تعاقدنا عليه.
وهذا الرجل أبو المرأتين صاحب
مدين، ليس
بشعيب النبي المعروف كما اشتهر
[ ص: 1279 ] عند كثير من الناس، فإن هذا، قول لم يدل عليه دليل، وغاية ما يكون، أن
شعيبا عليه السلام، قد كانت بلده
مدين، وهذه القضية جرت في
مدين، فأين الملازمة بين الأمرين؟! وأيضا، فإنه غير معلوم أن
موسى أدرك زمان
شعيب، فكيف بشخصه؟! ولو كان ذلك الرجل
شعيبا، لذكره الله تعالى، ولسمته المرأتان، وأيضا فإن
شعيبا عليه الصلاة والسلام، قد أهلك الله قومه بتكذيبهم إياه، ولم يبق إلا من آمن به، وقد أعاذ الله المؤمنين به أن يرضوا لبنتي نبيهم، بمنعهما عن الماء، وصد ماشيتهما، حتى يأتيهما رجل غريب، فيحسن إليهما، ويسقي ماشيتهما، وما كان
شعيب، ليرضى أن يرعى
موسى عنده ويكون خادما له، وهو أفضل منه وأعلى درجة، إلا أن يقال: هذا قبل نبوة
موسى فلا منافاة. وعلى كل حال؛ لا يعتمد على أنه
شعيب النبي بغير نقل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم
(29)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=29فلما قضى موسى الأجل يحتمل أنه قضى الأجل الواجب، أو الزائد عليه، كما هو الظن
بموسى ووفائه، اشتاق إلى الوصول إلى أهله ووالدته وعشيرته، ووطنه، وظن من طول المدة، أنهم قد تناسوا ما صدر منه. " سار بأهله " قاصدا
مصر، nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=29آنس أي: أبصر
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=29من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون وكان قد أصابهم البرد، وتاهوا الطريق.
(30) فلما أتاها نودي
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=30يا موسى إني أنا الله رب العالمين فأخبره بألوهيته وربوبيته، ويلزم من ذلك، أن يأمره بعبادته، وتألهه كما صرح به في الآية الأخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14فاعبدني وأقم الصلاة لذكري .
(31)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31وأن ألق عصاك فألقاها
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31فلما رآها تهتز تسعى سعيا شديدا، ولها صورة مهيلة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31كأنها جان ذكر الحيات العظيم،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31ولى مدبرا ولم يعقب أي: يرجع، لاستيلاء الروع على قلبه، فقال الله له:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين وهذا أبلغ ما يكون في التأمين، وعدم الخوف، فإن قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31أقبل [ ص: 1280 ] يقتضي الأمر بإقباله، ويجب عليه الامتثال، ولكن قد يكون إقباله، وهو لم يزل الأمر المخوف، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31ولا تخف أمر له بشيئين، إقباله، وأن لا يكون في قلبه خوف، ولكن يبقى احتمال، وهو أنه قد يقبل وهو غير خائف، ولكن لا تحصل له الوقاية والأمن من المكروه، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31إنك من الآمنين فحينئذ اندفع المحذور من جميع الوجوه، فأقبل
موسى عليه السلام غير خائف ولا مرعوب، بل مطمئنا، واثقا بخبر ربه، قد ازداد إيمانه، وتم يقينه. فهذه آية أراه الله إياها قبل ذهابه إلى
فرعون؛ ليكون على يقين تام، ليكون أجرأ له، وأقوى وأصلب.
(32) ثم أراه الآية الأخرى فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32اسلك يدك أي: أدخلها
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء فسلكها وأخرجها، كما ذكر الله تعالى،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32واضمم إليك جناحك من الرهب أي: ضم جناحك وهو عضدك إلى جنبك؛ ليزول عنك الرهب والخوف.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32فذانك أي: انقلاب العصا حية، وخروج اليد بيضاء من غير سوء
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32برهانان من ربك أي: حجتان قاطعتان من الله،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين فلا يكفيهم مجرد الإنذار وأمر الرسول إياهم، بل لا بد من الآيات الباهرة، إن نفعت.
(33 - 34) فـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=33قال موسى عليه السلام معتذرا من ربه، وسائلا له المعونة على ما حمله، وذاكرا له الموانع التي فيه ليزيل ربه ما يحذره منها:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=33رب إني قتلت منهم نفسا أي:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=33فأخاف أن يقتلون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا أي: معاونا ومساعدا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34يصدقني فإنه مع تضافر الأخبار يقوى الحق.
(35) فأجابه الله إلى سؤاله فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35سنشد عضدك بأخيك أي: نعاونك به ونقويك. ثم أزال عنه محذور القتل، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35ونجعل لكما سلطانا أي: تسلطا، وتمكنا من الدعوة بالحجة، والهيبة الإلهية من عدوهما لهما،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35فلا يصلون إليكما وذلك بسبب آياتنا، وما دلت عليه من الحق، وما أزعجت به من باشرها ونظر إليها، فهي التي بها حصل لكما السلطان، واندفع بها عنكم، كيد عدوكم وصارت لكم أبلغ من الجنود، أولي العدد والعدد.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35أنتما ومن اتبعكما الغالبون : وهذا وعد
لموسى في ذلك الوقت، وهو وحده فريد، وقد رجع إلى بلده، بعدما كان شريدا، فلم تزل الأحوال تتطور، والأمور تنتقل، حتى أنجز الله له موعوده، ومكنه
[ ص: 1281 ] من العباد والبلاد، وصار له ولأتباعه، الغلبة والظهور.
(36) فذهب
موسى برسالة ربه
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=36فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات واضحات الدلالة على ما قال لهم، ليس فيها قصور ولا خفاء،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=36قالوا على وجه الظلم والعلو والعناد:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=36ما هذا إلا سحر مفترى كما قال
فرعون في تلك الحالة التي ظهر فيها الحق، واستعلى على الباطل، واضمحل الباطل، وخضع له الرؤساء العارفون حقائق الأمور:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49إنه لكبيركم الذي علمكم السحر هذا، وهو الذكي غير الزكي الذي بلغ من المكر والخداع والكيد ما قصه الله علينا وقد علم
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=102ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض ولكن الشقاء غالب،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=36وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين وقد كذبوا في ذلك، فإن الله أرسل
يوسف قبل
موسى، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=34ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب .
(37)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=37وقال موسى حين زعموا أن الذي جاءهم به سحر وضلال، وأن ما هم عليه هو الهدى:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=37ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار أي: إذا لم تفد المقابلة معكم، وتبيين الآيات البينات، وأبيتم إلا التمادي في غيكم واللجاج على كفركم، فالله تعالى العالم بالمهتدي وغيره، ومن تكون له عاقبة الدار، نحن أم أنتم
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=37إنه لا يفلح الظالمون فصار عاقبة الدار
لموسى وأتباعه، والفلاح والفوز، وصار لأولئك الخسار وسوء العاقبة والهلاك.
(38)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38وقال فرعون متجرئا على ربه، ومموها على قومه السفهاء، أخفاء العقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري أي: أنا وحدي، إلهكم ومعبودكم، ولو كان ثم إله غيري، لعلمته، فانظر إلى هذا الورع التام من
فرعون! حيث لم يقل: "ما لكم من إله غيري "بل تورع وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38ما علمت لكم من إله غيري وهذا لأنه عندهم العالم الفاضل، الذي مهما قال فهو الحق، ومهما أمر أطاعوه.
فلما قال هذه المقالة، التي قد تحتمل أن ثم إلها غيره، أراد أن يحقق النفي، الذي جعل فيه ذلك الاحتمال، فقال
لهامان nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38فأوقد لي يا هامان على الطين ليجعل له لبنا من فخار.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38فاجعل لي صرحا أي: بناء
[ ص: 1282 ] nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا ولكن سنحقق هذا الظن، ونريكم كذب
موسى.
فانظر هذه الجراءة العظيمة على الله، التي ما بلغها آدمي، كذب
موسى، وادعى أنه الله، ونفى أن يكون له علم بالإله الحق، وفعل الأسباب ليتوصل إلى إله
موسى، وكل هذا ترويج، ولكن العجب من هؤلاء الملأ الذين يزعمون أنهم كبار المملكة المدبرون لشئونها، كيف لعب هذا الرجل بعقولهم، واستخف أحلامهم؟! وهذا لفسقهم الذي صار صفة راسخة فيهم؛ فسد دينهم، ثم تبع ذلك فساد عقولهم، فنسألك اللهم الثبات على الإيمان، وأن لا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وتهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
(39) قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=39واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق استكبروا على عباد الله، وساموهم سوء العذاب، واستكبروا على رسل الله، وما جاءوهم به من الآيات، فكذبوها، وزعموا أن ما هم عليه أعلى منها وأفضل،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=39وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فلذلك تجرؤوا، وإلا فلو علموا، أو ظنوا أنهم يرجعون إلى الله، لما كان منهم ما كان.
(40)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=40فأخذناه وجنوده عندما استمر عنادهم وبغيهم
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=40فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين كانت أشر العواقب وأخسرها عاقبة أعقبتها العقوبة الدنيوية المستمرة، المتصلة بالعقوبة الأخروية.
(41)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار أي: جعلنا
فرعون وملأه من الأئمة الذين يقتدى بهم ويمشى خلفهم إلى دار الخزي والشقاء.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41ويوم القيامة لا ينصرون من عذاب الله، فهم أضعف شيء، عن دفعه عن أنفسهم، وليس لهم من دون الله، من ولي ولا نصير.
(42)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=42وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة أي: وأتبعناهم زيادة في عقوبتهم وخزيهم في الدنيا لعنة يلعنون، ولهم عند الخلق الثناء القبيح والمقت والذم، وهذا أمر مشاهد، فهم أئمة الملعونين في الدنيا ومقدمتهم،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=42ويوم القيامة هم من المقبوحين المبعدين، المستقذرة أفعالهم. الذين اجتمع عليهم مقت الله، ومقت خلقه، ومقت أنفسهم.
[ ص: 1283 ] (43)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=43ولقد آتينا موسى الكتاب وهو التوراة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=43من بعد ما أهلكنا القرون الأولى الذين كان خاتمتهم في الإهلاك العام،
فرعون وجنوده. وهذا دليل على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=31912بعد نزول التوراة انقطع الهلاك العام، وشرع جهاد الكفار بالسيف، nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=43بصائر للناس أي: كتاب الله، الذي أنزله على
موسى، فيه بصائر للناس، أي: أمور يبصرون بها ما ينفعهم، وما يضرهم، فتقوم الحجة على العاصي، وينتفع بها المؤمن، فتكون رحمة في حقه، وهداية له إلى الصراط المستقيم، ولهذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=43وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون .
(44) ولما قص الله على رسوله ما قص من هذه الأخبار الغيبية، نبه العباد على أن هذا خبر إلهي محض، ليس للرسول طريق إلى علمه إلا من جهة الوحي، ولهذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وما كنت بجانب الغربي أي: بجانب
الطور الغربي وقت قضائنا
لموسى الأمر
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وما كنت من الشاهدين على ذلك، حتى يقال: إنه وصل إليك من هذا الطريق.
(45)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=45ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر فاندرس العلم، ونسيت آياته، فبعثناك في وقت اشتدت الحاجة إليك وإلى ما علمناك وأوحينا إليك،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=45وما كنت ثاويا أي: مقيما
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=45في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا أي: تعلمهم وتتعلم منهم، حتى أخبرت بما أخبرت من شأن
موسى في
مدين، nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=45ولكنا كنا مرسلين أي: ولكن ذلك الخبر الذي جئت به عن
موسى، أثر من آثار إرسالنا إياك، ووحي لا بسبيل لك إلى علمه، بدون إرسالنا.
(46)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=46وما كنت بجانب الطور إذ نادينا موسى، وأمرناه أن يأتي القوم الظالمين، ويبلغهم رسالتنا ويريهم من آياتنا وعجائبنا ما قصصنا عليك.
والمقصود أن الماجريات، التي جرت
لموسى عليه الصلاة والسلام في هذه الأماكن، فقصصتها كما هي من غير زيادة ولا نقص، لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون حضرتها وشاهدتها، أو ذهبت إلى محالها فتعلمتها من أهلها، فحينئذ قد لا يدل ذلك على أنك رسول الله، إذ الأمور التي يخبر بها عن شهادة ودراسة من الأمور المشتركة غير المختصة بالأنبياء، ولكن هذا قد علم وتيقن أنه ما كان وما صار، فأولياؤك وأعداؤك يعلمون عدم ذلك. فتعين الأمر الثاني، وهو أن هذا جاءك من قبل الله ووحيه وإرساله، فثبت بالدليل القطعي، صحة رسالتك، ورحمة الله بك للعباد، ولهذا قال:
[ ص: 1284 ] nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=46ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك أي:
العرب وقريشا، فإن الرسالة عندهم لا تعرف وقت إرسال الرسول وقبله بأزمان متطاولة،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=46لعلهم يتذكرون تفصيل الخير فيفعلونه، والشر فيتركونه، فإذا كنت بهذه المنزلة، كان الواجب عليهم المبادرة إلى الإيمان بك، وشكر هذه النعمة، التي لا يقادر قدرها، ولا يدرك شكرها. وإنذاره
للعرب لا ينفي أن يكون مرسلا لغيرهم، فإنه عربي، والقرآن الذي نزل عليه عربي، وأول من باشر بدعوته
العرب، فكانت رسالته لهم أصلا ولغيرهم تبعا، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا .
(47)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=47ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم من الكفر والمعاصي، لقالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=47ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين أي: فأرسلناك يا
محمد، لدفع حجتهم، وقطع مقالتهم.
(48)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48فلما جاءهم الحق الذي لا شك فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48من عندنا وهو القرآن، الذي أوحيناه إليك
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48قالوا مكذبين له، ومعترضين بما ليس يعترض به:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أي: أنزل عليه كتاب من السماء جملة واحدة. أي: فأما ما دام ينزل متفرقا، فإنه ليس من عند الله. وأي دليل في هذا؟! وأي شبهة أنه ليس من عند الله، حين نزل مفرقا؟! بل من كمال هذا القرآن، واعتناء الله بمن أنزل عليه، أن نزل متفرقا، ليثبت الله به فؤاد رسوله، ويحصل زيادة الإيمان للمؤمنين
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=33ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا وأيضا، فإن قياسهم على كتاب
موسى قياس قد نقضوه، فكيف يقيسونه على كتاب كفروا به ولم يؤمنوا؟! ولهذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا أي: القرآن والتوراة، تعاونا في سحرهما، وإضلال الناس
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48وقالوا إنا بكل كافرون فثبت بهذا أن القوم يريدون إبطال الحق بما ليس ببرهان، وينقضونه بما لا ينقض، ويقولون الأقوال المتناقضة المختلفة، وهذا شأن كل كافر. ولهذا صرح أنهم كفروا بالكتابين والرسولين.
(49) ولكن هل كفرهم بهما طلبا للحق، واتباعا لأمر عندهم خير منهما، أم
[ ص: 1285 ] مجرد هوى؟! قال تعالى ملزما لهم بذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=49قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أي: من التوراة والقرآن
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=49أتبعه إن كنتم صادقين ولا سبيل لهم ولا لغيرهم أن يأتوا بمثلهما، فإنه ما طرق العالم منذ خلقه الله، مثل هذين الكتابين، علما وهدى، وبيانا، ورحمة للخلق، وهذا من كمال الإنصاف من الداعي أن قال: أنا مقصودي الحق والهدى والرشد، وقد جئتكم بهذا الكتاب المشتمل على ذلك، الموافق لكتاب
موسى، فيجب علينا جميعا الإذعان لهما واتباعهما، من حيث كونهما هدى وحقا، فإن جئتموني بكتاب من عند الله هو أهدى منهما اتبعته، وإلا فلا أترك هدى وحقا قد علمته لغير هدى وحق.
(50)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50فإن لم يستجيبوا لك فلم يأتوا بكتاب أهدى منهما
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50فاعلم أنما يتبعون أهواءهم أي: فاعلم أن تركهم اتباعك، ليسوا ذاهبين إلى حق يعرفونه، ولا إلى هدى، وإنما ذلك مجرد اتباع لأهوائهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله فهذا من أضل الناس، حيث عرض عليه الهدى، والصراط المستقيم الموصل إلى الله وإلى دار كرامته، فلم يلتفت إليه ولم يقبل عليه، ودعاه هواه إلى سلوك الطرق الموصلة إلى الهلاك والشقاء فاتبعه وترك الهدى، فهل أحد أضل ممن هذا وصفه؟" ولكن ظلمه وعدوانه، وعدم محبته للحق، هو الذي أوجب له أن يبقى على ضلاله ولا يهديه الله، فلهذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50إن الله لا يهدي القوم الظالمين أي: الذين صار الظلم لهم وصفا والعناد لهم نعتا، جاءهم الهدى فرفضوه، وعرض لهم الهوى فتبعوه، سدوا على أنفسهم أبواب الهداية وطرقها، وفتحوا عليهم أبواب الغواية وسبلها، فهم في غيهم وظلمهم يعمهون، وفي شقائهم وهلاكهم يترددون، وفي قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم دليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=32511كل من لم يستجب للرسول، وذهب إلى قول مخالف لقول الرسول، فإنه لم يذهب إلى هدى، وإنما ذهب إلى هوى.
(51)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=51ولقد وصلنا لهم القول أي: تابعناه وواصلناه، وأنزلناه شيئا فشيئا، رحمة بهم ولطفا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=51لعلهم يتذكرون حين تتكرر عليهم آياته، وتنزل عليهم بيناته وقت الحاجة إليها. فصار نزوله متفرقا رحمة بهم، فلم اعترضوا بما هو من مصالحهم؟!
[ ص: 1286 ] فصل في ذكر بعض الفوائد والعبر في هذه القصة العجيبة
فمنها: أن آيات الله تعالى وعبره، وأيامه في الأمم السابقة، إنما يستفيد بها ويستنير المؤمنون، فعلى حسب إيمان العبد تكون عبرته، وأن الله تعالى إنما يسوق القصص لأجلهم، وأما غيرهم، فلا يعبأ الله بهم، وليس لهم منها نور وهدى.
ومنها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=29723الله تعالى إذا أراد أمرا هيأ أسبابه، وأتى بها شيئا فشيئا بالتدريج، لا دفعة واحدة.
ومنها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=20003الأمة المستضعفة، ولو بلغت في الضعف ما بلغت، لا ينبغي لها أن يستولي عليها الكسل عن طلب حقها، ولا الإياس من ارتقائها إلى أعلى الأمور، خصوصا إذا كانوا مظلومين، كما استنقذ الله أمة بني إسرائيل الأمة الضعيفة، من أسر
فرعون وملئه، ومكنهم في الأرض، وملكهم بلادهم.
ومنها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=29689الأمة ما دامت ذليلة مقهورة لا تأخذ حقها ولا تتكلم به، لا يقوم لها أمر دينها ولا دنياها ولا يكون لها إمامة فيه.
ومنها: لطف الله
بأم موسى، وتهوينه عليها المصيبة بالبشارة بأن الله تعالى سيرد إليها ابنها، ويجعله من المرسلين.
ومنها: أن الله يقدر على عبده بعض المشاق لينيله سرورا أعظم من ذلك، أو يدفع عنه شرا أكثر منه، كما قدر على
أم موسى ذلك الحزن الشديد، والهم البليغ، الذي هو وسيلة إلى أن يصل إليها ابنها على وجه تطمئن به نفسها، وتقر به عينها، وتزداد به غبطة وسرورا.
ومنها: أن الخوف الطبيعي من الخلق، لا ينافي الإيمان ولا يزيله، كما جرى
لأم موسى ولموسى من تلك المخاوف.
ومنها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=28650_19577الإيمان يزيد وينقص. وأن من أعظم ما يزيد به الإيمان، ويتم به اليقين، الصبر عند المزعجات، والتثبيت من الله، عند المقلقات، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين أي: ليزداد إيمانها بذلك ويطمئن قلبها.
ومنها: أن من أعظم نعم الله على عبده، وأعظم معونة للعبد على أموره، تثبيت الله إياه، وربط جأشه وقلبه عند المخاوف، وعند الأمور المذهلة، فإنه بذلك
[ ص: 1287 ] يتمكن من القول الصواب، والفعل الصواب، بخلاف من استمر قلقه وروعه، وانزعاجه، فإنه يضيع فكره، ويذهل عقله، فلا ينتفع بنفسه في تلك الحال.
ومنها: أن العبد -ولو عرف أن
nindex.php?page=treesubj&link=28777_28790القضاء والقدر ووعد الله نافذ لا بد منه- فإنه لا يهمل فعل الأسباب التي أمر بها، ولا يكون ذلك منافيا لإيمانه بخبر الله، فإن الله قد وعد
أم موسى أن يرده عليها، ومع ذلك اجتهدت في رده، وأرسلت أخته لتقصه وتطلبه.
ومنها: جواز خروج المرأة في حوائجها، وتكليمها للرجال، من غير محذور، كما جرى لأخت
موسى وابنتي صاحب
مدين.
ومنها: جواز
nindex.php?page=treesubj&link=12868أخذ الأجرة على الكفالة والرضاع، والدلالة على من يفعل ذلك.
ومنها: أن الله من رحمته بعبده الضعيف الذي يريد إكرامه أن يريه من آياته، ويشهده من بيناته، ما يزيد به إيمانه، كما رد الله
موسى على أمه، لتعلم أن وعد الله حق.
ومنها: أن قتل الكافر الذي له عهد بعقد أو عرف لا يجوز، فإن
موسى عليه السلام عد قتله القبطي الكافر ذنبا، واستغفر الله منه.
ومنها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=25124الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين الذين يفسدون في الأرض.
ومنها: أن من قتل النفوس بغير حق، وزعم أنه يريد الإصلاح في الأرض، وتهييب أهل المعاصي، فإنه كاذب في ذلك، وهو مفسد كما حكى الله قول القبطي:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين على وجه التقرير له، لا الإنكار.
ومنها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=19019إخبار الرجل غيره بما قيل فيه، على وجه التحذير له من شر يقع فيه، لا يكون ذلك نميمة -بل قد يكون واجبا- كما أخبر ذلك الرجل
لموسى، ناصحا له ومحذرا.
ومنها: أنه إذا خاف القتل والتلف في الإقامة، فإنه لا يلقي بيده إلى التهلكة، ولا يستسلم لذلك، بل يذهب عنه، كما فعل
موسى.
ومنها: أنه
nindex.php?page=treesubj&link=29450عند تزاحم المفسدتين، إذا كان لا بد من ارتكاب إحداهما فإنه يرتكب الأخف منهما الأسلم، كما أن
موسى لما دار الأمر بين بقائه في
مصر ولكنه
[ ص: 1288 ] يقتل، أو يذهب إلى بعض البلدان البعيدة، التي لا يعرف الطريق إليها، وليس معه دليل يدله غير ربه، ولكن هذه الحالة أرجى للسلامة من الأولى، فتبعها
موسى.
ومنها: أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى التكلم فيه، إذا لم يترجح عنده أحد القولين، فإنه يستهدي ربه، ويسأله أن يهديه الصواب من القولين، بعد أن يقصد بقلبه الحق ويبحث عنه، فإن الله لا يخيب من هذه حاله. كما خرج
موسى تلقاء
مدين فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22عسى ربي أن يهديني سواء السبيل .
ومنها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=19959الرحمة بالخلق، والإحسان على من يعرف ومن لا يعرف، من أخلاق الأنبياء، وأن من الإحسان سقي الماشية الماء، وإعانة العاجز.
ومنها
nindex.php?page=treesubj&link=19734استحباب الدعاء بتبيين الحال وشرحها، ولو كان الله عالما لها، لأنه تعالى يحب تضرع عبده وإظهار ذله ومسكنته، كما قال
موسى: nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير .
ومنها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=19527الحياء -خصوصا من الكرام- من الأخلاق الممدوحة.
ومنها: المكافأة على الإحسان لم يزل دأب الأمم السابقين.
ومنها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=19694العبد إذا فعل العمل لله تعالى، ثم حصل له مكافأة عليه من غير قصد بالقصد الأول، فإنه لا يلام على ذلك، كما قبل
موسى مجازاة صاحب
مدين عن معروفه الذي لم يبتغ له، ولم يستشرف بقلبه على عوض.
ومنها:
nindex.php?page=treesubj&link=6041مشروعية الإجارة، وأنها تجوز على رعاية الغنم ونحوها، مما لا يقدر العمل، وإنما مرده العرف.
ومنها: أنه تجوز الإجارة بالمنفعة، ولو كانت المنفعة بضعا.
ومنها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=25319خطبة الرجل لابنته الرجل الذي يتخيره، لا يلام عليه.
ومنها: أن خير أجير وعامل يعمل للإنسان، أن يكون قويا أمينا.
ومنها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=18190_24554من مكارم الأخلاق، أن يحسن خلقه لأجيره وخادمه، ولا يشق عليه بالعمل، لقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين .
[ ص: 1289 ] ومنها:
nindex.php?page=treesubj&link=6104جواز عقد الإجارة وغيرها من العقود من دون إشهاد لقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28والله على ما نقول وكيل .
ومنها: ما أجرى الله على يد
موسى من الآيات البينات والمعجزات الظاهرة من الحية، وانقلاب يده بيضاء من غير سوء، ومن عصمة الله
لموسى وهارون من
فرعون، ومن الغرق.
ومنها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=18067من أعظم العقوبات أن يكون الإنسان إماما في الشر، وذلك بحسب معارضته لآيات الله وبيناته، كما أن
nindex.php?page=treesubj&link=32023من أعظم نعمة أنعم الله بها على عبده، أن يجعله إماما في الخير هاديا مهديا.
ومنها: ما فيها من الدلالة على رسالة
محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر بذلك تفصيلا مطابقا، وتأصيلا موافقا قصه قصا، صدق به المرسلين، وأيد به الحق المبين، من غير حضور شيء من تلك الوقائع، ولا مشاهدة لموضع واحد من تلك المواضع، ولا تلاوة درس فيها شيئا من هذه الأمور، ولا مجالسة أحد من أهل العلم، إن هو إلا رسالة الرحيم الرحمن، ووحي أنزله عليه الكريم المنان، لينذر به قوما جاهلين، وعن النذر والرسل غافلين؛ فصلوات الله وسلامه على من مجرد خبره ينبئ أنه رسول الله، ومجرد أمره ونهيه ينبه العقول النيرة أنه من عند الله، كيف وقد تطابق على صحة ما جاء به وصدقه، خبر الأولين والآخرين، والشرع الذي جاء به من رب العالمين، وما جبل عليه من الأخلاق الفاضلة، التي لا تناسب، ولا تصلح إلا لأعلى الخلق درجة، والنصر المبين لدينه وأمته، حتى بلغ دينه مبلغ الليل والنهار، وفتحت أمته معظم بلدان الأمصار، بالسيف والسنان، وقلوبهم بالعلم والإيمان، ولم تزل الأمم المعاندة، والملوك الكفرة المتعاضدة ترميه بقوس واحدة، وتكيد له المكايد، وتمكر لإطفائه وإخفائه، وإخماده من الأرض، وهو قد بهرها وعلاها، لا يزداد إلا نموا، ولا آياته وبراهينه إلا ظهورا، وكل وقت من الأوقات، يظهر من آياته ما هو عبرة للعالمين، وهداية للعالمين، ونور وبصيرة للمتوس
[ ص: 1267 ] الْمُجَلَّدُ السَّادِسُ مِنْ تَيْسِيرِ الْكَرِيمِ الرَّحْمَنِ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ الْمَنَّانِ، مِنْ مِنَنِ اللَّهِ عَلَى: عَبْدِهِ وَابْنِ عَبْدِهِ وَابْنِ أَمَتِهِ:
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَاصِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِيٍّ [ ص: 1268 ] [ ص: 1269 ] تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَصَصِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=32450_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم nindex.php?page=treesubj&link=29785_34224_34225_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ nindex.php?page=treesubj&link=31907_32016_32238_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=treesubj&link=31920_31952_32516_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ nindex.php?page=treesubj&link=32412_32419_34265_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ nindex.php?page=treesubj&link=29677_31952_32412_32419_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=29676_31907_31908_32450_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ nindex.php?page=treesubj&link=31913_31952_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ nindex.php?page=treesubj&link=29676_31913_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=9وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=31907_31913_34402_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=treesubj&link=31913_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=11وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=31907_31913_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=12وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ nindex.php?page=treesubj&link=31907_32410_32412_33678_34402_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=13فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=treesubj&link=18467_19797_31908_34149_34163_34304_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=14وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ nindex.php?page=treesubj&link=19718_31909_31922_34106_34264_34334_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ nindex.php?page=treesubj&link=19734_20009_20011_24262_28723_29694_31922_32064_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=16قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=treesubj&link=19605_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=17قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ nindex.php?page=treesubj&link=31791_31922_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=18فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ nindex.php?page=treesubj&link=31909_31922_32516_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ nindex.php?page=treesubj&link=18243_29676_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ nindex.php?page=treesubj&link=19734_24262_32071_32498_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=21فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=treesubj&link=19881_32050_32498_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ nindex.php?page=treesubj&link=31921_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ nindex.php?page=treesubj&link=24262_31780_31788_31921_32495_32498_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ nindex.php?page=treesubj&link=24546_29676_31921_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=treesubj&link=31909_31921_34163_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ nindex.php?page=treesubj&link=25319_31921_33325_6117_6135_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ nindex.php?page=treesubj&link=28723_31921_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ nindex.php?page=treesubj&link=31907_32416_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=29فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ nindex.php?page=treesubj&link=28657_28743_31907_31910_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=30فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=treesubj&link=28743_29676_31907_31910_31942_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ nindex.php?page=treesubj&link=28743_28752_31907_31910_31942_31952_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ nindex.php?page=treesubj&link=31791_31922_32071_32498_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=33قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ nindex.php?page=treesubj&link=28743_31907_31910_31954_32022_32417_33177_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ nindex.php?page=treesubj&link=29676_31907_31910_31954_32417_33177_34170_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ nindex.php?page=treesubj&link=29706_31788_31913_32024_34167_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=36فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ nindex.php?page=treesubj&link=25987_30532_30539_32022_34091_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=37وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ nindex.php?page=treesubj&link=30549_31913_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ nindex.php?page=treesubj&link=18669_28760_31913_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=39وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ nindex.php?page=treesubj&link=30525_30539_31916_32016_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=40فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=treesubj&link=30351_30525_30539_34123_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=30351_30539_31952_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=42وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ nindex.php?page=treesubj&link=29785_31912_32016_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=43وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=32238_34195_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ nindex.php?page=treesubj&link=32238_34195_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=45وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ nindex.php?page=treesubj&link=28743_31037_31907_31910_32026_32416_34195_34274_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=46وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=24262_30532_30549_34274_34299_34513_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=47وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=treesubj&link=30549_31788_32024_34167_34199_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=29786_34199_34225_34237_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=49قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=treesubj&link=19881_28723_29786_30454_30549_30554_30612_30614_32509_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=treesubj&link=32016_28999nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=51وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ.
[ ص: 1270 ] [ ص: 1271 ] (2)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2تِلْكَ الْآيَاتُ الْمُسْتَحِقَّةُ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ لِكُلِّ أَمْرٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ، مِنْ مَعْرِفَةِ رَبِّهِمْ، وَمَعْرِفَةِ حُقُوقِهِ، وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ، وَمَعْرِفَةِ وَقَائِعِهِ وَأَيَّامِهِ، وَمَعْرِفَةِ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ، وَجَزَاءِ الْعُمَّالِ، فَهَذَا الْقُرْآنُ قَدْ بَيَّنَهَا غَايَةَ التَّبْيِينِ، وَجَلَّاهَا لِلْعِبَادِ، وَوَضَّحَهَا.
(3) مِنْ جُمْلَةِ مَا أَبَانَ، قِصَّةُ
مُوسَى وَفِرْعَوْنَ، فَإِنَّهُ أَبْدَاهَا، وَأَعَادَهَا فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَبَسَطَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ : فَإِنَّ نَبَأَهُمَا غَرِيبٌ، وَخَبَرَهُمَا عَجِيبٌ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ : فَإِلَيْهِمْ يُسَاقُ
[ ص: 1272 ] الْخِطَابُ، وَيُوَجَّهُ الْكَلَامُ، حَيْثُ إِنَّ مَعَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، مَا يُقْبِلُونَ بِهِ عَلَى تَدَبُّرِ ذَلِكَ، وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ وَالِاهْتِدَاءِ بِمَوَاقِعِ الْعِبَرِ، وَيَزْدَادُونَ بِهِ إِيمَانًا وَيَقِينًا، وَخَيْرًا إِلَى خَيْرِهِمْ، وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُمْ، فَلَا يَسْتَفِيدُونَ مِنْهُ إِلَّا إِقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَصَانَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ حِجَابًا أَنْ يَفْقَهُوهُ.
(4) فَأَوَّلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ : فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَجُنُودِهِ وَجَبَرُوتِهِ، فَصَارَ مِنْ أَهْلِ الْعُلُوِّ فِيهَا، لَا مِنَ الْأَعْلَيْنَ فِيهَا،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا أَيْ: طَوَائِفَ مُتَفَرِّقَةً، يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ بِشَهْوَتِهِ، وَيُنَفِّذُ فِيهِمْ مَا أَرَادَ مِنْ قَهْرِهِ، وَسَطْوَتِهِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ : وَتِلْكَ الطَّائِفَةُ، هُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ فَضَّلَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْعَالَمِينَ، الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْرِمَهُمْ وَيُجِلَّهُمْ، وَلَكِنَّهُ اسْتَضْعَفَهُمْ، بِحَيْثُ إِنَّهُ رَأَى أَنَّهُمْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ تَمْنَعُهُمْ مِمَّا أَرَادَهُ فِيهِمْ، فَصَارَ لَا يُبَالِي بِهِمْ، وَلَا يَهْتَمُّ بِشَأْنِهِمْ، وَبَلَغَتْ بِهِ الْحَالُ إِلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ : خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكْثُرُوا، فَيَغْمُرُوهُ فِي بِلَادِهِ، وَيَصِيرَ لَهُمُ الْمُلْكُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ الَّذِينَ لَا قَصْدَ لَهُمْ فِي صْلَاحِ الدِّينِ، وَلَا صْلَاحِ الدُّنْيَا، وَهَذَا مِنْ إِفْسَادِهِ فِي الْأَرْضِ.
(5)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ : بِأَنْ نُزِيلَ عَنْهُمْ مَوَادَّ الِاسْتِضْعَافِ، وَنُهْلِكَ مَنْ قَاوَمَهُمْ، وَنَخْذُلَ مَنْ نَاوَأَهُمْ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً فِي الدِّينِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مَعَ الاسْتِضْعَافِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَمْكِينٍ فِي الْأَرْضِ، وَقُدْرَةٍ تَامَّةٍ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ لِلْأَرْضِ، الَّذِينَ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ.
(6)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ : فَهَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا، قَدْ تَعَلَّقَتْ بِهَا إِرَادَةُ اللَّهِ، وَجَرَتْ بِهَا مَشِيئَتُهُ، ( وَ ) كَذَلِكَ نُرِيدُ أَنْ " نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ " وَزِيرَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6وَجُنُودَهُمَا : الَّتِي بِهَا صَالُوا وَجَالُوا، وَعَلَوْا وَبَغَوْا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6مِنْهُمْ أَيْ: مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْمُسْتَضْعَفَةِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ مِنْ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَلِذَلِكَ كَانُوا يَسْعَوْنَ فِي قَمْعِهِمْ، وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ، وَتَقْتِيلِ أَبْنَائِهِمِ، الَّذِينَ هُمْ مَحَلُّ ذَلِكَ، فَكُلُّ هَذَا قَدْ أَرَادَهُ اللَّهُ، وَإِذَا أَرَادَ أَمْرًا سَهَّلَ أَسْبَابَهُ، وَنَهَجَ طُرُقَهُ، وَهَذَا الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَدَّرَ وَأَجْرَى مِنَ الْأَسْبَابِ - الَّتِي لَمْ يَشْعُرْ بِهَا لَا أَوْلِيَاؤُهُ وَلَا أَعْدَاؤُهُ- مَا هُوَ سَبَبٌ مُوَصِّلٌ إِلَى هَذَا الْمَقْصُودِ.
[ ص: 1273 ] (7) فَأَوَّلُ ذَلِكَ، لَمَّا أَوْجَدَ اللَّهُ رَسُولَهُ
مُوسَى، الَّذِي جَعَلَ اسْتِنْقَاذَ هَذَا الشَّعْبِ الْإِسْرَائِيلِيِّ عَلَى يَدَيْهِ وَبِسَبَبِهِ، وَكَانَ فِي وَقْتِ تِلْكَ الْمَخَافَةِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي يَذْبَحُونَ بِهَا الْأَبْنَاءَ، أَوْحَى إِلَى أُمِّهِ أَنْ تُرْضِعَهُ، وَيَمْكُثَ عِنْدَهَا.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ : بِأَنْ أَحْسَسْتِ أَحَدًا تَخَافِينَ عَلَيْهِ مِنْهُ أَنْ يُوصِلَهُ إِلَيْهِمْ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ أَيْ: نِيلِ
مِصْرَ، فِي وَسَطِ تَابُوتٍ مُغْلَقٍ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=7وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ : فَبَشَّرَهَا بِأَنَّهُ سَيَرُدُّهُ عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ سَيَكْبُرُ وَيَسْلَمُ مِنْ كَيْدِهِمْ، وَيَجْعَلُهُ اللَّهُ رَسُولًا، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبَشَائِرِ الْجَلِيلَةِ، وَتَقْدِيمُ هَذِهِ الْبِشَارَةِ لِأُمِّ
مُوسَى، لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهَا، وَيَسْكُنَ رَوْعُهَا.
(8) فَكَأَنَّهَا خَافَتْ عَلَيْهِ، وَفَعَلَتْ مَا أُمِرَتْ بِهِ، أَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ، وَسَاقَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى الْتَقَطَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8آلُ فِرْعَوْنَ فَصَارَ مِنْ لُقَطِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ بَاشَرُوا وِجْدَانَهُ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا أَيْ: لِتَكُونَ الْعَاقِبَةُ وَالْمَآلُ مِنْ هَذَا الِالْتِقَاطِ، أَنْ يَكُونَ عَدُوًّا لَهُمْ وَحَزَنًا يُحْزِنُهُمْ، بِسَبَبِ أَنَّ الْحَذَرَ لَا يَنْفَعُ مِنَ الْقَدَرِ، وَأَنَّ الَّذِي خَافُوا مِنْهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَيَّضَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ زَعِيمَهُمْ، يَتَرَبَّى تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، وَعَلَى نَظَرِهِمْ، وَبِكَفَالَتِهِمْ.
وَعِنْدَ التَّدَبُّرِ وَالتَّأَمُّلِ، تَجِدُ فِي طَيِّ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَدَفْعِ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْفَادِحَةِ بِهِمْ، وَمَنْعِ كَثِيرٍ مِنَ التَّعَدِّيَاتِ قَبْلَ رِسَالَتِهِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ صَارَ مِنْ كِبَارِ الْمَمْلَكَةِ، وَبِالطَّبْعِ لَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ مُدَافَعَةٌ عَنْ حُقُوقِ شَعْبِهِ، هَذَا وَهُوَ هُوَ ذُو الْهِمَّةِ الْعَالِيَةِ وَالْغَيْرَةِ الْمُتَوَقِّدَةِ، وَلِهَذَا وَصَلَتِ الْحَالُ بِذَلِكَ الشَّعْبِ الْمُسْتَضْعَفِ -الَّذِي بَلَغَ بِهِمُ الذُّلُّ وَالْإِهَانَةُ إِلَى مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بَعْضَهُ - أَنْ صَارَ بَعْضُ أَفْرَادِهِ، يُنَازِعُ ذَلِكَ الشَّعْبَ الْقَاهِرَ الْعَالِيَ فِي الْأَرْضِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَهَذَا مُقَدِّمَةٌ لِلظُّهُورِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ سُنَّتِهِ الْجَارِيَةِ، أَنْ جَعَلَ الْأُمُورَ تَمْشِي عَلَى التَّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَا تَأْتِي دُفْعَةً وَاحِدَةً. وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ أَيْ: فَأَرَدْنَا أَنْ نُعَاقِبَهُمْ عَلَى خَطَئِهِمَا وَنَكِيدَهُمْ جَزَاءً عَلَى مَكْرِهِمْ وَكَيْدِهِمْ.
(9) فَلَمَّا الْتَقَطَهُ آلُ
فِرْعَوْنَ، حَنَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ امْرَأَةَ
فِرْعَوْنَ الْفَاضِلَةَ الْجَلِيلَةَ الْمُؤْمِنَةَ
"آسِيَةَ بِنْتَ مُزَاحِمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=9وَقَالَتِ : هَذَا الْوَلَدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=9قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ أَيْ: أَبْقِهِ لَنَا، لِتَقَرَّ بِهِ أَعْيُنُنَا، وَنُسَرَّ بِهِ فِي حَيَاتِنَا.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=9عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا أَيْ: لَا
[ ص: 1274 ] يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْخَدَمِ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي نَفْعِنَا وَخِدْمَتِنَا، أَوْ نُرَقِّيَهُ دَرَجَةً أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ، نَجْعَلُهُ وَلَدًا لَنَا وَنُكْرِمُهُ وَنُجِلُّهُ. فَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ نَفَعَ
امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ، الَّتِي قَالَتْ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، فَإِنَّهُ لِمَا صَارَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهَا، وَأَحَبَّتْهُ حُبًّا شَدِيدًا، فَلَمْ يَزَلْ لَهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الشَّفِيقِ حَتَّى كَبِرَ وَنَبَّأَهُ اللَّهُ وَأَرْسَلَهُ، فَبَادَرَتْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْمُرَاجَعَاتِ وَالْمُقَاوَلَاتِ فِي شَأْنِ
مُوسَى: nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=9وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ : مَا جَرَى بِهِ الْقَلَمُ، وَمَضَى بِهِ الْقَدَرُ، مِنْ وُصُولِهِ إِلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ لُطْفِهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُمْ لَوْ شَعَرُوا، لَكَانَ لَهُمْ وَلَهُ شَأْنٌ آخَرُ.
(10) وَلَمَّا فَقَدَتْ
مُوسَى أُمُّهُ، حَزِنَتْ حُزْنًا شَدِيدًا، وَأَصْبَحَ فُؤَادُهَا فَارِغًا مِنَ الْقَلَقِ الَّذِي أَزْعَجَهَا عَلَى مُقْتَضَى الْحَالَةِ الْبَشَرِيَّةِ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَاهَا عَنِ الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ، وَوَعَدَهَا بِرَدِّهِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أَيْ: بِمَا فِي قَلْبِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا : فَثَبَّتْنَاهَا، فَصَبَرَتْ وَلَمْ تُبِدْ بِهِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10لِتَكُونَ : بِذَلِكَ الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10مِنَ الْمُؤْمِنِينَ : فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19579الْعَبْدَ إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَصَبَرَ وَثَبَتَ، ازْدَادَ بِذَلِكَ إِيمَانُهُ، وَدَلَّ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30479اسْتِمْرَارَ الْجَزَعِ مَعَ الْعَبْدِ، دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِ.
(11)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=11وَقَالَتْ أُمُّ مُوسَى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=11لأُخْتِهِ قُصِّيهِ أَيِ: اذْهَبِي فَقُصِّي الْأَثَرَ عَنْ أَخِيكِ وَابْحَثِي عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحِسَّ بِكِ أَحَدٌ أَوْ يَشْعُرُوا بِمَقْصُودِكِ، فَذَهَبَتْ تَقُصُّهُ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=11فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أَيْ: أَبْصَرَتْهُ عَلَى وَجْهٍ، كَأَنَّهَا مَارَّةٌ لَا قَصْدَ لَهَا فِيهِ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِ الْحَزْمِ وَالْحَذَرِ، فَإِنَّهَا لَوْ أَبْصَرَتْهُ، وَجَاءَتْ إِلَيْهِمْ قَاصِدَةً، لَظَنُّوا بِهَا أَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَلْقَتْهُ، فَرُبَّمَا عَزَمُوا عَلَى ذَبْحِهِ، عُقُوبَةً لِأَهْلِهِ.
(12) وَمِنْ لُطْفِ اللَّهِ
بِمُوسَى وَأُمِّهِ أَنْ مَنَعَهُ مِنْ قَبُولِ ثَدْيِ امْرَأَةٍ، فَأَخْرَجُوهُ إِلَى السُّوقِ رَحْمَةً بِهِ، وَلَعَلَّ أَحَدًا يَطْلُبُهُ، فَجَاءَتْ أُخْتُهُ وَهُوَ بِتِلْكَ الْحَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=12فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ : وَهَذَا جُلُّ غَرَضِهِمْ، فَإِنَّهُمْ أَحَبُّوهُ حُبًّا شَدِيدًا، وَقَدْ مَنَعَهُ اللَّهُ مِنَ الْمَرَاضِعِ فَخَافُوا أَنْ يَمُوتَ.
(13) فَلَمَّا قَالَتْ لَهُمْ أُخْتُهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى التَّرْغِيبِ، فِي أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ، بِتَمَامِ حِفْظِهِ وَكَفَالَتِهِ وَالنُّصْحِ لَهُ، بَادَرُوا إِلَى إِجَابَتِهَا، فَأَعْلَمَتْهُمْ وَدَلَّتْهُمْ عَلَى أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=13فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ : كَمَا وَعَدْنَاهَا بِذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=13كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ [ ص: 1275 ] بِحَيْثُ إِنَّهُ تَرَبَّى عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ فِيهِ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً، تَفْرَحُ بِهِ، وَتَأْخُذُ الْأُجْرَةَ الْكَثِيرَةَ عَلَى ذَلِكَ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=13وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ : فَأَرَيْنَاهَا بَعْضَ مَا وَعَدْنَاهَا بِهِ عِيَانًا، لِيَطْمَئِنَّ بِذَلِكَ قَلْبُهَا، وَيَزْدَادَ إِيمَانُهَا، وَلِتَعْلَمَ أَنَّهُ سَيَحْصُلُ وَعْدُ اللَّهِ فِي حِفْظِهِ وَرِسَالَتِهِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=13وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ : فَإِذَا رَأَوُا السَّبَبَ مُتَشَوِّشًا؛ شَوَّشَ ذَلِكَ إِيمَانَهُمْ؛ لِعَدَمِ عِلْمِهِمُ الْكَامِلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ الْمِحَنَ وَالْعَقَبَاتِ الشَّاقَّةَ بَيْنَ يَدَيِ الْأُمُورِ الْعَالِيَةِ وَالْمَطَالِبِ الْفَاضِلَةِ.
فَاسْتَمَرَّ
مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ آلِ
فِرْعَوْنَ يَتَرَبَّى فِي سُلْطَانِهِمْ، وَيَرْكَبُ مَرَاكِبَهُمْ، وَيَلْبَسُ مَلَابِسَهُمْ، وَأُمُّهُ بِذَلِكَ مُطْمَئِنَّةٌ، قَدِ اسْتَقَرَّ أَنَّهَا أُمُّهُ مِنَ الرِّضَاعِ، وَلَمْ يَسْتَنْكِرْ مُلَازَمَتَهُ إِيَّاهَا وَحُنُوَّهَا عَلَيْهَ. وَتَأَمَّلْ هَذَا اللُّطْفَ، وَصِيَانَةَ نَبِيِّهِ
مُوسَى مِنَ الْكَذِبِ فِي مَنْطِقِهِ، وَتَيْسِيرِ الْأَمْرِ الَّذِي صَارَ بِهِ التَّعَلُّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، الَّذِي بَانَ لِلنَّاسِ هُوَ الرِّضَاعُ، الَّذِي بِسَبَبِهِ يُسَمِّيهَا أُمًّا، فَكَانَ الْكَلَامُ الْكَثِيرُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، صِدْقًا وَحَقًّا.
(14)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=14وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ : مِنَ الْقُوَّةِ وَالْعَقْلِ وَاللُّبِّ، وَذَلِكَ نَحْوَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْغَالِبِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=14وَاسْتَوَى كَمُلَتْ فِيهِ تِلْكَ الْأُمُورُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=14آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا أَيْ: حُكْمًا يَعْرِفُ بِهِ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ، وَيَحْكُمُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَعِلْمًا كَثِيرًا.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=14وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ الْمُحْسِنِينَ لِخَلْقِ اللَّهِ، يُعْطِيهِمْ عِلْمًا وَحُكْمًا بِحَسَبِ إِحْسَانِهِمْ، وَدَلَّ هَذَا عَلَى كَمَالِ إِحْسَانِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
(15 - 17
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا إِمَّا وَقْتَ الْقَائِلَةِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْقَاتِ الَّتِي بِهَا يَغْفُلُونَ عَنِ الِانْتِشَارِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ أَيْ: يَتَخَاصَمَانِ وَيَتَضَارَبَانِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ أَيْ: مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ الْقِبْطِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ لِأَنَّهُ قَدِ اشْتُهِرَ، وَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاسْتِغَاثَتُهُ
لِمُوسَى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَلَغَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَبْلَغًا يُخَافُ مِنْهُ، وَيُرْجَى مِنْ بَيْتِ الْمَمْلَكَةِ وَالسُّلْطَانِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فَوَكَزَهُ مُوسَى أَيْ: وَكَزَ الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ، اسْتِجَابَةً لِاسْتِغَاثَةِ الْإِسْرَائِيلِيِّ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فَقَضَى عَلَيْهِ أَيْ: أَمَاتَهُ مِنْ تِلْكَ الْوَكْزَةِ، لِشِدَّتِهَا وَقُوَّةِ
مُوسَى. فَنَدِمَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَا جَرَى مِنْهُ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ أَيْ: مِنْ تَزْيِينِهِ وَوَسْوَسَتِهِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ [ ص: 1276 ] فَلِذَلِكَ أُجْرِيَتْ مَا أُجْرِيَتْ بِسَبَبِ عَدَاوَتِهِ الْبَيِّنَةِ، وَحِرْصِهِ عَلَى الْإِضْلَالِ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، فَـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=16قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ خُصُوصًا لِلْمُخْبِتِينَ إِلَيْهِ، الْمُبَادِرِينَ لِلْإِنَابَةِ وَالتَّوْبَةِ، كَمَا جَرَى مِنْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فـَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=17قَالَ مُوسَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=17رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ بِالتَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَالنِّعَمِ الْكَثِيرَةِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=17فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا أَيْ: مُعِينًا وَمُسَاعِدًا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=17لِلْمُجْرِمِينَ أَيْ: لَا أُعِينُ أَحَدًا عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَهَذَا وَعْدٌ مِنْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِسَبَبِ مِنَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَنْ لَا يُعِينَ مُجْرِمًا، كَمَا فَعَلَ فِي قَتْلِ الْقِبْطِيِّ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19614النِّعَمَ تَقْتَضِي مِنَ الْعَبْدِ فِعْلَ الْخَيْرِ، وَتَرْكَ الشَّرِّ.
(18- 19) فَلَمَّا جَرَى مِنْهُ قَتْلُ الَّذِي هُوَ مِنْ عَدُوِّهِ " أَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ " هَلْ يَشْعُرُ بِهِ آلُ
فِرْعَوْنُ، أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا خَافَ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَجَرَّأُ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ سِوَى
مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=18فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ عَلَى عَدُوِّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=18يَسْتَصْرِخُهُ عَلَى قِبْطِيٍّ آخَرَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=18قَالَ لَهُ مُوسَى مُوَبِّخًا لَهُ عَلَى حَالِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=18إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ أَيْ: بَيِّنُ الْغَوَايَةِ، ظَاهِرُ الْجَرَاءَةِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا أَيْ: لَهُ وَلِلْمُخَاصِمِ الْمُسْتَصْرِخِ
لِمُوسَى ، أَيْ: لَمْ يَزَلِ اللَّجَاجُ بَيْنَ الْقِبْطِيِّ وَالْإِسْرَائِيلِيِّ، وَهُوَ يَسْتَغِيثُ
بِمُوسَى، فَأَخَذَتْهُ الْحَمِيَّةُ، حَتَّى هَمَّ أَنْ يَبْطِشَ بِالْقِبْطِيِّ، فَـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19قَالَ لَهُ الْقِبْطِيُّ زَاجِرًا لَهُ عَنْ قَتْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ لِأَنَّ مِنْ أَعْظَمِ آثَارِ الْجَبَّارِ فِي الْأَرْضِ، قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ وَإِلَّا فَلَوْ أَرَدْتَ الْإِصْلَاحَ لَحُلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلِ أَحَدٍ، فَانْكَفَّ
مُوسَى عَنْ قَتْلِهِ، وَارْعَوَى لِوَعْظِهِ وَزَجْرِهِ.
(20) وَشَاعَ الْخَبَرُ بِمَا جَرَى مِنْ
مُوسَى فِي هَاتَيْنِ الْقَضِيَّتَيْنِ، حَتَّى تَرَاوَدَ مَلَأُ
فِرْعَوْنَ، وَفِرْعَوْنُ عَلَى قَتْلِهِ، وَتَشَاوَرُوا عَلَى ذَلِكَ، فَقَيَّضَ اللَّهُ ذَلِكَ الرَّجُلَ النَّاصِحَ، وَبَادَرَهُمْ إِلَى الْإِخْبَارِ
لِمُوسَى بِمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ رَأْيُ مَلَئِهِمْ. فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى أَيْ: رَكَضَا عَلَى قَدَمَيْهِ مِنْ نُصْحِهِ
لِمُوسَى، وَخَوْفِهِ أَنْ يُوقِعُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَشْعُرَ، فـَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ أَيْ: يَتَشَاوَرُونَ فِيكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ عَنِ الْمَدِينَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَامْتَثَلَ نُصْحَهُ.
[ ص: 1277 ] (21)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=21فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ الْقَتْلَ، وَدَعَا اللَّهَ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=21قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ قَدْ تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ وَفِعْلِهِ غَضَبًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ لِلْقَتْلِ، فَتَوَعُّدُهُمْ لَهُ ظُلْمٌ مِنْهُمْ وَجَرَاءَةٌ.
(22)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ أَيْ: قَاصِدًا بِوَجْهِهِ
مَدْيَنَ، وَهُوَ جَنُوبِيَّ
فِلَسْطِينَ، حَيْثُ لَا مُلْكَ
لِفِرْعَوْنَ، nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ أَيْ: وَسَطَ الطَّرِيقِ الْمُخْتَصَرِ، الْمُوَصِّلِ إِلَيْهَا بِسُهُولَةٍ وَرِفْقٍ، فَهَدَاهُ اللَّهُ سَوَاءَ السَّبِيلِ، فَوَصَلَ إِلَى
مَدْيَنَ.
(23)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ مَوَاشِيَهُمْ، وَكَانُوا أَهْلَ مَاشِيَةٍ كَثِيرَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ أَيْ: دُونَ تِلْكَ الْأُمَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ غَنَمَهُمَا عَنْ حِيَاضِ النَّاسِ؛ لِعَجْزِهِمَا عَنْ مُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ وَبُخْلِهِمْ، وَعَدَمِ مُرُوءَتِهِمْ عَنِ السَّقْيِ لَهُمَا،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23قَالَ لَهُمَا
مُوسَى: nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23مَا خَطْبُكُمَا أَيْ: مَا شَأْنُكُمَا بِهَذِهِ الْحَالَةِ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ أَيْ: قَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَنَا سَقْيٌ حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ مَوَاشِيَهُمْ، فَإِذَا خَلَا لَنَا الْجَوُّ سَقَيْنَا،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ أَيْ: لَا قُوَّةَ لَهُ عَلَى السَّقْيِ، فَلَيْسَ فِينَا قُوَّةٌ، نَقْتَدِرُ بِهَا، وَلَا لَنَا رِجَالٌ يُزَاحِمُونَ الرِّعَاءَ.
(24) فَرَقَّ لَهُمَا
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحِمَهُمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فَسَقَى لَهُمَا غَيْرَ طَالِبٍ مِنْهُمَا الْأُجْرَ، وَلَا لَهُ قَصْدٌ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا سَقَى لَهُمَا، وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ شِدَّةِ حَرٍّ، وَسَطَ النَّهَارِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ مُسْتَرِيحًا لِتِلْكَ الظِّلَالِ بَعْدَ التَّعَبِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فَقَالَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، مُسْتَرْزِقًا رَبَّهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ أَيْ: إِنِّي مُفْتَقِرٌ لِلْخَيْرِ الَّذِي تَسُوقُهُ إِلَيَّ وَتُيَسِّرُهُ لِي. وَهَذَا سُؤَالٌ مِنْهُ بِحَالِهِ، وَالسُّؤَالُ بِالْحَالِ أَبْلَغُ مِنَ السُّؤَالِ بِلِسَانِ الْمَقَالِ.
(25) فَلَمْ يَزَلْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَاعِيًا رَبَّهُ مُتَمَلِّقًا، وَأَمَّا الْمَرْأَتَانِ فَذَهَبَتَا إِلَى أَبِيهِمَا، وَأَخْبَرَتَاهُ بِمَا جَرَى، فَأَرْسَلَ أَبُوهُمَا إِحْدَاهُمَا إِلَى
مُوسَى، فَجَاءَتْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَرَمِ عُنْصُرِهَا، وَخُلُقِهَا الْحَسَنِ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَخُصُوصًا فِي النِّسَاءِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ فِيمَا فَعَلَهُ مِنَ السَّقْيِ لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ وَالْخَادِمِ الَّذِي لَا يُسْتَحَى مِنْهُ عَادَةً، وَإِنَّمَا هُوَ عَزِيزُ النَّفْسِ، رَأَتْ مِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ وَمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ مَا أَوْجَبَ لَهَا الْحَيَاءَ مِنْهُ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25قَالَتْ لَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا أَيْ: لَا لِيَمُنَّ عَلَيْكَ، بَلْ أَنْتَ
[ ص: 1278 ] الَّذِي ابْتَدَأْتَنَا بِالْإِحْسَانِ، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ أَنْ يُكَافِئَكَ عَلَى إِحْسَانِكَ، فَأَجَابَهَا
مُوسَى، nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ مِنِ ابْتِدَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِهَرَبِهِ، إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25قَالَ لَهُ مُسَكِّنًا رَوْعَهُ، جَابِرًا قَلْبَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أَيْ: لِيَذْهَبْ خَوْفُكَ وَرَوْعُكَ، فَإِنَّ اللَّهَ نَجَّاكَ مِنْهُمْ حَيْثُ وَصَلْتَ إِلَى هَذَا الْمَحَلِّ، الَّذِي لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ.
(26)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26قَالَتْ إِحْدَاهُمَا أَيْ: إِحْدَى ابْنَتَيْهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ أَيِ: اجْعَلْهُ أَجِيرًا عِنْدَكَ، يَرْعَى الْغَنَمَ وَيَسْقِيهَا،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ أَيْ: إِنَّ مُوسَى أَوْلَى مَنِ اسْتُؤْجِرَ، فَإِنَّهُ جَمَعَ الْقُوَّةَ وَالْأَمَانَةَ، وَخَيْرُ أَجِيرٍ اسْتُؤْجِرَ مَنْ جَمَعَهُمَا، أَيِ: الْقُوَّةَ وَالْقُدْرَةَ عَلَى مَا اسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ، وَالْأَمَانَةُ فِيهِ بِعَدَمِ الْخِيَانَةِ، وَهَذَانِ الْوَصْفَانِ، يَنْبَغِي اعْتِبَارُهُمَا فِي كُلِّ مَنْ يَتَوَلَّى لِلْإِنْسَانِ عَمَلًا بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. فَإِنَّ الْخَلَلَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِفَقْدِهِمَا أَوْ فَقْدِ إِحْدَاهُمَا، وَأَمَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا، فَإِنَّ الْعَمَلَ يَتِمُّ وَيَكْمُلُ، وَإِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا شَاهَدَتْ مِنْ قُوَّةِ
مُوسَى عِنْدَ السَّقْيِ لَهُمَا وَنَشَاطِهِ، مَا عَرَفَتْ بِهِ قُوَّتَهُ، وَشَاهَدَتْ مِنْ أَمَانَتِهِ وَدِيَانَتِهِ، وَأَنَّهُ رَحِمَهُمَا فِي حَالَةٍ لَا يُرْجَى نَفْعُهُمَا، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى.
(27) فَـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قَالَ صَاحِبُ
مَدْيَنَ لِمُوسَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي أَيْ: تَصِيرَ أَجِيرًا عِنْدِي
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27ثَمَانِيَ حِجَجٍ أَيْ: ثَمَانِيَ سِنِينَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ تَبَرُّعٌ مِنْكَ، لَا شَيْءَ وَاجِبٌ عَلَيْكَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ فَأُحَتِّمَ عَشْرَ السِّنِينَ، أَوْ مَا أُرِيدُ أَنْ أَسْتَأْجِرَكَ لِأُكَلِّفَكَ أَعْمَالًا شَاقَّةً، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرْتُكَ لِعَمَلٍ سَهْلٍ يَسِيرٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ : فَرَغَّبَهُ فِي سُهُولَةِ الْعَمَلِ، وَفِي حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19509_19516الرَّجُلَ الصَّالِحَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحَسِّنَ خُلُقَهُ مَهْمَا أَمْكَنَهُ، وَأَنَّ الَّذِي يُطْلَبُ مِنْهُ أَبْلَغُ مِنْ غَيْرِهِ.
(28) فَـ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ -مُجِيبًا لَهُ فِيمَا طَلَبَهُ مِنْهُ-:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيْ: هَذَا الشَّرْطُ الَّذِي أَنْتَ ذَكَرْتَ رَضِيتُ بِهِ، وَقَدْ تَمَّ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ سَوَاءٌ قَضَيْتُ الثَّمَانِيَ الْوَاجِبَةَ، أَمْ تَبَرَّعْتُ بِالزَّائِدِ عَلَيْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ حَافِظٌ يُرَاقِبُنَا، وَيَعْلَمُ مَا تَعَاقَدْنَا عَلَيْهِ.
وَهَذَا الرَّجُلُ أَبُو الْمَرْأَتَيْنِ صَاحِبُ
مَدْيَنَ، لَيْسَ
بِشُعَيْبٍ النَّبِيِّ الْمَعْرُوفِ كَمَا اشْتُهِرَ
[ ص: 1279 ] عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّ هَذَا، قَوْلٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَغَايَةُ مَا يَكُونُ، أَنَّ
شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَدْ كَانَتْ بَلَدُهُ
مَدْيَنَ، وَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ جَرَتْ فِي
مَدْيَنَ، فَأَيْنَ الْمُلَازَمَةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؟! وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ أَنَّ
مُوسَى أَدْرَكَ زَمَانَ
شُعَيْبٍ، فَكَيْفَ بِشَخْصِهِ؟! وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ
شُعَيْبًا، لَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَسَمَّتْهُ الْمَرْأَتَانِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ
شُعَيْبًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَهُ بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنْ يَرْضُوا لِبِنْتَيْ نَبِيِّهِمْ، بِمَنْعِهِمَا عَنِ الْمَاءِ، وَصَدِّ مَاشِيَتِهِمَا، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا رَجُلٌ غَرِيبٌ، فَيُحْسِنَ إِلَيْهِمَا، وَيَسْقِيَ مَاشِيَتَهُمَا، وَمَا كَانَ
شُعَيْبٌ، لِيَرْضَى أَنْ يَرْعَى
مُوسَى عِنْدَهُ وَيَكُونَ خَادِمًا لَهُ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَعْلَى دَرَجَةً، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا قَبْلَ نُبُوَّةِ
مُوسَى فَلَا مُنَافَاةَ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى أَنَّهُ
شُعَيْبٌ النَّبِيُّ بِغَيْرِ نَقْلٍ صَحِيحٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(29)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=29فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَضَى الْأَجَلَ الْوَاجِبَ، أَوِ الزَّائِدَ عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ الظَّنُّ
بِمُوسَى وَوَفَائِهِ، اشْتَاقَ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى أَهْلِهِ وَوَالِدَتِهِ وَعَشِيرَتِهِ، وَوَطَنِهِ، وَظَنَّ مِنْ طُولِ الْمُدَّةِ، أَنَّهُمْ قَدْ تَنَاسَوْا مَا صَدَرَ مِنْهُ. " سَارَ بِأَهْلِهِ " قَاصِدًا
مِصْرَ، nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=29آنَسَ أَيْ: أَبْصَرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=29مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ وَكَانَ قَدْ أَصَابَهُمُ الْبَرْدُ، وَتَاهُوا الطَّرِيقَ.
(30) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=30يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَأَخْبَرَهُ بِأُلُوهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ، أَنْ يَأْمُرَهُ بِعِبَادَتِهِ، وَتَأَلُّهِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي .
(31)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَأَلْقَاهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ تَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا، وَلَهَا صُورَةٌ مَهِيلَةٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31كَأَنَّهَا جَانٌّ ذَكَرُ الْحَيَّاتِ الْعَظِيمُ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ أَيْ: يَرْجِعُ، لِاسْتِيلَاءِ الرَّوْعِ عَلَى قَلْبِهِ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ وَهَذَا أَبْلَغُ مَا يَكُونُ فِي التَّأْمِينِ، وَعَدَمِ الْخَوْفِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31أَقْبِلْ [ ص: 1280 ] يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِإِقْبَالِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ إِقْبَالُهُ، وَهُوَ لَمْ يَزُلِ الْأَمْرُ الْمَخُوفُ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31وَلا تَخَفْ أَمَرَ لَهُ بِشَيْئَيْنِ، إِقْبَالِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ خَوْفٌ، وَلَكِنْ يَبْقَى احْتِمَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يُقْبِلُ وَهُوَ غَيْرُ خَائِفٍ، وَلَكِنْ لَا تَحْصُلُ لَهُ الْوِقَايَةُ وَالْأَمْنُ مِنَ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=31إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ فَحِينَئِذٍ انْدَفَعَ الْمَحْذُورُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، فَأَقْبَلَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ غَيْرَ خَائِفٍ وَلَا مَرْعُوبٍ، بَلْ مُطْمَئِنًّا، وَاثِقًا بِخَبَرِ رَبِّهِ، قَدِ ازْدَادَ إِيمَانُهُ، وَتَمَّ يَقِينُهُ. فَهَذِهِ آيَةٌ أَرَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا قَبْلَ ذَهَابِهِ إِلَى
فِرْعَوْنَ؛ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ تَامٍّ، ليَكُونُ أَجْرَأَ لَهُ، وَأَقْوَى وَأَصْلَبَ.
(32) ثُمَّ أَرَاهُ الْآيَةَ الْأُخْرَى فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32اسْلُكْ يَدَكَ أَيْ: أَدْخِلْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فَسَلَكَهَا وَأَخْرَجَهَا، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ أَيْ: ضُمَّ جَنَاحَكَ وَهُوَ عَضُدُكَ إِلَى جَنْبِكَ؛ ليَزُولُ عَنْكَ الرَّهَبُ وَالْخَوْفُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32فَذَانِكَ أَيِ: انْقِلَابُ الْعَصَا حَيَّةً، وَخُرُوجُ الْيَدِ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ أَيْ: حُجَّتَانِ قَاطِعَتَانِ مِنَ اللَّهِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَا يَكْفِيهِمْ مُجَرَّدُ الْإِنْذَارِ وَأَمْرِ الرَّسُولِ إِيَّاهُمْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ، إِنْ نَفَعَتْ.
(33 - 34) فـَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=33قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مُعْتَذِرًا مِنْ رَبِّهِ، وَسَائِلًا لَهُ الْمَعُونَةَ عَلَى مَا حَمَلَهُ، وَذَاكِرًا لَهُ الْمَوَانِعَ الَّتِي فِيهِ لِيُزِيلَ رَبُّهُ مَا يُحَذِّرُهُ مِنْهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=33رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا أَيْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=33فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا أَيْ: مُعَاوِنًا وَمُسَاعِدًا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34يُصَدِّقُنِي فَإِنَّهُ مَعَ تَضَافُرِ الْأَخْبَارِ يَقْوَى الْحَقُّ.
(35) فَأَجَابَهُ اللَّهُ إِلَى سُؤَالِهِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ أَيْ: نُعَاوِنُكَ بِهِ وَنُقَوِّيكَ. ثُمَّ أَزَالَ عَنْهُ مَحْذُورَ الْقَتْلِ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا أَيْ: تَسَلُّطًا، وَتَمَكُّنًا مِنَ الدَّعْوَةِ بِالْحَجَّةِ، وَالْهَيْبَةِ الْإِلَهِيَّةِ مِنْ عَدُّوِهِمَا لَهُمَا،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا وَذَلِكَ بِسَبَبِ آيَاتِنَا، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، وَمَا أَزْعَجَتْ بِهِ مَنْ بَاشَرَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَهِيَ الَّتِي بِهَا حَصَلَ لَكُمَا السُّلْطَانُ، وَانْدَفَعَ بِهَا عَنْكُمْ، كَيْدُ عَدُوِّكُمْ وَصَارَتْ لَكُمْ أَبْلَغَ مِنَ الْجُنُودِ، أُولِي الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=35أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ : وَهَذَا وَعْدٌ
لِمُوسَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ وَحْدَهُ فَرِيدٌ، وَقَدْ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ، بَعْدَمَا كَانَ شَرِيدًا، فَلَمْ تَزَلِ الْأَحْوَالُ تَتَطَوَّرُ، وَالْأُمُورُ تَنْتَقِلُ، حَتَّى أَنْجَزَ اللَّهُ لَهُ مَوْعُودَهُ، وَمَكَّنَهُ
[ ص: 1281 ] مِنَ الْعِبَادِ وَالْبِلَادِ، وَصَارَ لَهُ وَلِأَتْبَاعِهِ، الْغَلَبَةُ وَالظُّهُورُ.
(36) فَذَهَبَ
مُوسَى بِرِسَالَةِ رَبِّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=36فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ وَاضِحَاتِ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا قَالَ لَهُمْ، لَيْسَ فِيهَا قُصُورٌ وَلَا خَفَاءٌ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=36قَالُوا عَلَى وَجْهِ الظُّلْمِ وَالْعُلُوِّ وَالْعِنَادِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=36مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى كَمَا قَالَ
فِرْعَوْنُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا الْحَقُّ، وَاسْتَعْلَى عَلَى الْبَاطِلِ، وَاضْمَحَلَّ الْبَاطِلُ، وَخَضَعَ لَهُ الرُّؤَسَاءُ الْعَارِفُونَ حَقَائِقَ الْأُمُورِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ هَذَا، وَهُوَ الذَّكِيُّ غَيْرُ الزَّكِيِّ الَّذِي بَلَغَ مِنَ الْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَالْكَيْدِ مَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا وَقَدْ عَلِمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=102مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الشَّقَاءَ غَالِبٌ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=36وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ وَقَدْ كَذَّبُوا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ
يُوسُفَ قَبْلَ
مُوسَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=34وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ .
(37)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=37وَقَالَ مُوسَى حِينَ زَعَمُوا أَنَّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ سِحْرٌ وَضَلَالٌ، وَأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ الْهُدَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=37رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ أَيْ: إِذَا لَمْ تُفِدِ الْمُقَابَلَةُ مَعَكُمْ، وَتَبْيِينُ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَأَبَيْتُمْ إِلَّا التَّمَادِيَ فِي غَيِّكُمْ وَاللَّجَاجِ عَلَى كُفْرِكُمْ، فَاللَّهُ تَعَالَى الْعَالِمُ بِالْمُهْتَدِي وَغَيْرِهِ، وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ، نَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=37إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ فَصَارَ عَاقِبَةُ الدَّارِ
لِمُوسَى وَأَتْبَاعِهِ، وَالْفَلَّاحُ وَالْفَوْزُ، وَصَارَ لِأُولَئِكَ الْخَسَارُ وَسُوءُ الْعَاقِبَةِ وَالْهَلَاكُ.
(38)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38وَقَالَ فِرْعَوْنُ مُتَجَرِّئًا عَلَى رَبِّهِ، وَمُمَوِّهًا عَلَى قَوْمِهِ السُّفَهَاءِ، أَخِفَّاءِ الْعُقُولِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي أَيْ: أَنَا وَحْدِي، إِلَهُكُمْ وَمَعْبُودُكُمْ، وَلَوْ كَانَ ثَمَّ إِلَهٌ غَيْرِي، لَعَلِمْتُهُ، فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الْوَرَعِ التَّامِّ مِنْ
فِرْعَوْنَ! حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: "مَا لَكَمَ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي "بَلْ تَوَرَّعَ وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي وَهَذَا لِأَنَّهُ عِنْدَهُمُ الْعَالِمُ الْفَاضِلُ، الَّذِي مَهْمَا قَالَ فَهُوَ الْحَقُّ، وَمَهْمَا أَمَرَ أَطَاعُوهُ.
فَلَمَّا قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، الَّتِي قَدْ تَحْتَمِلُ أَنَّ ثَمَّ إِلَهًا غَيْرَهُ، أَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ النَّفْيَ، الَّذِي جَعَلَ فِيهِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ، فَقَالَ
لِهَامَانَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ لِيَجْعَلَ لَهُ لَبِنًا مِنْ فَخَّارٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا أَيْ: بِنَاءً
[ ص: 1282 ] nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَلَكِنْ سَنُحَقِّقُ هَذَا الظَّنَّ، وَنُرِيكُمْ كَذِبَ
مُوسَى.
فَانْظُرْ هَذِهِ الْجَرَاءَةَ الْعَظِيمَةَ عَلَى اللَّهِ، الَّتِي مَا بَلَغَهَا آدَمِيٌّ، كَذَّبَ
مُوسَى، وَادَّعَى أَنَّهُ اللَّهُ، وَنَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ بِالْإِلَهِ الْحَقِّ، وَفَعَلَ الْأَسْبَابَ لِيَتَوَصَّلَ إِلَى إِلَهِ
مُوسَى، وَكُلُّ هَذَا تَرْوِيجٌ، وَلَكِنَّ الْعَجَبَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَلَأِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ كِبَارُ الْمَمْلَكَةِ الْمُدَبِّرُونَ لِشُئُونِهَا، كَيْفَ لَعِبَ هَذَا الرَّجُلُ بِعُقُولِهِمْ، وَاسْتَخَفَّ أَحْلَامَهُمْ؟! وَهَذَا لِفِسْقِهِمُ الَّذِي صَارَ صِفَةً رَاسِخَةً فِيهِمْ؛ فَسَدَ دِينُهُمْ، ثُمَّ تَبِعَ ذَلِكَ فَسَادُ عُقُولِهِمْ، فَنَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ الثَّبَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَأَنْ لَا تُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَتَهَبَ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.
(39) قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=39وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ اسْتَكْبَرُوا عَلَى عِبَادِ اللَّهِ، وَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، وَاسْتَكْبَرُوا عَلَى رُسُلِ اللَّهِ، وَمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ، فَكَذَّبُوهَا، وَزَعَمُوا أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ أَعْلَى مِنْهَا وَأَفْضَلُ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=39وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ فَلِذَلِكَ تَجَرَّؤُوا، وَإِلَّا فَلَوْ عَلِمُوا، أَوْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى اللَّهِ، لَمَا كَانَ مِنْهُمْ مَا كَانَ.
(40)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=40فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ عِنْدَمَا اسْتَمَرَّ عِنَادُهُمْ وَبَغْيُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=40فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ كَانَتْ أَشَرَّ الْعَوَاقِبِ وَأَخْسَرَهَا عَاقِبَةً أَعْقَبَتْهَا الْعُقُوبَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ الْمُسْتَمِرَّةُ، الْمُتَّصِلَةُ بِالْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ.
(41)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ أَيْ: جَعَلْنَا
فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ وَيُمْشَى خَلْفَهُمْ إِلَى دَارِ الْخِزْيِ وَالشَّقَاءِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَهُمْ أَضْعَفُ شَيْءٍ، عَنْ دَفْعِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَنْ دُونِ اللَّهِ، مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ.
(42)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=42وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً أَيْ: وَأَتْبَعْنَاهُمْ زِيَادَةً فِي عُقُوبَتِهِمْ وَخِزْيِهِمْ فِي الدُّنْيَا لَعْنَةً يُلْعَنُونَ، وَلَهُمْ عِنْدَ الْخَلْقِ الثَّنَاءُ الْقَبِيحُ وَالْمَقْتُ وَالذَّمُّ، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ، فَهُمْ أَئِمَّةُ الْمَلْعُونِينَ فِي الدُّنْيَا وَمُقَدِّمَتُهُمْ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=42وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ الْمُبْعَدِينَ، الْمُسْتَقْذَرَةِ أَفْعَالُهُمُ. الَّذِينَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَقْتُ اللَّهِ، وَمَقْتُ خَلْقِهِ، وَمَقْتُ أَنْفُسِهِمْ.
[ ص: 1283 ] (43)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=43وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَهُوَ التَّوْرَاةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=43مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى الَّذِينَ كَانَ خَاتِمَتَهُمْ فِي الْإِهْلَاكِ الْعَامِّ،
فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=31912بَعْدَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ انْقَطَعَ الْهَلَاكُ الْعَامُّ، وَشُرِعَ جِهَادُ الْكَفَّارِ بِالسَّيْفِ، nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=43بَصَائِرَ لِلنَّاسِ أَيْ: كِتَابَ اللَّهِ، الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى
مُوسَى، فِيهِ بَصَائِرُ لِلنَّاسِ، أَيْ: أُمُورٌ يُبْصِرُونَ بِهَا مَا يَنْفَعُهُمْ، وَمَا يَضُرُّهُمْ، فَتَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَى الْعَاصِي، وَيَنْتَفِعُ بِهَا الْمُؤْمِنُ، فَتَكُونُ رَحْمَةً فِي حَقِّهِ، وَهِدَايَةً لَهُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَلِهَذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=43وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ .
(44) وَلَمَّا قَصَّ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا قَصَّ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْغَيْبِيَّةِ، نَبَّهَ الْعِبَادَ عَلَى أَنَّ هَذَا خَبَرٌ إِلَهِيٌّ مَحْضٌ، لَيْسَ لِلرَّسُولِ طَرِيقٌ إِلَى عِلْمِهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ، وَلِهَذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ أَيْ: بِجَانِبِ
الطَّوْرِ الْغَرْبِيِّ وَقْتَ قَضَائِنَا
لِمُوسَى الْأَمْرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهُ وَصَلَ إِلَيْكَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ.
(45)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=45وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ فَانْدَرَسَ الْعِلْمُ، وَنُسِيَتْ آيَاتُهُ، فَبَعَثْنَاكَ فِي وَقْتٍ اشْتَدَّتِ الْحَاجَةُ إِلَيْكَ وَإِلَى مَا عَلَّمْنَاكَ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْكَ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=45وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا أَيْ: مُقِيمًا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=45فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا أَيْ: تُعَلِّمُهُمْ وَتَتَعَلَّمُ مِنْهُمْ، حَتَّى أُخْبِرْتَ بِمَا أُخْبِرْتَ مِنْ شَأْنِ
مُوسَى فِي
مَدْيَنَ، nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=45وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ أَيْ: وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ عَنْ
مُوسَى، أَثَرٌ مِنْ آثَارِ إِرْسَالِنَا إِيَّاكَ، وَوَحْيٌ لَا بِسَبِيلٍ لَكَ إِلَى عِلْمِهِ، بِدُونِ إِرْسَالِنَا.
(46)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=46وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا مُوسَى، وَأَمَرْنَاهُ أَنْ يَأْتِيَ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، وَيُبَلِّغَهُمْ رِسَالَتَنَا وَيُرِيَهُمْ مِنْ آيَاتِنَا وَعَجَائِبِنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمَاجِرِيَّاتِ، الَّتِي جَرَتْ
لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ، فَقَصَصْتُهَا كَمَا هِيَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، لَا يَخْلُو مَنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ حَضَرْتَهَا وَشَاهَدْتَهَا، أَوْ ذَهَبْتَ إِلَى مَحَالِّهَا فَتَعَلَّمْتَهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَحِينَئِذٍ قَدْ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، إِذِ الْأُمُورُ الَّتِي يُخْبَرُ بِهَا عَنْ شَهَادَةٍ وَدِرَاسَةٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمُشْتَرِكَةِ غَيْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْأَنْبِيَاءِ، وَلَكِنَّ هَذَا قَدْ عُلِمَ وَتُيُقِّنَ أَنَّهُ مَا كَانَ وَمَا صَارَ، فَأَوْلِيَاؤُكَ وَأَعْدَاؤُكَ يَعْلَمُونَ عَدَمَ ذَلِكَ. فَتَعَيَّنَ الْأَمْرُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ هَذَا جَاءَكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ وَإِرْسَالِهِ، فَثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ، صِحَّةُ رِسَالَتِكَ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ بِكَ لِلْعِبَادِ، وَلِهَذَا قَالَ:
[ ص: 1284 ] nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=46وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ أَيِ:
الْعَرَبَ وَقُرَيْشًا، فَإِنَّ الرِّسَالَةَ عِنْدَهُمْ لَا تَعْرِفُ وَقْتَ إِرْسَالِ الرَّسُولِ وَقَبْلَهُ بِأَزْمَانٍ مُتَطَاوِلَةٍ،
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=46لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ تَفْصِيلُ الْخَيْرِ فَيَفْعَلُونَهُ، وَالشَّرِّ فَيَتْرُكُونَهُ، فَإِذَا كُنْتَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمُ الْمُبَادَرَةَ إِلَى الْإِيمَانِ بِكَ، وَشُكْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، الَّتِي لَا يُقَادَرُ قَدْرُهَا، وَلَا يُدْرَكُ شُكْرُهَا. وَإِنْذَارُهُ
لِلْعَرَبِ لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا لِغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ، وَالْقُرْآنُ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ عَرَبِيٌّ، وَأَوَّلُ مَنْ بَاشَرَ بِدَعْوَتِهِ
الْعَرَبُ، فَكَانَتْ رِسَالَتُهُ لَهُمْ أَصْلًا وَلِغَيْرِهِمْ تَبَعًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا .
(47)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=47وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، لَقَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=47رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ: فَأَرْسَلْنَاكَ يَا
مُحَمَّدُ، لِدَفْعِ حُجَّتِهِمْ، وَقَطْعِ مَقَالَتِهِمْ.
(48)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48مِنْ عِنْدِنَا وَهُوَ الْقُرْآنُ، الَّذِي أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48قَالُوا مُكَذِّبِينَ لَهُ، وَمُعْتَرِضِينَ بِمَا لَيْسَ يَعْتَرِضُ بِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَيْ: أُنْزِلَ عَلَيْهِ كِتَابٌ مِنَ السَّمَاءِ جُمْلَةً وَاحِدَةً. أَيْ: فَأَمَّا مَا دَامَ يَنْزِلُ مُتَفَرِّقًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَأَيُّ دَلِيلٍ فِي هَذَا؟! وَأَيُّ شُبْهَةٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، حِينَ نَزَلَ مُفَرَّقًا؟! بَلْ مِنْ كَمَالِ هَذَا الْقُرْآنِ، وَاعْتِنَاءِ اللَّهِ بِمَنْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ، أَنْ نَزَلَ مُتَفَرِّقًا، لِيُثَبِّتَ اللَّهُ بِهِ فُؤَادَ رَسُولِهِ، وَيَحْصُلَ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ لِلْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=33وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا وَأَيْضًا، فَإِنَّ قِيَاسَهُمْ عَلَى كِتَابِ
مُوسَى قِيَاسٌ قَدْ نَقَضُوهُ، فَكَيْفَ يَقِيسُونَهُ عَلَى كِتَابٍ كَفَرُوا بِهِ وَلَمْ يُؤْمِنُوا؟! وَلِهَذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا أَيِ: الْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ، تَعَاوَنَا فِي سِحْرِهِمَا، وَإِضْلَالِ النَّاسِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=48وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْقَوْمَ يُرِيدُونَ إِبْطَالَ الْحَقِّ بِمَا لَيْسَ بِبُرْهَانٍ، وَيَنْقُضُونَهُ بِمَا لَا يُنْقَضُ، وَيَقُولُونَ الْأَقْوَالَ الْمُتَنَاقِضَةَ الْمُخْتَلِفَةَ، وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ كَافِرٍ. وَلِهَذَا صَرَّحَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِالْكِتَابَيْنِ وَالرَّسُولَيْنِ.
(49) وَلَكِنْ هَلْ كُفْرُهُمْ بِهِمَا طَلَبًا لِلْحَقِّ، وَاتِّبَاعًا لِأَمْرٍ عِنْدِهِمْ خَيْرٌ مِنْهُمَا، أَمْ
[ ص: 1285 ] مُجَرَّدُ هَوًى؟! قَالَ تَعَالَى مُلْزِمًا لَهُمْ بِذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=49قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَيْ: مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=49أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ وَلَا لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِمَثَلِهِمَا، فَإِنَّهُ مَا طَرَقَ الْعَالَمَ مُنْذُ خَلَقَهُ اللَّهُ، مِثْلُ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ، عِلْمًا وَهُدًى، وَبَيَانًا، وَرَحْمَةً لِلْخَلْقِ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ الْإِنْصَافِ مِنَ الدَّاعِي أَنْ قَالَ: أَنَا مَقْصُودِي الْحَقُّ وَالْهُدَى وَالرُّشْدُ، وَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَذَا الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى ذَلِكَ، الْمُوَافِقِ لِكِتَابِ
مُوسَى، فَيَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعًا الْإِذْعَانُ لَهُمَا وَاتِّبَاعُهُمَا، مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمَا هُدًى وَحَقًّا، فَإِنْ جِئْتُمُونِي بِكُتَّابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا اتَّبَعْتُهُ، وَإِلَّا فَلَا أَتْرُكُ هُدًى وَحَقًّا قَدْ عَلِمْتُهُ لِغَيْرِ هُدًى وَحَقٍّ.
(50)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَلَمْ يَأْتُوا بِكِتَابٍ أَهْدَى مِنْهُمَا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ أَيْ: فَاعْلَمْ أَنَّ تَرْكَهُمُ اتِّبَاعَكَ، لَيْسُوا ذَاهِبِينَ إِلَى حَقٍّ يَعْرِفُونَهُ، وَلَا إِلَى هُدًى، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مُجَرَّدُ اتِّبَاعٍ لِأَهْوَائِهِمْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ فَهَذَا مِنْ أَضَلِّ النَّاسِ، حَيْثُ عُرِضَ عَلَيْهِ الْهُدَى، وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الْمُوَصِّلُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى دَارِ كَرَامَتِهِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَلَمْ يُقْبِلْ عَلَيْهِ، وَدَعَاهُ هَوَاهُ إِلَى سُلُوكِ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْهَلَاكِ وَالشَّقَاءِ فَاتَّبَعَهُ وَتَرَكَ الْهُدَى، فَهَلْ أَحَدٌ أَضَلُّ مِمَّنْ هَذَا وَصْفُهُ؟" وَلَكِنَّ ظُلْمَهُ وَعُدْوَانَهُ، وَعَدَمَ مَحَبَّتِهِ لِلْحَقِّ، هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ أَنْ يَبْقَى عَلَى ضَلَالِهِ وَلَا يَهْدِيَهُ اللَّهُ، فَلِهَذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أَيِ: الَّذِينَ صَارَ الظُّلْمُ لَهُمْ وَصْفًا وَالْعِنَادُ لَهُمْ نَعْتًا، جَاءَهُمُ الْهُدَى فَرَفَضُوهُ، وَعَرَضَ لَهُمُ الْهَوَى فَتَبِعُوهُ، سَدُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَبْوَابَ الْهِدَايَةِ وَطُرُقَهَا، وَفَتَحُوا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ الْغَوَايَةِ وَسُبُلَهَا، فَهُمْ فِي غَيِّهِمْ وَظُلْمِهِمْ يَعْمَهُونَ، وَفِي شَقَائِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ، وَفِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=50فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32511كُلَّ مَنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لِلرَّسُولِ، وَذَهَبَ إِلَى قَوْلٍ مُخَالِفٍ لِقَوْلِ الرَّسُولِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى هُدًى، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى هَوًى.
(51)
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=51وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ أَيْ: تَابَعْنَاهُ وَوَاصَلْنَاهُ، وَأَنْزَلْنَاهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، رَحْمَةً بِهِمْ وَلُطْفًا
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=51لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ حِينَ تَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِمْ بَيِّنَاتُهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا. فَصَارَ نُزُولُهُ مُتَفَرِّقًا رَحْمَةً بِهِمْ، فَلِمَ اعْتَرَضُوا بِمَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ؟!
[ ص: 1286 ] فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ الْفَوَائِدِ وَالْعِبَرِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَجِيبَةِ
فَمِنْهَا: أَنَّ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَرَهُ، وَأَيَّامَهُ فِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، إِنَّمَا يَسْتَفِيدُ بِهَا وَيَسْتَنِيرُ الْمُؤْمِنُونَ، فَعَلَى حَسَبِ إِيمَانِ الْعَبْدِ تَكُونُ عِبْرَتُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يَسُوقُ الْقِصَصَ لِأَجْلِهِمْ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ، فَلَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْهَا نُورٌ وَهُدًى.
وَمِنْهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29723اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ أَمْرًا هَيَّأَ أَسْبَابَهُ، وَأَتَى بِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِالتَّدْرِيجِ، لَا دُفْعَةً وَاحِدَةً.
وَمِنْهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20003الْأُمَّةَ الْمُسْتَضْعَفَةَ، وَلَوْ بَلَغَتْ فِي الضَّعْفِ مَا بَلَغَتْ، لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا الْكَسَلُ عَنْ طَلَبِ حَقِّهَا، وَلَا الْإِيَاسُ مِنِ ارْتِقَائِهَا إِلَى أَعْلَى الْأُمُورِ، خُصُوصًا إِذَا كَانُوا مَظْلُومِينَ، كَمَا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ أُمَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْأُمَّةَ الضَّعِيفَةَ، مِنْ أَسْرِ
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، وَمَكَّنَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَمَلَّكَهُمْ بِلَادَهُمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29689الْأُمَّةَ مَا دَامَتْ ذَلِيلَةً مَقْهُورَةً لَا تَأْخُذُ حَقَّهَا وَلَا تَتَكَلَّمُ بِهِ، لَا يَقُومُ لَهَا أَمْرُ دِينِهَا وَلَا دُنْيَاهَا وَلَا يَكُونُ لَهَا إِمَامَةٌ فِيهِ.
وَمِنْهَا: لُطْفُ اللَّهِ
بِأُمِّ مُوسَى، وَتَهْوِينُهُ عَلَيْهَا الْمُصِيبَةَ بِالْبِشَارَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَرُدُّ إِلَيْهَا ابْنَهَا، وَيَجْعَلُهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ يُقَدِّرُ عَلَى عَبْدِهِ بَعْضَ الْمَشَاقِّ لِيُنِيلَهُ سُرُورًا أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُ، كَمَا قَدَّرَ عَلَى
أُمِّ مُوسَى ذَلِكَ الْحُزْنَ الشَّدِيدَ، وَالْهَمَّ الْبَلِيغَ، الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا ابْنُهَا عَلَى وَجْهٍ تَطْمَئِنُّ بِهِ نَفْسُهَا، وَتَقَرُّ بِهِ عَيْنُهَا، وَتَزْدَادُ بِهِ غِبْطَةً وَسُرُورًا.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْخَوْفَ الطَّبِيعِيَّ مِنَ الْخَلْقِ، لَا يُنَافِي الْإِيمَانَ وَلَا يُزِيلُهُ، كَمَا جَرَى
لِأُمِّ مُوسَى وَلِمُوسَى مِنْ تِلْكَ الْمَخَاوِفِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28650_19577الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. وَأَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَزِيدُ بِهِ الْإِيمَانُ، وَيَتِمُّ بِهِ الْيَقِينُ، الصَّبْرَ عِنْدَ الْمُزْعِجَاتِ، وَالتَّثْبِيتَ مِنَ اللَّهِ، عِنْدَ الْمُقْلِقَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=10لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ: لِيَزْدَادَ إِيمَانُهَا بِذَلِكَ وَيَطْمَئِنَّ قَلْبُهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ، وَأَعْظَمِ مَعُونَةٍ لِلْعَبْدِ عَلَى أُمُورِهِ، تَثْبِيتَ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَرَبْطَ جَأْشِهِ وَقَلْبِهِ عِنْدَ الْمَخَاوِفِ، وَعِنْدَ الْأُمُورِ الْمُذْهِلَةِ، فَإِنَّهُ بِذَلِكَ
[ ص: 1287 ] يَتَمَكَّنُ مِنَ الْقَوْلِ الصَّوَابِ، وَالْفِعْلِ الصَّوَابِ، بِخِلَافِ مَنِ اسْتَمَرَّ قَلَقُهُ وَرَوْعُهُ، وَانْزِعَاجُهُ، فَإِنَّهُ يُضَيِّعُ فِكْرَهُ، وَيُذْهِلُ عَقْلَهُ، فَلَا يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْعَبْدَ -وَلَوْ عَرَفَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28777_28790الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ وَوَعْدَ اللَّهِ نَافِذٌ لَا بُدَّ مِنْهُ- فَإِنَّهُ لَا يُهْمِلُ فِعْلَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِإِيمَانِهِ بِخَبَرِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَ
أُمَّ مُوسَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهَا، وَمَعَ ذَلِكَ اجْتَهَدَتْ فِي رَدِّهِ، وَأَرْسَلَتْ أُخْتَهُ لِتَقُصَّهُ وَتَطْلُبَهُ.
وَمِنْهَا: جَوَازُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ فِي حَوَائِجِهَا، وَتَكْلِيمِهَا لِلرِّجَالِ، مِنْ غَيْرِ مَحْذُورٍ، كَمَا جَرَى لِأُخْتِ
مُوسَى وَابْنَتَيْ صَاحِبِ
مَدْيَنَ.
وَمِنْهَا: جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=12868أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْكَفَالَةِ وَالرَّضَاعِ، وَالدَّلَالَةِ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ مِنْ رَحْمَتِهِ بِعَبْدِهِ الضَّعِيفِ الَّذِي يُرِيدُ إِكْرَامَهُ أَنْ يُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ، وَيُشْهِدَهُ مِنْ بَيِّنَاتِهِ، مَا يَزِيدُ بِهِ إِيمَانُهُ، كَمَا رَدَّ اللَّهُ
مُوسَى عَلَى أُمِّهِ، لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ.
وَمِنْهَا: أَنَّ قَتْلَ الْكَافِرِ الَّذِي لَهُ عَهْدٌ بِعَقْدٍ أَوْ عُرْفٍ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَدَّ قَتْلَهُ الْقِبْطِيَّ الْكَافِرَ ذَنْبًا، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25124الَّذِي يَقْتُلُ النُّفُوسَ بِغَيْرِ حَقٍّ يُعَدُّ مِنَ الْجَبَّارِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ قَتَلَ النُّفُوسَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَزَعَمَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِصْلَاحَ فِي الْأَرْضِ، وَتَهْيِيبَ أَهْلِ الْمَعَاصِي، فَإِنَّهُ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا حَكَى اللَّهُ قَوْلَ الْقِبْطِيِّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيرِ لَهُ، لَا الْإِنْكَارِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19019إِخْبَارَ الرَّجُلِ غَيْرَهُ بِمَا قِيلَ فِيهِ، عَلَى وَجْهِ التَّحْذِيرِ لَهُ مِنْ شَرٍّ يَقَعُ فِيهِ، لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَمِيمَةً -بَلْ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا- كَمَا أَخْبَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ
لِمُوسَى، نَاصِحًا لَهُ وَمُحَذِّرًا.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا خَافَ الْقَتْلَ وَالتَّلَفَ فِي الْإِقَامَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَلَا يَسْتَسْلِمُ لِذَلِكَ، بَلْ يَذْهَبُ عَنْهُ، كَمَا فَعَلَ
مُوسَى.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29450عِنْدَ تَزَاحُمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ، إِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنِ ارْتِكَابِ إِحْدَاهُمَا فَإِنَّهُ يَرْتَكِبُ الْأَخَفَّ مِنْهُمَا الْأَسْلَمَ، كَمَا أَنَّ
مُوسَى لَمَّا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ بَقَائِهِ فِي
مِصْرَ وَلَكِنَّهُ
[ ص: 1288 ] يَقْتُلُ، أَوْ يَذْهَبُ إِلَى بَعْضِ الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ، الَّتِي لَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ إِلَيْهَا، وَلَيْسَ مَعَهُ دَلِيلٌ يَدُلُّهُ غَيْرَ رَبِّهِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ أَرْجَى لِلسَّلَامَةِ مِنَ الْأُولَى، فَتَبِعَهَا
مُوسَى.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّاظِرَ فِي الْعِلْمِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ فِيهِ، إِذَا لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنَّهُ يَسْتَهْدِي رَبَّهُ، وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَهْدِيَهُ الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلَيْنِ، بَعْدَ أَنْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ الْحَقَّ وَيَبْحَثَ عَنْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ. كَمَا خَرَجَ
مُوسَى تِلْقَاءَ
مَدْيَنَ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ .
وَمِنْهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19959الرَّحْمَةَ بِالْخَلْقِ، وَالْإِحْسَانَ عَلَى مَنْ يَعْرِفُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُ، مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّ مِنَ الْإِحْسَانِ سَقْيَ الْمَاشِيَةِ الْمَاءَ، وَإِعَانَةَ الْعَاجِزِ.
وَمِنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=19734اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ بِتَبْيِينِ الْحَالِ وَشَرْحِهَا، وَلَوْ كَانَ اللَّهُ عَالِمًا لَهَا، لِأَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ تَضَرُّعَ عَبْدِهِ وَإِظْهَارَ ذُلِّهِ وَمَسْكَنَتِهِ، كَمَا قَالَ
مُوسَى: nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ .
وَمِنْهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19527الْحَيَاءَ -خُصُوصًا مِنَ الْكِرَامِ- مِنَ الْأَخْلَاقِ الْمَمْدُوحَةِ.
وَمِنْهَا: الْمُكَافَأَةُ عَلَى الْإِحْسَانِ لَمْ يَزَلْ دَأْبُ الْأُمَمِ السَّابِقِينَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19694الْعَبْدَ إِذَا فَعَلَ الْعَمَلَ لِلَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ حَصَلَ لَهُ مُكَافَأَةٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ لَا يُلَامُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَبِلَ
مُوسَى مُجَازَاةَ صَاحِبِ
مَدْيَنَ عَنْ مَعْرُوفِهِ الَّذِي لَمْ يَبْتَغِ لَهُ، وَلَمْ يَسْتَشْرِفْ بِقَلْبِهِ عَلَى عِوَضٍ.
وَمِنْهَا:
nindex.php?page=treesubj&link=6041مَشْرُوعِيَّةُ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهَا تَجُوزُ عَلَى رِعَايَةِ الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا، مِمَّا لَا يَقْدِرُ الْعَمَلَ، وَإِنَّمَا مَرَدُّهُ الْعُرْفُ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِالْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ بِضْعًا.
وَمِنْهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25319خِطْبَةَ الرَّجُلِ لِابْنَتِهِ الرَّجُلَ الَّذِي يَتَخَيَّرُهُ، لَا يُلَامُ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ خَيْرَ أَجِيرٍ وَعَامِلٍ يَعْمَلُ لِلْإِنْسَانِ، أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا أَمِينًا.
وَمِنْهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18190_24554مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، أَنْ يُحَسِّنَ خُلُقَهُ لِأَجِيرِهِ وَخَادِمِهِ، وَلَا يَشُقَّ عَلَيْهِ بِالْعَمَلِ، لِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ .
[ ص: 1289 ] وَمِنْهَا:
nindex.php?page=treesubj&link=6104جَوَازُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعُقُودِ مِنْ دُونِ إِشْهَادٍ لِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ .
وَمِنْهَا: مَا أَجْرَى اللَّهُ عَلَى يَدِ
مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ مِنَ الْحَيَّةِ، وَانْقِلَابِ يَدِهِ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، وَمِنْ عِصْمَةِ اللَّهِ
لِمُوسَى وَهَارُونَ مِنْ
فِرْعَوْنَ، وَمِنَ الْغَرَقِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18067مِنْ أَعْظَمِ الْعُقُوبَاتِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ إِمَامًا فِي الشَّرِّ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مُعَارَضَتِهِ لِآيَاتِ اللَّهِ وَبَيِّنَاتِهِ، كَمَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32023مِنْ أَعْظَمِ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى عَبْدِهِ، أَنْ يَجْعَلَهُ إِمَامًا فِي الْخَيْرِ هَادِيًا مَهْدِيًّا.
وَمِنْهَا: مَا فِيهَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى رِسَالَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ تَفْصِيلًا مُطَابِقًا، وَتَأْصِيلًا مُوَافِقًا قَصَّهُ قَصًّا، صَدَّقَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَيَّدَ بِهِ الْحَقَّ الْمُبِينَ، مِنْ غَيْرِ حُضُورِ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْوَقَائِعِ، وَلَا مُشَاهَدَةٍ لِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ، وَلَا تِلَاوَةٍ دَرَسَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَلَا مُجَالَسَةِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِنْ هُوَ إِلَّا رِسَالَةُ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، وَوَحْيٌ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ الْكَرِيمُ الْمَنَّانُ، لِيُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا جَاهِلِينَ، وَعَنِ النُّذُرِ وَالرُّسُلِ غَافِلِينَ؛ فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى مَنْ مُجَرَّدُ خَبَرِهِ يُنْبِئُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَمُجَرَّدُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ يُنَبِّهُ الْعُقُولَ النَّيِّرَةَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَيْفَ وَقَدْ تَطَابَقَ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ وَصَدَّقَهُ، خَبَرُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، وَالشَّرْعُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، الَّتِي لَا تُنَاسِبُ، وَلَا تَصْلُحُ إِلَّا لِأَعْلَى الْخَلْقِ دَرَجَةً، وَالنَّصْرُ الْمُبِينُ لِدِينِهِ وَأُمَّتِهِ، حَتَّى بَلَغَ دِينُهُ مَبْلَغَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَفَتَحَتْ أُمَّتُهُ مُعْظَمَ بُلْدَانِ الْأَمْصَارِ، بِالسَّيْفِ وَالسِّنَّانِ، وَقُلُوبَهَمْ بِالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَلَمْ تَزَلِ الْأُمَمُ الْمُعَانِدَةُ، وَالْمُلُوكُ الْكَفَرَةُ الْمُتَعَاضِدَةُ تَرْمِيهِ بِقَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَتَكِيدُ لَهُ الْمَكَايِدَ، وَتَمْكُرُ لِإِطْفَائِهِ وَإِخْفَائِهِ، وَإِخْمَادِهِ مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ قَدْ بَهَرَهَا وَعَلَاهَا، لَا يَزْدَادُ إِلَّا نُمُوًّا، وَلَا آيَاتُهُ وَبَرَاهِينُهُ إِلَّا ظُهُورًا، وَكُلَّ وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، يَظْهَرُ مِنْ آيَاتِهِ مَا هُوَ عِبْرَةٌ لِلْعَالَمِينَ، وَهِدَايَةٌ لِلْعَالَمِينَ، وَنُورٌ وَبَصِيرَةٌ لِلْمُتَوَسِّ