الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت بوساوس بعد استعانة أمي بساحر لعلاجي، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم

والدتي امرأة كبيرة، وغير متعلمة، و-للأسف- كنت متعباً في فترة ما، فدلها شخص على شيخ على أساس أنه يرقي بالقرآن، فسألها عن اسمي واسمها.

أنا حالياً متعب، وأعاني جداً، فما الحل؟ الكلام هذا منذ أكثر من سنة، وسمعت أن الذي يسأل عن اسم الأم يكون دجالاً.

ذهبت لدكتور نفسي، وشخصني باضطراب قلق واكتئاب، وقام بكتابة دواء raibyax، علماً بأني في أوقات تأتيني أفكار وسواسية عن الدين، مع عدم التوفيق في المذاكرة والجامعة، والعلاقات العامة، ولا أستطيع التحدث مع الناس.

أفيدوني، جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب، وأسأل الله تعالى لك العافية والتوفيق والسداد.

أيها الفاضل: أنت لست مريضًا نفسيًا، وليس لديك مرض عضوي، الذي حدث لك هو ما نسميه (التأثير الإيحائي)، كما تعرف طبعًا قضية الشعوذة والدجل، وما يُقال عن العين والسحر والمس وغيره فيه الكثير من اللغط، وفيه الكثير من الشبهات، وفيه الكثير ممَّا هو غير شرعي، والأمور حين تتعلّق بالغيبيات بعض الناس حقيقةً لديهم إشكالية كبيرة جدًّا في معرفة ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي، وكثيرًا ما يقعون تحت هذا التأثير الإيحائي؛ لأن الإنسان بطبيعته يميل للفضول في معرفة الأشياء.

أخي الكريم: كما ذكرتُ لك أنك فقط محتاج أن تُصحح مفاهيمك، نحن طبعًا كمسلمين نؤمن تمامًا بوجود العين والسحر والمس، وكل هذه الغيبيات، نؤمن بها إيمانًا قاطعًا، لكن يجب أن يكون هذا الإيمان قائمًا على الأسس الشرعية.

أولًا -أخي الكريم-: لن يُصيبك إلَّا ما كتب الله لك، وأن ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وما أخطئك لم ولن يُصيبك، ولو اجتمع الإنس والجنِّ على أن ينفعوك بشيءٍ لم يكتبه لك الله فلن يكون لك، ولو اجتمعوا ليضرّوك بشيءٍ فلن يستطيعوا، رفع القلم وجفت الصحف.

هذه مبادئ قاطعة، ويسقط تحتها كل دجال ومحتال وكذّاب وشرّير، فيجب أن تُحرر نفسك بصورة قاطعة تمامًا عن هذه المفاهيم الإيحائية الخاطئة، وربما يكون لديك شيءٍ من القابلية والاستعداد أصلًا للقلق وللتوترات، وبعد ذلك أتى التأثير الإيحائي؛ أي ما سمعته عن هذا الدجال وخلافه، فحقيقةً علاجك هو أن تبني قناعات شرعية صحيحة.

أنت ذكرت أيضًا عرضاً مهماً، أنه تأتيك أفكار عن الدين، هذه الأفكار وسواسية، يجب أن تُحقّرها، ويجب ألَّا تُناقشها، ويجب ألَّا تُحللها، وأن تصرف تمامًا انتباهك عنها.

أعتقد أن تناول الدواء الذي وصفه لك الطبيب سيكون مفيدًا لك، وإن لم يُفدك تنتقل لدواء آخر يُسمَّى (فافرين) هذا هو اسمه التجاري، ويُسمّى علميًا (فلوفوكسامين)، دواء رائع جدًّا لعلاج الوسوسة والقلق والاضطرابات المشابهة، لكن طبعًا أي تغيير في الدواء يجب أن يكون من خلال الطبيب، وتُوجد أدوية أخرى فاعلة جدًّا.

لكن المهم هو أن تُغيّر مفاهيمك، أن تُغيّر أفكارك، وأن تتوكل على الله تعالى، وأن تجعل عقيدتك عقيدة قويّة وسليمة، وهذا طبعًا يتم تدعيمه من خلال أن يلتزم الإنسان بالعبادات، والصلاة، ونقصد بالصلاة: الصلاة الخاشعة الصحيحة، الرسول -صلى الله عليه وسلم- أوصانا بأن نصلي كما كان يُصلي، وأن يكون لك ورد قرآني يومي، حتى ولو صفحة واحدة، وأن تتعلّم أن تقرأ القرآن بتجويد وعلى أسس سليمة، أن تحرص على الأذكار، خاصة أذكار الصباح والمساء.

عليك أن تستمتع بالحياة، بأن تأخذ نصيبًا من كل ما هو جميل وحلال فيها، وأن تُطوّر نفسك من حيث المهارات الاجتماعية، وموضوع المذاكرة -إن شاء الله تعالى- بشيءٍ من تنظيم الوقت، مثلًا إذا نمت ليلًا مبكِّرًا، وتجنبت السهر؛ هذا سيكون فيه فائدة عظيمة لك، وبعد ذلك ستستيقظ وأنت نشط، وتؤدي صلاة الفجر، ويمكنك أن تدرس لساعة واحدة في الصباح؛ لأن هذا وقت التركيز، ودراسة ساعة واحدة في ذلك الوقت تُعادل ساعتين أو ثلاثاً في بقية اليوم.

هذا هو الذي أودُّ أنصحك به، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.
___________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم...استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة د. أحمد الفرجابي...مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
____________

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، وشكرًا لك على التواصل، وبارك الله في الوالدة، وأبعدها وأبعدكم عن الدجَّالين والمشعوذين، وهدانا إلى ما فيه الصواب والخير، وكلُّ ذلك في شريعة رب العالمين، وفي هدي رسولنا الأمين، عليه صلاةُ الله وسلامه.

أرجو أن تعلم أن الرقية دعاء، وأن الإنسان يستطيع أن يقرأ على نفسه، وأحسن الرقية ما تكون من والد أو من والدة، لأنهم يحبون الأبناء والبنات، ويشفقون عليهم، ويُخلصون في إرادة الخير لهم، ومحافظة الإنسان على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم وأذكار الأحوال؛ فيها الحماية والحفظ، بل كما ذكر الخطيب البغدادي: إذا حافظ الإنسان على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم وأذكار الأحوال (الدخول والخروج) وغيرها؛ كُتب من الذَّاكرين الله كثيرًا والذَّاكرات، فنسأل الله أن يجعلنا ذكَّارين، شكَّارين، مطواعين.

إذا احتاج الإنسان للرقية الشرعية فعليه أن يذهب إلى راقٍ شرعي، يُقيم الرقية الشرعية وفق قواعدها وضوابطها المرعية، والفرقُ كبيرٌ بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وحرص الراقي على التقيُّد بأحكام الشرع، والمحافظة على الأذكار والأدعية الصحيحة الواضحة، المعروفة المعاني، وأن يُؤدّي هذه الرقية دون مراسيم، دون سؤال عن الأُمِّ، دون المطالبة بألوان معينة، أو الجلوس في مكانٍ مظلمٍ، أو غير ذلك ممَّا يُعرف به أهل الدَّجل والشعوذة.

لذلك -كما أشار الدكتور- أنت على خير وفي خير، فصحّح ما عندك من المفاهيم، وإذا جاءك الشيطان بأفكارٍ سيئةٍ عن ربِّ العالمين -وأنت ولله الحمد ترفضها وتنزعج منها- فنبشّرُك بما بشّر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مَن جاءه يشتكي له ما يجده في نفسه، فقد جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ - لقبحه ولدخوله في الذات الإلهية العظيمة - فقَالَ: (وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ‌(ذَاكَ ‌صَرِيحُ ‌الْإِيمَانِ)، وفي رواية: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَمَّا يُحَدِّثُ الرَّجُلُ بِهِ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ‌(ذَاكَ ‌مَحْضُ ‌الْإِيمَانِ)، وفي رواية: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ يُعَرِّضُ بِالشَّيْءِ، لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. فَقَالَ: (اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، ‌الْحَمْدُ ‌لِلهِ ‌الَّذِي ‌رَدَّ ‌كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ).

ثم وجهنا صلى الله عليه وسلم فقال: (فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، ‌فَلْيَقُلْ: ‌آمَنْتُ ‌بِاللهِ)، وقال: (فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ ‌وَلْيَنْتَهِ)، وهذا ما أشار إليه الدكتور أن تنصرف، تصرف همّك إلى أمور أخرى، والذي يشغل نفسه بالخير لن يجد الشيطان سبيلاً إلى أن يشغله بغيره، فاحرص على أن تكون ذاكرًا لله، حريصًا على كل أمرٍ يُرضيه، وابحث عن رفقة صالحة تُذكّرُك بالله إذا نسيت، وتُعينك على طاعة الله إن ذكرت، وقابل وساوس الشيطان بالإهمال وبالتجاهل وبالتغافل، وبالانتقال عنها وعدم الوقوف عندها طويلًا.

نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولك التوفيق والعافية والشفاء، ونكرر نُصحنا لك بالاستفادة من توجيهات الدكتور/ عبد العليم، ونسأل الله لنا ولك وله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً