فصل العطش
ثم يقوى هذا القلق ويتزايد حتى يورث القلب حالة شبيهة بشدة ظمإ الصادي الحران إلى الماء ، وهذه الحالة هي التي يسميها صاحب المنازل
nindex.php?page=treesubj&link=29411العطش ، واستشهد عليه بقوله تعالى عن الخليل
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي كأنه أخذ من إشارة الآية : أنه لشدة عطشه إلى لقاء محبوبه - لما رأى الكوكب - قال : هذا ربي . فإن العطشان إذا رأى السراب ذكر به الماء . فاشتد عطشه إليه .
وهذا ليس معنى الآية قطعا . وإنما القوم مولعون بالإشارات . وإلا فالآية قد قيل : إنها على تقدير الاستفهام . أي أهذا ربي ؟ ، وليس بشيء .
[ ص: 63 ] وقيل : إنها على وجه إقامة الحجة على قومه . فتصور بصورة الموافق ، ليكون أدعى إلى القبول . ثم توسل بصورة الموافقة إلى إعلامهم بأنه لا يجوز أن يكون المعبود ناقصا آفلا . فإن المعبود الحق : لا يجوز أن يغيب عن عابديه وخلقه ويأفل عنهم . فإن ذلك مناف لربوبيته لهم . أو أنه انتقل من مراتب الاستدلال على المعبود حتى أوصله الدليل إلى الذي فطر السماوات والأرض . فوجه إليه وجهه حنيفا موحدا ، مقبلا عليه ، معرضا عما سواه . والله سبحانه أعلم .
فَصْلٌ الْعَطَشُ
ثُمَّ يَقْوَى هَذَا الْقَلَقُ وَيَتَزَايَدُ حَتَّى يُورِثَ الْقَلْبَ حَالَةً شَبِيهَةً بِشِدَّةِ ظَمَإِ الصَّادِي الْحَرَّانِ إِلَى الْمَاءِ ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ هِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا صَاحِبُ الْمَنَازِلِ
nindex.php?page=treesubj&link=29411الْعَطَشَ ، وَاسْتُشْهِدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ الْخَلِيلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي كَأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ إِشَارَةِ الْآيَةِ : أَنَّهُ لِشِدَّةِ عَطَشِهِ إِلَى لِقَاءِ مَحْبُوبِهِ - لَمَّا رَأَى الْكَوْكَبَ - قَالَ : هَذَا رَبِّي . فَإِنَّ الْعَطْشَانَ إِذَا رَأَى السَّرَابَ ذَكَرَ بِهِ الْمَاءَ . فَاشْتَدَّ عَطَشُهُ إِلَيْهِ .
وَهَذَا لَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ قَطْعًا . وَإِنَّمَا الْقَوْمُ مُولَعُونَ بِالْإِشَارَاتِ . وَإِلَّا فَالْآيَةُ قَدْ قِيلَ : إِنَّهَا عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ . أَيْ أَهَذَا رَبِّي ؟ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ .
[ ص: 63 ] وَقِيلَ : إِنَّهَا عَلَى وَجْهِ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى قَوْمِهِ . فَتَصَوَّرَ بِصُورَةِ الْمُوَافِقِ ، لِيَكُونَ أَدْعَى إِلَى الْقَبُولِ . ثُمَّ تَوَسَّلَ بِصُورَةِ الْمُوَافَقَةِ إِلَى إِعْلَامِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْبُودُ نَاقِصًا آفِلًا . فَإِنَّ الْمَعْبُودَ الْحَقَّ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَغِيبَ عَنْ عَابِدِيهِ وَخَلْقِهِ وَيَأْفُلُ عَنْهُمْ . فَإِنَّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِرُبُوبِيَّتِهِ لَهُمْ . أَوْ أَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ مَرَاتِبِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَعْبُودِ حَتَّى أَوْصَلَهُ الدَّلِيلُ إِلَى الَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ . فَوَجَّهَ إِلَيْهِ وَجْهَهُ حَنِيفًا مُوَحِّدًا ، مُقْبِلًا عَلَيْهِ ، مُعْرِضًا عَمَّا سِوَاهُ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .