الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العادة تسيطر على تفكيري، هل يمكن تغيير هذه الأفكار؟

السؤال

السلام عليكم

أنا في الثامنة عشرة من عمري، وأعاني من العادة السرية بطريقة بشعة، فلا يمر يوم إلا وأمارسها، أبحث دائمًا عن الحب، ومنذ ست سنوات وأنا على هذه الحال، إذا توقفت لا أستمر أكثر من أسبوع أو أسبوعين، كنت أشاهد الأفلام وتوقفت عنها لمدة سنة، ثم عدت، أشعر بالفشل في كل شيء، أشعر وكأنني حيوان يتبع شهواته، ليس لدي أي شغف في الحياة، وأنام هروبًا من كل شيء.

أحاول أن أصلي كثيرًا، لكن كيف ذلك وأنا في كل صلاة أشعر أنني بحاجة إلى الاغتسال، وليس مجرد الوضوء؛ لأنني حتى إن لم أمارس العادة، لدي تخيلات دائمة لا أستطيع إيقافها، تخيلات في كل الأوقات: أثناء الصلاة، والدراسة والمحاضرات، والمشي، وفي كل لحظة.

لا أدري كيف أبدأ، فأنا كل يوم أنوي أن أرجع إلى الله، لكنني أقع في العادة مرة أخرى، أشعر أنني لست إنسانة، ولا أستحق أي شيء، نفسيتي تحت الصفر، بل محطمة للغاية ومكتئبة، فإن لم أمارس العادة، فالتخيلات تظل في بالي، ولا أفكر في شيء سواها، ولا أشعر بشيء غيرها.

لا أستطيع التغلب على نفسي وشهواتي، وكل هذا يؤثر على مستقبلي وتركيزي، أصبحت فاشلة للغاية، ولا أستطيع التركيز على شيء، أو فعل أي شيء، وهذا أثر عليّ في الثانوية، فحصلت على درجات متدنية جدًا، لا أحد أعيش لأجله، ولا أستطيع استرجاع شغفي، ولا العودة إلى الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تائبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله أن يفرّج همّك، ويهدي قلبك، ويعينك على تجاوز هذه المحنة، وأقدّر شجاعتك في التعبير عن مشاعرك، ومشاركتك لهذه المشكلة، وهذه أول خطوة نحو التغيير.

ما تمرّين به ليس نهاية الطريق، بل هو اختبار من الله سبحانه وتعالى، وهو القائل: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة: 286) فالله سبحانه وتعالى رحيم بعباده، وهو يحب التوابين، قال النبي ﷺ: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" (رواه الترمذي)، فمهما كانت ذنوبك، فإن الله يغفرها إذا أقبلتِ عليه بصدق، فلا تيأسي من رحمة الله، فهو القائل: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ" (الزمر: 53).

إليك بعض الخطوات:

• الصلاة هي صلتك بالله، فلا تتركيها مهما شعرتِ بالذنب، إذا شعرتِ بالضعف، استغفري الله واغتسلي وابدئي من جديد.

• الدعاء هو سلاح المؤمن، فادعي الله أن يعينك على نفسك وشهواتك.

• عليك بالصبر والمجاهدة، قال الله تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" (العنكبوت:69) مجاهدة النفس ليست سهلة، لكنها طريقك إلى رضا الله، وعليك بالصبر، فالصبر مفتاح الفرج، كما أن الصبر على الشهوات والابتلاءات، هو طريقك للفرج والراحة النفسية.

• أشغلي وقتك بما ينفعك، سواء في العبادة، أو التعلم، أو العمل، قال الحسن البصري: "إن هذه النفس إن لم تُشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية".

• اجعلي التوبة عادة يومية، حتى لو وقعتِ في الخطأ مرة أخرى، لا تيأسي من رحمة الله.

• ابتعدي عن أي شيء يثير الشهوة، سواء كان صورًا، أو أفلامًا، أو حتى أفكارًا.

• إذا شعرتِ ببدء التخيلات، استعيذي بالله فورًا وغيّري وضعك (قومي من مكانك، أشغلي نفسك بشيء آخر).

• اجعلي لكِ وردًا يوميًا من القرآن، ولو صفحة واحدة.

• مارسي الرياضة، أو أي هواية تحبينها، لتفريغ الطاقة.

• ابحثي عن صديقات صالحات؛ يعنّك على الطاعة.

• شاركي في أنشطة دينية، أو اجتماعية، لتشعري بالانتماء.

• لا تضغطي على نفسك لتغيير كل شيء دفعة واحدة، ابدئي بخطوات صغيرة، مثل: تقليل عدد مرات العادة تدريجيًا، ثم التخلص منها تمامًا.

• إذا شعرتِ أن الأمر يخرج عن سيطرتك، فلا تترددي في طلب المساعدة من مستشارة نفسية متخصصة، ويفضل أن يكون لديها مرجعية إسلامية.

• ما تمرّين به هو نتيجة تراكمات نفسية وسلوكية، وليس دليلًا على ضعفك كإنسانة.

• العادة السرية قد تكون وسيلة للهروب من مشاعر الوحدة أو القلق، لذا من المهم معالجة الأسباب الجذرية.

• التخيلات المستمرة، قد تكون نتيجة فراغ عاطفي أو فكري، لذا أشغلي نفسك بأهداف واضحة.

أختي العزيزة: هذه الخطوات قد تكون صعبة في البداية، وستجدين مشقة حينها، لكنها الطريق الوحيد للخروج من مشكلتك، وعند التحرر من هذه الأفكار، ستجدين أن هذه النتيجة تستحق هذا التعب وهذا العناء، لا توجد نتيجة بدون تعب، وأنتِ لستِ وحدك في هذا الطريق، الله معك، وهو أرحم بك من نفسك، لا تيأسي، فكل يوم هو فرصة جديدة للتغيير.

أسأل الله أن يطهّر قلبك، ويقوي عزيمتك، ويعينك على نفسك وشهواتك، اللهم اجعل القرآن ربيع قلبها، ونور صدرها، وجلاء حزنها، وذهاب همها، اللهم ارزقها التوبة النصوح، واملأ قلبها بحبك وحب طاعتك، وتذكري دائمًا: "إن مع العسر يسرًا" (الشرح: 6).

وفقك الله وسدد خطاكِ.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً